هذا الكتاب عنوانه بالانجليزية (حرب النهر) وقد ترجمه السوداني عز الدين محمود وصدرت ترجمته عن دار الشروق بالقاهرة بعنوان (تاريخ الثورة المهدية والاحتلال البريطاني للسودان). وهو أول عمل تاريخى للسير «ونستون تشرشل» رئيس وزراء بريطانيا المشهور، كتبه عام 1899 عندما كان فى الجيش البريطانى، ويحتوى على شهادات عيان لثورة المهدى ومعارك السودان، والكتاب زاخر باثار "عنصرية" تجاه السودان الذي وصف أهله بأنهم "أعداء الله"، وصرح فيه أن المهدي كان السبب المباشر لحرب بريطانيا على السودان، وكأنه يؤكد أن الحرب عليه كانت حربا صليبية. ويحكى الكتاب واحدة من أهم أحداث تاريخ الإمبراطورية البريطانية: ظهور المهدى وإمبراطوريته، واغتيال الجنرال جوردون فى الخرطوم، ومعركة أم درمان، وحادثة الفاشودة، وإعادة احتلال السودان تحت قيادة الجنرال كتشنر واتفاقية الحكم الثنائى للسودان. ويتناول تشرشل خلفية الأحداث والمعارك والشخصيات وتاريخ السودان، وذلك بأسلوب شائق جذاب جعله يفوز بجائزة نوبل فى الأدب عام 1953 «لبراعته فى التصوير التاريخى». والكتاب على هذا النحو يقدم رؤية سياسى محنك لتلك الفترة المهمة من حياة وادى النيل، وهى رؤية مطلوبة لفهم سياسة بريطانيا تجاه المنطقة. وتقع ترجمة الكتاب في 471 صفحة كبيرة القطع، وأشاد المترجم عز الدين محمود بموهبة تشرشل الادبية واعتبر كتابه "درة في جبين الادب الانجليزي" لكنه أشار الى وجود روح التشفي والسخرية التي دفعت تشرشل الى عدم التوقف أمام انتصارات رجال المهدي في حين يسهب في وصف انتصارات الغزاة البريطانيين.ووصف محمود ترجمة الكتاب بأنها عمل وطني مهم لكنه اعترف بحذف "أي تعبير قد يشتم منه اساءة لمصر أو السودان ورضيت بأن يقال ان الترجمة غير دقيقة في بعض مواضعها على أن أتهم بأنني أروج اساءات لبلدي" كما شهد بحياد تشرشل في بعض المواقف وانصافه للرجال "الشجعان الذين قاتلوا بشرف واستشهدوا بشرف." وأضاف في هامش أن تشرشل قاد احدى الفرق العسكرية أثناء الزحف النهائي على أم درمان عام 1898 ضمن معركة يصفها تشرشل بأنها "معركة اعادة الغزو".وقال السير جون كولفيل مساعد السكرتير الخاص لرئيس الوزراء في عهد تشرشل في مقدمة الكتاب ان "الروح الاستعمارية لدى تشرشل والتي كانت تشمل مشاعر أبناء ذلك الجيل من بني وطنه في عهد الامبراطورية تظهر بوضوح في هذا الكتاب. ولكن يجب علينا أن نحكم بما كان سائدا ابان العهد الفيكتوري وليس بما هو شائع هذه الايام" مشيرا الى أنه في تلك الفترة وتحديدا عام 1899 حين كتب "الضابط الصغير" تشرشل هذا الكتاب وهو في الخامسة والعشرين لم يكن يساور بريطانيا أو فرنسا أو بلجيكا أو ايطاليا أو البرتغال أدنى أسف أو تردد في تقسيم افريقيا. ويحظى تشرشل (1874-1965) بمكانة خاصة في بلاده اذ فاز في استطلاع أجرته هيئة الاذاعة البريطانية عام 2002 بلقب أعظم شخصية بريطانية متقدما على الاميرة الراحلة ديانا وتشارلز دارون ووليام شكسبير وعالم الفيزياء والرياضيات اسحق نيوتن والملكة اليزابيث الاولى.وتولى تشرشل وزارة الداخلية ثم أصبح المسؤول الاول عن سلاح البحرية فوزيرا لشؤون الذخيرة ثم سكرتيرا للمستعمرات ثم وزيرا للخزانة وعين رئيسا للوزراء مع نشوب الحرب العالمية الثانية حيث كون مجلس حرب محتفظا لنفسه بمنصب وزير الدفاع. وبعد انتهاء الحرب هزم في انتخابات عام 1945 وأصبح زعيما للمعارضة ثم عاد الى رئاسة الوزراء بين عامي 1951 و1954 ونال جائزة نوبل في الاداب عام 1953. ويقول المؤلف في الكتاب انه في عام 1883 تجمع أكثر من 40 ألف مقاتل تحت علم المهدي الذي رفض الاستسلام للجنرال هيكس ودارت معارك دمر فيها جيش "الغزاة. وقتل كل الضباط الاوروبيين بمن فيهم القائد هيكس. كان مقاتلا اكتسب احترام أعدائه الشرسين" وأصبح المهدي سيد السودان. ولا يقتصر تشرشل في الكتاب على وصف المعارك العسكرية بل يمتد تحليله لما هو أبعد. اذ يرى مثلا أن هناك علاقة خاصة بين مصر والسودان الذي "يرتبط بمصر عن طريق النيل كالغواص الذي يرتبط بالسطح بأنبوبة الاكسجين. بدونها ليس هناك سوى الاختناق. لا حياة بدون النيل".كما يرسم صورة تشكيلية لجغرافيا السودان قائلا ان النيل يجري في الصحراء "كخيط من الحرير الازرق يسبح على مجرى بني هائل. وحتى هذا الخيط ينقلب لونه الى بني غامق كل نصف عام" مشيرا الى أنه في سرد قصة حرب النهر فان النيل له اليد الطولى وأنه سبب الحرب "ومن خلاله نحارب وهو النهاية التي نرغبها". ويقول تشرشل في الكتاب إن المهدي "وضع في قلوب قومه الروح والحياة وحرر بلاده من الحكم الأجنبي. إن بسطاء الناس الغلابة الذين كانوا يعيشون شبه عراة وقوتهم لا يخرج عن كونه بعض الحبوب الجافة فجأة وجدوا معنى جديدا للحياة بعد أن استطاع المهدي أن يغرس في صدورهم الحس الوطني الجارف والوازع الديني القوي."ويضيف أنه بعد هزيمة الجيش الغازي عام 1883 ومصرع قائده هيكس قفزت فكرة الاستعانة بالجنرال جوردون الذي وجد نفسه بعد وصوله إلى الخرطوم عام 1884 "محاطا بحركة وطنية جبارة ومد ثوري ضد كل ما هو أجنبي" وأورد يوميات جوردون التي كتب فيها "يجد المرء تسلية في تصور هذا المزيج العجيب من البشر الذي يرافق المهدي. أوروبيون قساوسة وراهبات. إغريق وضباط نمساويون.." وفي يناير كانون الثاني 1885 بدأت معارك يصف فيها تشرشل أنصار المهدي بأنهم "العدو الوحشي" الذي تسلل إلى الخرطوم وذهب بعضهم إلى القصر وخرج إليهم جوردون "هذا الشخص العظيم الشهير ومندوب مملكة بريطانيا... لم يتمكن من عمل شيء مع جنون الفرحة بالانتصار والاندفاع الديني" فقتلوه واستولوا على المدينة ونظرا "لقوة العدو المنتصر" أجليت القوات البريطانية عن السودان بعد التخلص من المؤن برميها في النيل وأصبح المهدي حاكم السودان ثم تعرض بعد أشهر لمرض أسلمه إلى الوفاة.ويروي تشرشل أن جثة المهدي ظلت في قبر عميق بالغرفة التي توفي بها حتى أمر الجنرال هربرت كتشنر (1850-1916) بإخراجها عام 1898 حين دخل أم درمان بعد معارك ثبت فيها أن "شجاعة السود لا تقل اشتعالا عن رصاص بنادقهم" ورغم هذا يصفهم تشرشل بأنهم "أعداء الله". ويشير في فصل عنوانه (سنوات التحضير) إلى أن أجهزة الاستخبارات البريطانية ظلت عشر سنوات تجمع معلومات عن تاريخ السودان وجغرافيته ومواطنيه وكل ما يتعلق به بما في ذلك الطقس حيث انتشر الجواسيس وسط الجماهير في كل مكان وكانت المعلومة التي يهمس بها هناك تدون في القاهرة "حتى أخبار المشاجرات التي لا تنتهي تم تسجيلها بدقة متناهية. المصدر: الفضائية السودانية + دار الشروق (بتصرف بسيط)