أصبح من الأخبار الراتبة سنويا، الحديث عن معاناة الحجيج السوداني بالاراضي المقدسة ، وبات من نافلة القول في كل موسم حج أن نسمع العجب العجاب وكيل السباب لبعثة الحج السودانية وهيئة الحج والعمرة، ومن بعدها وزارة الأوقاف. ومما يدمي القلب ويوجع النفس ويثير الشجون أن الفشل في تفويج الحجيج وتوفير الخدمة المناسبة لهم، يصدر من دولة حددت توجهها وأعلنت مصيرها بتعزيز القيم الدينية والاعلاء من شان الشعائر وتقدير الحجيج وهي عادة متاصلة في الشعب السوداني وموروثة كابر عن كابر. وهي سانحة اليوم للخوض في امر االبعثة السودانية خلال السنوات العشر الماضية وهي الفترة التي تزايدت فيها الشكاوى وكثرت الاوقاويل وبات الحاج السوداني يعاني في حله وترحاله، بدءا من تكملة اجراءات السفر ونهاية بالرحيل الى الاراضي المقدسة على متن طيبة الذكر الخطوط الجوية السودانية والبواخر البحرية التي اصبحت هي الاخرى من ذكريات الماضي السحيق. وتأتي نهاية الماساة بما يذوقه الحجيج السوداني من ويلات الاقامة مشاكل الترحيل وسوء الخدمات وهروب الوكلاء والمطوفين وامراء الأفواج. وأقولها صريحة وواضحة أن أس الازمة يكمن في ان الحكومة السودانية تتعامل مع شعيرة الحج باعتبارها فرصة استثمارية تتيحها للمستثمرين والمتربحين ممن يفتحون جيوبهم كبيرة دون ان يقدموا الخدمة المطلوبة التي تقابل ما حصلوا عليه من أموال، لأنهم في الاصل لا يملكون هذه الخدمة ، ولا حيلة لهم في أدائها ،حيث ان فاقد الشيء لا يعطيه. وتدليلا على ما اقول، ما الذي يبرر انقطاع الحجيج لاسابيع وربما اشهر في ميناء سواكن؟ وما الذي يجعل الحاج السودان يكمل شعيرته ويطوف طواف الوداع ويغادر الى جدة ويبقى فيها أسابيع بلياليها ، دون ان يجد مركبة تقله الى ديار الوطن. ولماذا تكون خدمات الحاج السوداني حشفا وسوء كيل في حين انه دفع تكاليف رحلته الدينية المقدسة كاملا غير منقوص. ولعله من المفيد استعراض تجارب الدول الاخرى في تفويج رعاياها خلال موسم الحج ولنبدأ بالبعثات المدللة مثل دول مجلس التعاون الخليجي والتي يقيم حجاجها في فنادق من فئة الخمس نجوم وتتوفر لهم سيارات النقل الجماعي الفارهة وفي وقت معلوم، ويغادرون الى منى وعرفات على متن قطار الحج السريع ، بل بلغ التيسيير ببعضهم الى درجة انهم رموا الجمار من على متن سيارات الجولف الصغيرة والجميلة التي تم تخصيصيها لكبار السن منهم، لتقلهم من ابراج منى الفندقية الجميلة الى اعلى مرتفع في مسار الرمي ليكمل ضيوف الرحمن مسعاهم بعد ذلك بسهولة لا يتصورها أحد . ولنترك هؤلاء في سمح مقدرتهم لنرى حال بعثة الحج الجنوب سودانية وقد وجدتهم العام قبل الماضي بالعزيزية على احسن حال وقد تركتهم حكومتهم يتدبروا امر سكنهم بمفردهم في مكة فحصلوا على افضل الفنادق وهياوا لانفسهم اجمل واوثر المراقد وهم على ذلك الحال كلما طلبوا خدمة ارسل منهم من يتحسس ويتطلطف فياتيهم باجمل السيارات واطيب الطعام بلا من ولا أذى ولا تربح من الشركات السياحية السودانية . ويطول الحديث عن بعثة الحج الايرانية بمتطلباتها الخاصة وسياراتها المكشوفة ومقرها الفاره الذي يبدو مثل بارجة في قلب العزيزية بمكة ، ويوما قال رئيس البعثة الايرانية ان حكومتهم تتكفل بدعم تكلفة الحج حيث لا تزيد عن نصف ما يدفعه الاخرون في معظم الدول الاسلامية ، والفكرة عند هؤلاء هو تقديم الدعم وليس اتخاذ الشعائر تجارة تدر المال الوفير على مقدمي الخدمات. وجدت إمراة سودانية عجوز ضائعة أمام الحرم المكي فتشبثت بي ترجوني أن آخذها الى مضارب البعثة السودانية ولو انها طلبت مضارب عبس وذبيان لكن أهون على الوصول اليها من الوصول الى الفوج الذي تتبع له ووجدت لديها رقم هاتف أمير الفوج الذي تتبع له وحاولت الاتصال به مرارا دون جدوى اذ اغلق الرجل هاتفه هربا من طلبات الطالبين ورجاءات المتوسلين. ولعل أشد القصص ماساوية ما حدث قبل اشهر قليلة بوفاة سيدة سودانية ضاعت هي الاخرى بالحرم المكي . للاسف تعاني بعثات الحج المتعددة من حالة تكلس اداري قاتل وغير مبرر اذ لا يعقل ان يفشل السودانيين دون دول العالم الاخرى في تفويج منسوبيهم حتى اضحوا مثلا للفوضى وعدم المسؤولية والاعتماد على الخيرين في تسيير امورهم. ينبغي الا تمر حوادث البعثة هذا العام دون محاسبة قانونية ولا مراجعة ادارية واعتقد ان الخروج من هذا المازق يتطلب الاتي: 1/ حل كافة الادارات الحالية المسؤولة من تفويج رحلات الحج والعمرة . 2/ الغاء العمل بنظام وكالات السفر والسياحة والبعد عن افكار العمل الخاص والشركات التجارية في تفويج الحجيج. 3/ تحديد نسب الحجيج السوداني وتقديم الدعم الرسمي لهم نقدا عبر ادارات تطوعية لمنظمات سودانية غير طوعية تعتمد على ولاءات اقليمية او وظيفية والغاء مركزية التخطيط والادارة لانشطة الحجيج. 4/ استئجار فنادق وشقق مفروشة للحجيج السوداني واختيار شباب متطوع لادارة خدمات الاغذية والمشروبات تحت اشراف وزارة الاوقاف. 5/ اشراك تنظيمات الشباب والمراة في ادارة انشطة التفويج على اسس طوعية وستجدون الالاف من المتطوعين الصادقين للقيام بهذا العمل الانساني . 6/ محاكمة المتسببين في معاناة الحجيج ومساءلتهم عن الاموال المهدورة بغير وجه حق. وأخيرا أتمنى ان ياتي فيه يوم تقتنع الحكومة بان العمل التجاري ليس من شانها وان دخولها فيه مهلكة للعباد والبلاد . [email protected] ////////