لم ينسي العالم ولا أهل السودان وأبناء الجنوب الصورة الطروب التي قوبل بها التوقيع علي وثائق إتاقية السلام السودانية في ضاحية العاصمة الكينية (نيفاشا) ، الكل وقتها هلل وكبر وبالجنوب ضربت الطبول وأقيمت الحفلات حتي صباح اليوم التالي .. وبالشمال كذلك فرح كل الناس لأن الحرب لا يدندن لها إلا ذو النفس المريضة والخربة ، كما في كل دول الغرب تم إحتفل ابناء بلادنا بالتوقيع بأقصي صور الإحتفال ، ذلك أن الحرب لامرحبا بها بطبيعة الحال ولا الإبتعاد عن الوطن هو الآخر مرحباً به ..!! ، وصور الإحتفال بالسلام الذي وجد أثره علي الفور لم تتوقف عند ذلك الحد .. فداخلياً نشأت كثير من الفرق الفنية التي تنشر وتقدم ثقافة الجنوب المتعددة .. وذلك مظهر للإستقرار حتي ولو كان جزئياً ، فالإهتمام بالثقافة والفنون والأدب هي من مظاهر الجمال التي لايلجأ إليها الإنسان في معاشة الإ بعد أن تتوفر لديه صور الإستقرار ، وهذه المفردة (الإستقرار) لاتتوفر الإ عند إستتباب الأمن ، و(إبن خلدون) عالم الإجتماع الشهبر له مقولة تقدم كأصل علمي من أصول علم الإجتماع يقول فيها (أن الإنسان لايستشرف الجمال الإ بعد أن يكتفي من حاجات المعاش الأولية .. المأكل والمشرب والملبس) والكلمات الثلاثة الأخيرة هذه لاتتأتي في ظل الحروب والتنقل القسري بسبب الحرب ..!! ، فوقتها لن تتعزز صور الثقافة ولا تتبلور وبالتالي لايتم التعبير عنها .. لأن مفرداتها غائبة ، فمع إستتباب الأمن الذي منحته إتفاقية السلام نشأت كثير من الفرق الشعبية الجنوبية وهذه نأخذها كملمح إحتفالي بالسلام الذي يرغب كثير من أهل الجنوب ومثقفيهم أن يكون إيذاناً بعودتهم لبلدهم مرة أخري بعد إغتراب قضوه بدول الغرب ، لقد كان معلوماً أن درجة الإحتفاء بالسلام الموقع علية من مثقفي الجنوب كبيراً ، غير أن الواقع الذي وجده بعضهم عند عودتة صدمهم بدرجة جعلت من فجيعتهم إرتداد وصدي أشعر الآخرين الذين كانوا يحزمون أمتعتهم إستعداداً للعودة بأن لايفعلوا ، فإرتداد صدي فجيعة الأوائل من مثقفي الجنوب جعلت الآخرين (يرخون) شد الحبال حول أمتعتهم التي كانوا يطوقونها بالحبال وأشرطة (الشترتون) ..!! ، فالواقع صدم هؤلاء ومنع الباقين من العودة ، بل جعل جل المثقفين الجنوبيين أؤلئك يقفون ضد الحركة وبقوة .. ولن ندلل علي صدق دعوانا تلك بأكثر من (بروفسير واني وبرفسير ديشان) النموذجين الأكثر إحتجاجاً علي فوضي الحركة الشعبية التي أحدثتها بعد إستلامها لمقاليد الحكم بالجنوب ..!! ، فالحركة تقول بسلوكها بأن لامكان لقادم من الخارج مهما كان علمة وقدرة وأثره .. وأن المشاركة فقط تحصر في أصدقاء الغابة ورفقاء السلاح ولا مكان لسواهم ..!! ، والواقع أن الحركة الشعبية لاتهتم كثيراً بالقادمين من الخارج ولا بإولئك الذين بقوا هناك ، بل لم تجعل لهم ملفاً خاصاً بهم لتدلل علي إهتمامها بشريحة مهمة وكبيرة تتواجد بعدد من دول الغرب ، والحركة بذلك تكون قد أدارت ظهرها لنفر من مثقفي الجنوب كانوا ممثلين لها في البلدان التي كانوا يتواجدون بها وينوبون عنها بشرح أفكارها والتبشير بها من غير إعتماد رسمي منها بذلك التمثيل وبالتالي .. لا مرتبات .. ولامصروفات إدارية لهم كمكاتب لها تجمع دعم منظمات المجتمع المدني وتستقطب التعاطف السياسي مع قضاياها ..!! ، لم تفعل الحركة الشعبية ذلك ولم تصرف عليهم مالاً ، ولكن في ظن جنرالاتها الآن أن الكسب للحركة إنما جاء من ميدان القتال لا من دبلوماسية المنافي ، وليس أدل علي عدم إكتراث الحركة بهؤلاء بأكثر من مؤتمر جوبا الذي صرفت علية الحركة مال أهل الجنوب .. ولم تعقد مؤتمراً لآلاف الجنوبيين المتواجدين الآن بكندا وأمريكا وبريطانيا وأسنراليا وغيرها من دول العالم ..!! ، بل أكثر من ذلك فالحركة لايشير سلوكها بأن ثمة ثقة متوفرة مع هؤلاء أو إتصال بهم ، والمثقفين الجنوبيين المتواجدين بالخارج أولائك تجد أن كتاباتهم في المواقع الألكترونية تطفخ بالحسرة والمرارة والإحباط تجاه أداء الحركة الشعبية ، وبالمقابل تجد أن الحركة الشعبية تحتفي بشيوعيي قطاع الشمال ، فتسقط مقابلهم عناصر فاعلة وذات كفاءة وتجربة من أبناء الجنوب الخلص .. ولكن قد تكون الحركة تفعل ذلك (بإرادة قادتها الحاليين) خوفاً من المنافسة ..!! نصرالدين غطاس tar