بسم الله الرحمن الرحيم قصة ثوره هاشم صديق كتبها شعرا محمد الأمين وضع الحانها موسى محمد إبراهيم دونها ووزعها الموسيقار وقاد الأوركسترا والكورال وزارة الثقافة أنتجتها مكى سناده الإشراف العام المكان : خشبة المسرح القومى الزمان : أكتوبر1968 فى الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر1985 المجيدة المغنون : 1. محمد الأمين 2. خليل إسماعيل 3. أم بلينه السنوسى 4. بهاء الدين عبدالرحمن 5. عثمان مصطفى حتى إذا إنكسرت القيود وانهارت الحواجز تحديا للرصاص بصدور مفتوحة ينطلق صوت عثمان مصطفى الصادح الندى القوى ليعلن فى بسالة : ( وسال الدم فى أرض الوادى/فدينا النور بالروح يا بلادى) وادى النيل طبعا ... مهد الحضارات وساحات ممتده ضجت بالثورات والنضالات التى فديناها بأرواحنا وهزمنا الليل الظالم فترددت أصداء هتافنا فى كل الآفاق ورددتها معنا كل الإنسانية التى بهرتها ثورة أكتوبر العظيمة: (وكانت صفحه حكاها العالم/فجر أكتوبر طل وسالم) هاشم صديق لم يكن يقصد بأكتوبر الإشارة إلى ثورة أخرى ولكنه أراد أن يقول لنا إن السودان لن يظل مسجونا فى ظلمات القهر وسيثور مثلما ثار من قبل عبر تاريخه الطويل وقد شهد لنا العالم بإنتصار الثورة فى أكتوبر الفجر الجديد المبشر بالحرية والسلام ... وينطلق الفرح الكبير .... (وهزمنا الليل هزمنا الليل والنور فى الآخر طل الدار) (وهزمنا الليل هزمنا الليل والعزة إخضرت بالأحرار) وغضبة السودان إنبجست (أملا ووعدا وتمنى) وبمثلما إنفجرت الأوركستراتتقدمها الآلات النحاسية لتؤكد هذا المعنى الفياض بالفرح ، فهى تختتمه بنغمة مسترسلة قليلا Tone Sustained تمهيدا للدخول فى موكب مهيب يتقدم فى سيره على إيقاع الفالس (الثلاثى) الذى يستخدم أحيانا فى المارشات الإحتفالية العسكرية : (وكان فى الجامعه موكب هادر/صمم يجلو الليل السادر) (وكان الليل السادر غادر/ فجر غدرو سموم دخان) (ورصاص من صوتو صحا السودان) وعلى هذا الإيقاع (الفالص) تبارت مجاميع الكورال فى أداء هذا المقطع بكل ما هو ممكن من أساليب الأداء المتحد Unison.. والترادفىAntiphonal المتجاذب بين مجموعتين وكذلك الأداء التجاوبى Responsorial وفيه تعيد مجموعة مباشرة عبارة مجموعة أخرى وكل هذه الأساليب تندرج تحت ما يسمى بالأداء المتوازى المضاد ( الكنترابنطى Contrapuntal) فى الأسلوبين الترادفى والتجاوبى وقد أعطى هذا الزخم الأدائى المتنوع بعدا مضافا ولونه بطبع الفخامة والضخامة والمهابة والجمال وفوق ذلك أعطى خليل إسماعيل بأدائه المتفرد مجالا كثف فيه عملية التقابل Contrast بين صوته فى الطبقة الصوتية الأعلى وبين مختلف أصوات مجموعات الكورال وما أن تهتف الجماهير تعلن تصميمها (والشعب الثائر صمم هادر) يقرر محمد الأمين بحسم ( يصرع ليلنا الداجى الطول) لتبدا ملحمة الصراع شعب بأكمله فى ناحية وطغمة عسكرية حاكمة فى مواجهته ولينسرب صوت أم بلينه الطفولى العذب معلنا للشعب السودانى ولكل الدنيا بداية الصراع الحقيقى بسقوط الشهداء.. (وكان القرشى شهيدنا الأول) والجماهير ترد بحزم (وماتراجعنا) ثم ماذا يا مناضله (حلفنا نقاوم ليلنا وسرنا ) والجماهير الثائره تؤكد ( وماتراجعنا) إذن فما دام القرشى شهيد الجامعه هو شهيد السودان يتبدى بوضوح تام فهم محمد الأمين العميق للمشهد وذلك فى توحيد إيقاع موكب الجامعة وجماهير المقاومه التى تتوحد من أجل هدف واحد ...... الحريه أولا والحرية أخيرا وتواصل أم بلينه تناديها الحميم الغاضب : (نذرنا الروح مسكنا دربنا .. وماتراجعنا) (للشمس النايره قطعنا بحور) ولتأكيد الحدث ينطلق صوت عثمان مصطفى قويا مكثفا للمشهد الدرامى ويؤكده بعد استشهاد القرشى صادحا Lحلفنا نموت أو نلقى النور) النور بلا شك هو النصر أو الشهاده والفداء ..النور هو الحريه ومواصلة النضال بلا كلل أو خوف وعثمان مصطفى وكل الناس رجالا ونساء إمتطوا أشرعة النضال ليجتازوا بها بحار الظلام وأمواجه الظالمة المتلاطمة والعبور نحو شواطئ الحرية والمجد الإنسانى وقد أقسموا أن يهبوا أرواحهم سخية لعذا الهدف النبيل الجميل وقد كان الثمن غاليا وهنا تتداعى الأوركسترا لأجل أن تلتقط الأنفاس ليتواصل النضال والكفاح السلمى والجميع وبصوت موحد يحكى ما حدث : (وكان فى الخطوه بنلقى شهيد /بدمو بيرسم فجر العيد) ثم لا يلبث ان يتبادل المغنون فرادى ترديد هذا المقطع الذى يفيض فرحا بسقوط الشهداء واقتراب النصر.... محمد الأمين وعثمان مصطفى وأم بلينه السنوسى وبهاء الدين عبد الرحمن ....وأما خليل إسماعيل فقد إختتم المقطع متفردا كعادته كأن كل واحد منهم كان يتصدر جماهير زاحفه فى بقعة من بقاع السودان .... فى كسلا وعطبره وبورتسودان والفاشر والأبيض ومدنى والقضارف ومروى وزالنجى ودنقلا والجنينه وكادقلى وكريمه ونيالا وكل البلدات والقرى والدساكر .... السودان كله ثار فى أكتوبر1964 ... مليون ميل مربع ....إنتصب شامخا يرسل من قلب إفريقيا إشعاع الثورة الشعبية لكل الدنيا ولأول مرة فى عالمنا المقسم إلى عوالم متناقضه ..!!! وأما إذا تمعنا فى لغة هاشم صديق الشعرية فى هذا العمل الملحمى وإن بدا أنها تكتسى بمباشرة التعبير وذلك فى إختياره للعبارات والكلمات التى لاتحتاج من حيث المعنى بالزمان والمكان إلى كثير تعمق والتفاف حول المعنى المقصود وإلا ضاع الحس الدرامى فى المدلولات الدرامية التى بدونها ما كان ممكنا أن يتحول النص إلى سرد غنائى بأسلوب ملحمى ، فإن هاشم صديق لم يستطع أن ينضو عنه (حتى فى الملحمة) أحاسيسه الرومانسية الشفيفة الصادقه المتدفقة (التى يشقى بها مبدعون كثيرون بيننا كهاشم صديق وكاتب المقال) كيف لا يعبر عنها حتى فى كتابة نص صعب ونادر ولن يتكرر أبدا ومع ذلك إكتست بعض تعابيره بأحاسيس إنسانية تزيدها عمقا وجمالا فى غير ما تكلف ، فنراه فى المقطع التالى وهو يتذاكر مع أكتوبر (أيام زمان) ويحكى له عما وصل إليه حال الأمة السودانية .... هاشم صديق هنا يهدهد التاريخ فى حنو وأمل وهو أيضا يؤكد لنا وللأجيال أن تاريخنا النضالى لم يبدأ بأكتوبر ولن ينتهى به (ألم يأت أبريل 85 بعد عقدين ؟ ) هنا تتجلى شفافية الشعر ومعانيه ومدلولاته حتى الماورائية منها التى لا تدركها القلوب الغلفاء والأبصار المكفوفة .... يا للشجن ومحمد الأمين يغنى كما لم يغن من قبل يا أكتوبر أنحنا العشنا ثوانى زمان/ فى قيود ومظالم ويل وهوان كان فى صدورنا غضب بركان/ وكنا بنقسم بالأوطان/ نسطر إسمك يا سودان .....رحمك الله يا على ميرغنى ...الموسيقار أستاذنا وصديقنا ذلك الإنسان النادر ... كان كلما إستمع من محمد الأمين هذا المقطع تنهمل دموعه شجنا طربا لشفافية أداء محمد الأمين ثم إستلهاما لتلك اللحظة التى شارك فيها بالعزف نعم .... محمد الأمين فى هذا المقطع غنى وبكى وناح وصاح وهتف وأقسم وقال كل ما يجب أن يقال ...وإلى جانبه يقف هاشم صديق متوشحا بهذا لشعر الجميل النبيل البديع ...... ولكن ! ماذا قالت الجماهير يا هاشم ؟؟ (بدمانا السالت راويه الساحه/حلفنا نسير ما نضوق الراحه) كيف يا ثوار اكتوبر.... كيف ؟؟ (شهرنا سيوف عصيانا المدنى/وكانت وحدة صف يا وطنى) وخليل إسماعيل بقود الجماهير..(إيد فى إيد حلفنا نقاوم)(ما بنتراجع وما بنساوم) تراصت الصفوف وتشابكت الأيدى بينما صوت خليل إسماعيل يحث على المقاومة والتقدم إلى الأمام بعزم لا يلين ...وفجأة تظهر لنا مرة أخرى قدرة محمد الأمين فى صياغة العبارة اللحنية القصيرة فهو يعطيها بعدا أعمق بعد أن تتحول إلى تجاذب أداء بين خليل إسماعيل واكورس : (خطانا تسير فى درب النصر / هتافنا يدوى يهز القصر ).. ثم ماذا يا ثوار ؟ (كسرنا حواجز أزلنا موانع صفنا واحد / عامل وطالب وزارع وصانع ) كل الفصائل لا شك عندى أن الإنتقالات اللحنية هنا ذات بعد درامى فقد وظفها محمد الأمين لتمهد للحن قادم مختلف عن سابقه قام به (البروجى) وبأعلى صوت يرسل صيحة داوية تستحث الناس للتقدم للأمام وتتدخل آلة الترمبيت مندغمة مع مع دوى الهتافات مؤكدة التناغم بين جموع الجماهير وكل فصائل الجيش السودانى التى انحازت إلى صف الجماهير فى ثورة أكتوبر هذا بالإضافة إلى أن هذا النداء هو فى حقيقته النداء الأخير لحسم المعركة الذى يؤكده إيقاع المارش القوى : (يا ساحة القصر يا حقل النار/يا واحه بتحضن روح نصار) وروح الشهيد حران وكل الشهداء هنا فى هذا المقطع يتجلى الزخم الواضح الذى أضفاه الموسيقار الكبير موسى محمد إبراهيم ليس فقط على هذا المقطع الذى بهرنى بالتوزيع الموسيقى للحن الغنائى بمصاحبة كتبية آلات (Battalion) من العازفين تؤدى لحنا بالآلات النحاسية لأن الموقف لم يكن يحتمل الدغدغة الغنائية إذ تقدم محمد الأمين وبصوت مليون ثائر فى قوة وعزم وتصميم يستجمع فى داخله تلك اللحظات الخالده : (روينا ورودك دم ثوار/ شتلنا فضاك هتاف أحرار) (خطينا ترابك أحرف نايره/بتحكى سطور أيامنا الثايره ..... ونلتقى بإذن الله