باحث دكتوراه في الفقه المقارن من الملاحظات الجديرة بالتأمل، ويتفق حولها كل من عمل في مجالات التعليم العام أو العالي، أو في مجالات التدريب والتدريس المتنوعة، ذلك الضعف والجهل البين الذي يتسم به أداء التلاميذ والطلاب والمتدربين والباحثين في مجال اللغة العربية في سائر أقطار الوطن العربي. يجيء هذا الضعف بعد أن كانت المجتمعات العربية تزدهر بالأدباء والشعراء والمفكرين الذين أحسنوا استخدام اللغة ومفرداتها وقواعدها وآدابها، وتتسع رقعة من يتذوقون هذا الإنتاج الأدبي المعرفي من عامة الناس، وهو ما يتناسب وأهمية اللغة العربية ودورها في تكوين وثقافة ومعرفة المجتمع العربي، فهي لغة القرآن الذي وصف المولى سبحانه وتعالى بأنه قرآن عربي، قال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فصلت: الآية (3). تجيء ملاحظات المتتبع لهذا الموضوع، في جهل كثير من الطلاب ببعض حروف وعلامات اللغة العربية ومتى وكيف تستخدم كتابة ًونطقاً. فعل سبيل المثال: تكثر الأخطاء في استخدام حرفي السين والثاء، والهاء والتاء المربوطة، والذال والزين، وهمزة الألف والهمزة على السطر، وغيرها. وما يثير الاستغراب أن يقع في مثل هذه الأخطاء الخريجون وكثير من المهنيين. فلئن أعذر التلاميذ صغار السن، فإن وقوع غيرهم في مثل تلك الأخطاء يبدو من الأمور التي يجب التوقف عندها، والانتباه لخطورتها، ودراسة أنجح السبل لمعالجتها. والتي يجيء على رأسها الاهتمام بتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته، وقراءة أمهات الكتب التي أنتجها العرب في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية وعلى مدى العصور. ولا مفر من إعادة النظر في المناهج التعليمية والاهتمام بتدريب المعلمين وقيام الأسر بواجباتها نحو أبنائها وبناتها. ولا جرم أن من أسباب ذلك الضعف البين، ما أصاب المؤسسات التعليمية المختلفة من تدهور سواء في جانب المناهج أو جوانب التأهيل والتدريب للمدرسين، أو في مجال المكتبات ودور الكتاب في حياة الدارسين. ومن أهم أسباب ذلك الضعف، اهتمام الدولة بالكم والكثرة من خلال التوسع في إنشاء المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل – وهو مسلك محمود وصحيح- ولكن ترافق معه غياب المناهج الحديثة وضعف التدريب والتأهيل للمدرسين وتلاشي المكتبات وتراجع دور الكتاب والإطلاع في حياة الدارسين وغياب الأنشطة الأدبية والعلمية والثقافية والرياضية من هذه المؤسسات. من المجالات التي لا يسوغ الوقوع في الأخطاء اللغوية فيها؛ جانب الإعلام سواء المسموع أو المقروء، وهو ما يدق ناقوس الخطر، لخطورة هذه الأجهزة الإعلامية واتساع مدى تأثيرها على كل أفراد المجتمع، صغاراً وكباراً، ومن الملاحظات في هذا الجانب؛ كثرة وقوع من يقومون بقراءة الصحف، سواء في الإذاعات المختلفة أو القنوات الفضائية في أخطاء لغوية وأخرى معرفية عند نطق الأسماء لاسيما الأجنبية منها. ناهيك عما تعج به الصحف المختلفة من أخطاء نحوية وإملائية في أخبارها وتقاريرها وتحقيقاتها، على الرغم من إمكانية تصحيح الأخطاء قبل نشرها. انتقالا من العموم، إلى الخصوص، أي إلى الجانب القانوني، فإنني أوجه النظر إلى خطأٍ لغوي شاع كثيراً، وعم القرى والحضر، ولا يكاد يخلو منه مقال أو كتاب أو بحث أو حتى تشريع ! ذلك هو استخدام مصطلح (المعلوماتية) الخاطئ من الناحية اللغوية. فلا غرو أن التطور الكبير الذي حدث في تِقْنِيَّة المعلومات وأجهزتها وشبكاتها الحديثة، قد جعل معظم الأفراد والمؤسسات والدول يعتمدون على هذه التِقْنِيَّة في كل أوجه الحياة المعاصرة، حتى أمست سمةً مميزة لهذا العصر الذي سمي بها. وقد شاع كثيراً في الآونة الأخيرة، استخدام مصطلح (المعلوماتية) في مختلف مناحي المعرفة الإنسانية ومن ضمنها الجانب القانوني الجنائي. واتساقاً مع ما حدث من تطور في أنواع ووسائل وآثار الجريمة بسبب هذه التِقْنِيَّة، فقد تداول المشرعون في مختلف الأنظمة القانونية، والفقهاء والباحثون، هذا المصطلح بشكلٍ لافت، لدرجة انه لا يكاد يخلو منه مقال أو بحث علمي أو كتاب أو تشريع؛ تناول ثورة المعلومات وتقنيتها. ويبدو الخطأ اللغوي في استخدام ألفاظ الجريمة (المعلوماتية) والمجرم (المعلوماتي)، والشبكة (المعلوماتية)، والبرنامج (المعلوماتي) والنيابة (المعلوماتية) وغيرها. ووجه الخطأ هنا في النسب إلى صيغة الجمع مباشرةً (المعلومات) وهو خطأ لغوي بيِّن، إذ إن القاعدة الصحيحة في لغتنا العربية أن يتم النسب إلى مفرد الجمع (المعلومة) وحذف تاء الاسم المختوم بتاء التأنيث وإضافة ياء مشددة في آخر الكلمة فتصبح العبارة الصحيحة هي الجريمة المعلومية والمجرم المعلومي والشبكة المعلومية وهكذا، ويصح استخدام عبارتي "جريمة تِقْنِيَّة المعلومات" و" مجرم تِقْنِيَّة المعلومات "، مثلما فعل المشرع الإماراتي بتسميته للقانون الصادر في هذا الشأن: "قانون مكافحة جرائم تِقْنِيَّة المعلومات"، رغم أنه جاء واستخدم اللفظ الخاطئ في متن القانون. فالقاعدة الكلّيّة التي لا تتخلّف: تُحذف تاء التأنيث في النسب، قولاً واحداً، فيقال في نحو: (فاطمة وطلحة): (فاطميّ وطلحيّ). قال ابن يعيش: (إذا نسبت إلى اسم في آخره تاء التأنيث حذفتها، لا يجوز غير ذلك). أنظر أيضاً: متن الألفية للعلامة الهمام محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي، ص 56. أيضاً: شرح الدروس في النحو للإمام أبي محمد سعيد بن الدهان النحوي المتوفى سنة 569ه، ص 674 وما بعدها. وينسب بعض الفقهاء هذا الخطأ إلى الترجمة الخاطئة من المصطلح الفرنسي (Informatique)، فالمقصود بالمعلوماتية تقنية المعلومات أو علم المعلومات وتعرف بأنها علم المعالجة الآلية للبيانات، وقد أحصي لها أكثر من ثلاثين تعريفاً في مختلف جوانب المعرفة الإنسانية تؤدي جميعها إلى معنىً متشابهاً. وهو ما يدعونا إلى مخاطبة جهات التشريع السودانية لاتخاذ الخطوة الصحيحة والاتساق مع قواعد اللغة العربية، وإجراء تعديل على قانون جرائم (المعلوماتية) لسنة 2007م باستبعاد كلمة (المعلوماتية) أينما وردت في القانون بدءاً من اسمه، وإبدالها بعبارة تقنية المعلومات، كما أدعو إلى تعديل اسم: (نيابة جرائم المعلوماتية) إلى: نيابة جرائم تقنية المعلومات. كما تمتد الدعوة إلى جميع المشتغلين في الحقل القانوني إلى مراعاة ما ورد في هذا المقال والعمل على استخدام اللفظ الصحيح. والله أعلم. أخيراً أنوه إلى أن مضمون هذا المقال، تمت الإشارة إليه ضمن توصيات رسالة الماجستير المجازة من جامعة أمدرمان الإسلامية في عام 2012م بعنوان: حجية الأدلة الرقمية في إثبات جرائم الحاسب الآلي والانترنت والتي أعدها كاتب هذا المقال. وهو ما يثير التساؤل حول مخرجات البحوث العلمية، ومدى الاطلاع عليها ودراستها وتبنيها من مختلف الجهات ذات الصلة، حتى تؤدي البحوث العلمية الدور المرجو منها والمتمثل في السعي نحو الارتقاء بالواقع العملي من خلال نشر وتبني نتائج وتوصيات الباحثين وإجراء التعديلات اللازمة اتساقاً معها، وهو ما سنقوم بمناقشته في مقال قادم بإذن الله. [email protected]