أصبحت المرأة في عصرنا مهيأة لشغل كثير من الوظائف التي كانت حكراً على الرجال، وما كان للنساء فيها كبير حظ، وأصبحت وسائل الإعلام في حيرة واضطراب في أمرها، فهي تطلق على النساء ألقاب الوظائف مرة بصيغة التأنيث ومرة بصيغة التذكير، فما هو الأفضل والأرجح والأوفق لنهج اللغة العربية؟ المعروف في اللغة العربية أنّ الصفة تتبع موصوفها فإذا كانت الصفة لامرأة ألحقناها علامة التأنيث فنقول: الدكتورة والوزيرة والقاضية والرئيسة والمديرة والنائبة البرلمانية والمحامية وغير ذلك. ولعلّ مصدر الحيرة والاضطراب أنّ اللغات الأجنبية لا تفرق بين الرجال والنساء في الصفات المختصة، بتحديد المناصب كالبروفيسور والدكتور وغير ذلك، فما الذي يجعلنا لا نقول: رئيس اللجنة فاطمة ومدير الجامعة هند وعضو البرلمان سارة، خاصة في هذا العصر الذي نافست فيه المرأة الرجل في الأعمال التي كانت وقفاً على الرجال، غير أنّ المشكلة التي يفترض في المرأة أن تتنبه لها وهي غافلة عنها، أنّ الرجال عندما وجدوا أنفسهم عاجزين عن سلب النساء حقوقهن في ظل العولمة وحقوق الإنسان ومجلس الأمن كما كانوا يفعلون في الماضي، وأنّ وعي المرأة بحقوقها أصبح من الوضوح بحيث لا يجرأ الرجال على التغول عليها، رأى الرجال لتأكيد رجولتهم وقوامتهم التي اهتزت قليلا عولميا، أن يسلبوا النساء حقهن الأزلي في «تاء التأنيث»المميزة لهن والمدعمة لحقوقهن، فأصبحوا يقولون: الوزير فاطمة والمهندس عائشة لتظل المرأة مهما تطورت وتعلمت في عباءة الرجل وتحت مظلته ووصايته، وقد فرح بعضهم بذلك لسبب أو لآخر. ولعل هذا ما دفع رجال القضاء أن يطلقوا على منافسيهم من النساء صفة «مولانا» التي يتحرج الرجال عند توجيهها لامرأة، ولعل رجال القضاء أرادوا رفع الحرج عن أنفسهم في مواجهة رأي الفقهاء الذين لا يجوزون تولية المرأة الولاية العامة ومنها القضاء فقالوا: إن الجميع في سلك القضاء «مولانات»، ولعل أستاذنا العالم الجليل الدكتور «أحمد البيلي» هو خير من يوجه في هذه المسألة المتعلقة بتجريد النساء من «تاء التأنيث». أما اللّغة العربية فلها رأي في هذه المسألة، إذ أنها لا تلحق علامة التأنيث بالأسماء الجامدة إن وصف بها المؤنث في غالب الأمر فنقول: الأستاذ فاطمة على القاعدة الغالبة في الأسماء الجامدة إلا أنّ «ابن جنّي» صاحب كتاب «الخصائص» يرى جواز تأنيث الأسماء التي تجري مجرى الصفات، لأنّ العرب إذا نقلوا شيئاً من موضعه إلى موقع آخر مكّنوه في الثاني، فهو يقول: «إنّ هذه الأشياء كلها أسماء في أولها ولما نقلتها العرب إلى أن وصفت بها مكّنتها حتى أنثتها تأنيث الصفة وأجرتها على ما قبلها جريان الصفات على موصوفها» وعلى هذا الرأي الذي ذكره «ابن جنّي» يمكن إلحاق تاء التأنيث في المصادر التي قصد بها الوصف والأسماء الجامدة التي استعملت في الأوصاف فنقول: العضوة بثينة «والأستاذة عرفة» مع أنّ الأفصح لغة أن نجردهما من تاء التأنيث حسب قول اللّغويين والنحاة، وكلهم من الرجال الذين قعّدوا النحو ووضعوا قواعد العربية. وقد ذكر بعض اللّغويين أنّ الصفة إذا كانت غالبة في الرجال أكثر من النساء ساووا في نطقها بين الرجال والنساء، فقالوا: «فلانة وكيل فلان وخديجة وصيّ عثمان» «ووالينا أو أميرنا امرأة، وفلانة شاهد على هذا» وعضّدوا رأيهم بما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: «إنّها لإحدى الكبر نذيراً للبشر» ولم يقل نذيرة مطابقة «لإحدى» فالكلمات التي تكون من الصفات مثل الوكيل والشاهد والعامل والأمير والطبيب وغيرها يمكن أن تؤنث وتذكر، ومع أن الرأي القائل بأن أوصاف المناصب التي تغلب على الرجال وتقل في النساء تبقى على حالها من التذكير يوافق التخريج اللّغوي، إلا أننا نرى أن تتمسك المرأة بحقها التاريخي والإنساني في «تاء التأنيث» فلا تقبل الصفة غير مؤنثة ومدعّمة بالتاء، لأن تلك المناصب والأعمال لا تغلب على الرجال دون النساء، بل إنّ عدد النساء في مجال العلوم الطبية والهندسية والمحاماة والدرجات الجامعية والمناصب السياسية بدأ يزيد عن عدد الرجال، مما يعطي النساء الحق في طلب تأنيث هذه الوظائف حسب قواعد النحو، فلا نقول: إلا «الدكتورة عثمان» و«المهندسة عبد العظيم» و«المحامية حسن»، بل إننا على حسب رأي النحاة في تغليب الصفة الغالبة على النساء أو الرجال يمكن أن نقول:«المضيفة إدريس» و «الكوافيرة ياسر» وغير ذلك. إنّ النساء عليهن واجب المحافظة على هويتهن وشرفهن وعزتهن التي تمثل تاء التأنيث أبرز مقوماتها وأجمل مظاهرها وأقدم مكتسباتها.