القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن بابكر صاحب الاسلوب اللحني المميز .. بقلم: صلاح شعيب
نشر في سودانيل يوم 03 - 11 - 2014

قلب حسن بابكر، منذ النشأة، مُستهامٌ، دائما، بالنغم، ولهذا صار ملحنا مميزا. تتلمذ على يد الرائد الموسيقي أحمد مرجان. أتقن عزف الكمان عند فرقة عثمان حسين ووردي في الستينات. لاحقا ترك العزف. ومع ذلك لم تنقطع علاقته بالموسيقى. ظل ينمي في إنتاج الألحان الشفيفة، يضاعفها كثيرا، ويرققها أكثر. وجمال ألحانه تتكشف في كل جملة موسيقية من عطاء وريف. ومهما استمعت، بتحقق لا بتزندق،، إلى (عشان خاطرنا) رائعة مصطفى سند تحسه وكأنه قد عصر كل ألحانه الستينية ليخلص بها إلى هذا اللحن الرائع الذي احتوى كوبليهات ثلاثة، كل واحد منها يتماسك بحدة. مع محمد ميرغني وصلا قمة الرفقة الفنية. وكونا ثنائية اتكأ كل ضلع فيها على الآخر ليعمق إبداعية الأغنية. حقا إنها ثنائية فريدة. ملهمة أيضا. وحينما تستمع، باسترقاق لا بهوى، إلى لحن (ما بتقدر تتوب) رائعة السر دوليب تحس، لا محالة، أن الإيقاع الذي وظفه لم يخلق منه ملحن من جيله بهاء مثلما فعل الخبير المصرفي حسن بابكر. إنه أعطى الإيقاع بهاء اللحن. ومنح اللحن دفق الإيقاع الراقص.
يحدثنا الكاتب أمير النور أن الأستاذ حسن بابكر بدأ التلحين مع الفنان الراحل احمد فرح ويقول "هناك عشر أغنيات هي حليلك يا بلدنا - جبل الصلاح قلنا تبنا سنة وزيادة حلفان، وكلها من كلمات إسماعيل حسن، وتعاون مع الفنان عثمان مصطفى بست اغنيات وهي: (تعالي ياقلبي عواطف) كلمات السر دوليب، (صدقني دا البتمناه البينا ما ساهل) لصلاح حاج سعيد. لحن حسن بابكر أيضاً للفنان محمد حسنين أبو سريع عملين، الأول (سايق البوباي) كلمات د. عبد العزيز سيد أحمد طيب الله ثراه والاغنية الثانية (الجميل ما لو) وهي من كلمات الشاعر الصحفي النعمان علي الله. لحن حسن بابكر للفنان الراحل حيدر حدربي أغنية الزهرة، وهي كلمات حسن الزبير وأغنية مهيرة السودان كما لحن للأمين عبد الغفار (يا عيني يا طماعة) ولحن (الحنية) للفنان إبراهيم خوجلي، ولحن حسن بابكر للشاعر محجوب شريف أغنية ذات بعد اجتماعي تغنت بها المطربة أماني مراد، فيما لحن للمطرب عبد التواب عبد الله، وحنان السجانة، وسميرة دنيا، وسيد عوض، والبطحاني الحبر وعماد الكاشف."
غير أن أجمل أعمال حسن بابكر كانت من نصيب الفنان محمد ميرغني. فالثنائية التي أسساها إنما بنت في اتجاه تفجير الطاقات اللحنية والصوتية انطلاقا من كلمات الذين صاغوا تلك الصور الجمالية لمواضيع العشق العاطفي والوطن. واللافت أن حسن بابكر لم يكن ليحوج الفنان محمد ميرغني لإعمال الألحان. ولقد أدرك الملحن الكبير المساحة التي يتحرك فيها صوت الفنان الكبير وتوفق كثيرا في إظهار خامة، وتطريب صوته، الذي يتراواح بين التينور الأول والباريتون. والحقيقة أن تفضيل محمد ميرغني عدم خوض تجربة تلحين لأشعار أخرى جعله يتفرغ لتجويد الأداء. والملاحظ أن عددا من الفنانين قنعوا أنهم لم يولدوا ليجمعوا بين الموهبة الصوتية، والموهبة في إنتاج الألحان الكثيفة، وذلك ما ساعدهم على أن يجدوا الألحان التي تناسب إمكانيات صوتهم من ملحنين مقتدرين بدلا من إعداد ألحان قد لا يوفقوا فيها كثيرا كما لو أنهم يتوفقون، ويتفوقون، في الأداء بشكل جيد. الأمر الثاني أن هناك ملحنين يرتبطون بعدد من المغنيين لما في ذلك من إيجابيات وسلبيات، غير أن حسن بابكر أراد الارتباط كثيرا بمحمد ميرغني، ويكاد أحدهما قد احتكر الآخر.
-2-
ونعرف أن حسن بابكر لحن أعمالا لفنانين آخرين، ولكن لم يتوفقوا في ترسيخ هذه الأعمال إعلاميا كما فعل محمد ميرغني، ربما لأسباب تجب دراستها، أضف إلى هذا أن حسن بابكر لم يكتف بالتعامل مع شاعر بعينه، وإنما نوع أحاسيس المبدعين في مملكته اللحنية. ولا ندري إلى أي حد كان يمكن أن يتوفق أكثر لو أن قد تعامل مع عدد كبير من المغنيين الأحياء، كما فعل عبد الرحمن الريح، وود الحاوي، وهما قد عرفا بالتعاون مع كثرة من الفنانين. وقريب من مسلك حسن بابكر في إبداء الثقة الكاملة في إحساس محمد ميرغني الأدائي في توصيل أعماله بالطريقة التي رغب نجد رغبة الملحنين عمر الشاعر، وبشير عباس، في إهداء أعمالهما للفنانين، حيث قصر الأول منح اغلب أعماله على زيدان، واكتفى بشير عباس بالتعامل مع البلابل. والمؤكد أن عمر الشاعر تعامل مع فنانين أمثال عبد العزيز المبارك، وإبراهيم حسين، وآخرين. كما تعامل بشير عباس مع زيدان، وعلي السقيد، وآخرين أيضا، إلا أن الشئ الثابت هو أن زيدان، والشاعر، كونا ثنائية مشابهة لثنائية حسن بابكر محمد ميرغني.
وفي حديث مع الأستاذ محمد ميرغني قال لي إنه فضل التعامل بهذه الكثافة مع حسن بابكر لأنه مثل دورا في دفع بداياته، إذ إنهما كثيرا ما يتحاوران حول النص المراد تلحينه، وغالبا ما يتفقان حول شكله، ومضمونه، كما أن حسن بابكر قال للكاتب إن محمد ميرغني أقنعه بقدراته الصوتية، والتعبيرية، منذ أن قرر الانحياز للأصوات الجديدة آنذاك، وأضاف أن أول عمل مشترك بينهما كان (أنا والأشواق) ونجح الفنان محمد ميرغني في تقديمها أيما نجاح، ومنذ ذلك الوقت استمرت العلاقة الفنية.
بجانب هذا التعاون فضل الأستاذ محمد ميرغني أن يستعين بملحنين آخرين أولئك الذين ينوون التعاون مع أكثر من فنان. وامتد تعاونه إلى السني الضوي (عاطفة حنان يا ناس) وأنس العاقب (ما هماك وعيد) وعبدالله عربي (سبأ، أفراح البلد) والعاقب محمد حسن (حنيني إليك، وشذى الياسمين) ومحمد سراج الدين الذي أنجز أكثر من خمسة أعمال للفنان محمد ميرغني منها (تباريح الهوى، الكانو قبلك، مدو الأيادي، يا طير راجع لعشك)، ومثل ارتباط حسن بابكر فإن محمد سراج الدين هذا خصوصا وأن الملحن محمد سراج الدين يعتبر من أكثر الملحنين الذين تميزوا بخيال خصب، ونجح في تعاونه مع محمد ميرغني مثلما نجح الملحن حسن بابكر في الأعمال التي لحنها لمحمد ميرغني والتي تجاوزت الثلاثين أغنية ومنها (اشتقت ليك، حنان الدنيا، عيونك ديل، عشان خاطرنا، سهمك الفتاك، لا بتفاصلي لا بتواصلي، غريب، حالك باهي، حبابن جن، الريدة، سمحة سمحة الصيدة، ما قلنا ليك، مابتقدر تتوب، لو قدرت تغيب علي، أنا والأشواق، مين فكرك ياحبيب، لو كان عصيت، احترت فيك، ولا الصابر أنا ولا الباكي، بتلفحك، وردة هواك، أحلى مافي الدنيا ريدنا. ومن الشعراء الذين تعامل معهم بجانب المذكورين أعلاه حسن الزبير، ومحمد عبد القادر أبو شورة، وآخرين.
ولا شك أن التعاون بالشكل المكثف بين الملحن حسن بابكر، ومحمد ميرغني، أو بين أي ملحن وفنان، إنما تحكمه عوامل عدة لا علاقة لها بالآيديلوجية، وإن جمعت بين بعض الشعراء، والمغنيين، أو علاقات الزمالة، والدراسة، والجهة، والجيل، أو جوار السكن. وفي تصوري أن الذي جمع بين الملحن حسن بابكر والفنان محمد ميرغني، وكل منهما يقطن في مدينة، يعود إلى تكافؤ العلاقة الفنية، ولا أكثر. فالملحن حسن بابكر ونسبة لموقعه الكبير في المشهد الغنائي كموسيقي، وفيما بعد كونه ملحنا محترفا، كان لا بد أن يوجه معظم إنتاجه نحو مبدع كبير يملك إمكانيات صوتية، واستعدادا ذهنيا، لحمل هذه الأعمال بتجويد، وتقديمها للمستمع بجدارة، أو بصورة تؤكد أهليته لتوصيل الأحاسيس الجميلة التي صبها الملحن في قوالبه اللحنية ذات الإيقاعات الحارة.
-3-
صحيح أن تلك العلاقة الوجودية تلعب دورا في نشوء التعاون المستقر بين الملحن والمغني، أو بين الشاعر والملحن، أو بين المغني الملحن والشاعر، أو بين ثلاثتهم. ولكن إن لم تكن هناك أرضية صلبة للشعراء الذين تعامل معهم حسن بابكر لما تعمقت العلاقة الفنية بين السر دوليب وحسن بابكر. وإن كان حسن بابكر ومحمد ميرغني ينتميان إلى جيل الستينات فإن هذه العلاقة ليس لها الأثر الكبير في استقرار تعاونهما لمدى يقارب الأربعة عقود، والواقع أن الملحن الكبير كان يمكن أن يحتكر التعاون مع فنانين من جيل الستينات بخلاف محمد ميرغني، وكان من المتاح لمحمد ميرغني أن يفعل ذات الشئ، ويعتمد التعاون الكثيف مع ملحن آخر من ذات الجيل، ولكن ثقة بعضهما بعضا عمقت هذه الثنائية.
من الأشياء التي ساعدت حسن بابكر في تجويد ألحانه هو أنه بدأ عازفا محترفا، وأساسيا، في فرقتي عثمان حسين ووردي ، كما ذكرنا. وقال للكاتب إن وظيفته المدنية قادته إلى ترك العزف مع الفنانين منذ النصف الثاني من الستينات، وأشار إلى أن الفن الغنائي حينذاك لم يكن شغلا يمكن الاعتماد عليه، فوقا عن ذلك فإنه وجد من الصعوبة التوفيق بين أن يسهر مع الفنانين حتى الثلث الأخير من الليل، وأن يذهب في الصباح الباكر لعمله في البنك الزراعي. بيد أن اعتزال حسن بابكر عزف الكمان، والتخلي عن مصاحبة الفنانين، جعلاه يستفيد من الوقت في إنجاز اللحن المتماسك، وفي ذات الوقت جعلاه يستند على تراث لحني خالد لفنان كبير مثل عثمان حسين مع وضع في الاعتبار أن وردي آنذاك لم يكن قد فجر إلهامه الفني، والمؤكد أن الخيال اللحني المديد، والذي برع فيه الأستاذ حسن بابكر من خلال "كمنجته غير الضائعة" لا بد أن قد أثرى طريقة تفكيره لتجاوز إبداعية ألحان من جلس خلفهم ليعزف، إن لم يكن قد سعى إلى تجاوزها. والملاحظ أن كل الذين بدأوا عازفين مع عثمان حسين ووردي فضلوا الاستمرار في التفرغ الموسيقى، وعدم اعتزال الشغل الموسيقى. ويكفي الإشارة إلى الراحل محمدية، والذي زامل حسن بابكر، وكان لآخر أيامه يشارك في إخراج العمل الموسيقي عبر كمنجته، ولقد شذ حسن بابكر عن عازفي جيله المحترفين ليتفرغ للعمل المصرفي حيث أنه "نال دبلوم معهد الدراسات المصرفية عام 1972 ثم تم بعثه إلى لندن لمدة عامين إذ نال شهادة زمالة البنوك، وعمل طيلة حياته في القطاع المصرفي موظفاً في البنك الزراعي السوداني إلى أن وصل المرتبة الإدارية العليا ثم تقاعد للمعاش عام 1996."
الملاحظة الأخرى هي أن الملحن حسن بابكر لا بد أنه يستعين بالعود والكمان الذي برع فيه لتفريغ شحناته اللحنية. وهو بهذا ربما يكون من الملحنين النادرين الذين جاءوا إلى باحة التلحين من خلفية العزف على الكمان، وليس العود. والمعروف أن معظم الملحنين، والمغنيين، أجادوا عزف آلة العود التي أعانتهم في التعبير عن رؤاهم لما ينبغي أن تكون عليه الجملة الشعرية من تنغيم. وربما كانت خلفية حسن بابكر كعازف للكمان قد جعلت أعماله أكثر رقة، وقادرة على أن تنافس إبداعات الذين يستعينون بالعود في التلحين. ومع ذلك فالملحن المصرفي يجيد العزف على العود.
ومن صحة القول إن اللحن قد لا يحتاج أحيانا أثناء عملية المخاض اللحني إلى آلة. ونحن ندرك أن ألحانا كثيرة خرجت أقرب ما تكون إلى الموالات وفيما بعد قامت الفرقة الموسيقية بوضع مقابل موسيقي لها. والدليل على ذلك أن معظم أعمال الحقيبة والتي تميزت بميلودي كثيف جاءت نتاجا للترنم على إيقاع معين، ثم لاحقا عاصر كرومة وسرور في أخريات أيامهم وفود آلتي العود والكمان إلى المشهد الفني. وبالتالي أعطت الآلة الموسيقية اللحن الملفوظ بالصوت البشري فقط، شكله الموسيقي. ونذكر أن الكاشف كان (يسلم) الأوركسترا اللحن من خلال ترديده له دون آلة. وعلى هذا الأساس فإن الإبداعية العالية في أعمال حسن بابكر هي بسبب خبرته في إرضاء الإحساس السوداني سواء سبق الترنم قوس الكمان، أو كانت نغمة منه قد ألهمته لتنميتها حتى تكون مقدمة لأغنية، وهكذا إلى أن يثريها بالكوبليهات المتنوعة.
-4-
بالإضافة إلى المحيط الفني الذي كان فيه عثمان حسين نجما لامعا فإن الأستاذ حسن بابكر نشأ كموسيقار في أتون أجواء الستينات التي كانت فيها المنافسة حامية بين ملحني أمدرمان والخرطوم. وبحسب أنه قد انطلق من محيط السجانة والتي ولد فيها عام 1936 تثقف بتراث مبدعيها الذين عرفوا بتفوقهم الموسيقي. ولعل منطقة السجانة وما جاورها كانت تضج باهتمامات أبنائها الموسيقيين والمغنيين، وتحدثنا الصحفية سحر علي أن "منطقة السجانة منذ العام 1930م تبلورت وصارت لها شخصيتها وأصبحت تحتضن عدداً من الأندية الثقافية والرياضية والفنية مثل نادي النسر الذي تأسس في العام (1929، ونادي الأهلي 1932 ونادي ديم سلمان أو مركز شباب السجانة) الذي ساهم بصورة فاعلة في إبراز العديد من الفنانين الذين اثروا الساحة الفنية السودانية ثم فرقة الخرطوم جنوب للتمثيل والموسيقى، وسكن السجانة عمالقة الفن الرصين أمثال الفنان حسن عطية الحومبي والفنان عثمان حسين أحد أعمدة الفن السوداني وهم أول مجموعة مارست الغناء بالسجانة و كانت تتكون من طه حسين شقيق الفنان عثمان حسين الأكبر ومحمد عبد السلام "الجوكر" وعلى صغير وود العوض وكان ذلك في العام 1942م إلى جانب مجموعة أخرى من عازفي العود محمود الجاك عثمان وبشير محمد الحسن جبرا وعبد الله خوجلي انقراوي.. ثم تلتهم مجموعة أخرى ونشير إلى أن مجموعة الموسيقيين بالسجانة قد تميزوا عن المدرسة الفنية بأم درمان التي اعتمدت الرق وأسلوب الكورس أمثال سرور العبادي وكرومة، أما مجموعة السجانة اعتمدت الآلات الوترية مثل العود والكمان أساساً لها في إبراز اللحن الأساسي للأغنية السودانية كما اعتمدت هذه المجموعة أسلوب الورش الفنية والجلسات الفنية لسمكرة وإعادة صياغة الأغاني وكان أهم شيء يميز هذه الجماعة وجود الدراسة الموسيقية وتعليم النوتة الموسيقية وكانت السجانة تزخر بالفنانين والشيالين والمهتمين بالغناء والموسيقى أمثال المغني محمد الدنقلاوي والشاعر يوسف أحمد المكي الذي غنى له الفنان عبد الحميد يوسف أغنية يا معنى الجمال الحائر وقد إضافة السجانة إلي رصيدها مجموعة من الشعراء عبد الوهاب الطاهر، عبد الرحمن فضل والشاعر كامل السيد، ومحمد سراج الدين، وزكي عبد الكريم ورمضان زايد ولا ننسى فناننا العملاق عثمان حسين أما عميد المدرسة الوترية بالسجانة فهو الفنان الحاج عبد الحميد يوسف وهو رائد مدرسة التجديد في الموسيقى السودانية وهو الذي احدث النقلة في الموسيقى السودانية من أسلوب أغنية الحقيبة إلى الأغنية الحديثة."
وبحسن نية كثيرا ما نعرب، ومعنا بعض المهتمين بالغناء والموسيقى، عن أملنا في أن يمتد تعاون جيل حسن بابكر إلى الأجيال الحالية، على خلفية تبني بعض ملحني الخمسينات والستينات لبعض مغنيي السبعينات وحتى الثمانينات. ولكن يبدو أن ملحنين امثال حسن بابكر، وعمر الشاعر، وناجي القدسي، قد قدموا كامل تجربتهم مع من تعاونوا معهم منذ الستينات، ويبقى نادرا ما تكون لديهم أعمال جديدة توازي إبداعية ألحانهم القديمة، ولعله توجد هناك أسباب ساهمت في توقفهم عند تلك التجارب القديمة، مع بعض المحاولات غير المكثفة في التعاون مع الجيل الجديد.
وبرغم أن الحيز لا يسمح بإجمال الأسباب التي تحول دون امتداد إبداع حسن بابكر إلى الجيل الجديد إلا أن السبب الجوهري في يقيني يعود إلى طبيعة التحولات الجديدة حول كيفية إنتاج وتقديم العمل الفني. وقد أسهمت السياسة بدور كبير في تعميق سلبيات هذه التحولات أو قيادتها نحو أن تكون خصما على الإبداع بإجمال. ومع ذلك هناك عشم كبير في أن يخرج من وسط هذا الجيل ملحنون قادرون على لفت الأنظار ليعينوا الأصوات الجميلة الكثيرة والتي استهلكت حنجرتها غناء الحقيبة وما بعدها. وربما يضيف هؤلاء الملحنون الجدد الكثير من الأحاسيس الحلوة للأعمال الغنائية لجيل حسن بابكر والتي قامت على بنيان قوي أساسه أربعة أضلاع :
أ- الكلمة المنمازة والكثيفة في تعبيراتها ب اللحن الموازي تماما للكلمة والذي يستبطن مواضيع النص بجدارة ج الصوت المدرب الواسع النبرات، ودرجة ترخيمه د جدية إحساس الشاعر والملحن أو الفنان في تقديم المشروع الإبداعي الذي لا يقل عن المشاريع الإبداعية للسابقين.
غير أن للملحن حسن بابكر رأيا آخر فقد قال للكاتب في نبرة حزن إنه غير راض عن عدم جدية الفنانين الشباب الذين أثرت فيهم الظروف الاجتماعية، وصاروا أسيرين لها. وأضاف بقوله " إنهم يركزون على المادة والشهرة السريعة دون أن يبذلوا مجهودا، وحتى الألحان التي قدمت مملة، وليس فيها تلوين موسيقي متعدد يكسب الأغنية جمالا، وهؤلاء الشباب لا يهتمون بنا بأن يتصلوا لكي نتعاون معهم، وكثير منهم يعتقد أنه وصل إلى بغيته وبالتالي قد لا يحتاج إلينا في الأساس". وعن تقدير الناس لدور الملحن قال حسن بابكر إنهم يهتمون كثيرا بالشاعر، والمغني ، والسبب لذلك "..أن الملحنين قلة، ولا يشكلون عددا كبيرا كما الشعراء الذين أخذوا حقوقهم، وأذكر أن الأستاذ محمد سليمان سأل في حلقة من حلقات برنامجه يوما عن ملحن أغنية (اشتقت ليك) ولم يستطع كل الحضور الإجابة إلى أن انتهت الحلقة".
عموما ملحن الأغنية المعنية، وأغنيات كثر خوالد، حسن بابكر رمز كبير في المشهد الغنائي السوداني. وسيأتي الباحثون يوما لتشريح إضافاته المميزة. وسيكرم بأن يكون منهجه في التأليف مبذولا لطلاب الموسيقى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.