وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"وبائية الرصاصة": احصائيات: ضحايا الثورات العربية .. بقلم: عمرو محمد عباس محجوب
نشر في سودانيل يوم 08 - 11 - 2014


"وبائية الرصاصة" (Epidemius bulletcum )
عمرو محمد عباس محجوب
احصائيات: ضحايا الثورات العربية
عملت بمنظمة الصحة العالمية، المكتب الاقليمي لشرق المتوسط قرابة العشر سنوات، مستشاراً اقليمياً لدعم الادارة الصحية، في مكتبها بالقاهرة. كان القسم الذي اعمل به قسم النظم الصحية. وعلى عكس قسم الامراض المتوطنة، والمزمنة اللذان كانا يهتمان بالوفيات (الوفيات العامة، لكل مرض، الامهات، الرضع والاطفال اكبر من 5 سنوات) لتقدير عبء الامراض، مسبباتها وتوزيعها ..الخ، كنا في النظم الصحية نهتم بها كمؤشرات في قياس جودة الخدمة، توزيعها الجغرافي، التغطية بالخدمة، توفر القوى العاملة، الامدادات، الادوية والتجهيزات، تمويل الخدمات الصحية وغيرها.
وللنظر في هذه الامور ومن ثم الوصول لتوصيات تحسين الخدمة، بدأنا في اوائل القرن الحادي عشر اجراء ما اسميناه بروفايل الانظمة الصحية وهو دراسة لكل مكونات النظام الصحي من مخرجات، مدخلات والتاثيرات النهائية لكل اداء النظام. بعد الانتهاء من انجاز البروفايل اتجهنا لاجراء ما يسمى المراجعة المعمقة للانظمة الصحية. في هذه الدراسة قمنا يدراسة كافة مكونات النظام الصحي (الحوكمه، التمويل، الخدمة، القوى العاملة، المدخلات (ابنية، اجهزة، ادوية وغيرها) ونظام المعلومات.
الوفيات في الدول التي سوف نتحدث عنها تقع كلها في نطاق الدول ذات العبء المزدوج (ان الوفيات تسببها الامراض المتوطنة، والمزمنة). في تونس، سوريا، ليبيا ومصر كانت الغلبة للامراض المزمنة (الضغط، السكري، السرطان وغيرها) وحوادث الطرق. اليمن والسودان يقعان في نفس النطاق "العبء المزدوج" لكن الغلبة فيهما للامراض المتوطنة، وجزء اقل للامراض المزمنة. تغير هذا بشكل دراماتيكي منذ بداية عام 2011 وبعد حدوث الربيع العربي. ارتفعت الوفيات في كل هذه الدول نتيجة للعنف,
يعرف الوباء في ابسط تعريفاته بأنه انتشار مفاجئ وسريع لمرض في رقعة جغرافية ما فوق معدلاته المعتادة في المنطقة المعنية. ارتبطت الاوبئة وتعريفاتها في السابق بالامراض المعدية والمتوطنة "الملاريا، الطاعون، الانفلونزا وهكذا"، والتي كانت تودي بحياة الكثيرين في فترات مختلفة. مع تراجع الامراض المعدية، وظهور الامراض المزمنة، بدأ التغير في استعمال الوباء لوصف تصاعد مظاهر عامة من مثل وباء السمنة، حوادث الطرق وغيرها. وسوف نستعمل تعبير الوباء لوصف الزيادة المفرطة في الوفيات نتاج ما سوف اطلق عليه "وبائية الرصاصة".
وبائية الرصاصة (Epidemius bulletcum)
سوف اتناول في هذا المقال ضحايا الثورات العربية معتبراً اياها كوبائية رفعت الوفيات بشكل كبير في فترة قصيرة نسبياً، وهو ما يجوز، مثلما حدث في اعتبار حوادث الطرق والتي دخلت في علم الوبائيات كجزء اساسي في تسبيب الوفيات واصبحت تضعها في اسباب الوفيات. عندما تتعامل الهيئات الصحية مع قضايا مثل الابادة والقتل العشوائي وغيرها توردها ضمن الوفيات بشكل عام مثل دراسة المراضة والوفيات في دارفور 2006.
تمثل الدول التي سوف نتناولها (عدا سوريا) السمة العامة الكبرى في إمتداد فترات الحكم لعقود طويلة اكثر من ربع قرن، والتي ثارت عليها مجموعات سكانية متعددة واسقطتها. خرج الشعب في هذه البلاد لاسقاط الانظمة في غياب قيادات منظمة، بعدها تدخلت بعض القوى المنظمة بعد قيام الثورات واغلبها كانت عاملة مع الانظمة السابقة. اسقطت الثورات روؤس النظام لكنها وقفت عاجزة عن تغيير هياكل وقوانين الانظمة، حتى أن كل من جاءوا للسلطة كانوا جزءاً من الانظمة السابقة عليها. تمت كل هذه الثورات ومرت بالفترة الانتقالية بدون أي محاسبات، هيكلة الاجهزة، بناء المؤسسات او التخلص من ميراث الفساد.
اتناول السمات العامة في الوبائية في تونس، مصر ، باعتبار أن هذه الدول قد خرجت من مرحلة التغيير العنيف بشكل او اخر، اضيف اليها اليمن، سوريا وليبيا لطول الازمة وتحولها إلى منطقة صراع منخفض الكثافة. سيتم التعرض للاعداد حسب الرصد الذي تم من اطراف عديدة وتحليلها والمقارنة بينها وبين الوفيات العادية، سبب الوباء، أي من اطلق الرصاص والقضايا المتعلقة بها. في السودان سوف نتعرض للاعداد ومسبب الوفيات.
ميراث اعداد الضحايا
تمثل قضية ضحايا أي مرض او كارثة طبيعية مشكلة لدي السطات الصحية ، حتى في احوالها العادية وتؤدي للسلوك المعتاد من الانظمة الحاكمة في النكران (بتسمية الكوليرا بالاسهالات) لاسباب اقتصادية من خفض السياحة مثلاً، التآثير على الصادرات وغيرها، او تخفيض الاعداد المصابة للخوف من المحاسبة والمسئولية او حتى تذمر شعوبها. وتمثل هذه مشكلة اكبر للهيئات الصحية عندما تشير دراساتها لاعداد حقيقية. اذا كانت هذة مشكلة في ضحايا الامراض، فقد شكلت اعداد ضحايا الثورات العربية ازمات قاسية على من انجزوا الثورة، الضحايا انفسهم، عائلات الضحايا، المنظمات الدولية وغيرها. قضايا الاعداد نتناولها:
اولاً: هناك تباين غير موضوعي بين الاعداد التي تطرح ايام الثورة وفي الفترة الانتقالية. ففيها يتم الحديث عن اعداد كبيرة (ربما مبالغ فيها بعض الشىء). تسجيل ورصد الوفيات نتيجة الامراض والكوارث الطبيعية كانت تتم من مؤسسات الدول بشكل جيد، خاصة تونس، ليبيا ومصر، وبشكل جزئي في اليمن. كان يمكن الوصول إلى الاعداد الحقيقية، اسباب الوفاة، وحتى اسماء المتوفين.
في تونس انحصرت اغلب الاحداث من ايام 18 ديسمبر 2010 وحتى يوم الجمعة 14 يناير 2011، وتم حصر واقعي للقتلى والمصابين. اول المبالغات في الاعداد حدثت في مصر حيث عمدت السلطات لاخفاء اعداد القتلى والجرحى والمعتقلين في احداث الثورة من 25 يناير إلى 11 فيراير 2011، وتتالت بعدها الاحداث. قدم موقع ويكي ثورة وهي مبادرة توثيقية للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ارقام دقيقة عن كل الأحداث متضمنة القتلي والمصابين والمقبوض عليهم والملاحقين خلال فترة الثورة المصرية نتيجة التغيرات السياسية والاجتماعية، منذ 25 يناير إلى 11 فيراير 2011 وحتى الان. تم حصر الاعداد (وهي لم تتوقف بعد) لتبلغ 7043 قتلى وحوالي 50 الف جريح.
حدث نفس السيناريو في اليمن، لكن محافظة الثورة على السلمية، جعل امكانية الوصول لارقام واقعية ممكنة. قامت وزارة حقوق الإنسان اليمنية باصدار تقارير عن قتلى الثورة تتحدث عن أن أكثر من 2000 شهيد قد سقطوا خلال الثورة الشعبية السلمية التي تفجرت في اليمن منذ فبراير 2011 ، بالإضافة إلى 22 ألف جريح (وجاءت هذه المعلومات ضمن التقرير الوطني السادس عن حالة حقوق الإنسان في اليمن المقدم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في اجتماعات دورتها (104). بالاضافة لمجمل ضحايا أعمال القتل التي مارستها قوات الأمن اليمنية بحق المتظاهرين في الجنوب منذ العام 2007 وحتى العام 2012 بلغ 265 شهيد فيما خلفت أعمال القمع هذه 1290 جريح وبلغ عدد المعتقلين على خلفية المشاركة في تظاهرات سياسية في الجنوب 12250 شخص.
اندلاع الثورة الليبية التي تحولت بسرعة شديدة إلى حرب اهلية شاملة والحرب الاعلامية الكثيفة التي صاحبتها، جاءت المبالغة القصوى في اعداد الضحايا، كمقدمة لتقديم المسوغات السياسية والاخلاقية للتدخل الاجنبي في ليبيا. راج في الاعلام اعداد 50 ألف قتيل و 35 ألف جريح وتم الترويج لهذه الارقام. تمت مراجعة هذه الارقام بواسطة وزارة الشهداء الليبية وتوصلت ان أعداد الوفيات من الشهداء تقدر بنحو 4.700 شخص، عدد المفقودين من الجانبين حوالي 2.100، بينما قدرتها لجنة حصر عدد شهداء ثورة 17 فبراير بحوالي 5 الاف، لكن هذا العدد لم يتضمن قتلى الكتائب التابعة للقذافي وكذلك قتلى الاحداث المتلاحقة بعد ذلك حتى الان.
حدث نفس التحول في الثورة السورية من التحول إلى حرب اهلية دامية. سيناريو الحرب الاهلية السورية اصبحت اكثر تعقيداً ومع تعدد اطراف النزاع (الدولة، حزب الله من جانب، تكوينات المعارضة المختلفة من جهة ثانية وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" من جهة ثالثة) ترتفع اعداد الضحايا بشكل يومي, استطاعت قوى الثورة السورية عن طريق العديد من قواعد البيانات ان تصدر احصائيات شاملة ودقيقة عن ضحايا الحرب الاهلية (الاحصائيات الشاملة لضحايا جرائم النظام السوري حتى نهاية آب/اغسطس 2014، اصدار مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية). تقدر اعداد القتلى حتى ذلك التاريخ الموثقين حوالى 125 الف، التقديري 242 الف، اعداد الجرحى التقديري حوالى 199 الف، 262 الف تعرضوا للاعتقال، المفقودين حوالى 101 الف، واكثر من 4 مليون لاجيء وحوالى 8 مليون نازح.
البلد
عدد الضحايا
الجرحى
المصدر
تونس
321
3700
مصادر حكومية رسمية
مصر
7043
50000
موقع ويكي ثورة
ليبيا
4700
؟؟؟؟؟؟
وزارة الشهداء الليبية
اليمن
2265
23290
وزارة حقوق الإنسان اليمنية
سوريا
125000
199000
مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية
لم تشمل كل الاحصائيات في كل البلاد اعلاه على ما بسمى الضرر المصاحب من مثل الوفيات لنقص الرعاية الصحية، عدم تطعيم الاطفال، الموت من سوء التغذية، نقص الادوية والتجهيزات، اضرابات القوى العاملة الصحية وغيرها. وسوف لن نضيفها – لصعوبة الحصول عليها- عند تناولنا المقارنة مع الوفيات العادية والتي قمنا باخذها مجمعة للسنوات التي حصرنا فيها ضحايا الثورات العربية
من قام بالقتل
تحتكر الاجهزة الامنية في معظم دول العالم السلاح خاصة المتوسط والثقيل، ويمكن أن نصنف تونس وجزئياً مصر في إنها كانت كذلك عند قيام ثوراتها. تغيرت الاحوال بعد ذلك في تونس جزئياً، ومصر مع وصول مرسي للحكم وتسيلح منظمات متطرفة في سيناء، وتهريب السلاح من ليبيا مع الفوضى الامنية ووصول المنظمات المتطرفة لمخازن السلاح، كما لعب السودان دوراً في تهريب السلاح إلى مصر وعبرها إلى حماس "كشفتها غارات اسرائيلية على شحنة اسلحة في شرق السودان، اغتيال مهربي السلاح وقصف مخازن سلاح في مصنع اليرموك وغيرها".
مع استمرار وجود اسلحة خفيفة ومتوسطة في ليبيا دائماً، ادت الحرب الاهلية إلى وجود سلاح مكثف من جراء انشقاق قطاعات كاملة من كتائب القذافي، توريدات الاسلحة عبر مصراتة وبعدها شحنات الاسلحة من التاتو. اليمن طوال تاريحها كانت مدججة بالسلاح خارج الاطر الامنية من كافة اشكالها من الخفيف إلى الثقيل، تواجد القاعد مع تسليحها ومليشيات تابعة لعبد الملك الحوثي.
مع أن سوريا كانت من الدول الخالية من الاسلحة خارج الاطر الامنية، إلا أن الحرب الاهلية ادت لانتشار واسع وكثيف من كافة انواع الاسلحة. فقد انتقلت قطاعات كاملة باسلحتها إلى المعارضة، دعمت كافة دول المنطقة والخليج اطراف المعارضة، تركيا، الدول الغربية، امريكا وغيرهم. وأعتبر أن سوريا تعتبر التمثيل الكامل لوبائية الرصاصة، وتحتل هذا بعد أن كان يحتلها العراق بعد الغزو الامريكي عام 2003.
الموضوع
الاعداد
عدد السكان
22 مليون
عدد القتلى التقريبي (ثلاثة اعوام)
242,164
عدد الوفيات الخام (ثلاثة اعوام)
250000
الجرحى (ثلاثة اعوام)
199000
اللاجئين
حوالي 4 مليون
نازحين
حوالي 8 مليون
رغم أن اغلب هؤلاء الضحايا سقطوا باصابات مباشرة بالطلقات النارية، التي من السهل تصنيفها والتعرف على كافة المواصفات الفنية التي تقود لمعرفة وتتبع مصادرها، بل وتحديد الفاعل، فقد ساد في كافة دول الثورات العربية الانكار الكامل من كل الاطراف عن المتسبب في هذا القتل. وسوى مصر لم يتم عقد أي محاكمات او إتجاه لتحديد من اطلقوا النار.
كانت هذه المحصلة نتاجاً طبيعياً للصراع بين قوى الثورة والثورة المضادة في كل بلد، فقد اعتمدت كافة وسائل الثورة المضادة على ارباك القوى الثورية – غالباً شبابية بلا خبرة كبيرة- والمزايدة على مواقفهم، واستغلال حماستهم في التظاهرات المتواصلة والمواجهات مع قوى مختلفة. تستفيد قوى الثورة المضادة من هذه الاخطاء فتنصب كمائن اعلامية وشعبية لتضخيم اثر هذا على "الاستقرار والامن". ربما مرت كافة دول الربيع العربي بنفس الظروف التي ذكرناها سابقاً وخاضت نفس المسارات وادت لنتائج مختلفة قليلاً في كل بلد. عند تراجع الموجات الثورية حدث تنصل من المحاكمات التي طرحت في اوائل الثورات.
في كافة الثورات لم يتم اثناء الفترة الانتقالية جهد حقيقي من الاجهزة المختصة (الشرطة، المشرحة، القضاء، تسجيل الوفيات وغيرها)، لتجميع الادلة التي سوف تقدم للمحاكمات. ربما كان هذا للضعف العام الذي اعترى مؤسسات الدولة في هذه الفترات، ولكن غالباً لأن من كانوا على راس هذه المؤسسات كانوا من الضالعين مع النظام القديم وكانوا هم الذين يجب أن يحاسبوا بعد الثورة مباشرة وربما كانوا هم اطلقوا الرصاص. انعكس هذا على الهجوم المكثف من هذه القوى على اعداد الضحايا ومحاولة تخفيضهم لحدود ادنى والتنصل الكامل من الفعل او اجراء محاكمات فاقدة للاسس والبينات.
الموضوع
المحاكمات
الوضع القانوني للقتلة
المتهمون
تونس
لم تتم
مجهول
الشرطة، الجيش، الامن
مصر
كلها براءة
مجهول
الشرطة، الجيش، الامن، الاخوان المسلمين، بلطجية النظام، متطرفون
ليبيا
للقذافي وابنائه
تحت المحاكمة
كتائب القذافي، متطرفين
اليمن
لم تتم
مجهول
النظام القديم، فبائل الحوثى والقاعدة
لم يكن التهرب والتنصل من المحاكمات العادلة شيئاً عابراً في كل هذه البلاد، فقد إثرت بقوة على الاحداث اللاحقة. كان للاثار تفاعلات مختلفة لقطاعات مختلفة، اولهما كان على قوى الاسلام السياسي في هذه البلاد. فقد كانت تعرضت لقتل، ملاحقات واعتقالات من الانظمة الحاكمة وقد ادى تجاهل المحاكمات إلى احباطها، لكن الاخطر تحسسها ضعف الدولة، فاستدارت لما كانت مؤهلة له عبر تكوينها الفكري والتنظيمي. في مصر وليبيا اتجهت للتمكين، الاقصاء وتغيير بنية الدولة وهويتها والاتجاه للعنف. قوة المجتمع المدني، النساء وتعقل حزب النهضة اعطانا مساراً مختلفاً في تونس ربما تصنع الحل كما قادت الثورات.
الاثر الاخر كان على قادة الثورات من الشباب الذين دفعوا فاتورة الدم. فقد ادى هذا لتصعيدهم الاحتجاجات، التي تقود لقتلى اخرين ومزيد من التنصل من القتل. ادى هذا مع بدء تصعيد قوى الاسلام السياسي للعنف المدمر، ورغبة المواطنين في الحفاظ على الدولة، بكل فسادها وترهلها وسيطرة المسنين عليها، في وجه فقدان هوية المجتمعات الذي ووجهت به، أدى إلى تهميش الشباب الثائر وخروجهم من المشهد.
الصورة الان في كل اقطار الثورات العربية هو الصراع بين المجتمعات التي ملأت الشوارع متعطشة للتغيير، خاصة في بنية وهيكل الدولة الفاسدة، وبين قوى التطرف، الارهاب والعنف والتي عبرها يتساقط القتلى ويتناثر الدم فيها. هذا المشهد هو المسئول بصورة واسعة عن عدم قدرة هذه الدراسة في الامساك بالاعداد الحقيقية للقتلى، الجرحى ومن كان ضحية الاصرار الجانبية، وسبب تصنيف كل القتل في خانة قيدت ضد مجهول.
وبائية الرصاصة:حروب السودان الاهلية
اذا كانت مشاكل تحديد اعداد ضحايا الثورات او تحديد من اطلق الرصاص واجه مشاكل عويصة وكبيرة، وارتبطت بظروف ديناميكية ومتغيرة في مجمل الدول وفي كل دولة على حدة، فقد كانت هذه الظروف والعوامل مكثفة في الحرب الاهلية السودانية المتطاولة، والتي انتهت احد مراحلها بانفصال الجنوب مع استمرار حرب دارفور المندلعة منذ عام 2003. بعد انفصال الجنوب دخلت منطقة جبال النوبة في جنوب كردفان، وجنوب النيل الازرق في الحرب الاهلية.
يعود الفضل في كتابة اكثر هذا المقال إلى احد افضل الكتب التي تعرضت لهذه القضية ( John Hagan & Wenona Rymond-Richmond: Darfur and the Crime of Genocide, Cambridge University Press). ناقش الكتاب بشكل موضوعي وزمني وبمهنية فائقة كيفية تحولات الجدال حول اعداد الضحايا في دارفور، والاعتبارات السياسية التي تدخلت فيها.
في يونيو 2004 في جنيف تمت مناقشة صور الاقمارالصناعية لبعض القرى قبل وبعد الاعتداءات، وعرض دافيد سبرنجر محلل في الخارجية الامريكية صور لقرى شطاية ولكنة اختتم عرضه أن الصور ليست ادلة دامغة، ما لم تؤيد بشهادات من الميدان, وهكذا كونت الخارجية الامريكية فريق بحث توثيق الانتهاكات لانجاز دراسة لتقديم الادلة الميدانية لصور الاقمارالصناعية، لتقديمها الى مجلس الامن لتاسيس اتهام السودان بالابادة. (ADS – Atrocities Documentation Survey of Darfur refugees in Chad in summer 2004).
اصدرت الخارجية الامريكية ورقة باسم توثيق الانتهاكات في دارفور (Documenting Atrocities in Darfur) سبتمبر 2004 وكان مبنياً على دراسة عن اللاجئين في تشاد، وهي من نوع دراسات الادانة (victimization survey)، عن طريق اجراء مقابلات مع 1136 لاجيء دارفوري من 200 الف نازح من جملة 2.4 متاثر انذاك. توصلت الدراسة ان هناك حوالي 12000 وفاة وعدد كبير من حالات الاغتصاب عرف عنها من تم سؤالهم قبل حضورهم.
مع تصاعد الاخبار والروايات حول ما يحدث في دارفور والزيادة الكثيفة في اعداد اللاجئين إلى تشاد، بدأت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة السودانية في صيف 2004 عن باجراء دراسة عن المراضة والوفيات، وكانت دراسة اولية اجريت في شهرين متتابعين 2004 اعطت نتائج 2.14 كنسبة للوفيات الخام لكل 10000، وهي اعلى بنحو 5-7 مرات زيادة على معدل الوفيات العادية. كانت دراسة منظمة الصحة تقيس من توفوا في المعسكرات التي انشات للنازحين. وتوصلت الدراسة للعدد الاول في تحديد الوفيات وقدرته 70000 في السبعة اشهر السابقة للدراسة, علق جان ايجلاند منسق عمليات طواريء الامم المتحدة آنذاك انها عدة مرات اعلى من هذا الرقم. وبعدها اعلن ان الرقم يصل 180000 عن طريق ضرب الرقم الشهري 10000 في 18 شهر.
طرح جان كوبرج في عام 2005 في الدورية البريطانية "المراجعات البرلمانية" ضحايا الحرب ورفعها إلى 300000، ورفعها ايريك ريفز إلى 400,000، وكانت هذه نتيجة ضم نتائج دراسة توثيق الانتهاكات في دارفور (أي من تم توثيق حالاتهم من اللاجئين والتي قادت لفرارهم من جراء قتل اقاربهم، حرق قراهم وغيرها وكانت عن طريق عينة من 200 الف نازح من 2.4 متاثر انذاك) ودراسة منظمة الصحة (أي نتيجة للامراض، سوء التغذية والقتل خارج المعسكرات), تم اعتماد هذا الرقم في الميديا العالمية وتناوله الكثيرون. كانت هذه ايام اتفاقات نيفاشا وقد ايدتها الولايات المتحدة، وكانت تحاذر ان تثير القضايا "الحساسة".
عام 2005 زار روبرت زوليك نائب وزير الخارجية انذاك وعند اشارته لضحايا دارفور اشار الى 60 الف إلى 146 الف على الاكثر. وبعدها تم وضع تقرير جديد تتحدث فيه عن انتشار القتل في اوائل النزاع وان التدخل الانساني والامطار الغزيرة ساعدت على تخفيض الوفيات من الامراض وسوء التغذية. لكن كان هذا كافياً لتقديم 51 اسماً من اهم المسئولين متهمين للمحكمة الجنائية الدولية. كانت هذه الايام تشهد ايضا زيارة قوش مدير الامن والمخابرات، آنذاك، للانجلي مقر الاستخبارات المركزية لاستقطابه للعمل على مكافحة الارهاب. بعد عام تم توقيع عقوبات حظر على اربعة اسماء كات اعلاهم رتبة ضابط طيران حربي, كان اخر رقم عرض هو 200 الف وقد نشر في مجلة ساينس في عام 2006، وجاءت من استقراءات من العديد من الدراسات وتم تبنيه بصورة كبيرة.
الدراسة
اعداد الضحايا
توثيق الانتهاكات في دارفور 2004
12 الف للعينة المدروسة
الصحة العالمية ووزارة الصحة السودانية
10 الف في الشهر
اطباء بلا حدود
5.9-9.5/الف الوفيات الخام في ثلاثة معسكرات
الحكومة
10 الف مجموع كلي
مع تصاعد الاتهامات وتوجهات الادارة الامريكية، والدراسات المتلاحقة، اصدرت الانقاذ قراراً جمهورياً عام 2004، بتكوين لجنة تقصي حقائق حول الادعاءات بانتهاكات حقوق الانسان المرتكبة بواسطة المجموعات المسلحة برئاسة دفع الله الحاج يوسف. كانت هذه مناسبة نادرة في تاريخ الانقاذ لتكوين مثل هذه اللجنة وأن تقدم تقريراً علنياً منشوراً.
سوف نلاحظ التضارب بين الاعداد عندما اعلنت الحكومة انها كونت لجنة للتحقيق في احداث سبتمبر 2013، التي راح ضحيتها عدد كبير من الشباب والتي كانت وبائية اخرى في السودان. قالت الحكومة ان عددهم 85 شخص (خطاب الرئيس في بيانه أمام الجلسة الافتتاحية للبرلمان)، بينما قالت تقارير المنظمات المدنية ان عدد القتلى يفوق 250 شخصا معظمهم من الشباب والطلاب. ونفت وزارة العدل وجود أي لجنة بشأن التحقيق في تظاهرات سبتمبر من العام 2013 التي راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى. وأكد تولي النيابات العادية بوزارة العدل العمل بشأن ما أطلق عليه الوكيل " أعمال التخريب".
جاء تقرير لجنة تقصي الحقائق بالاعتراف بوقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان شملت ولايات دارفور الثلاث، إلا انها بالرغم من جسامته لا يشكل جريمة الابادة الجماعية ذلك ان اشراطها لم تتوفر. اما في شان جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي فقد توصلت اللجنة ان حوادث اغتصاب وعنف جنسي قد ارتكبت في ولايات دارفور الا انه ثبت ايضاً للجنة ان هذه الحوادث لم ترتكب بطريقة ممنهجة وعلى نطاق واسع مما يشكل إرتكاب جريمة ضد الانسانية...لم تستطع اللجنة تحديد عدد القتلى بشكل دقيق الا ان ما ورد في صلب التقرير يثبت ان القتلى من كل الاطراف بما فيها القوات المسلحة وقوات الشرطة لا يتجاوز بضع الاف.
كما تابعنا في عرضنا فقد اعترفت كل الاطراف بوجود انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، وتراوحت الارقم من بضع الاف إلى 10 الف قتيل، كما جاء في تصريح للبشير، إلى 300000 واكثر. ورغم الغبار الكثيف الذي تصاعد حول الاعداد وخضوعها لتقلبات الانتهازية السياسية للادارة الامريكية، واللامبدائية السياسية لنظام الانقاذ، فقد بنيت الاعداد في الدراستين (بحث توثيق الانتهاكات والدراسة المشتركة بين منظمة الصحة ووزارة الصحة السودانية) على منهج بحثي محكم، كما أن استقراء الاعداد الكاملة للضحايا من الدراستين بني على اسس علمية صائبة.
دخلت اجزاء اخرى من السودان في دائرة الحروب الاهلية في جنوب كردفان والنيل الازرق بعد 2010، لكن لم تتم أي دراسة موضوعية من اطراف مستقلة عن الضحايا من جميع الاطراف.
اخيراً
لم تشمل هذه الدراسة وبائيات رصاصة عدة بلاد مثل العراق منذ 2003، افغانستان منذ 2001 ، رواندا، جنوب السودان منذ 2013 وغيرها. هذه دراسة اولية لوضع الاطار المنهجي لتناولها وفق الاسس العلمية لدراسة الوبائيات واتمنى ان يتصدى لها شباب هذا العلم في تآصيلها ضمن اطار علم الوبائيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.