تقييم نجاح وفشل شخص ما في الحياة قد يكون أثناء حياته أو بعد وفاته غير أن التقييم الشامل يأتي بعد الوفاة لأنه لا زيادة ولا نقصان في الأداء بالرغم من أن التقييم أثناء الحياة مهم للغاية لأنه إثراء ونموذج يحتذى به للغير ورفع لمعنويات الشخص المعني للمزيد من العطاء. وفي هذا الصدد لا بد من وقفة في تاريخ حياة الرئيس الزامبي الراحل مايكل شيلوفيا ساتا الذي توفى في التاسع والعشرين من أُكتوبر في مستشفى الملك إدوارد السابع بلندن ويوارى جثمانه الثرى أثناء كتابتي لهذا المقال اي في الحادي عشر من نوفمبر 2014م وهو اليوم الذي يصادف الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى حيث المأساة للعالم أجمع بينما يمثل هذا اليوم مأساة مزدوجة للشعب الزامبي حيث شاركت زامبيا في الحرب العالمية الأولى وفقدت المئات بينما فقدت اليوم رئيسها العصامي. ولد الرئيس مايكل شيلوفيا ساتا في منطقة امبيكا الحدودية مع تنزانيا عام 1937م وتلقى تعليمه الأساسي قبل الاستقلال ولم يواصله لإنشغاله بالنضال من أجل التحرير حيث أودع السجن وأُطلق سراحه عام 1962م وقرر السفر خلسة الى بريطانيا حيث تشير بعض التقارير تقديم السودان مساعدة له للسفر وهذا الجانب مهم في تاريخ السودان للتواصل وربط الماضي بالحاضر . عمل في بريطانيا في السكة الحديد ردهاً من الزمن ثم عاد الى زامبيا ورشح نفسه للمجلس الفرعي لبلدية لوساكا في عهد الرئيس الأول كينيث كاوندا وأثبت جدارة في العمل ثم أصبح عمدة لمدينة لوساكا وأدخل إصلاحات عديدة وبعد تحول زامبيا من النظام الاشتراكي الى الراسمالي الديمقراطي عام 1991م تم تعيينه وزيراً للحكم المحلي ثم وزيراً للصحة وأخيراً وزيراً بلا وزارة ( وهو منصب مهم باعتباره الشخص الثالث في الحكومة) واصبح الأمين العام للحزب الحاكم. كان يسكن آنذاك بجوار المنزل الذي اسكنه ونشأت بيننا علاقة حيث كان يتصل بي من حين لآخر ودعاني الى مكتبه ومنزله للتباحث حول كيفية جذب الاستثمارات العربية الى زامبيا وبالفعل زار رجل أعمال اماراتي زامبيا برفقة سوداني وطلب مني مقابلة المسؤولين في الحكومة فاتصلت به وطلب مني احضارهم فوراً ودار حديث حول الاستثمار حيث طلب الاماراتي النحاس من زامبيا وقال مايكل ساتا أن الأمر بيد الرئيس شيلوبا ورفع السماعة واتصل بالرئيس شيلوبا مباشرة وأخبره بالأمر فما كان من الرئيس الا وأن وجه لنا الدعوة لتناول طعام العشاء معه وحضور جلسة افتتاح دورة البرلمان وللأسف تصبب أصحابنا عرقاً واعتذروا بأنهم مضطرون للسفر وهكذا ضاعت مننا وجبة دسمة ولقاءاً تاريخياً. وعندما تسلم مقاليد السلطة عام 2011م دعاني مرة أُخرى لأعد له تقريراً عن كيفية تطوير العلاقات الزامبية العربية وبالفعل أعددت التقرير الذي تضمن أهمية تطوير العلاقات في ظل التقاطعات السياسية الدولية العديدة مع قرب الدول العربية من افريقيا وأن العرب يشكلون نسبة كبيرة من سكان افريقيا ولا انفكاك لأفريقيا منهم دينياً وعرقياً واجتماعياً وكان لهذا التقرير الأثر في فتح سفارة زامبية في المملكة العربية السعودية وحصولها على قروض تقدر بأكثر من سبعين مليون دولار في غضون الثلاثة أعوام الماضية وأوضحت في التقرير أن السودان يشكل حلقة لوصل بين العالمين العربي والافريقي وحدث تقارب مع السودان أدى الى تشكيل مجلس الأحزاب السياسية الأفريقية ولا أعزي ذلك لشخصي وانما يرجع الفضل الى الله تعالي. أعود الى سيرته الذاتية فأقول أنه سياسي عصامي إذ بالرغم من قلة تعليمه الا أن أفقه السياسي كان واسعاً حيث كان من المفترض أن يختاره الرئيس الراحل شيلوبا مرشحاً للحزب لخوض الانتخابات الرئاسية بعد إكمال ولايته الثانية لأنه الأمين العام للحزب ولكن الرئيس الراحل شيلوبا اختار ليفي مواناسا مرشحاً لمنصب الرئاسة ضمن بطاقة الحزب الحاكم فما كان من ساتا الا وأن أعلن استقالته عن الحزب ولم يلجأ الى العنف أو حمل السلاح بل كون حزبه السياسي المعروف بحزب الجبهة الوطنية مع الدكتور قاي اسكوت البريطاني الأصل وخاض أربع انتخابات رئاسية كان ترتيبه الثاني دوماً ولم يقم بأي عمل عنف خطير باستثناء بعض المظاهرات الاحتجاجية وبعد عشرة أعوام في المعارضة فاز في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 2011م بمنصب الرئاسة ومع هذا لم ينتقم من الرؤساء السابقين بل حاسبهم بتهم الفساد فقط. تمكن الرئيس الراحل ساتا خلال ثلاثة أعوام من حكمه من إطلاق مشروع طرق بطول ثمانية آلاف كيلومتر لربط جميع أنحاء زامبيا ( وخاصة المناطق الزراعية الريفية ) ببعضها البعض كما أبدى رغبة كبيرة في الانفتاح على العالم العربي ولكن لم يجد المقابل المناسب ربما لتخوف الدول العربية ( باستثناء مصر ولبنان) من الاستثمار في هذه الدولة الواعدة اقتصادياً ( من حيث وفرة المياه ورخص الطاقة الكهربائية والبنى التحتية الأخرى الجيدة والأمن والاستقرار السياسي) . أما بالنسبة للسودان فقد كان من المتوقع أن يشارك بوفد رفيع المستوى في مراسم تشييع الرئيس الراحل ساتا خاصة وأن المشاركة تعني الرغبة الفعلية للانفتاح نحو أفريقيا فمتى ننفتح نحو افريقيا ولا نشارك الناس أتراحهم خاصة بعد تاسيس أكبر جهاز تشريعي سياسي في افريقيا لصالح السودان ( مجلس الأحزاب الافريقية). العظة التي يمكن تعلمها من حياة الرئيس هى أنه ينبغي للإنسان أن يضع هدفاً عالياً في الحياة ويصبو اليه بصرف النظر عن مستواه التعليمي فالتعليم شئ والحكمة في الحياة شئ آخر واذا اكتفى المرء بمستواه التعليمي لما أصبح رئيساً ناجحاً فالحكمة موجودة لدى المشايخ والعمد والنظار. والعظة الثانية السعي عبر الانتخابات ونيل ثقة الشعب واقناعه للوصول الى السلطة.هذه هى الجوانب المشرقة في حياة الرئيس ساتا وعلى السودان أن يرسل وفداً رفيع المستوى للتعزية حتى ولو بعد حين.