كنت قد تناقشت مع أحد أصدقائي في بداية التسعينيات ، عن مغبة زوالنا كأمة إسلامية ، وأمة عربية ، وتذويبنا فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد ، بما إستجد من اساليب لحروب ومصطلحات تصاحب الدعوة لهذا لايجاد هذا النظام لتوطين الدولة اليهودية في فلسطين . وخلصنا للأتي :- 1- في سبيل إبقاء العالم الغربي لإسرائيل دولة ، يسمونها ديمقراطية ، وساميّة، ويهودية ، فإن الغرب وبعد ان زرعها في منطقتنا قام ويقوم بتوطينها بما يلي :- 1-أ : تحديد خارطة الصراع ، وهذه الخارطة تمثلت في عزل الدول العربية عن محيطها الإسلامي الكبير ، وجعل الدول الغربية تتبنى نظرية ، عروبة القدس والأراضي المقدسة ومواجهة إسرائيل عربيا ، والدخول معها في حروب عربية فقط ، ونفض يد الدول الإسلامية عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل ، وكأن القدس ليست إسلامية فعلا ، وأنها عربية فقط ، وأن الامر لا يهم تلك الكتلة الإسلامية الكبيرة والقوية مجتمعة ، من دول العالم الإسلامي الكلي ، فكانت النتيجة لتلك الخارطة المنتقاة ، هي كسر عظم العرب ، وتفتيتتهم ، والتحارب بينهم ، وتقوية إسرائيل . 1-ب إدخال الأيديولوجيات المتصارعة عالميا ، وإقليميا ، على الدول العربية ، علمانية ، رأسمالية ، ونظم حكم ديمقراطية ، وإشتراكية ، وايجاد ديكتاتوريات إقليمية ، يهودية المنشأ ، بعث ، ومحلية اخرى لجان ثورية ، وناصرية ، وخلافها لا تؤمن بالنظام الإسلامي ، ثم خلق الصراع على الحكم ، حتى وصلنا للصراع المرير بين كل ما هو إسلامي ، وعلماني ، وانظمة ديمقراطية ، أو شورية إسلامية ، وتغذية ذلك الصراع ، حتى صرنا إلى ما صرنا إليه الآن ، من حرب طاحنة بين تلك الأيديولوجيا والنظم مجتمعة ، ضد النظام الإسلامي ، والذي يمكن له ان يوحد الدول العربية إذا إتخذته سبيلا لدمجها مرة أخرى في محيطها الإسلامي ، والقصد الكلي من ذلك ، ليس حبا في علماني او كراهية في إسلامي ، كما يبدو للعيان ، إنما القصد الأوحد هو تأجيج الفوضى الخلاقة ، وخلق الشرق الأوسط الجديد لتوطين إسرائيل . 2 - الإبقاء على فتنة شيعي ، سني : معاول الهدم بين الدول الإسلامية والمتمثل في سني شيعي ، المقصود منه منذ عهد الخلفاء الراشدين ، وبداية الفتنة السبئية اليهودية ، هو دق إسفين مذهبي ، شيعي ، سني ، متحارب ومتقاتل على مرّ السنين ، يستخدم في تخويف وحلب خيرات بعض الدول العربية ، وتقسيم رقعة الدول الاسلامية ودمغ معاملات بعضها مع الدول العربية بالعداء والاستعداء الدائم واستخدام ذلك في الحرب الشيعية السنية التي نرى ، بين ايران ودول الخليج من ناحية ، و في العراقوسوريا ، وفي اليمن حاليا ، لمزيد من التشتيت والإحتراب ومزيد من الفوضى الخلاقة ، وآمريكا وخلفها اليهود يستخدمون اسلوب العصا والجزرة في الإبقاء على ذلك ، وأسلوب المراوغة والدهن والتدليس ، في تعلية قدح ما هو سني على ما هو شيعي أحيانا، وما هو شيعي على ما هو سني أحيانا اخرى ، حتى رجحت الكفة الشيعية الآن بمزيد من الإضعاف السني لصالح الشيعي لما نرى الآن من تقارب بينها وبين إيران ، وإشغال السنة فيما بينهم بالفتنة الجديدة بينهم فيما يسمى بمحاربة الإخوان المسلمين الإرهابيين كما رسمت لبعضهم ، ثم إطلاق اليد الإيرانية في اليمن وفي سوريا بعد ان خلطت أوراقها ، ودمرتها بالفتن بين سني شيعي ، ثم الان سني سني ، وكل هذا يصب في الفوضى الخلاقة أيصا والتي تصب في صالح توطين إسرائيل حتى لو ادى ذلك في النهاية لإنهاء خارطة الدول العربية في شكله الحالي . 3- خلق الدكتاتوريات العربية مكنتّ امريكا ، الدكتاتوريات في كل من مصر ، والعراق ، وسوريا ، وليبيا ، الدول العربية القائدة والرائدة ، وإبقاءها سنين عددا ، تحت نير الديكتاتورية ، لإطالة النخر في عضدها وعضد الكتلة الكلية للدول العربية ، وهدمها من الداخل ، ثم الإنقلاب عليها شعبيا ، ( الربيع العربي) ، وإظهار رؤوس الإخوان المسلمين من خلال ذلك للانقضاض عليه وتفتيت الدول العربية ، السنية ، أكثر كما يحدث الآن . والإبقاء على الديكتاتوريات العلمانية لفترة إنقضت الآن ، يقابله أحيانا أخرى إبقاء على أنظمة تحسب على الإسلاميين كما يحدث في السودان الآن ، ثم العمل على تركيعه وإيهانه واضعافه ومحاربته ومحاصرته ، وإبقائه ، ليؤدى إبقاؤه لنفس النتيجة لتعطيل دولة عربية اسلامية اخرى مثل السودان وإطالة إبقاءها مقعدة ، إقتصاديا ، وسياسيا ، المهم ان تبقى الدولة هكذا لا تحرك ساكنا وتتعايش مع جو (غرف الإنعاش) لاكبر زمن ممكن ، حتى ولو كان على رأسها إسلاميين . 4- الإخوان المسلمين والإرهاب : تمثلت القوى التي تطالب بأسلمة النظم والدولة ، في بعض الدول العربية ، في نظام الإخوان المسلمين بداية بمصر ، واتيحت لهذه القوى الإسلامية الفرصة حتى برزت منافسة قوية ،و حائطا متينا ، ضد النظام الغربي ، والشرقي العلماني ، ثم تمت تقوية الأنظمة العلمانية ، والغربية ، فيها أيضا بالتزامن ، في بعض الطبقات المستنيرة ، وبعض الجيوش العربية ، والخدمة العامة ، والمدنية ، وعملت قوة الإخوان المسلمين ذوي الطرح الملائم للعقل والفكر العربي الإسلامي ، على إعتلاء كراسي الحكم في بعض هذه الدول ، في تونس و مصر وليبيا ، لبرهة على المسرح السياسي المرسوم من الغرب ، فخلصنا للربيع العربي على حساب الديكتاتوريات والعلمانية وغيرهما ، ثم تم الانقلاب على الإخوان المسلمين ، وتم تصنيف على عجل ودمغهم بالإرهاب ، ثم تم تجييش كل ما هو علماني ، وشبه علماني داخليا ، ضدهم ،ثم إنشاء تحالفات لها وزنها في المنطقة للإتقضاض على كل نظام للإخوان المسلمين في تلك ، لوأد اي تجربة لأي حكم إسلامي ، تلك التجربة التي لا تروغ لدكتاتورية أو علمانية ، أو ملكية ، وتم وأدها في مهدها ، مما أدى الى الحرب الطاحنة بين العلمانيين والإخوان المسلمين والملكيات والدكتاتوريات الحاكمة لصالح الفوضى الخلاقة ، لتوطين الدولة اليهودية أيضاً كما نرى . أسئلة تطرح نفسها :- السؤال الأول :- لما يحدث هذا في دول الربيع العربي فقط دون سواها من الدول العربية ، ولماذا تكون دول الربيع العربي والتي تدمر الآن ، هي نفسها دول الممانعة للحرب الصهيونية في حربي الخليج؟ ولماذا تدخل مصر في هذا الربيع العربي ويحدث فيها تغيير ضد الديمقراطية ؟ والإجابة واضحة :- تذويب أي ممانعة محتملة تقف ضد النظام الشرق أوسطي الجديد ، وأقحمت مصر وأرتضي فيها إنقلاب وحكومة غير ديمقراطية ، لأن مصر دولة مفصلية ودولة المنشأ بالنسبة لفكر الإخوان المسلمين ، وقد أعطيت فيها فرصة ضئيلة لممارسة الديمقراطية والإنتخابات ، فإن أتت بالعلمانيين ونظام فاسد كالسابق فبها ونعمت ، وإن أتت بالإسلاميين يتم الإنقضاض عليهم ، كما حدث فيها الان ، وكما حدث قبلها في الجزائر ، وحدث الآن في تونس ولكن بصورة ناعمة وذكية ، ويحدث في اليمن ، وفي ليبيا ، وسيحدث في السودان ، مع إختلاف سيناريو الإخراج للتغيير فيه ، والله وحده يعلم كيف يكون ذلك السيناريو، بحكم تماسك الجيش والسلطة وبحكم التناولات المتوالية وبحكم الإقعاد الإقتصادي والسياسي الحاصل !!! السؤال الثاني :- لماذا يتمسك الشيعة الفارسيين ، بحب الحسين وآل البيت العرب السنة ، ويدعون محبتهم بأكثر من السنة العرب لهم ؟ إنه تأجيج نيران فتنة المجوس وإبقاءها متقدة ضد الإسلام وهو معول الهدم الوحيد والحميّة التي تشعل تلك النار بين الشيعة والسنة على مدى التاريخ . السؤال الثالث : لماذا تمت إزالة الدكتاتوريات في العراق وليبيا ومصر وتونس ، واليمن ، والإبقاء عليها في سوريا ؟ إنه خلط الأوراق سنة ، شيعة ، والإبقاء على من يخدم هدف الفوضى الخلاقة حتى لو أتي دون ديمقراطية ، وحتى لو كان انقلابا عليها ، او كان إسلاميا ،وهدم كل من يخالف هذا الهدف. السؤال الرابع : لماذا إنقلبت بعض الدول الإسلامية ، المتحالفة حديثا ، على نفسها ، كالدجاجة التي تأكل بيضها ، عاى ما هو سني يحسب لها ، ومتمثل في الإخوان المسلمين ، ومحاربتهم في مصر وليبيا وتونس واليمن ، ولاحقا في السودان ، متناسبة حربها المتفاعلة الآنية الطاحنة ، الان في سوريا وفي العراق وفي اليمن مع الشيعة ؟ لماذا ؟ الاجابة متروكة لفطنة القارئ !! ولكن بعضها هو كبسّلة الفوضى ، وكبسلة الإحتراب ، وخلط الآمور ، ولربي انها قمة الفوضى الخلاقة ، حتى لا تعرف تلك الدولة المتحالفة او التي ضدها ، من يجب تحارب، وأين تحارب ، ولماذا تحارب ، وما هو صف الاعداء الاول وما هو الصف الثاني ، حتى تجد نفسها تدور رؤسها وتنحط حكمتها وقواها ... وكل ذلك لتوطين الدولة اليهودية وايجاد مساحة فاعلة ، قائدة لها في الشرق الاوسط الجديد . السؤال الخامس :- أين بقية العالم الإسلامي من هذا المعترك ؟ وماذا تمثل لهم القدس ، والدول العربية ، واسرائيل ، وما هي اولويات هذه الدول ، وما هو دورها ، أهي دول مدجنّة لا تقوى على شئ ، أهو الغبن التاريخي من تولي العرب للقضية الفلسطينية ووصمها بالعروبة فقط ؟ ألها مصالح من الغرب واسرائيل بأكثر من الدول العربية ؟ هل من مجيب ؟ والسؤال الأخير : هل من حل للقضية التي خلقت كل هذا واوجدته ، من تحالفات ومخاصمات ، وايديولوجيات ، وخلافها ، هذه القضية المتشعبة ، (عربي ، إسرائيلي ) ، حلا يحفظ للعرب بيضتهم ، وللإسلام بقاءه ، ولليهود معاشهم ، وبقاءهم وحقهم في العيش في زمرة إنسان المنطقة كما كانوا يعيشون بعطاءهم الإنساني الثر أيضاً؟ ثم تبرد علينا نيران الحروب والدماء ، لأطفالنا في غزة وفي ليبيا وفي مصر وفي اليمن ، ولأطفالهم ، هل يمكن ان تجد العلاقة الدينية بين الإسلام والجودايزم وبين الدم والرحم العربي اليهودي فرصة للتعلية وإحكام العقل وزيادة الثقة والتواصل بينها حتى ينعم العالم ، كل العالم بالأمان ؟. وهل تأنس اليهود والعرب بعقولها وتتحاور حتى تصل لمنطقة وسطى يمكن معها التعايش والإستفادة من الخيرات العربية ، والعقول اليهودية والخبرة الأمريكية والغرب وبقية العالم ، لخلق جو من الشراكة الدائمة في خير العالم ، بدلا من تفتيته وإزالته؟ وحتى تعتمل الديمقراطية في إنسانيتها والدين في قدسيته ، في تطبيق تلك الإنسانية والقدسية لخير البشر ؟ هل يمكن آن يحدث هذا ، أم آن إرادة الله غالبة ، في دفع الناس بعضهم ببعض؟ [email protected]