لم يكن السوداني قبل مجئ الإنقاذ، في مقدورهِ الحصول على جنسية مزدوجة، إلا بالتنازل عن جنسيته السودانية أو الحصول على موافقةٍ خاصةٍ من الجهات المختصة، ولكن من حسنات الإنقاذ غير المذكورة أنها أصدرت تعديلاً في قانون الجنسية والهجرة والجوازات في تسعينات القرن الماضي، يسمح للسوداني بالحصول على جنسيةٍ أجنبيةٍ مع الحفاظ على جنسيته السودانية. فالجنسية المزدوجة في دول العالم الثالث، بمثابة ضمان خيار لوطن غير الوطن الأم، يلجأ إليه المرء كلما إزدادت المضاغطات السياسية والمعيشية إضافةً إلى استحقاق مكتسب بالميلاد أو طول إقامةٍ أو مصاهرة أو قضاء فترة محددة بعد الحصول على حق اللجوء السياسي. وأحسبُ أن دستور السودان الانتقالي لعام 2005، جوّز لأي سوداني الحصول على جنسية بلدٍ آخر حسب ما تنظمه القوانين والتشريعات في ذلكم البلد. فالجنسية المكتسبة مع الحفاظ على جنسية الأصل تمنحُ حاملها كل حقوق المواطنة وواجباتها، ولكنها تستثني الالتزام القانوني لصاحب الجنسية المكتسبة في بلد جنسية الأصل، ولذلك من القوانين المراعاة في اجراءات الحصول على حق اللجوء السياسي أنه يمكن للاجئ السياسي السفر بوثيقةٍ مؤقتةٍ إلى شتى أنحاء العالم عدا موطنه الأصلي الذي لجأ منه، فاذا علمت السلطاتُ المختصةُ أن اللاجئ صاحب هذه الوثيقة إذا دخل بها موطنه انتفت صلاحيتها وزالت مسببات منحها، فبالتالي يطالب بمغادرة بلد اللجوء إلى موطنه بعد ضمان سلامته وأمنه في الزيارة التي قام بها عن طريق هذه الوثيقة المؤقتة، فيغلق ملفه ويحظر دخوله مرة أخرى كلاجئ سياسي، مهما كانت الأسباب والمسببات. وفي رأيي الخاص، أن هنالك فهماً مغلوطاً لازدواجية الجنسية، خاصةً في الوسائط الصحافية والإعلامية، وذلك عندما يتحدثون عن شاغلي المناصب الدستورية من حاملي الجنسيات المزدوجة، باعتبار أنه لا يحق لهم تسنُّم هذه المناصب في إطار فقه الولاء والبراء، ولكن هذا رأي غير صائب لأنه يحرمُ البلاد من شخصياتٍ يُمكن أن تسهم اسهاماً فاعلاً في إحداث مقارباتٍ بين موطنها الأصلي ووطنها المكتسب، والعالمُ يدركُ هذه الحقيقة، ويعيش حيثياتها في نماذجٍ لشخصياتٍ أبلت بلاءً حسناً في موطنها الجديد، ولم تنسَ أو تتناسى وطنها الأصلي، وحِجاجي في ذلك البروفسور هنري كسينجر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق ووزير الخارجية الأميركي الأسبق والمفكر الشهير الذي جاء إلى الولاياتالمتحدة الأميركية شاباً يافعاً من ألمانيا فأخلص لثلاث، الولاياتالمتحدة الأميركية وألمانيا، ولانتمائه الديني لليهود. فلم نقرأ من يجادل في وطنيته الأميركية، أو عدم استحقاقه لتسنُّم تلكم المناصب الدستورية العليا، ناهيك ما أرفده من فكرٍ وعلمٍ ومعرفةٍ للمكتبة الأميركية. أخلصُ إلى أن القانون والدستور في السودان يسمحان بإزدواجية الجنسية، فلا ينبغي أن ينبري بعضهم في ثوب حنابلةٍ أكثر من الإمام أحمد بن حنبل، فمنطقياً وقانونياً، ألا يتعارض إزدواج الجنسية مع فهم المرء لفقه الولاء والبراء فإن الولاء والبراء لله رب العالمين، وأن الولاء للوطن يكون بخدمته باخلاص، وليس بحمل وثائق السفر للموطن الأصل. وأكبر الظنُ عندي، أن السودان لم يستفد كموطن أصل من بنيه حاملي الجنسيات المزدوجة، فإما أن الدولة غير راغبة في الإفادة من حاملي الجنسيات المزدوجة، أو أنهم لا يحرصون على التباري في إبراز هذه الخاصية للذود عن وطنهم الأصلي في تلكم الأوطان. وأحسب أن خير دليل على ما ذهبت إليه أن كثيراً من هؤلاء كان يُمكن الاستفادة منهم في بعض المهام المتعلقة بالإعلام الخارجي والدبلوماسية الشعبية، حتى ولو في مجالسٍ استشارية، بدلاً من هيمنة أهل الداخل الذين يفتقدون الخبرة والرؤية في كيفية التعامل مع العالم الخارجي. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي: وللأوطانِ في دمِ كل حر يدٌ سلفت ودينٌ مستحقُ ومن يسقى ويشرب بالمنايا إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا ولا يبني الممالك كالضحايا ولا يدني الحقوق ولا يحق ففي القتلى لأجيال حياة وفي الأسرى فدى لهم وعتق