إصلاح مجلس الأمن الدولي: المنتصرون في الحرب العالمية الثانية وواقع تحول مراكز القوي الدولية بقلم/ الطيب عمر حسن يعتبر مجلس الأمن الدولي (United Nations Security Council) أهم الوحدات الست المكونة للأمم المتحدة (United Nations). ويتكون المجلس من 15 دولة عضو, خمسة منها دائمة العضوية (الصين وفرنسا والمملكة المتحدةوروسيا والولايات المتحدةالأمريكية), إضافة لعشرة أعضاء غير دائمين يتم إنتخابهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (UN General Assembly) لفترة سنتين بصورة دورية. ويُعني مجلس الأمن بإرساء السلم والأمن الدوليين بصورة أساسية, حيث يعقد جلسات منتظمة طوال العام لبحث قضايا الصراعات المسلحة والنزاعات المهددة للأمن والسلم الدوليين. وفي حالة وجود نزاع مسلح في دولة ما أو بين دولتين أو اكثر, يقوم المجلس بدعوة أطراف النزاع لحله بالطرق السلمية أولاً. وإن لم تكلل تلك المساعي السلمية بالنجاح قد يلجأ المجلس لفرض عقوبات إقتصادية أو حظر أسلحة أو وضع قيود علي حركة سفر المسؤولين إلي الخارج وعلي التحويلات المالية من وإلي الدولة العنية وما شابه ذلك. عندما يوقع المجلس عقوبات أياً كان شكلها علي دولة ما, كون الإتجاه هو إيقاع تلك العقوبات علي المسؤولين المتورطين في الممارسات المستهجنة من قبل المجتمع الدولي حصراً, مع العمل علي تقليل الأضرار الواقعة علي إقتصاد وشعب البلد المعني. إلا أن المتضررون من هذه العقوبات في الواقع هم الشعوب المستضعفة أنفسهم لا جلاديهم. ويلعب مجلس الأمن دوراً مهماً في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كذلك والتي تهدف لحماية المدنيين وخفض حدة التوترات في مناطق النزاع, إضافة لخلق مناطق عازلة بين الاطراف المتحاربة مما يساعد علي البحث عن تسوية سلمية للنزاعات المسلحة. ولدي كل دولة عضو بمجلس الأمن صوت واحد فقط عند إجراء عملية التصويت علي القرارات, إلا أن الدول دائمة العضوية تحظي بما يسمي بحق النقض (Veto) إضافة إلي ذلك. وهو حق يكفل للدولة الإعتراض علي صدور اي قرار لا ترتضيه من المجلس. وعلي عكس قرارات الجمعية العامة (General Assembly) والتي تُعتبر غير مُلزِمة (non-binding), فإن القرارات الصادرة من مجلس الأمن مُلزِمة لكل الدول الأعضاء (binding). يتفق معظم المختصين في الشأن الدولي علي أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC) والذي عقد أولي جلساته بالعاصمة البريطانية لندن في يناير 1946م, لا يعكس بشكله الحالي الواقع الدولي المعاصر للقرن الواحد والعشرين. خاصةً أن المجلس تتحكم فيه خمس دول (P5) فقط, بينما القرارات الصادرة منه تؤثر علي بقية الدول الأعضاء في الأممالمتحدة مجتمعةً. ويستوجب ذلك الأمر إصلاح المجلس لعكس الواقع الجديد الذي نعيش فيه. والمقصود بعملية إصلاح مجلس الأمن هو تحسين وتطوير أداء وفعالية المجلس عبر معالجة أوجه القصور فيه. إن الناظر إلي القارة الاوروبية العجوز يري أنها لم تعد مركز العالم كما كانت سابقاً. ويتجسد ذلك في الوهن الذي أصاب دول مثل بريطانيا وفرنسا اللتان كانتا يوماً ما تمثلان أمبراطوريتان لا تغيب عنهما الشمس. أضف إلي ذلك الصعود المتزايد لدول مثل الهندوالصينوالبرازيل. ونجد فوق هذا وذاك أن هنالك قارتان هما أفريقيا وأميركا اللاتينية لا تحظي أي دولة فيهما بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. في الوقت الذي تمتلك فيه القارة الاوروبية مقاعد دائمة تفوق وزنها السكاني الدولي, فيما تُعاني القارة الأسيوية التي تحوي ما يقارب نصف سكان العالم من تمثيل أقل من المطلوب في مجلس الأمن. كل تلك المعطيات وغيرها تؤكد الحاجة الماسة لإصلاح مجلس الأمن الدولي اليوم قبل الغد. جاءت أولي المحاولات لإصلاح مجلس الأمن في العام 1965م عندما أدي تضاعف عدد الدول الأعضاء في الأممالمتحدة إلي صدور قرار بزيادة عدد المقاعد غير الدائمة بمجلس الأمن. ويبلغ عدد الدول الأعضاء بالأممالمتحدة اليوم ضعف عددها في العام 1965م. ويعني ذلك أن نفس الحجة السابقة يمكن أن تُصلح اليوم لإحداث تغيير في مجلس الأمن يستوعب ويعكس هذه الزيادة في عدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية. وتم بالفعل تقديم عدد من المقترحات لمعالجة القصور في مجلس الأمن منذ العام 1993م دون أن يتم إنفاذ أياً منها حتي الآن. وتتركز مقترحات إصلاح مجلس الأمن حول ثلاث قضايا رئيسية هي: اولاً, عضوية المجلس (membership): تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة (GA) بإنتخاب 10 أعضاء غير دائمين كل سنتين, إلا أنه بالرغم من ذلك توجد هنالك أكثر من 60 دولة عضو في الأممالمتحدة لم يسبق لها أبداً أن حظيت بعضوية مجلس الأمن. صحيح أن بعضها كان مُستعمراً أو لم يكن موجوداً عند إنشاء الأممالمتحدة, إلا أن ذلك الماضي لا يعني حرمان تلك الدول من المستقبل ومن أن تلعب دوراً في المنظومة الدولية يوازي ما وصلت إليه من تطور إقتصادي وعسكري. ثانياً, حق النقض (veto): وهو حق مكفول للدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن فقط. وبموجبه يمكن لأي منها أن تمنع تبني أي قرار تري أنه ضد مصالحها أو لا يتفق وتوجهاتها. ويمكن حتي لمجرد التهديد بإستخدام حق النقض أن يؤثر علي قرار المجلس تجاه قضية معينة. وبالرغم من أن بقية الدول غير دائمة العضوية لا تتمتع بهذه القوة الفردية, إلا أنها تستطيع مجتمعة خلق ما يسمي "بحق النقض السادس". بحيث تستطيع نظرياً إذا وحدت مواقفها أن تعيق أياً من قرارات المجلس والتي تتطلب الحصول علي موافقة 9 أصوات من أصل 15 ليتم تمريرها. إن حق النقض الكفول لخمس دول من أصل 193 دولة عضو بالأممالمتحدة يوضح بصورة لا لَبس فيها أننا مازلنا تحت رحمة كبار المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. مما يُعاب علي "حق النقض" أن بعض الدول دائمة العضوية تستخدمه أحياناً بصورة "مُسيسة " لدعم حلفائها. علي سبيل المثال إستخدمت الولايات المتحدةالأمريكية حق النقض 13 مرة لمصلحة حليفتها إسرائيل في الفترة من 1991م إلي 2011م. بينما لم تستخدمه روسيا في ذات الفترة سوي 6 مرات لقضايا مختلفة, وإستخدمته الصين 4 مرات, ولم تستخدمه كل من المملكة المتحدة وفر نسا بتاتاً في تلك الفترة. ويري بعض المختصين أن تَمتُع دول معينة "بحق النقض" دون غيرها له تأثير سلبي علي المجلس, إذ أدي إلي تقليص دوره في حل النزاعات التي تتعلق بشكل أو بآخر بمصالح إحدي تلك الدول ذات الحظوة. أنظر للدور الضعيف لمجلس الأمن تجاه التدخل الأمريكي في العراق في العام 2003م, والتدخل الروسي في كل من جورجيا في العام 2008م وأوكرانيا في بداية العام الجاري 2014م. ثالثاً, الشفافية وطرق العمل (transparency and working methods): يعمل مجلس الامن في إطار السلطات التي يُخولها له ميثاق الأممالمتحدة وفي إطار القواعد التي يضعها المجلس نفسه لتسيير أموره. ويعقد المجلس جلساته بصورة سرية أو علنية في بعض الأحيان, إلا أن العديد من الدول تطالب بمزيد من الشفافية والإصلاح في طرق عمل المجلس. وتطمح العديد من الدول ذات الوزن الإقليمي والدولي في الحصول علي مقعد دائم بمجلس الأمن يوفر لها فرصة التمتع "بحق النقض" الذي يمنحها "كرت ضغط" إضافي في المجتمع الدولي. وأهم الدول الطامحة لمقعد دائم بمجلس الأمن هي: البرازيل (خامس أكبر دولة من حيث المساحة في العالم وتعتبر من الإقتصادات القوية الناهضة), وألمانيا (أحد أكبر المساهمين في ميزانية الأممالمتحدة نظراً لإقتصادها الضخم), والهند (ثاني أكبردولة من حيث السكان في العالم وتمتلك إقتصاداً مقدراً, وهي من الدول القليلة التي لديها ترسانة نووية), واليابان ( أحد أكثر الدول تطوراً في العالم وأقواها عسكرياً في السابق). إلي جانب الدول أعلاه هنالك أيضاً دول أخري تعتبر قوي إقليمية ناهضة تسعي للحصول علي مقاعد دائمة بمجلس الأمن لتُبرز تفوقها الإقليمي, وهي تضم كل من نيجيريا ومصر وجنوب إفريقيا كمرشحين متنافسين عن القارة الأفريقية. ظهر كذلك إلي جانب الترشيحات المقدمة من الدول بصورة منفردة عدد من المجموعات الإقليمية التي دفعت بمقترحات لإصلاح مجلس الأمن منذ تسعينيات القرن الماضي وهي: 1- مجموعة " المتحدين من أجل التوافق" (Uniting For Consensus). وهي مجموعة تعارض إضافة أعضاء دائمين بمجلس الأمن. وتدعو بدلاً من ذلك لإختيار أعضاء المجلس علس أُسس إقليمية لخلق نوع من التمثيل العادل. وتتكون مجموعة "المتحدين من أجل التوافق" من دول تظهر كمنافسين إقتصاديين وسياسيين لكل من البرازيلوألمانياوالهند واليابان. وتقود هذه المجموعة إيطاليا وأسبانيا اللتان تقفان أمام حصول ألمانيا علي مقعد دائم, والأرجنتين والمكسيك وكولمبيا في مواجهة البرازيل, وباكستان المعارضة لعضوية الهند, وكوريا الجنوبية المعارضة لعضوية اليابان. إضافة لمصر المنافسة لكل من نيجيريا و جنوب أفريقيا للحصول علي مقعد دائم بمجلس الأمن كممثل للقارة الأفريقية. 2- قدم الإتحاد الأفريقي (African Union) كذلك مقترحاً لتوسيع مجلس الأمن عبر تمثيل القارة الأفريقية بأربعة مقاعد بالمجلس إثنان منها دائمة وتتمتع بحق النقض, وإثنان منها غير دائمة. علي أن يتم تدوير هذه المقاعد علي الدول الاعضاء بالإتحاد الأفريقي عبر الإنتخاب. كما يدعو مقترح الإتحاد الأفريقي لتخصيص مقاعد لاميركا اللاتينية كذلك. وتجدر الإشارة إلي أن القارة الأفريقية لديها 3 مقاعد غير دائمة فقط بمجلس الأمن الدولي مقابل 54 دولة عضو في الإتحاد الأفريقي وفي الوقت الذي تمثل فيه القرارات الصادرة حول الشؤون الأفريقية غالبية ما يصدر من المجلس. 3- هنالك أيضاً مجموعة تسمي نفسها " الخمس الصغار" وتتكون من الأردن وسنغافورة وسويسرا وكوستاريكا وليشتنشتاين. وتدعو هذه المجموعة إلي مزيد من الشفافية والتنسيق بين مجلس الأمن والجمعية العامة والمجلس الإقتصادي والإجتماعي بالأممالمتحدة. كما تدعو إلي إجراء بعض الإصلاحات في "حق النقض". 4- أخيراً, هنالك مقترح مقدم من وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي (OIC) يدعو لمنح مقعد دائم لإحدي الدول الإسلامية لتمثيل الأمة الإسلامية التي تربو علي ما يزيد علي المليار نسمة حول العالم ولا تحظي أياً من دولها بمقعد دائم في مجلس الأمن. ووجد هذا المقترح معارضة من عدة دول لما يحمله من بعد ديني ولأنه سيؤثر حتماً علي معالجة الأممالمتحدة لقضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عبر إستخدام حق النقض من قبل المسلمين لإجهاض أي قرارا لا يتفق ومصالحهم. إضافةً لما قدمته الكتل الإقليمية أعلاه, قدم الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد/ كوفي عنان عدة مقترحات لإصلاح مجلس الأمن في العام 2004م ضمن تقرير "اللجنة رفيعة المستوي حول التهديدات والتحديات و التغيير". وأعاد السيد/ كوفي عنان في العام 2005م تقديم مقترحيه المعنونين بالنموذج (أ) والذي يدعو لإضافة 6 مقاعد دائمة و3 مقاعد غير دائمة لمجلس الأمن. والنموذج (ب) والذي يدعو لإضافة 8 مقاعد لفترة 4 سنوات قابلة للتجديد, إضافة لمقعد واحد غير دائم ليصبح المجموع الكلي في كلا النموذجين 24 مقعداً. ولم تقبل الدول الخمس دائمة العضوية أياً من المقترحين أعلاه. وتتباين مواقف الدول الخمس دائمة العضوية من الدعوات المطروحة لإصلاح مجلس الأمن. حيث تدعم الولايات المتحدةالامريكية منح مقعد دائم لكل من الهند واليابان (ربما للضغط علي الصين التي أصبحت الآن أقرب المنافسين للولايات المتحدة. فكلا البلدين لديهما علاقات حدودية متوترة نوعاً ما معها, وما زالت الصين تقيم أعياداً وطنية في ذكري مذبحة نانجينغ التي قتل فيها ما يقارب الربع مليون صيني إبان الغزو الياباني للصين في العام 1937م). كما تدعم الولايات المتحدة إجراء زيادة طفيفة في أعدد المقاعد غير الدائمة بالمجلس. بينما تدعم كل من المملكة المتحدة وفرنسا منح مقاعد دائمة لكل من ألمانياوالبرازيلوالهند واليابان ويتفق هذا مع الإتجاه الاميركي لدعم الهند واليابان كما يتفق جزئياً مع الإتجاه الروسي الداعم لترشيح الهند, مع زيادة تمثيل القارة الأفريقية وزيادة عدد المقاعد غير الدائمة. أما الصين فهي تدعم مبادرة مجموعة "متحدين من أجل التوافق" المقدمة في العام 2005م والتي تدعو للحفاظ علي المقاعد الخمس دائمة العضوية مع زيادة عدد المقاعد غير الدائمة إلي 20 مقعداً. ومع أن الهند تبدو أكثر الدول حظوظاً للحصول علي مقعد دائم بمجلس الأمن, إذ أنها تحظي بموافقة أربعة من الدول الخمس دائمة العضوية بينما تحظي اليابان بدعم ثلاثة منها. إلا أن "الفيتو" الصيني وحده قادر علي أن يحرمها بسهولة من الوصول إلي ذلك الهدف. ونجد في حالة اليابان أن الصينوروسيا قد يكونان علي إستعداد لرفع "الفيتو" في وجهها. ختاماً, يتركز معظم الإنتقاد الموجه إلي الدول الخمس دائمة العضوية (P5) بمجلس الأمن في انها كمجموعة تفتقر إلي ممثلين عن القارة الأفريقية والأمريكية اللاتينية اللتان ترزح دولهما تحت الفقر والنزاعات الداخلية والأطماع الخارجية, كما تفتقر تركيبة المجلس إلي وجود الدول القوية إقتصادياً مثل الهندوألمانيا. ويبدو مجلس الأمن بشكله الحالي كمجرد إنعكاس للقوي المنتصرة في الحرب العالمية الثانية, ولا يعكس بأي حال من الأحوال الواقع الدولي الراهن الذي برزت فيه قوي إقتصادية وسياسية وحتي عسكرية توازي أو تتفوق علي القوي التقليدية المعروفة. ونستطيع القول ان مراكز القوي في السياسة الدولية متحركة وليست ثابتة. أنظر إلي قيام وسقوط الامبراطوريات والدول علي مر التاريخ الإنساني. وما تشير إليه المعطيات الآن يؤكد أن مراكز القوي قد بدأت بالفعل في التحرك من الغرب الأوروبي إلي الشرق الأسيوي. [email protected]