تمر زامبيا حالياً بتجربة ديمقراطية فريدة من نوعها وذلك في أعقاب وفاة الرئيس المنتخب السيد/ مايكل شيلوفيا ساتا يوم 28 أُكتوبر 2014م وحدوث فراغ سياسي كبير. التجربة فريدة ويمكن أن تكون عظة لكثير من الدول الافريقية في كيفية حل القضايا السياسية الحساسة. والفقصة هى تعيين الرئيس ساتا للسيد/ إدجر لونجو وزير الدف ع وزير العدل الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية الحاكم ( PF) رئيساً بالنيابة قبيل سفره الى لندن لتلقي العلاج بدلاً من تعيين نائب الرئيس الدكتور قاي اسكوت ( من أصول بريطانية) وتوفي الرئيس في الخارج وقام الرئيس بالنيابة بتسليم السلطة الى نائب الرئيس بموجب الدستور. ورغب ادجر لونجو ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة على خلفية التأييد الكبير الذي حُظى به من أعضاء البرلمان التابعين للحزب الحاكم وكذلك من أعضاء اللجنة المركزية للحزب لاختياره مرشحاً للحزب الحاكم لخوض الانتخابات الرئاسية من خلال إحدى النافذتين السياسيتين وهما أن يتم اختيار المرشح بواسطة اللجنة المركزية أو المؤتمر العام للحزب المكون من مندوبين من جميع المحافظات( 5000 مندوب) وآثر إدجر لونجو ومؤيديه الانتخاب عن طريق اللجنة المركزية ولكن الرئيس بالنيابة اعترض على ذلك وآثر المؤتمر العام وهنا ظهر تطور سياسي آخر حيث رشح عشرة أعضاء في الحزب أنفسهم لمنصب الرئاسة ومن بينهم ابن الرئيس ساتا ,مولينجا ساتا , وارملة الرئيس ساتا , الدكتورة كرستين كاسيبي ساتا وابن أخت الرئيس ساتا , مايلز سامبا, وسحب البعض ترشيحاتهم قبيل اجتماع الجمعية العامة . عُقد اجتماع المؤتمر العام ولكن دون حضور الرئيس بالنيابة لاسباب يعلمها وتم انتخاباب ادجر لونجو رئيساً للحزب والمرشح لمنصب الرئاسة ولكن الرئيس بالنيابة اعترض على ذلك وعقد اجتماعًاً آخر للمؤتمرالعام حيث أُنتخب مايلز سامبا مرشحاً للحزب. وهكذا أصبح للحزب الحاكم مرشحين للرئاسة وبمكن للقارئ تخيل كيفيةالخروج من هذا المأزق السياسي.رفع مايلز سامبا قضية طعن الى المحكمة العليا ضد ترشيح إدجر لونجو للرئاسة بينما رفع إدجر لونجو قضية طعن ضد انتخاب مايلز سامبا وفي هذا الاثناء توالت التهم على الرئيس بالنيابة بأنه أراد تدمير الحزب الحاكم ولا يحق له التمسك بمنصب الرئيس بالنيابة لأن أبويه غير زامبيين ولا زال يحتفظ بالجنسية البريطانية( اصدرت السفارة البريطانية تنفي فيه أن يكون قاي اسكوت أحد رعاياها) كما اجتمع أربعة عشرة وزيراً وطالبوه بالاستقالة من منصبيه كنائب لرئيس الحزب والرئيس بالنيابة ولكنه لجأ الى القضاء ورفع قضية بعدم تنفيذ قرار فصله من منصبيه وبالفعل أمرت المحكمة بتجميد فصله الى حين البت فيها . وفي هذا الاثناء سحب مايلز سامبا القضية من المحكمة وبذلك اصبح إدجر لونجو مرشحاً لحزب الجبهة الوطنية لمنصب الرئاسة. بالرغم من الاحتقان السياسي بين الرئيس بالنيابة وإدجر لونجو الا أنهما اجتمعا بمبادرة من الكنيسة وجرى الصلح فيما بينهما وقررا القيام بحملة انتخابية موحدة لمجابهة أكبر حزب معارض وهو الحزب المتحد للتنمية الوطنية(UPND) السيد/ هاكيندي هيشليما في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في االعشرين من يناير 2015م تحت مراقبة السوق المشتركة للشرق والجنوب الافريقي (الكوميسا ) وجماعة التنمية للجنوبالافريقي ( السادك) وغيرها من المنظمات الدولية المعنية بالانتخابات. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى أن مرشح الحزب المتحد للتنمية الوطنية السيد/ هاكياندي هيشليما خاض أربع انتخابات رئاسية سابقة ورضى بنتائج الانتخابات الرئاسية ولم يفكر في اللجوء الى العنف السياسي العبرة الأولي من التجربة السياسية الزامبية هى أنه بالرغم من وجود خلافات سياسية حادة الا أن هناك احترام لحكم القانون فالمحكمة هى الملاذ للمعارضة والحكومة وقرارها هو القرار النهائي والعبرة الثانية أنه لم يفكر أي طرف في أعمال العنف لنيل ما يراه حقه المشروع ولهذا أتمنى أن نستفيد في السودان من هذه التجربة خاصة مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية بتمسك الجهاز القضائي بالاستقلالية التامة مع الشفافية وأن ترضى كل الأطراف ذات الصلة بحكم القانون ولن تضل أمة تتمسك بالحكم القضائي النزيه. العبرة الثالثة هى أن زعيم الحزب المعارض السيد/ هيشليما ظل متطلعاً للرئاسة منذ عشرة أعوام ولم يفكر في انتزاع السلطة بالقوة أو التحريض على العنف بل يرى أن صناديق الاقتراع هى أقرب طريق للوصول الى السلطة من خلال طرح برامج الحزب لكسب اصوات الناخبين وهذه العبرة دعوة لنا في السودان بالصبر الشديد في الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع فقط لتجنب البلاد المزيد من الصراعات التي صاحبت استقلال السودان فلماذا لا نفكر في التنمية البشرية والاقتصادية بدلاً من الانشغال بالسياسة التي أتعبت زعماء من قبلنا وماتوا قبل تحقيق طموحاتهم. العبرة الرابعة هى لماذا لا يبذل علماء الدين جهداً دينياً( اصلاح ذات البين) في ايجاد تقارب بين مختلف الأحزاب السياسية فالعجيب في الأمر أن الحكومة والمعارضة يصلون خلف امام واحد في مختلف المساجد فاذا كانت الثقة في الامام هكذا فلماذا لا يشعر الأئمة والعلماء بأهميتهم وبهذه الثقة فيهم والقيام بنفس الدورالكنسي في زامبيا لايجاد تقارب وجهات النظر سواء بين المعارضة المسلحة أوالسلمية والحكومة وسوف تؤتي الثقة في القضاء وعلماء الدين سوف أُكلها ولو بعد حين مثلما حدث في زامبيا.