تتعدد أسماء الموبايل Mobile Phone في العالم العربي فهو جوّال ونقّال ومحمول ومتحرك وخلوي. الأربعة الأوائل هي ترجمة حرفية لكلمة mobile الإنجليزية. أما خلوي فلا علاقة لها بكلمة الخلاء العربية وإنما هي نسبة إلى خلية cell الإنقليزية Mobile cell . وفي بعض البلدان نجدهم قد احتفظوا بالاسم الأجنبي كما هو، كما في السودان مثلا. ففي بلد ما أو مجموعة بلدان يقولون: جوال. وفي بلد آخر أو أكثر يقولون: محمول، وهكذا. وجوال صيغة مبالغة من يجول جولانا فهو جوَّال. ونقال صيغة مبالغة من نقل ينقل نقلا فهو نقَّال. وكل هذه الأسماء هي مترادفات ينوب كل منها عن الآخر في المعنى. وقد تواضع الناس على هذه الأسماء هكذا دونما اتفاق ومن غير قرارات فوقية من مجامع اللغة العربية كما كان يحدث في الماضي. ويبدو أنه قد تبين لهذه المجامع اللغوية عدم جدوى ما كانت تقوم به من وضع أسماء بعينها لمقابلة الأسماء الأجنبية لما يستحدث من أدوات تقنية. والدلالة الأولى التي نستفيدها من تعدد هذه الأسماء هي تفسير ظاهرة الترادف التي ميزت اللغة العربية. صحيح أنه لا تكاد تخلو لغة من هذه الظاهرة إلا أنها واسعة جدا في العربية. والترادف هو وجود أكثر من لفظ للمعنى أو الاسم الواحد. مثل الإنسان والبشر، ومثل: أسد وليث وسبع، ومثل: قمح وحنطة وبُر. ومثل ذهب ومضى وجلس وقعد إلخ.. ونحن نتفق مع من قال بالترادف في أن هذه الظاهرة مردها إلى اختلاف لهجات القبائل العربية. فكان لكل قبيلة لهجتها الخاصة داخل اللغة الأم. وعندما وحد القرآن لهجات العربية وقام العلماء بجمع اللغة ووضع المعاجم والمصنفات جمعوا كل اللهجات ولم يفرقوا بصفة عامة بين لهجة واخرى وكانت النتيجة هذا التعدد في الألفاظ والمعاني. يقول السيوطي:" قال أهل الأصول: لوقوع الألفاظ المترادفة، سببان أحدهما: أن يكون من واضعيّن وهو الأكثر بأن تضع أحدى القبيلتين أحد الاسمين والآخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد، من غير أن تشعر أحدهما بالأخرى ثم يشتهر الوضعان ويخفى الواضعان أو يلتبس وضع أحدهما بالآخر، وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية. والثاني أن يكون واضع واحد وهو الأقل". – المزهر في علوم اللغة- الجزء الأول ص 405،406 هذا، وأنكرت طائفة، الترادف، منهم ابو العباس ثعلب وتلميذه ابن فارس. وقالوا مثلا: إن في قعد معنى ليس في جلس وكذلك مضى وذهب وانطلق ورقد ونام. ونحن نرى أن في ذلك تمحل ومغالاة. فهنالك ترادف في ذهب ومضى وفي تحدث وتكلم وغيرها من أفعال. تقول هل تتحدث العربية؟ وهل تتكلم العربية؟ والمعنى واحد. وتقول: لا شك في ذلك ولا ريب في ذلك والمعنى واحد. على أنه يجب التفريق بين الشيء أو الاسم وبين الصفات. فالترادف يكون في اسم ذات الشئ ولا يكون في صفاته. مثلا: السيف اسم ذات والحسام والصارم والمهند وغيرها صفاته. وتحكي كتب اللغة أنه كان بمجلس سيف الدولة ذات مرة جماعة من أهل العلم بينهم أبو علي الفارسي وابن خالويه. قال ابن خالويه: احفظ للسيف خمسين اسما، فتبسم ابو علي وقال: ما احفظ للسيف إلا اسما واحدا هو السيف. قال ابن خالويه فاين المهند والصارم وكذا وكذا؟ فقال أبو عليّ: هذه صفات، وكأن الشيخ لا يفرق بين الاسم والصفة." – المزهر في علوم اللغة - ص 405. قلنا إن الدلالة الأولى التي نستفيدها من واقع تعدد أسماء الموبايل هي تفسير ظاهرة الترادف. أما الدلالة الثانية هي الرد على دعاة توحيد المصطلحات بين البلدان العربية. فهذه الدعوة يترتب عليها القضاء على التعددية اللغوية وعلى ظاهرة الترادف التي تعد أهم مميزات العربية. كما أن الدوافع وراء توحيد المصطلحات والأسماء دوافع آيدلوجية تفتقر إلى الوعي بأهمية التنوع والتعددية اللغوية ولا تستند إلى مسوغ واقعي وعملي. فالقول إن توحيد المصطلحات من شأنه تسهيل التواصل بين أبناء اللغة الواحدة يغفل عن أن إختلاف اللهجات العربية لم يكن في يوم من الأيام عقبة أمام التواصل بل كان على الدوام يمثل عامل ثراء وغني للعربية. فدونك الروايات التمثيلية (المسلسلات) التفزيونية التي تذاع يوميا باللهجات العربية المختلفة وتشاهد عبر البلدان العربية. وها هم حملة العربية يتواصلون يوميا فيما بينهم وكل يستخدم لهجته الوطنية من غير حائل لغوي يحول دون ذلك. الإتصال وحروف الجر: مع استعمال الموبايل زاد استعمال الفعل اتصل ومشتقاته وتعددت حروف الجر المستخدمة مع الفعل واختلفت من بلد إلى آخر. فنجد في بعض البلدان يستخدمون حرف الجر "على" كما في دول الخليج فيقولون: "اتصل على" و" اتصل عليّ" وفي بعضها مثل بلاد الشام يستخدمون الحرف في، فيقولون: " اتصل فيّ واتصل في". وفي السودان كنا نستخدم حرف الجر الباء فنقول: اتصل بي واتصل ب . وهذا يتطابق مع ما عليه الحال في الفصحى التي تستخدم الباء مع فعل الإتصال. جاء في معجم لسان العرب: "وصل الشيء بالشيء" و"اتصل الشيء بالشيء". ولكنا بتاثير من اللهجات الأخرى صرنا نقول اتصل على. وربما هنالك من يقول: اتصل في. وهنالك من يستخدم الفعل دقّ عوضا عن اتصل. يقولون: دُق لفلان ودقيت لفلان تلفون. وهي بديل كلمة ضرب إذ نقول اضرب وضربت تلفون. والمقصود بالدق هنا دق نغمة التلفون. من دق المعازف والموسيقى. والدقة نغمة الإيقاع أو الضربة. والدق في كلامنا هو الضرب مطلقا. يقولون: دقَّ الولد أي ضربه. ودقات القلب ضرباته. يقول شوقي: دقات قلب المرء قائلة له * إن الحياة دقائق وثواني والدق الطرق: يقولون: دق الباب يدقه دقا ودقة. ومن معاني الدق، الهرس والسحق. جاء في معجم لسان العرب: "الدق مصدر قولك دققت الدواء أدقه دقا وهو الرض دق يدقه دقا ودققته فاندق. والمُدق ما يُدق به الشيء. والدقّاقة شيء يدق به الأرز. والدُقاقة والدُقاق ما اندق من الشيء. والدُقة: التوابل وما خلط به من الإبزار. والدقيق الطحين. والدقيق غير الغليظ. والدقيق: الغامض. والدقدقة: حكاية أصوات حوافر الدواب في سرعة ترددها مثل الطقطقة".