"moaney" [email protected] مطربتان صاعدتان تدخلان معركة كلامية على خلفية جدل كبير حول ملكية طبقة الصوت.الجدل يملأ شوارع الخرطوم ، نفس الخرطوم التي كان فضاؤها في زمان ما مؤانساً بالنغم الجميل تبدو الآن مثل مدينة للغجريات. الطرب الآن ليس عصياً على الاستحواذ ، بعض من يمر من هناك يطرب بشكل أو بآخر ، أو يبيت ليلته يلعن المقلدين الذين يملأون هدوء الليل ضجيجاً بأصواتهم وآلاتهم غير المضبوطة . بداية سجلت اعتراضاً على سخط المثقفاتية على "غناء البنات " باعتباره هابطاً ، كان وجه اعتراضي في أصل التصنيف الجندري ، لأنه إذا كانت المشكلة في ضعف قيمة الفن الغنائي فهو لا يكون في انتمائه لرجل أو امرأة ولكن لمؤدٍ أياً كان نوعه ، وفكرت في أن التمسك بجزئية الإسفاف في غناء البنات يصرفنا عن معالجة التدني في قيمة الفن الغنائي بشكل عام ،خاصة وأن الهبوط والضعف لم يستثن فئة دون أخرى.الخلط يحدث بهذا التعميم ، فإذا كان المصنفون يريدون بتلك التسمية أغانٍ ترتبط بطقوس الزواج مثل الحنة ورقص العروس والسيرة وغيرها ، فهذا تخصص يغفل الجزء الأكبر من اهتمام الناس بالغناء وتداوله لأنه يرتبط بمناسبات محدودة وهي جزء من كل ، وإذا كان لا بد من معالجة له فيجب أن تكون المعالجة في سياقها .أما إذا كان القصد منه هو كل ما يتردد من أغنيات على لسان إمرأة فيجب الوقوف والنظر إلى تاريخ الغناء السوداني ودور المرأة في إثراء هذا النوع من الفن . لن يسامحنا التاريخ لو تنكرنا للفن الغنائي النسائي السوداني أو أسقطناه من الحسابات الفنية فقد كان حاضراً واحتل مساحة مقدرة في سوح الغناء السوداني . رغم أن ذلك الحضور كان محاطاً بقدر كبير من الخصوصية ، إلا أن تلك الخصوصية هي التي ميزته وحفظت الذوق العام مما نسمعه يتردد الآن من بعض المطربين والمطربات. المرأة السودانية غنت أغانٍ وطنية بالدلوكة منذ المهدية ، وبعدها غنت في الحماسة والكرم والشجاعة. وبعدها تحول شكل الغناء إلى الأغنيات العاطفية ، (سهر المنام لي وحدي) : فاطمة خميس. (يا مدلل سيب دلالك ده) :تومات كوستي .(عني مالم) : عائشة الفلاتية .(عشان هواك حبيت): فاطمة الحاج. (يا منى عمري وزماني) : منى الخير، ثم توالت المنظومة حتى وصلت البلابل وسمية حسن ومنال بدر الدين وعابدة الشيخ ، ولكن انقطع نظم الشعر الغنائي والموسيقي ليبقى ما نسمعه الآن. كان الناس يخشون ما تنادي به أصوات جريئة الآن ، وهو المطالبة بوضع ضوابط لامتهان الغناء مثله مثل امتهان مهنة القانون ومهنة الطب تتم بها إجازة الأصوات عبر شهادة معترف بها من جهات الاختصاص لا أن توزع الشهادات على كل من هب وقلّد عبر برامج الهواة في قنواتنا الفضائية.هذه الضوابط ستسد الطريق أمام الكثيرين من أنصاف الهواة ولكنها في المقابل ستنعش ذائقة فنية راقية لا تجد ما تسمعه الآن وتعيش على قديم النغم ، وستريح آذاناً وعقول. حقاً فإن الفنانين والفنانات الذين لا يبحثون عن الكلمات والألحان في أصواتهم الخاصة لا بد وأن ينتهوا كتماثيل الشمع ، تنصهر في أول بوتقة اختبار حقيقية.وبالابتعاد قدر الإمكان عن رثاء الحال وخوفاً من أن يتقمص الجهلاء أدوار المغنين وهم يتقاتلون قتال الشوارع في حق ملكية طبقات الصوت فلا بد من تأسيس وجود غنائي جديد يبتديء من حيث انتهى عمالقة الفن ويتجاوز زمن التردي هذا.وتحقيق هذا النوع من الفن ليس بحلم متخيل وليس بهيام الملحنين بالمغنيات، ثم الزواج منهن وانجاب الأطفال والأغنيات معاً.نحن أمام مشروع تشكيل جديد لوجدان غنائي راقٍ يرتفع فوق مستوى الرغبات ولا يكشف عن أسرار الأغنية إلا بقدر معانقتها للروح. عن صحيفة "الأحداث"