بسم الله الرحمن الرحيم الخطبة التي ألقاها الأمير: عبد المحمود أبّو بمسجد الهجرة بود نوباوي بتاريخ 30 ديسمبر 2015 م الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم قال تعالى " مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً " صدق الله العظيم أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز في هذا الأسبوع مرت بنا الذكرى الثلاثون بعد المائة لتحرير الخرطوم ؛ ذلك الحدث الذي بموجبه نال السودان استقلاله الأول ، وتحت راية الإمام المهدي عليه السلام توحد كل أهل السودان ؛ وأعلنوا الثورة على حكام الخرطوم الظالمين الراكنين إلى قوتهم والمستخفين بقدرات السودانيين حتى فوجئوا بالحصار الذي أطبق على الخرطوم من كل الجهات: الشيخ العبيد ودبدر وأولاده من الشرق، والأمير عبدالرحمن النجومي وقواته من الجنوب الشرقي، والأمير محمد عثمان أبوقرجة وقواته من الجنوب ، والأمير حمدان أبوعنجة من الشمال الغربي، والأمام المهدي عليه السلام ومركز القيادة من الغرب حيث عسكر في ديم أبي سعد، وفي اليوم الموعود يوم الإثنين 26 يناير 1885م كانت رايات الأنصار ترفرف في قصر غردون وعلت الأصوات حتى وصلت عنان السماء مرددة الله أكبر ولله الحمد وبهذا تطهّر السودان من دنس الاستعمار على أيدي فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا ياجرير المجامع إن تسلسل الأحداث باختصار بدأ واستمر كالآتي: أولا : أعلن الإمام المهدي عليه السلام الدعوة في الجزيرة أبا في 28 رجب 1298ه 1881م وفي رمضان من نفس العام هاجمت الحكومة الجزيرة أبا بعد فشل سفارة أبي السعود للإمام المهدي فمنيت بهزيمة منكرة ، وبعدها هاجر الإمام المهدي إلى قدير فلحق به حاكم فشودة راشد بك ومعه قوة قوامها 1700مقاتل فدمرت عن بكرة أبيها في آخر ديسمبر 1881م . ثانيا : حركت الحكومة جيشا جرارا بقيادة الشلالي فدمر بكامله وكان عدد القتلى عشرة آلاف مقاتل وشهداء الأنصار كانوا مائتين بينهم السيد حامد أخو الإمام المهدي عليه السلام. ثالثا: تحرك الإمام المهدي إلى الأبيض فحررها وقبلها حرر بارا وهنالك جاءته الوفود مبايعة من كل جهات السودان بل من خارج السودان وبعث رسله إلى الحجاز ووداي وسكتو وتونس وسوريا وغيرها من البلدان يدعوهم للتحرك لطرد الإستعمار ولنصرة الإسلام. رابعا: بعد هذه الانتصارات المتوالية اختار الخديوي توفيق بمساعدة من الحكومة البريطانيةِ ضابطا بريطانيا متقاعدا عرف بالكفاءة في حروب الهند والحبشة وغيرها ؛ هذا الضابط هو مورقان هكس تم اختياره ليقود حملة مصرية تركية ألبانية شركسية مع مجموعات أخرى من الأوربيين للقضاء على الثورة والدعوة المهدية وتتكون القوة من 15 ألف جندي شكلت 9 كتائب مزودة ب26 مدفعا متنوعة واتخذت القيادة الحربية للدعوة المهدية خطة محكمة لمواجهة الجيش الغازي وفي 5نوفمبر 1883م وقعت معركة شيكان وفي بضع دقائق أبيد الجيش بكامله حتى أن الدوائر البريطانية وصفت ما حدث لجيش هكس بأنه كان أشبه بإبادة جيش فرعون الذي غرق في البحر وهو يلاحق نبي الله موسى وقومه. خامسا: في أثناء هذه المعارك كان الإمام المهدي عليه السلام يراجع الخطط والبرامج والتشريع لملاءمة المستجدات على قاعدة لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال فاكتملت خطط بناء الدولة وتشريعاتُها وبرامجها وتم تقسيم الجيش إلى ثلاث رايات استعدادا للتحرك للخرطوم. سادسا: عندما وصل غردون إلى بربر وعد الأهالي بأنه جاء ووراءه قوة ضخمة ستقضي على المهدية وحذرهم من تأييد المهدية واصفا المهدي بعبارات نابية، ومن الجانب الآخر أرسل خطابا للمهدي يعيِّنه فيه حاكما على كردفان ويدعوه للتعاون لفتح الباب الزيارة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم . وأرسل إليه هدية تحتوي على ملابس فاخرة. فرد عليه الإمام المهدي برسالة جاء فيها : " وقد كتبت إلى حكمدارية الخرطوم وأنا بأبا بدعايتي إلى الحق ، وبأن مهديتي من الله ورسوله ولست في ذلك بمُتَحَيِّل ولا مريدٍ ملكا ولا مالا ولاجاها ، وإنما أنا عبد أحب المسكنة والمساكين وأكره الفخر وتفخُّر السلاطين " وجاء فيها : " فطهر نفسك أولا بالدخول في ملته ثم أشفق على أمته بسلوك سنته" وأما الهدية فأعادها الإمام المهدي إلى غردون وكتب له " فأما هديتك فعلى حسب نية الخير فجزاك الله خيرا وهداك إلى الصواب واعلم أنه كما كتبنا لك لانرغب متاع الحياة الدنيا وزينتها. كما قال سليمان : " أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ" واستمرت رسائل الإمام المهدي عليه السلام لغردون تدعوه إلى حقن الدماء وإلى الدخول في الإسلام أو إذا أراد العودة إلى بلاده فسيسمح له بالعودة عزيزا مكرما ولكنه كان عنيدا متكبرا مغرورا فقاده عناده إلى حتفه وبلغت رسائل المهدي إلى غردون تسع رسائل. سابعا: آخر إنذار أرسله الإمام المهدي عليه السلام نصه كالآتي: " أمابعد ،فإن النصائح تتابعت إليك ولم تُلْقِ لها بالا، والدلائل ترادفت عليك ولم تَزِدْكَ إلاضلالا ، وكثرة المواعظ باللِّين لم تُفدك إلا نفورا واستكبارا ، لأن الحق يَغشى صدور المؤمنين ولايزيد الظالمين إلاخساراً ، وقد ورد إلينا جوابُك الذي قَصَدتَ به خداع الأهالي بأنّ نجدة الإنجليز مُتَوجهة إليك على ثلاث فرق لتنصرك ، وجوابك هذا يدل على كثرة شفقتك وشدة مضايقتك . فإن تمسكت من الخداع بحبال العنكبوت وخشيت أن تموت ؛ فلا بد لك أيها الكافر أن تموت . وهذه المواعيد التي تدلس بها من العام الماضي على أهل الخرطوم ، وتوعدهم بحضور الإنجليز فلم يزدهم وعدك إلا كثرة الغموم . فالآن لما ضاق بك الحال ، وأدركك النكال ، صرت من داخل حفرتك التي سجنك الله بها تدنس على من هو في بر السلامة، متحوف بمزيد الكرامة ، متمكن من أخبار الركبان الواردة من أطراف البلدان . أترى صحيح الجناح مطلوق السراح محتاج إلى أخبار من هو مثلك في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها. فاعلم ياعدو الله أن الأخبار الحقيقية معنا لامعك ، ولم يصل لنا من الأخبار مافيه لمهجتك انتعاش ولا لشوكتك انتقاش. بل لامفر لك من القتل بأيدينا أو الموت بقلة المعاش. ولكن لاعجب منك من انكار المهدي لأنك لم تؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ بل العجب من علماء السوء المقتدين بك الذين أضلهم الله على علم وختم على سمعهم وقلبهم وجعل على بصرهم غشاوة ، إذ رضوا بك إماما واتخذوك أستاذا! وصاروا يستفتحون على المؤمنين ويطلبون النصرة للمشركين ؛ كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى : " إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ" إلى أن يقول:"ومن العجب تخويفكم للناس بالانجليز وزعمكم أن الأنصار تنطلي عليهم أراجيفكم . كلا والله لو أتى عدد الرمل من الانجليز وغيرهم ما زادوا الأنصار إلا إيمانا وثباتا في الحصار حتى يذيقكم الله النكال والبوار. فاعتبروا بأمثالكم إن كنتم من أولي الأبصار . وقد كان أهل ققرة الأبيض يتشوقون إلى النجدة تشوق الظمئان إلى الماء ويتكاتبون بالتشجيع والخداع أكثر منكم . ومع ذلك قد سمعتم ما صاروا إليه ، وما استقر حالهم عليه ، فإن رضيتم بحالتهم فاستعدوا لها ، وإن قرعتم باب التوبة فعسى أن يُفتح لكم ، والسلام على من اتبع الهدى" انتهى. أحبابي في الله ألاتستحق هذه الوثيقة أن تكتب بماء الذهب وتعلق في الجدران فتقرؤها الأجيال تلو الأجيال لتعرف عظمة تاريخها وعظمة المهدية التي خلدت اسم السودان في سجل العظماء. ثامنا : عندما لم ينفع الإنذار واكتملت الاستعدادات وتوفرت المعلومات دعا الإمام المهدي عليه السلام مجلس القادة فاجتمع وقرر فتح الخرطوم. وفي صبيحة الإثنين 26يناير 1885 م كانت الخرطوم تحت قبضة الأنصار واستشهد من الأنصار 175 شخصا بتقديرات سلاطين و10 أشخاص حسب تقديرات الكردفاني. تاسعا الدروس والعبر: الدرس الأول : أن السودانيين جبلوا على الحرية والكرامة؛ فلم يقبلوا بالضيم والقهر ولذلك ثاروا بقيادة الإمام المهدي لاسترداد حريتهم وكرامتهم السليبة. وكذلك يفعلون . ولايقيم علي خسف يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد الدرس الثاني : إن المهدية حركة تحرر وطني وإصلاح ديني وكل الذين انتموا إليها إختيارا كانوا على علم تام بمراميها وأهدافها وظلوا أوفياء لها حتى الرمق الأخير. الدرس الثالث : من خلال مسيرة أحداث الدعوة والثورة والدولة اتضح أنها حركة مدركة لواقعها وملمة بمكر أعدائها ؛ فكل معاركها تمت وفق خطط محكمة ودراسة مستوعبة ، فلم تكن حركة دراويش كما يرميها خصومها ؛ بل كانت حركة إصلاح ديني وثقافي واجتماعي ونهضوي والدليل على ذلك أن أعظم صرحيين تعليميين الآن في السودان قاما على جهود وأفكار رجلين كانا من قادة المهدية هما الشيخ بابكر بدري مؤسس مدرسة الأحفاد التي تطورت لجامعة الأحفاد للبنات، والشيخ أبوالقاسم هاشم مؤسس معهد أم درمان العلمي الذي تطور لجامعة أم درمان الإسلامية. الدرس الرابع: إن الحديث الرائج بأن غردون جاء لإخلاء السودان حديث مشكوك فيه؛ فقد صحب مجيئه تحرك واسع للقوات البريطانية من مصر بقيادة الميجور جنرال فالنتاين بيكر، فهزمها أمير الشرق عثمان دقنة وتحركت قوات أخرى ضخمة بقيادة قراهام عددها 24 ألفا حملتها 28سفينة حربية بريطانية لاحتلال سواكن والقضاء على الثورة ومحاصرتها من الشرق فتلقوا هزيمة نكراء من فرسان المهدية بقيادة أمير الشرق عثمان دقنة، وتحرك جيش آخر من مصر عبر النيل والصحراء فتصدى له الأمير محمد الخير وجنوده ودعمهم الإمام بجيش كبير بقيادة الأمير موسى ودحلو ومعه من الأمراء: عبدالله ود برجوب والأمير عجب الفيا والأمير النور عنقرة لإيقاف زحف الجيش الغازي وخاضوا معارك ضخمة أشهرها معركة " أبوطليح" التي استشهد فيها الأمير موسى ودحلو وكل المذكورين ما عدا النور عنقرة. من هنايحق لنا أن نشك أن هذه القوات جاءت لإخلاء السودان وانقاذ غردون. الدرس الخامس : لقد أحدث تحرير الخرطوم صدى واسعا في بريطانيا وكثير من بلاد العالم؛ لقد أصيبت الملكة بحالة لاتحسد عليها ، وفي الجانب الآخر رحبت الصحف الإيرلندية بانتصار المهدي ووصفت الإمام المهدي بالبطل القومي الذي قاد قومه للتحرر، وفي العالم الاشتراكي كان أهم أثر إيجابي هو ماكتبه كارل ماركس لصديقه انجلز قائلا: " إن الأخبار التي تأتينا من السودان في هذه الأيام أخبار مثيرة للفكر وإنها ستدفع بنا إلى أن نحيل النظر في مجمل بنية المذهب الشيوعي الذي ندعو إليه ، وستجبرنا على إعادة التأمل في حديثنا عن أن الدين إنما هو مجرد إفراز للوضع الطبقي " ويضيف قائلا: " فإن الدين الإسلامي بهذه الصيغة الثورية المهدوية المتفجرة في السودان أصبح وسيضحى وقودا للثورة العالمية ضد الإمبريالية" فضلا عن الآثار الإيجابية التي أحدثتها في العالم الإسلامي. ومن الدروس أيضا أن وحدة السودانيين ستحقق انتصارات عظيمة إذا أُحسن توظيفها. سلام على مهدي الله وأصحابه وهم قد سطروا لنا هذه الإنجازات الرائعة التي نرجوا أن تلهمنا لمواجهة التحديات التي تجابهنا وطنيا وإسلاميا. هذا التاريخ ينبغي أن يدرس لأبنائنا في كافة مراحل التعليم بصورة تجعلهم يستلهمون عطاء السلف ليتزودا بطاقة تمكنهم من المحافظة على الوطن ونهضت، كما ينبغي أن يجعل من يوم تحرير الخرطوم يوما وطنيا تحتفل به الدولة بكل مرافقها ويحتفل به المواطنون في كافة المرافق الثقافية والأندية ومناطق التجمع الشعبي. الحديث: قال صلى الله عليه وسلم :" يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ؛ قالوا: أومن قلة يومئذ نحن يارسول الله ؟ قال : "بل إنكم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم ويلقي الوهن في قلوبكم ، قالوا وما الوهن يارسول الله ؟ قال : " حب الدنيا وكراهية الموت " أوكماقال . يغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين . الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم وبعد قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَذُ الخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ" صدق الله العظيم أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز منذ إعلان بارس وحتى يومنا هذا فإن سياسة النظام اتسمت بالربكة والاضطراب فاحتار أنصاره قبل خصومه ولكي نضع النقاط على الحروف نقول الآتي: أولا : خلافنا مع النظام خلاف مبدئي فشرعية الحكم عندنا تقوم على الشورى والاختيار الديمقراطي الحر. وشرعية النظام قامت على الانقلاب والركون إلى القوة وما التعديلات الدستورية الأخيرة إلا تأكيد على اصرار النظام على المضي قدما في نهجه الأحادي القائم على التسلط والاستبداد بالرأي. ثانيا : نهجنا يقوم على معالجة أزمات أهل السودان بالسلم والتوافق وإدارة التنوع بالعدل ، واحترام حق الجميع في السلطة والثروة وكافة الحقوق التي توجبها المواطنة. والنظام يعتمد أسلوبه على الحرب وإقصاء الآخرين من الشأن العام والانفراد بإدارة البلاد بصورة ما زادتها إلا خبالا وعزلة. ثالثا : نعترف أن هنالك مظالم وقعت على بعض أقاليم السودان ؛ دفعت بعض أبنائها لحمل السلاح ونهجنا يقوم على الاعتراف بالمظالم وإقناع حملة السلاح بضرورة اعتماد الوسائل السلمية لحلها ، والمواثيق التي وقعت في أسمرا والقاهرة وباريس وأديس أبابا ؛ كلها تهدف لإيقاف الاستقطاب الحاد بين المركز والأطراف ولاتفاق أهل السودان على الحلول السلمية لأزمة البلاد وبمشاركة الجميع دون إقصاء أو هيمنة. وظل موقف النظام من كل المجهودات الهادفة لإيقاف الحرب سلبيا خاصة تلك الجهود التي لم يشترك فيها وظل يطلق الاتهامات يمينا ويسارا مما أدى إلى تلغيم المناخ السياسي بمفردات شوهت صورة السودان وجعلته أضحوكة بين الشعوب إن نهج النظام في التعاطي مع الجهود السلمية يهدم ولايبني. رابعا : السلطة وسيلة وليست غاية ووظيفتها خدمة الشعب كما وردت بذلك كثير من النصوص النبوية ولكن النظام حول السلطة إلى مغنم فضاعت موارد البلاد في استقطاب المؤيدين وتعويق المخالفين ؛ ونسوا يوما عصيبا يُجمع فيه الناس لرب العالمين يوما "تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" ، ونسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها. خامسا : إن التهديد بحل حزب الأمة وإيقاف نشاطه ، والتهديد بملاحقة الإمام كلام مضحك ؛ فحزب الإمة لم يكتسب شرعيته بالتسجيل ولن يغيب من الساحة إذا سحبت شهادة تسجيله ؛ حزب الأمة يكتسب شرعيته بوفائه للشهداء الذى سطروا بدمائهم عزة السودان دفاعا عن كرامة أهله ، حزب الأمة يكتسب شرعيته بجهوده السياسية العظيمة التي استردت للسودان حريته في الاستقلال الثاني ، حزب الأمة يكتسب شرعيته بنزاهته في الحكم ؛ حيث حكم هذه البلاد بإرادة الشعب الحرة ولم يسجل عليه يوما واحدا أنه انتهك كرامة الإنسان أو سخر موارد البلاد لمصالحه الخاصة أو أرسلت قوات أممية لحماية شعبه من عدوانه! حزب الأمة يكتسب شرعيته بتنبيه لمطالب الشعب في تحقيق السلام وإيقاف الحرب والتصدي للاستبداد والفساد والعمل على إقامة الحكم الراشد وتحقيق التحول الديمقراطي ، حزب الأمة موجود في كل بيت وحارة ومربوع وفريق حزب الأمة الثقافة حزب الأمة المجتمع حزب الأمة الهواء النقي الحر الذي يستنشقه الإنسان الحر, فهل حزب هذا شأنه يمكن أن يُحظر أويُوقف نشاطه بقرار سياسي كيدي ؟ اللهم لا. سادسا : عندما جاء الاستعمار الثاني للسودان وقضى على الدولة المهدية وقف كتشنر وقال : اسم المهدي وخليفة المهدي وراتب المهدي دفنتهم في حفرة عميقة ومن يبحث عنهم ألحقته بهم ! أين كتشنر الآن؟ وكل الطغاة الذين استولوا على حكم السودان بالانقلاب استهدفوا هذا الكيان ورموزه وتاريخه وقالوا فيه مالم يقله مالك في الخمر وذهبوا وماتوا بغيظهم وظل الكيان شامخا ؛ لأنهم لم يفهموا مقولة الإمام المهدي عليه السلام : " ناري هذه أوقدها ربي وأعدائي حولها كالفراش كلما حاولوا أن يطفئوها أحرقوا بها وصار أمري فاشيا". سابعا: الحبيب الإمام الصادق المهدي هيأه الله لقيادة المسيرة في هذا الظرف المعقد من تاريخ بلادنا وأمتنا الإسلامية فقاد الكيان بشقيه وأحسن القيادة وبلور مدرسة فكرية توفق بين الأصالة والمعاصرة في المجال الديني ولها كادرها الذي يعمل لترسيخها ثقافة مجتمعية وإنسانية عالمية والفكر لايحاصر خلف الأسوار. ومدرسة سياسية تتبنى الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والاعتراف بالتعددية والتنوع والتسامح وقد أصبحت هذه المفاهيم قيما عالمية محروسة من الشعوب والمنظمات ، ويعمل الآن على تجميع أهل السودان حول برنامج السلام العادل والتحول الديمقراطي ، وعلى المستوى الإقليمي يعمل على إيقاف الاستقطاب الحاد بين الفرقاء الإسلاميين والقوميين والعلمانيين والسنة والشيعة للاتفاق على برنامج تعايش يحفظ للجميع حقوقهم . وعلى المستوى الدولي يعمل على إيصال مطالب عالم الجنوب إلى عالم الشمال لتصحيح العلاقة فتقوم على العدل والتعاون من أجل حفظ الأمن والسلام الدوليين وليس الهيمنة. ويشاركه في هذا العمل زملاء كثر كلهم نذروا أنفسهم لهذه الأهداف النبيلة . نسأل الله لهم التوفيق والسداد . إن بلادنا قد أنهكتها الحرب وأرهقها الاستبداد وأضعفها الصراع على السلطة وشوه صورتها الضيق بالرأي الآخر ، المطلوب : إيقاف هذه الحرب اللعينة ، والتخلي عن الهيمنة والإسراع إلى التحول الديمقراطي ، والاتفاق على نظام يحقق الحكم الراشد ويسمح بالتداول السلمي للسلطة ، والاعتراف بشرعية الرأي الآخر وحقه في ابداء رأيه دون حجر ولا تسلط . إن الإجراءات التي يتبعها النظام حاليا بإقامة الانتخابات في ظل هذا المناخ المأزوم لن تحل المشاكل بل تزيد النار اشتعالا . إننا نطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الأستاذين : فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني . اللهم أرحمنا وارحم آباءنا واهدنا واهد أبناءنا وسدد خطانا وهيء لنا من أمرنا رشدا