التّارِكينَ منَ الأشياءِ أهْوَنَها .. والرّاكبينَ مِنَ الأشياءِ ما صَعُبَا مُبَرْقِع يخَيلِهمْ بالبِيضِ مُتّخذي .. هامِ الكُماةِ على أرماحِهِمْ عَذَبَا إنّ المَنيّةَ لَوْ لاقَتْهُمُ وَقَفَتْ .. خَرْقاءَ تَتّهِمُ الإقدامَ والهَرَبَا مَراتِبٌ صَعِدَتْ والفِكْرُ يَتْبَعُها .. فَجازَ وهْوَ على آثارِها الشُّهُبَا المتنبي اختارته المنية اليوم الخميس الموافق 26 فبراير 2015 في أبوظبي . إنه الصحافي والكاتب الأستاذ " حيدر طه". تعجلت الدُنيا برحيل الأحباء ، كأن ما يتساقط عليهم من قسوة الحياة على موطنهم وعلى الآخرين ، حجارة أكبر من رهافة قلوبهم ، وصدق عواطفهم ، ونُبل المقاصد . دائماً ما تُهلك الصحافة الجسد ، وتبقى التجربة وسيرة حياة لن تزول بزوال أصحابها أبدا . ما تراه إلا وهو مبتسم، مُشرق المُحيّا ، يأتيك باسطاً ساعديه ، ليحييك بأحسن مما تأمل . نظرة واحدة ، وتعرفه وتحبه. له تاريخ في الصحافة منذ وكالة أنباء السودان ، تتلمذ على يديه كثيرون . كتب أسفاراً توثيقية منها عن تاريخ حركة الإخوان المسلمين في السودان ، ومنهاعن الجيل الثالث من بعد السودنة ، وانكسار تلك الأجيال ، في صراعها أن تتجدد ، و لكن يجرّها إلى الوراء إرث ثقيل . نبهنا الصحافي " حيدر طه " بأحداث جسام كان المرء يمرّ عليها دون أن يعيد المشهد ،من خلال تاريخ نما وحاضر مأزوم ومستقبل مجهول ، وما آلت إليه الدولة ، وقد عبرت اللون الرمادي إلى السواد الفاحم من مصير غير قابل للاستقراء ، وأُحجية غير قابلة للتفسير، ومرض غير قابل للشفاء . بفقده انكفأ القدر بأحزان المثقفين مسكوباً و مُجدداً أحزان لما تزل تنشب أظفارها هنا وهناك ،على أرض المهاجر وغيرها ، ليعود جسده النحيل إلى التربة التي كانت فيما مضى مليون ميلاً مربعاً ، وأضحت أقلْ من أحلامنا ، ولكن القلوب التي تعشق موطنها لا تعرف الأوطان المنشطرة ، فليس في شرعتهم الفوضى الهدّامة الضاربة أطنابها ، بل أرض واحدة وشعوب متآلفة . بعيداً ذهبت سيدي ، وتركت ما كتبت لنا وللأمم القارئة ، وسيرة حياة ناصعة ، وشراكة فكر وأنس أيام لن تنقضي بالرحيل ، فكم من سِفرٍ أحسبه كان ينتظر منك النشر ، وكانت المنيّة أسرع . وأظنك ستعود إلينا من جديد ، بروح ماجدة ، عندما نتصفح ما رغبتَ أن نقرأ . وما تركت لنا ، فقد أوفيت وطنك ومواطنوك وأصدقاءك والصحب والأهل والأسرة.وذهبت وهم في أمسّ الحاجة إليك . أنك قد انتبذت مكاناً قصياًّ لتخدم الإنسانية ، ولم ينبض القلب إلا محبة وطنك وأهلك ومن قضيت بينهم أجمل أيامهم . اللهّم مدد له بساط الخير المأمول ، ليدخل رحمتك الواسعة ، ونعم المأوى هو ما تنعم على عبادك الذين لا يسرفون إلا بنوافلهم إليك ، وأضممه اللهمّ لصحبة الذين رضيت عنهم. واطعمه اللهّم الجنة وأسكنه بساتينها حيث الأطهار ممن أحببت . إن الله وإنا إليه راجعون عبدالله الشقليني 26 فبراير 2015 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.