( نحن الفخورين بإرادتنا ، الذين نعتقد أننا أحرار في أن نفعل ما نشاء ، لسنا في الحقيقة سوى دمىً بائسة يمسك خيالنا بكافة خيوطها ) " إيميل كوّيه " (1) من وسط ركام الأخبار المتساقطة علينا ، ومن الصراع الذي يغلي بصنع أهله في البقعة الحمراء في ليبيا وسوريا والعراق ، ومن أطلقوا على أنفسهم ( الدولة الإسلامية )،نحاول القراءة ما وراء الأحداث . نرى عوالم نبتت من باطن الأرض ، ونجد متابعة لصيقة من أياد خفيّة من أجهزة استخبارات دولية تعمل من البُعد تسهم في صناعة تحريك الأحداث التي تخدم المصالح العليا لدولها ، و يمكننا أن نعيد قراءة كل شيء رغم الفواجع من حولنا . هنالك خيوطٌ بدأت تتكشف ، عن تسويق السلاح وتجارته الرائجة، وأساليب جديدة لإعادة نفخ مشروع " الفوضى الخلاقة " الجزافي لإعادة ترتيب المنطقة. ليس خفياً ولا غريباً أن العالم كم متشابك ، يَسهُل فيه صناعة الأحداث والفواجع . وتحريك الغرائز ، ليس عملاً عشوائياً ، بل صناعة يشتغل عليها مختصون . شباب يسافرون فجأة لما يسمونها اصطلاحاً إلى أرض الجهاد ، ونرى الدماء المتفجرة من بلور التلفزة ، هو رأس الجبل، وبقية جسمه في القاع .سكاكين تذبح بالطريقة القديمة للكراهية والعنف . تكنولوجيا الفن السابع تقدم العروض ، ونحن أمام استجرار إيحائي ، نشاهد التلفزة ونصاب باكتئاب مُمض. وتصل الرسالة المتقدمة ، ليس للعقول الواعية ، بل تقفز إلى العقول الباطنة بأن هناك جسد هلامي استولى على أجهزة الإعلام . ترى الجموع تتحول إلى روبوتات لإزهاق الأرواح ،لا يرف لها جفن . ما السرّ ؟ (2) نسمع من يدّعون "الهجرة إلى الله " ، لا يسلكون طرقاً رحمانية كما تعودنا من الدعوة بالتي هي أحسن وإشاعة القدوة الخيّرة الصالحة ، بل جاء اليوم الذي يبشر فيه الدعاة الجدد، بالرؤوس المقطوعة ،وبالرُعب منهاجاً، و بالتقتيل وسيلة وغاية !. شباب بين التاسعة عشر والخامس والثلاثين مما مضى من أعمارهم ، يهاجرون إلى مناطق الحرب التي يدّعي منْ يروِّج لها بأنها حرب جهادية مقدّسة . بدون حيثيات منطقية ، وفي مناطق يجهل المهاجرون أرضها ، يريدون الالتحاق بفرق القتلة . أليس من حقنا أن نسأل أنفسنا ، كيف يقرر الشباب اعتباطاً ترك الدنيا و وأحلام الحياة وطموحاتها ، ومعركة الوجود ،ليبدؤوا سيرة جديدة ، بالقفز الحقيقي إلى المجهول ؟!. أيسير هؤلاء كلهم بإرادتهم الحُرة ، وخيارهم الواعي؟ ، أم أن هناك تقنية استجرار لعقولهم ، تقودهم إلى مصير ليس لهم إرادة فيه .تقنية تجرّ نفوسهم إلى عوالم مجهولة . مدخل ٌ غريب للجريمة المنظمة ، التي يُستخدم فيها علم النفس وسيلة لتجنيد ضعاف الحيلة من الشباب .فالقادة وأصحاب الفتوى الساحرة ، يجلسون في الأمان . تزحف عليهم منفعة في الدُنيا ومُتعة السيطرة وحُب السلطة . يهلكون الشباب الغض باسم الرب ، ولكنهم يعلنون نفاقاً أن غايتهم الآخرة ونعيمها . فالقيادات لا ولن يُفجروا أنفسهم ، ولا يذهبون للقتال ، هم في مأمنهم وأستارهم بعيدين عن العيون وعن المُساءلة !!. الإعلام يراقب الروبوتات الإنسانية ، ويترك أهل صناعة الفتوى ، الذين يحولون الشباب النَّضر إلى آلات قاتلة . (3) عند اكتشاف التنويم الإيحائي ، ومكامن الذهن البشري قبل ألف عام ، كانت التجربة الإنسانية سابقة على ذلك ، وكان الكهنة في الزمان القديم يعرفون كيفية السيطرة على حضور المراسم والطقوس ، ويبقون هم في علياء المكانة الدينية . ليست التقنية بغريبة ، ولا سحرها بعجيب . إنها القدرة لصناعة لحظة انتباه الذهن بلغة الإيحاء. بهدوء ، وبلغة رتيبة ، تُغري الضحيّة بالنعاس ، ثم عبارات آمرة حتى يتحقق الاستجرار والنوم العميق . ويتلقى الضحية أمراً لعقله بأن ينفذ الأوامر بتفاصيلها ويذهب إلى أي مكان ،طالما كان له احساس بالدين والعقيدة ، ولو كان ساذجاً ، فإنه سيتحول إلى آلة تنفيذ . هذا الذهن يمكن لمروضه فتح ذاكرته والإمساك بكل خيوط حواسه. يعجنها ويُعيد ترتيبها ، وتنفتح تفاصيل الحياة الحميمة الماضية بلا أستار ، وتفتح الشخصية أبوابها السرية ، وتكون أنت المُسيطر و الآمر والناهي . و في تجارب طبيعية عند النوم الإيحائي ، يمكنك أن تفتح الذاكرة تدرجاً إلى زمن الطفولة ، والأكثر غرابة أن الذهن قد يحتفظ بمخزون حياة قبل الميلاد !. فلا يتفاجأ القارئ بغرابة العبارة ، ولا يعتقد المرء أننا نسوقه سوقاً إلى عالم السحر ، ولكننا نقلّب صفحات من واقع ماثل، له تراثه، وهو طقس يمارسه كثيرون من أصحاب الكاريزما المُدربة ، و مارسته المؤسسات الدينية القديمة في العلاج النفسي للمريدين ، ويقوم به كافة أصحاب الطوائف العقدية ، بوعي منهم ، وربما في حالات محدودة بلا وعي . وفي مؤتمر الطب النفسي بقاعة الشارقة بالخرطوم عام 1984 ، تحدث بروفيسور "شيخ إدريس عبد الرحيم" في ورقته المقدمة ، عن أنهم دربوا عدداً من شيوخ الخلاوي ، في الأرياف على كيفية علاج الهستيريا ، وتم تحويل 90% من الحالات إلى هؤلاء للأطباء الشعبيين الجُدد ، وتحت إرشاد أطباء العلاج النفسي. وعلى ما في ذلك من مخاطر تثبيت لأسس العلاج النفسي الشعبي ، و نهج مؤاخاته مع العلاج النفسي المتقدم من محاذير . (4) نعود لقصة هؤلاء الشباب واستدراجهم للسفر إلى الحرب ،ليدخلوا أرضاً لا يعلمون عنها شيئاً . تساقطوا على الأرض السورية أو العراقية أو الليبية من دول متعددة ، طلباً للجهاد !. لا يصلح هنا تفسير السياسيينفي كشف الظاهرة ، فعقلك الواعي لا يتقبل الخروج للجهاد بلا أية مقدمات منطقية ، مهما كان التأويل ، فهذاخارج تكوين الحياة التي نحياها ، ونحن في عصر ليس فيه مجال للمنهاج الاعتباطي لاختيار المصائر. ولايصلُح منع الشباب من الرحيل وحجز جوازات سفرهم كي لا يذهبوا لسوريا أو العراق أو ليبيا . فالظاهرة وفق المعطيات هي حالة شباب منومين إيحائياً ، يذهبون وفق أوامر تلقوها ،و بعد خضوعهم لعملية استجرار مستمر وتنويم إيحائي لا يدرون عنه شيئاً ، و تمّ كل ذلك خارج إرادتهم القانونية . وصدرت لهم الأوامر وهم في حالة التنويم بالسفر للجهاد . هذا هو الرأي . هناك تقنية تتحدث عن عبارات يقولها المُنوِّم للضحية ،وهي مفتاح إعادة الشخص لحالة التنويم بمجرد نُطق تلك العبارة المفتاحية ويعود لحالة التنويم من جديد. ويتلقى الأوامر وينفذها كاملة ، وبدون إرادة الضحية الشخصية .وليست كما يحب أن يبرر لنا السياسيون في الفضائيات : " شباب مهاجرون سكنوا في أحياء أوربية فقيرة ، مُتعطلون أغراهم الدعاة المتطرفون للجهاد " ، تلك مقولة من لا يعرف ما يحدث !. (5) الظاهرة أغلبها بين شباب ، وتلك ميّزة . فالمسيطرون على عقول الشباب بالتنويم الإيحائي ، لا يذهبون إلى " حرب الجهاد " ، ليس لأنهم قادة يستوجب حمايتهم ، بل لأنهم هم الذين يصنعون القضية ويعيشون عليها ، ويستخدمون الشباب ليس بالتحريض وحده ، بل باستخدامهم ضحايا وقنابل موقوتة ،يقومون بأعمال دون إرادتهم الحرة ، بالتدقيق القانوني للمسئولية . ونقرأ عن مئات من الذين حالوا الهرب من معسكرات القتال فاغتيلوا من ذات الجماعة الذين قدِموا لمناصرتها ! . إن التنويم الإيحائي يؤثر مباشرة على المخ ، وتأثيراته تُوزع بعد ذلك على مجموع الأعصاب والألياف العصبية ، ومن أهم واجبات التنويم أن يخضع الشخص خضوعاً تاماً لمنْ ينومه ، بحيث يصبح تحت سلطته ويستسلم لإرادته ، ولا يتم ذلك بنجاح إلا بعد أن ينام الضحية نوماً إيحائياً عميقاً ،والتنويم لا يُكمل واجبه العملي إلا بتأثير عقل على آخر. ومن السهل استجرار الذين لديهم علاقة عاطفية بالعقيدة ولو كانت علاقة ساذجة ،والذي يستغِل فيه المنوِم ضحيته ، ويعمل على سلب إرادته. ويغيب عن الضحايا الحس النقدي في التمييز بين جوهر العقيدة ، وبين الأثر الفلكلوري من إضافات المُريدون عبر تاريخ طويل ،وليس من السهل عرضه على العين الناقدة لتُميّز الأصول من الصناعة . من هم هؤلاء الذين يديرون هذه الشبكات الظلامية في الكون الجهادي ؟! ولماذا الإسراع إلى الموت كغاية ؟! عبدالله الشقليني 19 مارس 2015 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.