والآن .... وقد تم إسدال الستار علي العملية الانتخابية التي شغلت السودانيين في هذا الكون الواسع الذي قطعوه طولا وعرضاً وإرتفاعاً ايضاً في هجرات ذات وتيرة عالية ، بدءاً من كندا وحتي نيوزيلندا ، متجرعين في ذلك ظروف الهجرة المؤلمة وتداعياتها النفسية بالغة القسوة . ومع الإصرار الشديد من المؤتمر الوطني لقيام الإنتخابات في ميقاتها ، وترشح رئيس المؤتمر للرئاسة لدورة ثالثة تنتهي في العام 2020م ، فإن في الأمر الآن واقع جديد يطرح نفسه علي الساحة السياسية بالسودان والتي يمكن قولها بأنها ساحة باتت ملتهبة جداً من حيث العناصر المكونة لها ولكنها لا تشكل تهديداً للسلام الإجتماعي في البلاد . فهاهي الحكومة بمكوناتها المتحالفة معها ، والمعارضة بمكوناتها العسكرية والمدنية المتحالفة معها ايضاً يقودون الرسن ولكن في توجس لا يعرف الطمأنينة. وعنصر الشد بين الاحزاب المعارضة والحركات المسلحة المتحالفة معها من جانب ، وحزب المؤتمر الوطني من جانب آخر ، يتمثل في وجود أطروحات لكل من الطرفين يقصدان بها اللعب بتاكتيكات قادمة ، ويحتفظ كل منهما بأدواته الإقناعية أو فلنكن أكثر دقة ونقول بأجندته التي يعمل من خلالها علي تفكيك الآخر إن إستطاع الي ذلك سبيلاً . فقد شبعت الميديا بكل اشكالها نشراً حول المسألة السودانية وإمتلأت الأسافير الإليكترونية في الشبكة العنكبوتية ( النت ) ولسنوات عديدة بالجهود الكتابية التي تتشابه في خطوطها العامة من حيث النقد السياسي ، ولكنها تختلف في أدبيات الصياغة حسب المكون الإبداعي في توظيف اللغة عند كل كاتب او محلل . فالوطني نراه من حين لآخر يصف المعارضين بالخونة والعملاء ويضغط في هذه ( الحتة ) ولكنه لا يملك الدليل المادي الذي يمكن أن يغلق بموجبه باب الحوار معهم ، والمعارضة نجدها ايضا وبمختلف مسمياتها لا تغادر كثيرا محطة أن الإنتخابات التي جرت مؤخراً كانت نتائجها ضئيلة المحتوي وضعيفة المردود المعنوي والسياسي ولا تمثل الجماهير ، ولا حل غير تأسيس حكم إنتقالي يتساوي فيه الجميع وتتاح فيه الحريات بالكامل . ومن هنا تنبري قيادات المؤتمر الوطني في تفنيد النتائج الإنتخابية ، ذاكرين بأنها مقنعة جدا لهم ولا بأس بها ، بل تعطيهم الشرعية للإستمرار ، وفي ذات الوقت نراها تجهد نفسها في إقناع الامام الصادق المهدي للعودة للإسهام في قيادة دفة الحوار الوطني بإعتبار أن الصادق هو محور إرتكاز في عملية ( نداء السودان ) ، خاصة وأن الند التقليدي للوطني وهو المؤتمر الشعبي لم يشارك في مسألة النداء هذا بل نراه قد أحني ظهره لواقع الإنتخابات ، وبدأ يسعي إلي توافر مناخات حوار وطني جاد ومسؤول خلال الفترة القادمة من خلال حراك كيان الشعبي بالمركز والولايات. إذن نقول هنا ، فإن التفتت الذي حدث للأحزاب السودانية الكبيرة ( إتحادي وامة وحركة اسلامية وحزب شيوعي ) علي إمتداد عمر الإنقاذ قد خلق واقعاً معقداً لكيفية القبض علي مرتكزات الحوار من تلابيبه ، بسبب أن الإتحادي كمثال يشارك بكيانين في السلطة هما المسجل والأصل ، فضلا علي كيانات إتحادية اخري معارضة ومعترف بها في مجلس الأحزاب ( وطني إتحادي وإتحادي موحد ) . ولكن كل ذلك قد خلق تشققات ضخمة جدا في بنياتهما وإنسحب الامر علي تشتت جماهيرهما القاعدية ، خاصة في الحزب الإتحادي الأصل الذي ذهبت قيادته العليا في جانب ، وقياداته التاريخية الفكرية والحركية بما فيها من تكنوقراط في جانب آخر ، بعد ان أتي الإنفجار مؤخراً علي يد السيد الحسن نجل الميرغني الذي أحدث ما أحدث من ضخامة تشققات ، جعلت القاعدة الإتحادية تتخذ موقفاً من العملية الإنتخابية برمتها . وبالتالي يصعب علي المؤتمر الوطني إنجاح الحوار لأنه يعرف حجم تلك التشققات بمثلما يعرف تماماً إلي أين يتجه مؤشر ترمومتر القاعدة الإتحادية بما فيها الطائفة الختمية المقاطعين للعملية الانتخابية . فهل يحاور المؤتمر الوطني قيادات الإتحادي التي إختلفت مع توجهات السيد الحسن ومعها مركزيات الحزب بالولايات التي قام بفصلها ( بجرة قلم ) أم تكتفي بمحاولات الحوار مع نجل الميرغني الذي خرج ولم يعد ، وهل سيأتي الؤتمر الوطني به تارة أخري برغم واقع حزبه المأزوم ؟ وهل الحوار مع اي من الطرفين الإتحاديين في الحزب الأصل ، سيعيد إنتاج الأزمة المتمثلة في عدم التوافق الجماهيري ، أم يطلب الوطني مشاركة الفريقين بالإتحادي الأصل في الحوار القادم ؟ وعلي كل ، فإن الساحة السياسية غير مهيئة مطلقاً لإدارة حوار يعمل علي حل أزمة الحكم في السودان تحت ظل جيوش مجيشة عديدة تسبب ما تسبب من حالات اللا سلم واللا حرب ، مع وجود جيش وطني مشدود ومتأهب في عدة مناطق ملتهبة. إذن .. ما المانع في أن يتم بذل جهود ضخمة حتي من الوطني نفسه بحيث تلتقي فصائل تلك الاحزاب المنشطرة من أصولها ، وتتحد تارة اخري وفق قيام مؤتمرات قاعدية ترسخ للعملية الديمقراطية داخل كل حزب ، حتي تأتي قيادات للأحزاب وفقاً لقناعات جماهيرها ، بما في ذلك مؤتمرات إستثنائية لطرفي الحركة الإسلامية (وطني وشعبي ) لتوحيد الرؤي والقبول بنتائج التوحد أياً كانت .. حتي إن دعي الأمر لعمل حلول وفاقية داخل الاحزب المنشطرة لتحفظ كيان التنظيم الأساسي ، ومن ثم ، يتم قيام مؤتمرات قاعدية حتي القمة تأتي بعناصر جديدة شابة ومسؤولة حيث انها تمثل نصف الحاضر وكل المستقبل برغم أن شباب السودان والحزبيين منهم يقولون بأنهم كل الحاضر وليس نصفه. أما عن أطراف الجبهة الثورية الأخري التي تحمل السلاح وتتقوي به بإعتبار أن لديها قضايا أساسية ظلت تقدم في سبيلها الغالي والنفيس من ارواح ونزوح وفقدان للأستقرار لسكان مناطقهم الملتهبة ، وترهق السلطة من حين لآخر ، فإن الوصول إلي حلول وطنية معها يحتاج عصفا ذهنياً متواصلاً حتي يتم الإلتقاء نحو نقاط ومرتكزات مفصلية تنقل البلاد إلي محطات الوفاق الشامل .. ولو بعد حين ... ونواصل ،،،،، عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ////////////