ما تنفك اجهزة الإعلام الحكومية تنقل إلينا نشاطاً محموماً يتزامن مع مفاوضات الدوحة، بل وفي كل الاوقات على خلفية الاشكالية القطرية بفهمها المنسحب على القطر بشكل عام والاشكالية الاقليمية في نطاق دارفور. لقد تواصلت بناءات القضية الهرمية، وفي كل يوم يزداد التعقيد الاشكالي والناس في دارفور يهرسهم الحرب ويفترسهم الضياع. تقول الحكومة انها تعمل لتنمية واعمار. الحرب الدائرة في دارفور منذ خمسه سنوات واحده من اهم اسباب اندلاعها هو انعدام التنمية والبناء الإعماري للاقليم، ولما تحققت خطوة اتفاقية أبوجا وقرأ الناس ما بداخل الإتفاق فيما يعالج اشكالية المنقصة الانمائية في الإقليم، ترك في نفوس الشعب بعض الغبطة والسرور تحت حجية شيء افضل من لا شيء. وانتظر الناس في دارفور طويلاً منذ ذلك الحين وحتى اليوم، تسارعت عقارب الايام وتسابقت وبلغت ثلاث سنوات تقريباً. السلطة الإنتقالية التي تاسست على خلفية وثيقة التوافق الثنائي بينها وبين فصيل واحد يقودهم اركو مناوي حاولت اثبات وجودها وذلك من خلال نشاط واسع النطاق اطلقه صندوق دارفور للإعمار والتنمية وحضرنا وشاركنا في العديد من ورش العمل التي انعقدت وطرح فيها ذلك الصندوق خطته الإستراتيجية التي بناها على تفويض الإتفاقية له ليعبر بالتنمية في دارفور إلى بر الأمان ويساهم في بناء السلام المنشود. عندما بدأت الحكومة تتحدث عن مفاوضات قطر والإتفاقيات التي ستوفر التنمية والإعمار والسلام في دارفور، تذكّرت صندوق دارفزر للإعمار والتنمية، فسارعت إلى الحديث مع بعض المنتسبين للصندوق عن إلى أي مدى وصل الأمر بهم، وما قصة التنمية التي كانت بيدهم والآن تريد الحكومة إحضارها من قطر، وانا أدرك سابقاً بأن خطة الصندوق قد اشتملت على استيعاب كامل للمضمون حيث يقودنا هذا الحديث إلى التفصيل فيما ورد في تلك الخطة وعلى لسان من تحدثت إليهم. فقد تناولت الخطة محاور اساسيه هي المياه والبنيات الاساسية في الطرق والكهرباء وخطوط السكك الحديدية والمطارات، وبناء القرى النموذجية التي تشتمل على كل الخدمات الضرورية لاستيعاب العائدين فيما بعد من النزوح واللجوء، وبرامج الأسر المنتجة، والتنمية الريفية في الزراعة والإنتاج الحيواني، قضايا المعالجات البيئية، والصناعات التحويلية، والتجارة الداخلية وعبر الحدود وغيرها من محاور. كل تلك القضايا تناولتها الخطة الإستراتيجية التي شارك المئات من المتخصصين في وضعها بصورتها النهائية وانا اشهد بحضوري لتلك الورش، وتم تحويل تلك الخطة إلى مشروعات تم إعدادها وفق المعايير الدولية، ومن أكبرها مشروعات القرى النموذجية، ومياه مدينة الفاشر من ساق النعام والتي تم تصميمها لتستوعب نمو المدينة إلى خمسين سنة وكذلك مشروع مياه مدينة الجنينة التي تم تصميمها لتستوعب امتدادات مدينة الجنينه لمدة خمسين سنه، إلى جانب الشبكه الداخلية لمدينة نيالا وهي الأخرى صممت لخمسين سنه، هذا بالإضافة إلى مشاريع البدء في دراسة سبعه طرق في ولايات دارفور والكثير من المشروعات في كافة المحاور قد أعد الصندوق تصميماتها وأعلنها في مناقصات. ولإدراك الصندوق بأن من صميم دوره أيضاً هو بناء القدرات فقد قام بتدريب اكثر من ألف وخمسمائة من أبناء دارفور في الداخل والخارج في المجالات المختلفة استعداداً لإنخراطهم في المشاريع المذكوره. أيضاً وضع الصندوق خطة لتطوير شركات دارفور من خلال إعطائها اولوية في المشروعات باعتبارها لم تجد فرصة قط في العمل لتنموا. هذا الخطة الطموحه التي اعدها صندوق دارفور للإعمار والتنمية التابع للسلطة الإنتقالية بتكاليف قدّرت بسبعة عشرة مليار دولار على مدى سبع سنوات، والذي أشاد الجميع في كل المنتديات بأنها تمت على نهج علمي حقيقي هو في الواقع ما كان ينقص دارفور. وانه إذا تم تنفيذها ستنقل دارفور نقلة نوعية وتترجم فعلاً التمييز الإيجابي الذي جاءت به اتفاقية أبوجا. لكن لماذا لم يتمكن الصندوق من تحقيق ذلك أو وضعها موضع التنفيذ؟ يجيب على هذا السؤال منسوبو الصندوق ومن قبلها تصريحات رئيس الصندوق المبتعد المهندس/ عبد الجبار دوسه والمسئولين في السلطة الإنتقاليه. لقد ذكروا مراراً بان الصندوق لم يتلق خلال ثلاثه سنوات سوى ما يعادل 2% من المبالغ المذكوره في الإتفاقيه. وبالتالي هم أعدوا مشروعات جاهزه للتنفيذ تستوعب كامل مبالغ الإتفاقية وأكثر، لكن الحكومة تماطلت في دفع المبالغ. والسؤال هنا إذا كانت الحكومة لم تنفي زعم الصندوق ولم تدفع سوى 2%، والصندوق قد أعد مشروعاته وجاهز للتنفيذ منذ ابريل 2007 إذاً فالكرة في ملعب الحكومة منذ ذلك الوقت، لماذا لم تدفع الحكومة المبالغ التي وقّعت والتزمت عليها في اتفاقية مشهوده من كل العالم؟ الإجابه لا تخرج من اثنين، إما أن الحكومة اصلاً ناويه التوقيع وبعدين تماطل من منطلق أنها أصلاً غير راغبه في تنمية دارفور وغير راغبة في سلام، أو انها كانت تراهن على عدم قدرة أبناء دارفور على إعداد خطط ومشروعات فسقط رهانها وخافت على صورتها فيما إذا تمكنت السلطة الإنتقالية من تنفيذ تلك المشروعات في دارفور، فبدأت تماطل وتراوغ وتعرقل لإضاعة الوقت. والإجابتين أي منهما مر. حملة الحكومة الإعلامية التي تريد بها ذر الرماد في العيون هذه الأيام بدأت باجتماع نائب رئيس الجمهورية الاستاذ على عثمان والذي جمع كبير مساعدي رئيس الجمهورية وولات دارفور الثلاثه وأعضاء السلطة الإنتقالية، من السخرية فيه بأن نائب رئيس الجمهورية كان يتحدث عن إغاثة الناس الذين نزحوا من المناطق التي تعرضت للمعارك الأخيرة في مهاجيريه وحولها وودعه وخلافه، وخرج بعض الذين يطبلون وعلى راسهم المهندس/ إبراهيم مادبو ليكرر الوعود ويطمئن الناس بأن يتوقعوا حفر الآبار وبناء المدارس والمستشفيات وو...الخ.. الاسطوانه المشروخه المعروفه المحفوظه، وهو لم يستخرج حتى الآن مجرد وثيقه واحده لنازح وهو من صميم عمله واستخراج الوثائق امر لا يحتاج إلى كثير مال. في الوقت الذي يتحدث فيه هؤلاء عن الوعود لدارفور والتي تمليها عليهم الحكومه، في الجانب الآخر يجري افتتاح المشروعات المرحلة الأولى من كهرباء خزان مروي الذي يكلف اكثر من اثنين مليار دولار، وجرى افتتاح مصنع اسمنت جديد آخر قرب عطبره تكلفته أكثر من ثلاثمائه مليون دولار، وسيتم افتتاح مصنع اسمنت بربر بعد شهر وتكلفته ثلاثمائة مليون دولار، سيتم افتتاح كبري شندي المتمه وتكلفته أكثر من ثلاثين مليون دولار، وسبق افتتاح طريق التحدي وطريق شريان الشمال وتكاليفهما قارب المليار دولار، والقرى النموذجية لإسكان المناصير والمشروعات الزراعية لتوطين القمح، والمستشفيات ومحطات ضخ المياه، والخطوط الناقلة للكهرباء إلى مصر والتعويضات التي تدفع الآن للمناصير ومطار مروي الدولي والقائمة طويلة لا حصر لها لا يتسع المجال لذكرها. أما هنا في دارفور فما زالت قائمة الوعود طويله والمطبلين ايضاً لسانهم يطول.يقول المنتسبون للصندوق أن رئيس صندوق دارفور للإعمار والتنمية المهندس/ عبد الجبار دوسه حاول المستحيل لتثبيت السلام بما قام به، لكنه اصطدم بواقع نوايا الحكومة التي لا تريد تنمية لدارفور ولا تريد لها السلام، وقناعة منه بحساب التاريخ آثر الإبتعاد لأنه لم يأت من أجل المنصب، والحكومة تريد لهم أن يكونوا في مناصبهم دون أن يفعلوا أي شيء ليتاجر بذلك لدى شعب دارفور ويقول بأن ابناءكم لم يفعلوا شيئاً، الحكومة خافت أن يفضحها صندوق دارفور بجديته لذلك شكّلت الآن فريقاً بقيادة المهندس/ عطا المنان لإدارة خطة جديده لإعلام الوعود لإضاعة ما تبقى من وقت أولاً، أما في حال ظهور أي بريق لتنفيذ أدنى مشروع، تستبعد شركات دارفور التي كان الصندوق يسعى لبناء قدراتها لتبقى كما كانت غير قادرة على النهوض ويعطى المشروع لبعض الشركات المحفوظه. مستغلين في ذلك المشروعات التي أعدها الصندوق. ولاة دارفور وهم من أبنائها يقيمون الإحتفالات ابتهاجاً بالوعود الجوفاء حول مشروعات للتنمية في ولاياتهم، وفي نفس الوقت يحتفلون بافتتاح المشروعات التي اكتملت في نهر النيل والشمالية. نحن مع تنميه هناك في نهر النيل وفي الشمالية ولكننا أيضاً مع تنميه حقيقيه هنا في دارفور وليس وعود، نحن مع تنميه متوازنة وعداله في كل مكان في السودان. هذا ما يجب أن يقوله ولات ولايات دارفور لو كانوا يشعرون بعمق الإستفزاز والتحقير، لقد تم إيقاف مسلخ نيالا قبل عدة سنوات وهو مشروع كان يمكن أن ينقل صناعة الإنتاج الحيواني في جنوب دارفور نقلة نوعية وكذا يتطور وضع منتجو الماشية من الرعاة والمزارعين والمجتمع الدارفوري بعائد تصدير اللحوم وتتطور تلك الصناعة هناك، وجنوب دارفور تتمتع بأكبر ثروه حيوانيه بين ولايات السودان. ودارفور ظلّت عبر السنين المصدر الرئيسي لميزانية السودان من الثروة الحيوانية، وما زالت أعلاها في هذا المجال، ومع ذلك تم إيقاف المسلخ، بينما قبل أيام تم الإعلان عن النية لإنشاء مسلخ في الدامر لتصدير اللحوم!! لا يهم جدوى المشروع الإقتصادي، تستجلب الماشية من دارفور إليه، ألا يستجلب البترول من هجليج ليتم تكريره في الجيلي. أن يذهب رئيس الجمهورية ويفتتح صاله في مطار الفاشر ومكاتب شركه ومبنى لحكومه الولايه مجموع تكاليفهم جميعاً لا يساوي 6% من تكلفة مصنع اسمنت بربر، هذا استخفاف وتحقير. لو كانت الحكومة جادة لالتزمت بدفع المبالغ المخصصة في إتفاقية ابوجا لصندوق دارفور ولكانت اليوم هناك مشاريع حقيقية قائمة ولكان السلام قد خطا خطوه مهمه ولكان حق للحكومة سواء في ولايات دارفور او في السلطة الإنتقالية أو الحكومة الإتحادية أن تفتخر بإفتتاحات حقيقية لمشروعات محسوسه في دارفور وليس ذر رماد في العيون. لم يكن استمرار الحرب يوقف التنمية التي كان صندوق دارفور يسعى لها، فقد سعى الصندوق للبحث عن ممولين من بيوت تمويل دوليه للمشروعات الكبيرة ومنها مياه الفاشر ومياه الجنينه وشبكة مياه نيالا وهذه مدن آمنه وهناك غيرها من المناطق الآمنة التي كان الصندوق سيبدأ بها وكانت ستشجع الناس هناك لحفظ الأمن لإحساسهم بالمشروعات، ورفضت الحكومة إصدار الضمانات المذكورة في الإتفاقية، وعندما تم مواجهتها بإغلاق كل حججها تذرعت بالوضع الأمني، مع أن كثير من مدن دارفور آمنه. طريق نيرتتي جلدو قولو روكيرو كان جاهزاً للتنفيذ، القرى النموذجية كانت جاهزه للتنفيذ، سبعه طرق أخرى طرحت في عطاء للدراسه، لأنه لا يمكن تشييد طريق قبل دراسته وتصميمه. الحكومة اجهضت كامل مجهودات صندوق دارفور لأنها أدركت بأن الصندوق كان جاداً فيما يسعى إليه من تنميه وإعمار. وتبع كل ذلك تعطيل كل مشروعات مفوضيات السلطة الإنتقالية الأخرى سواء في التعويضات أو غيرها، وما زال بعض أبناء دارفور يطبلون، ما الذي أصاب القوم؟!!وشر البلية ما يضحك، الحكومة بكاملها تتحدث عن أنها صادقة في تفاوض الدوحه للوصول إلى اتفاق فيه يحقق تنميه وإعمار ووو......لدارفور. في الأول على الحكومة تنفيذ المشاريع التي أعدها صندوق دارفور للإعمار والتنمية والتي تتاجر بها كوعود ثم تذهب بعد ذلك إلى الدوحة أو حتى إلى نيكاراقوا للتفاوض مع حركات أم مع نهابين ولا قطاع طرق وتقول أنها تسعى لاتفاقات فيها تنميه لدارفور. وقتها يمكن أن يصدّق الناس في دارفور، بعدم ذلك إذا صدّق الناس الحدّوته لا يستحقون إذاً أكثر من حدّوته. نجيب عبد الرحمن [email protected]