(في نقد الذات ) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. لاشك أن السودانيين مشهورون بصفات إنسانية كالكرم, وطيبة النفس، والشجاعة، وهي صفات تفتقدها الكثير من المجتمعات التي تعترف لاهل السودان بذلك مما يكسبهم التعاطف.. لكن هناك صفات أخرى يعمل السودانيون بضدها ومشهور أيضا وعلى مستوى وطننا العربي خاصة، تأصل هذا الضد فينا كالنشاط, والوفاء بالموعد ( المواعيد¬)، أضف الى هذه الصفات السلبية أيضا الاستمتاع بكلمة( بكرة )..! فبينما الكثير من المجتمعات تغالب الحياة وتنافسها بالكد والمثابرة والنشاط, وتجتهد في خلق ظروف تمكنها من الاستفادة من كل ثانية ودقيقة تحت حركة الكون, تنأى بنا عاداتنا أن نكون جزء من ركب الحياة في دفعها وحركتها, وذلك لبعدنا عن الأخذ بقانونها في تقدير الزمن على النطاق المادي والمعنوي. صفات كثيرة تنعتنا وتربطنا بذلك، فضمن مسار الحياة نحو الرفعة، وفي علاقات البشر يعتبر الوفاء بالموعد دقيقة وثانية صفة أساسية في نجاح الأعمال وكسب الأخرين إذ أنه بداية طريق الثقة والتعامل بين الناس, ولكن بالنسبة لنا ربما نعتبر أن فارق دقيقة في موعد مع شخص ما أو تجاه تكليف (ما ) لا تؤثر في طبيعة التكليف، أو في موضوع وهدف اللقاء تجاريا كان أو اجتماعيا.. والدقيقة في عرفنا هي زمن لا يستهان به في عرف الغير, ولذا يبدأ أول انطباع من تأخير هذه الدقيقة، والمجتمعات المتمدنة تهتم ايما اهتمام بفارق الدقيقة في مجمل الالتزامات, إذ أن عدم الوفاء بها مؤشر لعدم الوفاء بأشياء أخرى.. بالنسبة لنا في السودان لا تمثل (الدقيقة) أو حتى (الساعة) فارقا مزعجا في الموعد وهذا السلوك يمارس حتى مع الضيوف الأجانب والزائرين، ويتبع التأخير في معظم الأحوال عدم مبالاة تنعكس أحيانا في ابتسامة او ضحكة تحاول معانقة الضيف وإلهاءه, من ورائها سببا لا يرقى للتعلل به. وربما الاكتفاء بتلك الابتسامة..! والضيف المسكين الذي ينتظر دقيقة وراء دقيقة هو الذي ترك أعماله وتكبد مشاق السفر وتحمل مصاريفه بأمل فتح سوق جديدة لاعماله تبدأ خسارته من تلك الدقيقة, ومن ثم يبدأ أول انطباع له عن هذا البلد الذي بدد وقته الثمين. انطباعات الأخريين هذه يحدثني عنها صديق أفريقي مطبوع بحب السودانيين.. قال انه قابل أحد الأجانب الضيوف القادمين من السودان فسأله صديقنا هذا عن انطباعاته عن السودان, فذكر له ذلك الضيف، أن الكثير من الضيوف الأجانب تجدهم في هيلتون الخرطوم (سابقا) نائمون على الكراسي في صالة الاستقبال كل واحد منهم ينتظر صديق سوداني يتصل به كل فتره يقول له - أنا هسع جاي .. أنا في الطريق , ويكون ما بين هاتين الجملتين وحضوره فارق ساعة، وعندما يحضر يسلم ويجلس ولسان حاله يبرر داخله يعني (الفات شنو).. ! وهناك كلمة( بكرة) عندنا وإنشاء الله التي يكثر تداولها عند العرب بصفة عامة، وكلمة (بكره) هذه متأصلة في عاداتنا تجاه كل أمر ينبغي إنجازه , أي عمل أو تكليف ولو كان يسيرا لا يتطلب جهدا ولا يستغرق زمنا ولو حتى دقائق معدودة لابد له أن يربط ببكرة.. تأتي كلمة (بكرة) أحيانا مقرونة بما يقويها من حجة..يا أخي( ما بكرة إنت الدنيا طايرة) وهي أصبحت منطقا مغروسا في دمائنا والعالم من حولنا يتجاوز في حركته وإنجازاته( بكرة) إلى ما بعدها في كل ثانية. ما ينطبق على الأفراد تجده وبصورة اشد في المكتب الحكومي الذي هو انعكاس للحالة السودانية، الكثير من الموظفين تروقهم كلمة (بكرة) لأي أمر تطلب قضاؤه لا يهم يسره من عسره , ولكن المهم أن ينطق لك الموظف بكلمة (بكرة) وهي كلمة لها نشوة !! والعرب معروف عنهم قرن (إنشاء الله ) في أي موضوع يربطهم مع غيرهم (عربا كانوا أو عجما) في وعدهم، أو وفي اتفاقهم على عمل ما مستقبلا، وفي كثير من الأحيان تعنى (إنشاء الله) عدم الوفاء ولذلك كثير من الأجانب حينما تقول له إنشاء الله.. يكرر سؤله هل انت موافق أم لا ؟ .. ولا يثق في قولك أو استنادك على هذه المشيئة التي حرفت عن معناها الجليل عندما اصبحت دلالة على عدم الوفاء. ومن الصفات غير الحضارية المتفشية في السودان قضية التعامل مع( الموبايل) الكثيرون لا يحترمون رفقته في كونه التزام حضاري وإنساني طالما انك ارتضيت اقتنائه, وطالما أعطيت رقمه عن طواعية لغيرك من الأفراد أهلا كانوا أو أصدقاء، لكن تجد في أوساط مدعي الوظيفة أو الأعمال أو غيرهم من خلق الله , ممن يتعالون في الرد على نداءه ليس لسبب سوى انهم يعتبرون أن ردهم على أي مكالمة هو نقص من قدرهم، إذا لم يكن السبب هو التهرب من الوفاء بالتزامات إنسانية في إغاثة محتاج ربما ساقت لهم أجرا، أو أدبية في كلمة طيبة يتفوهون بها ربما ساقت لهم رزقا، أو يكون السبب هروب حقيقي من التزامات مادية يغلق لها الموبايل جملة في بعض الأحيان..! الكثير من الشعوب الراقية الموظفون فيها وحتى المسئولون في وظائف عليا لا يتعالون على ردهم على المحادثات التي تطرق تلفوناتهم وموبايلاتهم يردون بكل تواضع لاي استفسار، بل يقدمون نصحهم لذوي الحاجة بتصحيح امر، او توجيه نصح، وهذا اعلى مقامات التحضر في زمان يجعل من التواضع وتقديم العون للآخرين اساس التعامل الحضاري الانساني، اين الموظف السوداني من ذلك.. السلوك السلبي في التعامل مع الهاتف والموبايل ترفضه المجتمعات المتمدنة التي تعتبر الموبايل أداة حضارة في ربط المصالح الإنسانية, والوفاء بمتطلبات الحياة من تواصل, وأعمال مشتركة, وتوثيق لأواصر قربى وتراحم, وتوفير لزمن يمكن الاستفادة منه تجاه التزامات أخرى. ولعل هناك الكثيرون ممن يتكبدون المشاق في قطع المسافات الطويلة وتبديد الوقت, وبذل الجهد ( منهم المرضى، وكبار السن) يفعلون ذلك ليس لسبب سوى انهم لم يجدوا ردا ممن يطلبون مسئولا كان او ذو رحم أوغيره .. مما يضطرهم لطرق داره . هذا وجه من اوجه سلبية التعامل مع (الموبايل) يعانًى منها البعض, كما يعانى منها أجانب ورجال أعمال زاروا السودان وتعرفوا على أصحاب بعض قطاعات الأعمال، لكن حرمتهم سلبية تعامل السودانيين مع الموبايل من المواصلة في أن يقدًموا على أي عمل كان من الممكن أن يكون ذو فائدة على السودان وأهله..! الحديث عن الصفات الإيجابية والسلبية بالنسبة للمجتمعات بصفة عامة تجده متداولا في أوساط أصحاب الأعمال والسياح ذلك انهم الاكثر التقاطا وشفافية في تعاملاتهم، أينما رسي لهم مركب. كما أن مجال الأعمال هو النطاق الذي يحدث فيه التقارب والتعارف بين الشعوب في اجلً الصفات.. الوفاء, والأمانة, والصدق، والجدية .. وفي مجال الأعمال كذلك يكثر الحديث وتتعدد الوعود وتتباين الأحلام, وهذه صفة مشتركة لدى الكثير من المجتمعات الأفريقية والعربية خاصة.. فما أن يجمع لقاء بين رجلي أعمال وتعمً الراحة نفسيهما حتى تتعدد المشاريع نعمل ونعمل، مشرقين ومغربين, مرة الاستثمار في إنشاء مصنع مسامير وأخرى إنشاء مصنع كماشات لخلع تلك المسامير..! من القصص الحقيقية الطريفة التي اختم بها نقد الذات أن أحد رجال الاعمال السودانيين اصطحبه رجل أعمال أثيوبي في رحلة عمل إلى بحيرة تانا الشهيرة في مدينة بحر دار, وذلك برغبة الاستثمار في صيد الأسماك. وعلى ضفاف البحيرة التي لاحدود لتدفق ماءها جرى تبادل الحديث وتدفق الأحلام بين الرجلين، فقال السوداني لصديقه الأثيوبي:- أنا لا تكفيني أسماك هذه البحيرة احفروا لنا بحيرة أخرى لنوسع استثمارنا.. ولا أسماك البحيرة أخرجت ولا مراكب الصيد أبحرت !! ////////////// ///////////