قبل حوالي ثلاثة أشهر نظم متظاهرون بيئيون أوروبيون مظاهرة بيئية معبرة حيث شكلوا بأجسادهم ساعة رملية بدأت حباتها البشرية في التسرب إلى الأسفل بسرعة كبيرة في كناية معبرة عن اقتراب الأخطار المناخية الكبرى التي تهدد الحياة على كوكب الأرض وعلى رأسها مخاطر الاحتباس الحراري الناشيء عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتولدة من استهلاك الطاقة غير النظيفة والتي تؤدي إلى سرعة ذوبان ثلوج القطبين ورفع منسوب مياه البحر ، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى وقوع الكوارث الطبيعية الكبرى التي لايُمكن السيطرة عليها بأي حال من الأحوال!. ولعل أكبر خطأ يرتكبه البشر هو ممارسة الإهمال البيئي الجسيم واعتبار قضية البيئة قضية ترف فكري لا تستحق الاهتمام، علماً بأن قضية البيئة هي أخطر قضية بشرية في هذا القرن لأن مخاطر عواصف التسونامي ، الزلازل ، البراكين ، الأمطار الحمضية ، الأمطار السوداء ، تلوث المنتجات الزراعية ، تلوث مياه الأنهار ، تلوث الهواء والأمطار العنيفة المصحوبة بالعواصف الهائلة على غرار تلك التي ضربت مؤخراً مدينة جدة السعودية على حين غرة هي أخطر بكثير من مخاطر الحروب وانتشار السلاح النووي وتفشي الأوبئة ، فالإحصائيات تثبت أن ضحايا الكوارث الطبيعية هم أكثر بكثير من ضحايا كل الحروب التي وقعت على مرّ التاريخ البشري ، كذلك لا يُمكن القول إن ركاب سفينة الحياة أحرار في خرق مواضع تواجدهم في السفينة لأن حرية خرق المواضع الخاصة ستؤدي حتماً إلى إغراق السفينة نفسها وممارسة الغرق الجماعي مع سبق الإصرار والترصد! ومن المؤكد أن الموقف الرسمي القطري الذي تم إبداؤه بتاريخ 23-9-2009 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والستين بمقر المنظمة الدولية بنيويورك ، والذي دعا إلى التوسع في استخدام طاقة الغاز الأقل ضرراً بالبيئة من طاقة النفط واستخدام الطاقات البديلة النظيفة كطاقات الشمس والرياح والزام الدول المتقدمة بتقديم المساعدات الفنية للدول النامية لتمكينها من استغلال واستخدام الطاقات البديلة النظيفة ، يشكل المخرج العملي الوحيد الذي سيؤدي إلى الحد من الانبعاثات الحرارية المهلكة ، وهنا يُمكننا التطرق إلى بعض الاختراعات الثورية التي قد تحدث فرقاً هائلاً في الحياة على كوكب الأرض ومنها على سبيل المثال لا الحصر الاختراع الصيني المعروف بأربعة × واحد وهو اختراع بسيط وعملي يقوم على أساس تخمير المخلفات البشرية والحيوانية في أحواض صغيرة خاصة ومن ثم يتم تقطير الغاز الحيوي أو الغاز البيولوجي والذي يُستخدم في إيقاد مواقد الغاز وإضاءة اللمبات الكهربائية وتستخدم خلاصة المخلفات كسماد طبيعي بالغ الجودة لخلوه من الكيماويات الضارة بينما يؤدي ذلك كله إلى تنظيف البيئة بالمجان ولا شك أن هكذا اختراع سيحدث ثورة في الأرياف إذ سيؤدي إلى إيقاف القطع الجائر للغابات واستخدامها كوقود باعث للغازات الضارة كما سيؤدي إلى تخفيض نسب الانبعاثات الضارة المتولدة من مداخن مصانع الطاقة غير النظيفة التي تعمل بالوقود العضوي والتي لا تتوقف عن ضخ كميات هائلة من سموم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مدار اللحظة وذلك بسبب تناقص الطلب على منتجاتها الضارة بيئياً، كذلك فإن إختراع البرج الشمسي الصحراوي الذي ابتكره أحد المخترعين الألمان سيؤدي ، في حال تبنيه وتنفيذه على نطاق واسع ، إلى تجميع طاقات شمسية هائلة وتوفير طاقة كهربائية رخيصة إضافة إلى استخدام الجزء السفلى من البرج لإنتاج الخضر والفاكهة دون الاعتماد على أي مواد كيماوية ضارة ولا شك أن تطبيق هكذا اختراع بشكل ناجح سيؤدي إلى تحويل الصحاري إلى مدن عملاقة تتحرك وتحيا وتتنفس بقوة الطاقة النظيفة ! إن الحديث عن صداقة البيئة أو المنتجات أو الخدمات الصديقة للبيئة يصبح ضرباً من العبث المطلق إذا لم يُستصحب بوعي بيئي شامل وبقوانين بيئية صارمة وبموسسات بيئية محلية ودولية قادرة على بسط هيبة القوانين البيئية بلا استثناءات مهلكة ومن الملاحظ كذلك أن الدعوة الرسمية القطرية إلى الإصلاح السياسي للأمم المتحدة ترتبط منطقياً بإصلاح البيئة الدولية ، فلا يُعقل أن تسمح الثغرات الموجودة في النظام الدولي الراهن لأكبر الدول الملوثة في العالم كالولاياتالمتحدة والصين بالتنصل من التزاماتها البيئية الدولية برفض الانضمام لمعاهدة كيوتو لمكافحة الاحتباس الحراري، ولعل التوقيت الدولي صار ملائماً تماماً لتنفيذ هكذا إصلاحات جذرية فقد أصدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين مؤخراً تصريحات جديدة مفادها الرغبة في خفض نسب الانبعاثات الضارة!. وغني عن القول إن تصريحات كهذه يجب أن تُقنن في مؤتمر المناخ المنعقد حالياً في مدينة كوبنهاجن فقد آن الأوان للتقيد التام بالقوانين البيئية الدولية من قبل كل دول العالم بلا استثناء إذا كان البشر حريصين على العيش بسلام على هذه الكرة الأرضية، فلا يُعقل أن نمارس اللامبالاة البيئية التامة ونستمر في أداء أدوارنا على مسرح الحياة ببرود بينما تهدد العواصف الكاسحة والزلازل المدمرة بهدم المسرح على رؤوس الجميع في أي لحظة ودون أي سابق إنذار!. فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر