مما لا ريب فيه أن أحداث الاثنين الماضي ستترك تداعيات كثيرة في علاقة الشريكين المتأزمة (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية)، بزيادتها تأزيماً، إضافة إلى توتير تلكم العلاقة المتوترة أصلاً بين الأحزاب والقوى السياسية المعارضة والمؤتمر الوطني، حيث تزيد من تأزيم الموقف دون اتضاح ملامح الحل. إن الحركة الشعبية في سعيها الدؤوب لتحقيق أهدافها السياسية لجأت إلى أسلوب جديد في تعاطيها مع شريكها المؤتمر الوطني، وذلك من خلال اختبار حقيقة تأكيدات المؤتمر الوطني بأنه ليس لديه أي مشكلة مع الحريات السياسية، ولا يعترض على قيام الأحزاب والقوى السياسية المعارضة في تنظيم المسيرات السلمية والندوات السياسية، شريطة الالتزام بالقوانين المنظمة للعمل السياسي، فمن هنا كان من اليسير على الحركة الشعبية إقناع قوى الإجماع الوطني لتحالف إعلان جوبا للحوار والإجماع الوطني لتنظيم مسيرة سلمية إلى المجلس الوطني (البرلمان) لتسليم مذكرة تطالب المجلس بالإسراع لإجازة القوانين الداعمة لخطوات التحول الديمقراطي. فالحركة الشعبية تهدف بهذه المضاغطة، بمساعدة تحالف إعلان جوبا أن يذعن المؤتمر الوطني بأغلبيته البرلمانية إلى تنفيذ مطالب الحركة الشعبية التي تسابق الزمن في تحقيق أهدافها، بينما قوى المعارضة تهدف بمساعدة الحركة الشعبية إلى تغيير النظام بانتخابات حرة ونزيهة أو باللجوء إلى الشارع، وهي في كلا الحالتين في حاجة ماسة إلى مشاركة الحركة الشعبية في أساليب المضاغطة المختلفة لتحقيق أهدافها. ولم يخف على الحركة الشعبية أنه إذا تعذر قيام الانتخابات، سيكون من العسير إجراء استفتاء حول تقرير المصير في جنوب السودان، وذلك سيكون ضربة قوية لاتفاقية نيفاشا، عليه ستعمل الحركة جاهدة من أجل إجازة تلك القوانين، بينما يرهن المؤتمر الوطني إجراء الاستفتاء بقيام الانتخابات، فلذلك ستتواصل جهود المضاغطة، ومن ثم التأزيم إلى أن تتضح ملامح الحل. واللافت للانتباه في أحداث يوم الاثنين الماضي أن السيد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية أعلن عبر تلفزيون "الجزيرة" أنهم حصلوا على ترخيص من الجهات المختصة بالمسيرة. بينما ذكر الفريق محمد الحافظ مدير شرطة ولاية الخرطوم في تصريحات صحافية "أن قوات الشرطة تعاملت مع مسيرة الأحزاب، باعتبارها عملاً غير قانوني لمخالفة المادة 127 من القانون الجنائي لسنة 1991، وذلك بعدم الحصول على التصريح اللازم من الجهات المختصة كما هو متبع". إن مثل هذه التصريحات تحدث تشويشاً وبلبلة حول حقيقة الامر، فإنه من اليسير على الجهات المختصة إطلاع الرأي العام على الحقيقة حتى لا يحدث تشويش أو بلبلة أو تتأثر مصداقية الجهات العدلية والشرطية في مثل هذه الأمور. إن إحراق مواطنين جنوبيين مكاتب المؤتمر الوطني في واو ورمبيك، احتجاجاً على اعتقال قيادات الحركة الشعبية أمام البرلمان، ينذر بخطر يجب التنبه له والعمل على تفادي تداعياته. ومن الخطر أن يصل الخلاف بين الشريكين إلى درجة إحراق الدور، ومن ثم الاعتداءات الأكثر خطورة، إلى درجة وصول هذا الخلاف إلى صراع بين الشريكين، يتحول بين عشية وضحاها إلى صراع بين الشمال والجنوب، منهياً اتفاقية نيفاشا، ومهدداً السودان كله. عليه يجب تدراك الموقف قبل فوات الآوان. أخلص إلى أن السودان يمر بمرحلة تاريخية خطيرة ويعيش مأزق سياسي كبير يجب أن تتضافر الجهود كافة، حكومة ومعارضة، من أجل البحث عن سبل للحل. ولا يخفى على الكثيرين أن السودان الآن مشدوداً بين المطالبين بالتصعيد والراغبين في التهدئة. وأحسب أن دعوة السيد سلفاكير ميارديت نائب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية الشعب السوداني إلى الهدوء مع التعبير عن حقوقه الدستورية سلمياً في التظاهرات والمسيرات، ونفيهً اتجاه حركته للعودة إلى الحرب، مدخل مهم لاحتواء الأزمة والخروج من المأزق السياسي الراهن. ومن الضروري البحث في كيفية الوصول إلى اتفاق تراضٍ وطني لقيام انتخابات حرة ونزيهة، وذلك من خلال مبادرة تحقق الإجماع الوطني، ولا ترهن مستقبل البلاد على الشريكين فقط. Imam Imam [[email protected]] ص الرأي – جريدة "السوداني" – يوم الأربعاء 9/12/2009