سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة [email protected] فى عام 1994 اصدر البوفيسر ريتشارد هيرنستين بجامعة هارفارد الأمريكية والدكتور شارلس مورى الزميل بمعهد الانتربرايس الامريكى للفكر كتابا يحوى نتاج ابحاثهم عن الذكاء والتركيبة الطبقية فى الحياة الأمريكية وقد اطلق على ذلك الكتاب اسم The Bell Curve وفيه تناولا مادة الكتاب مدعمة بما عندهم من معلومات وأبحاث واحصائيات تمكنهم من طرح رايهم ودعم نظرايتهم والتى انحصرت وباختصار شديد (لأنها ليست موضوع المقال وانما أوردتها كمثال) فى ربط العلاقة بين الذكاء, الذكاء الفطرى وعلاقتهم المباشرة بالثراء, الفقر والعرق وقد دعم الكاتبان ابحاثهما بكمية من الرسوم البيانية (غراف) لتوصيل المادة. فى ذلك الكتاب كان هناك فصلان اثارا الجدل وفيهم ألمح الكاتبان الى أن نتاج تلك العلاقات الطبقية يرسخ للمفهوم أو الهمس الذى يذهب بالبعض الى أن فقر (الأمريكى الأسود) وواحتلالة لنسبة أكبر من أفراد الطبقات الفقيرة يدلل عل أن معدل ذكاء الأسود أقل من الانسان الابيض (فى شرحهم اللاحق شفاهة حاولوا أن ينفوا ذلك التفسير وان المقصود خلاف ذلك). أتذكر وأنا كنت طالبا بجامعة نيويورك حينها فى أحدى الأيام خرجت من قاعة المحاضرات لأجد أمامى زوبعه كبيرة وتظاهرة من الطلاب والناشطين فى طريقها الى التظاهر أمام مبنى كانت ستقام به محاضرة كان يعتزم القاءها شارلس مورى وهو أحد الكاتبين. ولكن ذلك لم يعفى بقية المتخصصين من الولوج الى الرد على تلك النظرية وبالفعل قامت حملة أكاديمية وغير أكاديمية منظمه من محوريين الأولى للرد على النظرية والكتاب نفسه وذلك بمراجعة وتحليل الدلائل والمعلومات والاحصائيات التى استند عليها الكاتبان. المحور الثاتى تمثل فى الرد المباشر على كل المحاضرات والمقالات التى ألقاها الكاتب شارلس مورى (لأن ريتشارد بيرنستين كان قد توفى) وكانت تلك المداخلات مدعمة بالمعلومة النيرة والمقارعة الندية وفى كثير من تلك المناظرات سواء كان ذلك فى المحاضرات أو المقابلات التلفزيونيه كان منظر دكتور مورى جبان ومخزى لدرجة تثير الاشفاق وفى مرات عديدة تراجع وناقض نفسه مما أضعفه أكاديميا وأودع نطريته مزابل التاريخ. تلك الرمية سببها هو موضوع ظل يشغلنى لفترة حيث قرأت عنه مقالات متقطعة هنا وهناك ولكن لم تكن بصورة منتظمة أو منظمة لتمنعنى من الكتابة حوله وهى الحديث السخيف والمغرض والنكات التى سمعتها وسمعها كل من زار أو اقام بمنطقة الخليج العربى مؤخرا وهى أن السودانى كسول. هذه ليست بتهمة تتطلب منا ماتتطلبته حملة مناهضة هذين الكاتبين وتحليل مستدانتهم لأنهم بالفعل قد بحثوا ولكن نظريتهم ومعلوماتهم لم تكن بالدقة التى تجعلهم أن يجزموا بصدق ماكتبوا. ولكن لهؤلاء الذين يروجون لمثل هذا الهراء أقول أن السودان والسودانيين ليست بمجموعة عرقية واحدة, السودانيين لايعيشون فى منطقة جغرافية صغيرة وضيقة تسهل عملية انتقال وتاصيل العادات. السودان تتنوع مناخاته كما تتنوع قبائله ولهجاته ويكفى أنه أكبر الاقطار الافريقية ونسبة السكان به تعتبر صغيرة نسبيا مقارنة بالمساحة وبالتالى تمنع التجانس فى كل الأشياء. هناك من المسلمات أن السودانيين كلهم تجمعهم المواطنة . اللغة العربيه تتحدثها الغالبية والدين الاسلامى يعتنقه الكثيرين وليس كل السودانيين. صحيح أن القاسم المشترك للسودانيين فى الخليج أن الغالبية العظمى منهم مسلمين ويتحدثون العربية ولكنهم اتوا من مختلف مناطق السودان ومن مختلف الاعراق بالتالى لايمكن أن يكونوا حاملى نفس الجينات التى تورث. هذه الفرية يسهل دحضها بمبتدئى علم الاجناس ولاتحتاج منا الى متخصص. أى بمعنى آخر لايمكن لأى شخص أن يؤطر لها أو يطرحها كحقيقة علمية أو ملاحظة اجتماعية. لماذا لم تصيب تلك الذبابة الجينية السودانيين الذين ينتشرون فى بقاع الارض ويكدون ويجتهدون؟ لم تصيبهم لأنهم ببساطة لم يتجرأ أحد بتلصيق مثل هذه التهم السخيفة بهم. نحن شأننا كشأن كل شعوب العالم بيننا الصالح والطالح وأنا مؤمن تمام الايمان أن الغالبيه العظمى من السودانيين تعمل وبكل اخلاص وتجرد والا لما استمروا فى أعمالهم ولتوقف الطلب عليهم. هؤلاء السودانيين (الكسالى) هم نفس السودانيين الذين انتشروا فى الخليج العربى يعلمون ابنائه وبناته ومازالوا. أقرأ وياستمرار كمية الانجازات التى يقوم بها السودانيين فى تلك المنطقة. أهمية تناول هذا الامر ان الآلاف من الأسر والملايين من شعبنا تعتمد كليا أو جزئيا على ذويها الذين بعملون بالخليج والصاق التهم السالبة عليهم لايخدم غرضهم ويضعف قدرتهم التفاوضية فى الحصول على الوظائف أو المرتبات المستحقة . هذه التهم اذا تركنا لها الحبل على القارب تذهب بالكرامة وعزة النفس ولذا يجب التصدى لهذه الظاهرة. السفارات الموجودة بتلك المناطق أصابتنا بالغثيان لبطأ خطابها الاعلامى وبدائيته. لفد ذكرت فى مقالة سابقة أن سفارات الدول وفى معظم دول العالم ترد على كل ما يسئ الى وطنها ومواطنها وعلى الفور. نقرأعن دول صغيرة الحجم والنفوذ ولكنها تتصدى وبشدة لأكبر وكالات الاعلام سواء كان ذلك فى أوروبا أو أمريكا والردود تأتى فى خلال ساعات وتتواصل. مكاتب الملحقيات الاعلامية والثقافية فى السفارات السودانيه تغط فى نوم عميق وحتى أن سمعنا لها طنينا يكون فى الدفاع عن الوزير الفلانى والمسؤول العلانى. لقد غابت عن مخيلتها أن هذا السودانى الذى نرى ونسمع النكات عنه فى برامج التلفزيون فى الامارات وفى السعودية هو نفس السودانى الذى يسدد الضرائب صاغرا لتتمكن أنت الدبلوماسى المحترم من الحصول على مرتبك ومخصصاتك واهميته والدفاع عنه هو من صميم أعمالك. أما بالنسبة للأخوة السودانيين فى الخليج فذلك لايعفيهم من بعض المسؤلية ايضا حيث أرى بعضهم يضحك لهذه النكات كانها شئ يضحك له. الضحك وعدم دفع هذا الاذى عنك كسودانى يرسخ هذا المفهوم الخاطئ. ليس لدى شك أن البعض يرفض مثل هذا الحديث ويتصدى له ولكن يجب أن نفعل أكثر. حدثنى صديقى السودانى المهندس باحدى الشركات الأمريكية والذى كان فى زيارة عمل الى أبو ظبى وفيها سمع واحدة من تلك النكات فى بداية احد الاجتماعات والذى كان يضم سودانيين ولم يتحدث أويمتعض أحد ولكنه وبكل هدوء طلب من ذلك الشخص الذى حكى النكته بالتوقف عن فعله وأن هذه ليست بنكته وانما اساءة لشعب كامل واذا كنت لديك تجربة مع سودانى كسول فذلك رجل كسول ولكن ليس كل سودانى بكسول وان حديثك ينم عن جهل وتعميم أخطل. هذا هو الرد الذى ينبغى أن نصد به عنا مثل هذا التعميم الأخرس والترديد الببغائى الذى ليس له أساس من الصحة. يجب علينا مهاتفة البرامج التى تأتى فيها مثل هذا النكات أو الايحاءات السخيفة. هناك مقالات متفرقة من أخوة كتاب جاديين تناولوا هذا الامر ولكن لم يكن بالصورة المتواصلة من ناحيه أما الأمر الآخر لم أرى هذه الكتابات على الصحف ووسائل الاعلام الخليجية وان وجدت فان أثرها ضعيف للغاية ممايعنى أن الاسلوب المتبع يجب اعادة النظر فيه. الرد الفورى على البرامج والمقالات التى تتناولنا كشعب باى نوع من السلبيه ضرورى وحتى لايفسر كلامى هذا خطأ فأنا لا أدعو الى تنصيب أنفسنا مدافعين عن أى أخطاء سياسية أنا أتحدث عن السودانيين كشعب. هذا النعت ليس بالصعوبة دحضه وصده ولكن يجب أن نبلور له خطاب اعلامى شعبى بعد أن يأسنا من نجدة تأتينا من المكاتب الصحفية لسفاراتنا. السودانى كان ولازال من أهم العناصر التى بنت وطورت وساعدت دول الخليج الى ماوصلت اليه الآن وذلك لم يتم بالكسل وان كان منا كسول أو مثال سالب فذلك حال كل أمة وكل شعب هناك الذى يشذ عن القاعدة ولكن السواد الأعظم من السودانيين والسودانيات يعملون ليل ونهار وبنفس التفانى. والرد لايحتاج منا لعلمية مطلقة لأن الاتهام ليس له أى سند علمى أو اجتماعى والنظريات التى يؤطر لها ان بنيت على باطل فان مصيرها التجاهل كما راينا فى البيل كيرف وكما قال أهلنا بعد كل جهد واجتهاد السودانيين فى المساعدة فى تعليم وبناء المنطقة يأتينا من يريد أن يتوج حمادا لوحده ويقدح عليه بالشكر؟ وصدق المثل (الخيل تجقلب والشكر لحماد)