السعودية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هناك مشاكل كبيرة تواجه التعليم الطبي خصوصا الخاص منه بعد التوسع المبالغ فيه في افتتاح كليات طب جديدة في الاعوام الاخيرة. سوف نقصر كلامنا هنا على الكليات التي تمنح درجة بكالوريوس الطب و الجراحة و لا يشمل الكليات الطبية المساعدة مثل طب الاسنان او الصيدلة. كما سوف نقصر نقاشنا على الكليات الموجودة في ولاية الخرطوم فقط، اذ توجد ثلاث كليات طب خاصة خارج الخرطوم هي في قرية فداسي في شمال الجزيرة (جامعة اقرا)، كلية ود مدني للعلوم الطبية وكلية شرق السودان (بورتسودان). في ولاية الخرطوم توجد سبعة عشر كلية طب خاصة تمنح درجة البكالوريوس في الطب و الجراحة و هي الاحفاد، جامعة الاكاديمية (مامون حميدة)، جامعة التقانة، كلية النيل، الجامعة الوطنية، كلية اليرموك، كلية النهضة، كلية الرازي، كلية البيان، كلية الخرطوم للعلوم الطبية، كلية نبتة، كلية السودان العالمية، جامعة ام درمان الاهلية، جامعة الرباط الوطني (الشرطة) ، جامعة كرري (الجيش)، جامعة افريقيا العالمية، جامعة المغتربين. الكليات الاربع الاخيرة (الرباط الوطني ، جامعة كرري ، افريقيا العالمية، جامعة المغتربين)، رغم تبعيتها لجهات حكومية، الا انها تدار، نوعا ما، بطريقة تختلف عن الجامعات الحكومية، و بصورة اقرب للكليات الخاصة، خصوصا من ناحية القبول و الرسوم الدراسية. بداية هناك من قد يجادل في اهمية التوسع في التعليم الطبي لتغطية الاحتياجات للخدمات الطبية لوطن قارة و يتشتت ساكنوه في مساحات شاسعة. هذا كلام حسن من حيث النوايا الطيبة لكن المشكلة الان تتمثل في عدم وجود البئية الجاذبة للطبيب لكي يبقى في بلاده خصوصا ناحية المرتباتالهزيلة جدا، و عدم وجود جو العمل الملائم للطبيبات في الولايات حيث صرن يشكلن اكثر من 60% من مجموع الخريجين. كما أن الارياف تعاني من بؤس بئيات العمل من جهة، و من اهمال السلطات الولائية التي، و لضيق افقها و لقلة الموارد، تركز جل اهتمامها بعاصمة الولاية و تهمل اطرافها و هوامشها. اذا لم تحل مثل هذه المشاكل فانه اذا اقيمت مئات الكليات الطبية فانها لن تحل مشكلة النقص في الاطباء حتى داخل ولاية الخرطوم ناهيك عن الولايات البعيدة او القريبة من المركز. بالنسبة لكليات الطب المنتشرة في ولاية الخرطوم و هي السبعة عشر اعلاه، اضافة لستة كليات حكومية هي (جامعة الخرطوم، ام درمان الاسلامية بنات، ام درمان الاسلامية اولاد، بحري، الازهري، النيلين)، و بالتالي تكدس الاف الطلاب مقابل سعة سريرية محدودة جدا و لا تتناسب مع اعداد الطلاب، فهي تواجه مشاكل كبيرة اهما عدم وجود مواعين كافية لتدريب الطلاب اذ لا توجد مستشفيات تتسع لهذه الكليات الكثيرة، خصوصا بعد تقليص اقسام بعض المستشفيات الحكومية،مثل مستشفى الخرطوم. كما ان جزءا مهما من المرضى صاروا يتلقون علاجهم عن طريق أوان اخرى غير المستشفيات الحكومية، مثل التامين الصحي و القطاع الخاص، و بالتالي صاروا عمليا خارج مواعين تدريب الطلاب. قد يكون وضع كليات طب الرباط و كرري افضل نسبيا اذ تتوفر لطلابها فرص تدريب في مستشفيات الشرطة و السلاح الطبي، رغم محدودية سعاتها السريرية، و وجود اجنحة للعلاج الخاص بها خارج مواعين التدريب الطلابي لاسباب مفهومة. ان التدريب في المستشفيات هو الجزء الاهم في دراسة الطب لانه هو الجزء الاكثر ارتباطا بما سوف يمارسه الخريجون بعد تخرجهم. يوجد تدريب مختبراتي في العلوم الطبية الاساسية. لكن هذا قابل للاخذ و الرد، و يمكن تفهم نواحي القصور فيه. لكن لا يمكن ابدا تخيل تخريج اطباء دون تدريب حقيقي في المستشفيات يشكل النسبة الاكبر من زمن و مساحة الدراسة. نخشى أن تلجا هذه الكليات لصرف النظر او تقليص مساحة و زمن تدريب المستشفيات الى ادنى حد، و الاستعاضة عنه بالتدريس النظري او استعمال وسائل الملتيمديا (الوسائط المتعددة) او مراكز المهارات السريرية التيان صلحت لتوفير خلفية نظرية للمهارات السريرية، فهي لن تكون ابدا بديلا للتدريب العملي. ما هو الحل؟ يجب اولا ايقاف اي تصاديق لكليات طب جديدة، و تجميد التصاديق التي لم يشرع اصحابها في بدء الدراسة (و لست متفائلا بهذا الصدد اذ ان اكثر من نالوا التصاديق في السنوات الاخيرة هم من المتنفذين، ممن لا ترد لهم كلمة، او بالاحرى، أمر). ثم يجب الضغط على هذه الكليات للشروع في بناء مستشفيات جامعية خاصة بها و منحها مدد زمنية تكون متدرجة، قصيرة في حال الكليات القديمة و اطول للكليات الجديدة مع ربط تاسيس المستشفى الجامعي بمنح او تجديد اوازالة التصديق. و ما دامت هذه المستشفيات سوف تقدم خدمة عامة للجمهور فيمكن تشجيع الكليات بمنحها الارض مجانا، و منحها عونا ماليا في خلال مراحل بناء المستشفيات او التكفل بمرتبات الاطباء و الكوادر المساعدة من قبل وزارة الصحة الفيدرالية او الولائية و منحهم فرص تدريب في المجلس القومي للتخصصات الطبية اسوة بزملائهم الاخرين. اعلم الضائقة المالية التي تمر بها اغلب الكليات الطبية لهذا فان خيار دمج بعض الكليات مع بعضها يظل واردا. كما ان اشتراك كليتين في تاسيس مستشفى واحد قد يكون مقبولا لحين ميسرة. عاجلا و لحين اكتمال بناء المستشفيات، فيبدو الا مناص من الاستعانة بخدمة تدريب مدفوعة الاجر لبعض المرضى الصالحين للتدريب و لا تتاثر صحتهم بذلك على نحو ما يجري في احد الدول المجاورة و دول اخرى، على ان يكون هذا مؤقتا و من باب ابغض الحلال. أعرف ان هذا حل (كريه)، لكن يبدو الا بديل له. اذ لا يمكن تخيل كلية طبية بدون تدريب حقيقي على المرضى.