moaney [[email protected]] لألف ليلة وليلة أربعين حرامي ، ولنا ما يزيد عن أضعاف هذا الرقم مما لا نستطيع إحصاءه. الأربعون حرامي في قصة "علي بابا" خفيفي الظل ، وأربعوننا متجهمي الوجوه ، غلاظ شداد يحرسون خزائن المؤسسات العامة والخاصة وأبواب الرزق في سوق الله وأكبر.كما أن "علي بابا" حطّاب بسيط ، فقير يعاني من ظلم أخيه الذي استولى على مالهما مما تركه أباهما التاجر الثري. والمواطن السوداني : العامل والموظف الصغير والمزارع والراعي وماسح الأحذية ، في كل هؤلاء "علي بابا" بسيط يتمنى لو يسمع مثلما سمع "علي بابا" كلمة السر من اللصوص ثم يرددها "إفتح ياسمسم" لينفتح له باب المغارة ويحصل على الكنوز المخبأة هناك . كنا نظنها أسطورة حاكتها عقلية بارعة لكتب الأطفال ولكن ما تم على الحدود التركية السورية غيّر تلك الفكرة . فقد تم العثور على كنز يتكون من عملات ذهبية ترجع إلى عهد السلاجقة والصفويين . وقد أكد الباحثون أن هذه العملات هي الكنز الذي كان يجمعه من عرفوا بالأربعين حرامي في قصة "علي بابا والأربعين حرامي" الشهيرة.عُثر على الكنز بعد قرون طويلة من انتهاء دولة السلاجقة ، وبعد أن أخذت القصة حظها الأدبي تدويناً في حكايات "ألف ليلة وليلة". على خلفية صراع "علي بابا" مع الأربعين حرامي نشأ الجدل الناتج عن تعاطفنا معه وهو ليس سوى حطّاب بسيط ، فبالرغم من أنه سرق أموالاً لا تخصه كما هي لا تخص اللصوص من قبله فيقابله الحكاءون والمستمعون بالتعاطف الشديد الذي مهّد له ما وجده من ظلم أخيه "قاسم" الذي احتكر ثروته واستحوذ على كل ماله. هذا التعاطف ما زال موجوداً مع "علي بابا" في كل زمان ومكان . و"علي بابا" السوداني في تاريخه الشعبي كما في حاضره يجسد المواطن البسيط العادي الذي يمر على الأثرياء الذين ملأوا خزائنهم حتى فاضت من عرق الغلابى من أبناء البلد وينعمون بخيراته بينما هم محرومين ، لا لشيء إلا لأنهم عرفوا كلمة السر "افتح يا سمسم" لتفتح لهم باب الغنى والعز والجاه ، وهي كل أدواتهم في عملية الكسب بينما غيرهم يكدون ويجتهدون . ثم يحرضك نموذج القصة في نفس الوقت للحنق على "الأربعين حرامي" الذين كونوا ثروتهم من تعب غيرهم وشقائهم. يقابل العقل الجمعي محاسبة الضعيف بكثير من الاستهجان ، لذا عندما نتأسى على ما وصلت إليه حال البلد من سرقات وتفلتات أمنية وحوادث نشل في الأسواق ، وتسول وغيرها لا تشغلنا هذه المخالفات على خطرها وإنما يشغلنا ما هو أكثر فظاعة ألا وهو الفساد على كل المستويات . ويشغلنا ما أودى بالمجتمع السوداني إلى ذل السؤال وهو الأكثر تعففاً بين المجتمعات . هنا تنتهي حكاية "علي بابا والأربعين حرامي" وتبتديء قصة واقعية يجسدها العوز .عوز الإنسان حسب هرم "ماسلو" والذي يتكون من خمسة مستويات من الاحتياجات البشرية هي بالترتيب : الحاجات العضوية (الفيسيولوجية)، السلامة والأمان، الحب والانتماء، الاحترام والتقدير، إدراك وتحقيق الذات. ولن نزيد نظرية "ماسلو" هرماً أسفل حتى تغطي احتياجات إنسان السودان الدنيا وهي كما سماها " ماسلو " "احتياجات العوز" فليس أدنى من العوز . وحسب النظرية فإن إنسان السودان لم يحقق حتى هذه الحاجات الدنيا فإنه غير مؤهل للصعود إلى أعلى الهرم ، لأن الحاجات "الغلّابة " تجره نحو الأسفل. ولن ندخل في تفاصيل الأهرام الأخرى وأهمها بالنسبة لنا هرم الأمن والأمان ، فاكتفينا في هذه المساحة بهرم العوز الذي خلقته عصبة تجد منهم في كل مؤسسة أو مصلحة أربعين ملفاً للفساد . عن صحيفة "الأحداث"