عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ذكّرنا الأستاذ الصائغ بالذكرى الخمسين لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية في نوفمبر 1965. وهذه كلمات سبق لي تدوينها عن الواقعة. وكانت آخر عبارة للمرحوم النائب نقد في الجمعية:"جمعيتكم سعيدة وبخيتة عليكم".
*توج حل الحزب الشيوعي في 1965 حملة لحلف إسلامي ناشط في تحجيم ذلك الحزب ونجمه الصاعد بعد ثورة أكتوبر 1964 . وقد رتب الإخوان المسلمون هذا الحلف من خلال تنظيمهم الجبهوي ، جبهة الميثاق الإسلامي ، التي كان يرأسها مولانا محجوب عثمان إسحاق ، قاضي القضاة الأسبق ، بأناه وشراسة . وضم هذا الحلف الأحزاب الطائفية السياسية مثل حزب الأمة وحزب الأزهري ، الوطني الاتحادي ، الذي كان منفصلاً في ذلك الوقت عن طائفة الختمية ( التي استقلت بتعبيرها السياسي : حزب الشعب الديمقراطي ) والطرق الصوفية ورجال الدين . وركز الإخوان على كسب الأزهري ذوى النفوذ الواسع بين جماهير المدن وللكيد لحزب الشعب الديمقراطي الذي دار آنذاك في فلك سياسي مع الشيوعيين . فقد كان للأزهري ما يخشاه من تزايد نفوذ الشيوعيين بين جماهيره في المدن مواقع سنده ومدده . فاستصدر الإخوان مثلاً بيانًا من الأزهري يكفر فيه الشيوعيين . لم يطمع الحلف الإسلامي في أكثر من الحد من نفوذ الحزب الشيوعي غير أن الفرصة ، ممثلة في ما عرف بعد « بحادث معهد المعلمين العالي » 1965 وفرت لهم فوق ذلك بكثير وهو حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان . وقعت تلك الحادثة في ندوة عن المرأة في معهد المعلمين العالي ( كلية التربية التابعة لجامعة الخرطوم حاليًا ) بمدينة أم درمان . ففي تلك الندوة وقف طالب قيل إنه عَرّف نفسه بأنه شيوعي ( في حين أنكره الحزب ثلاثًا ونسبة إلى جماعة منشقة عليه هي « القيادة الثورية » ) وأشار إلى حادثة الإفك القرآنية ليدلل على قدم البغاء في التاريخ وتسربه حتى إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم . ويقول عبد الوهاب الأفندي إن أكثر قادة الإخوان لم يفطنوا إلى الاحتمالات السياسية بعيدة المدى لهذه الحادثة وربما اكتفوا وقتها بإعادة القول عن كفر الشيوعيين . غير أن واحدًا منهم هو على عبد الله يعقوب ، وهو من قلائل خريجي الأزهر بين قيادة الإخوان وأمين عام منظمتهم للشباب وشقيق العالم المرحوم السماني من منسوبي الحزب الشيوعي ، والذي ساءه سوء تقدير زملائه لسياسات هذه الحادثة وآثارها المزلزلة المتوقعة على الحزب الشيوعي ، اتجه إلى العلماء وزعماء الطرق ، الذين يعبق نهارهم وليلهم بقدوة الرسول وسيرته ، ليكون منهم مؤتمرًا للدفاع عن العقيدة . واستنفر المؤتمر القضاة والعلماء ومدرسيّ الدين الإسلامي ليستنكروا الحادث ، ولبيان ردة الطالب شاتم الرسول ، وخطر الإلحاد الشيوعي على قوام الدين . وأصدرت الهيئة الشرعية العليا المكونة من وجوه المحكمة الشرعية وهيئة التدريس في الجامعة الإسلامية، بعد التداول في هرطقة الطالب، بيانًا في نوفمبر 1965 بتوقيع مولانا عبد الماجد أبو قصيصة ، قاضي القضاة ، بحكم الشرع في المسألة أفتت فيه بردة الطالب وطلبت من الجمعية التأسيسية حماية عقيدة الشعب باستصدار تشريع ضد الشيوعية . وهو البيان الذي فنده الأستاذ محمود محمد طه بقوة فأسس لمحكمة ردته في 1968 ضمن أشياء أخرى. كما أصدر علماء معهد أم درمان العلمي والعلماء عامة بيانات دعت إلى إعلان حكم الشريعة وتحريم المبادئ الهدامة . ودعا محمد صادق الكاروي ، وهو عالم من الإخوان المسلمين ، إلى حل الحزب الشيوعي . وتهيأ بذلك مناخ معاد للشيوعية استثمره الإخوان المسلمون في الضغط على حزب الأمة والوطني الاتحادي لتبنى إجراءات حاسمة ضد الشيوعية والشيوعيين . وسيَّر الإخوان مظاهرة إلى منزل الأزهري الذي خاطب المتظاهرين قائلاً أنه سيقود الجماهير بنفسه حتى ينحل الحزب الشيوعي إذا لم تفعل الحكومة شيئًا بهذا الخصوص . وفي إطار هذا التأجيج القوى اجتمعت الجمعية التأسيسية في 15/11/1965 لتجيز اقتراحًا يدعو الحكومة إلى تقديم مشروع قرار لحظر الحزب الشيوعي . ولما كان مثل الحظر مما يخالف المادة الخامسة من الدستور المؤقت لعام 1964 ، التي تكفل حرية التعبير والتنظيم ، فقد عدلت الجمعية التأسيسية المادة ذاتها بتاريخ 18/11 وأجازت التعديل بتاريخ 7/12 . وأجازت الجمعية التأسيسية تعديلاً آخر للمادة حول شروط عضوية الجمعية جعلت من يخرق المادة الخامسة المعدلة ( حظر الشيوعية ) غير جدير بعضوية الجمعية التأسيسية وقد خَوَّل هذا التعديل للجمعية طرد النواب الشيوعيين.
*(كنت قدمت ورقة عن "مأزق الحركة الإسلامية" وشددت على ماكتبه خبير عنها قال إنها مصابة بعشوائية ظنت بها أن تنزيل الإسلام جائز متى طرأ لهم ذلك. وأعماهم هذا عن فروض الواقع. فزجتهم العشوائية في صحبة الاستبداد أو صاروا هم به مستبدين بلا واسطة. وساقتهم بلا تدبر إلى التنصل عن الحداثة التي زعموها لأنفسهم كما وضح من حملتهم لحل الحزب الشيوعي التي كانوا فيها، متى فكرت في الأمر جيداً، منجرين لقوى محافظة فيهم أو لجماهيرية رخيصة. وتجد أدناه فقرة من الكلمة القديمة: غلبت العشوائية على الحركة الإسلامية وهي تدعو لحل الحزب الشيوعي في سياق دعوتها لأسلمة الدولة بعد ثورة أكتوبر. فقد جاء في رواية السيد علي عبد الله يعقوب (معلم اللغة العربية والدين) عن واقعة حل الحزب الشيوعي ما يفيد عن ضعف مناعة فكر الحركة الإستراتيجي متى اقتحمتها مقتضيات التكتيك. فقد قال إنه سمع بما فاه به طالب معهد المعلمين المنسوب للشيوعية عن حادث الإفك في الندوة المشهورة في شتاء 1965 وسره ذلك. وقال إن حديث الطالب كفيل بحل هذا الحزب الشقي. وقصد من ساعته السيدين عبد الرحيم حمدي، محرر جريدة الحركة: "الميثاق الإسلامي"، وعبد الله حسن أحمد، المسئول عن الحركة بجامعة الخرطوم، فما زادا أن قال له إن هذا مما يحدث في الندوات بالجامعات فلا تثريب. وهذا قول فطري استفاداه من حداثية الحركة واعترافها بالرأي الآخر حتى لو أمض في القول. ولكن علي عبد الله، الأزهري ومعلم اللغة العربية والدين الذي ذاق الأمرين من حزازات الغرب التي الشيوعية أعلى مراحلها، لم يستسلم ل "حذلقة" رفيقيه ومضى إلى المعهد العلمي يلوى على شيء وهو استجابة المعهديين لأخيهم لا يسألونه على ما قال برهانا. وسارت الأمور كما أرادها على عبد الله يعقوب (وهو ممن ظل الدكتور الترابي يرميهم ب "محافظي الحركة") لا كما أرادها حمدي وعبد الله حسن أحمد من محدثي الحركة الذين ارتضوا الديمقراطية لهم وعليهم. ولم يكن مثل مناسبة حل الحزب الشيوعي مناسبة لكي يرسخ عند الإسلاميين أن الدستور الإسلامي . . هو الحل. أو الحل في الحل كما جرت العبارة.