ياسر عرمان، مناضل فذ أثقلته تجربة تاريخية فريدة، أكسبته مهارات وقدرات لا تتوفر عند الكثيرين في اوساط المعارضة بشقيها السلمي والمسلح (Well-seasoned Politician). قياساً بالفعل السياسي الذي يقوم به المعارضين السودانيين. اتفقنا ام اختلفنا معه، فهو احد رموز الكفاح الثوري السوداني المعاصر، مثله في ذلك مثل؛ الفريق عبد العزيز ادم الحلو؛ والراحل المقيم يوسف كوة مكي، و الراحل دَاوُود يحيى بولاد، واخرين . لقد شق عرمان طريقه السياسي منحازاً لقضايا شعوب الهامش السوداني منذ امد بعيد معلناً حرباً ضروساً على أنظمة الأبرتايد السودانية بشقيها العسكرية والمدنية. ترك عرمان وراءه أسرته وحياة المدن للعيش في جبهات القتال المختلفة وهو لا يدري ماذا كان قد يتسنى له فرصة العيش، او حتى رؤيتهم مرة اخري! بالطبع، لا أودّ سرد بانوراما مغامراته التاريخية التي قلّما يروق للساسة نعوم الضحي في بلادي. هذا المناضل اختار الانخراط في صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان طواعيةً في بداياتها بزعامة قائدها الملهم، العقيد الدكتور جون قرنق ديمابيور، في زمن كان الكثيرون قد اختاروا الرقص على إنغام. (Khartoum-centric attitude)، اي السلوك المتحيز للمركز,حاملين علي أكتافهم سلاسل القهر الابدية نحو اللارجعة الي فضاءات التحرر، وهم لا يعلمون. ظل الكثيرون من كتاب ومفكري البلاط السلطاني، والذين تمت اعادة إنتاجهم بطريقة مشوهة لصالح المركز وأجندتها يسبونه، اي عرمان، بأغلظ العبارات لأكثر من عقدين من الزمان، لا لشي سوي لوقوفه مع قضايا شعوب السودان العادلة. ولكن كعادته، ظل عرمان مقاتلاً من اجل استرجاع الوطن المختطف، من قبل وكلاء المستعمر المتدثرين بثياب العروبة والإسلام لأكثر من نصف قرن من الزمان. ما أودّ ان اخلص اليه هنا، هو انه قد بدأ يطفوء علي السطح في هذه الأيام بعض الأصوات التي تحاول بيأس النيل من المناضل عرمان، في تكرار ممل يعبر عن الهمجية و الافلاس السياسي في مجتمع الساسة ومناصريهم، بغرض توجيه أنظار الجماهير نحو قضايا انصرافية بعيداً عن واقع إخفاقاتهم المستمرة بتكتيك بسيط يكشف ضحالة التعاطي مع الاختلاف . علي المستوي الشخصي، فقد التقيت ولأول مرة وجهاً لوجه بالمناضل عرمان قبل خمسة عشر عاماً في العاصمة الكينية نيروبي في اجتماع جمع كل من؛ العقيد د. جون قرن، الفريق بيور اجانق، الفريق ادورد لينو، الفريق قير شوانق والقانوني الضليع الرفيق الراحل بابكر محمد عبدالله بسورو. و في عدد من القاءات والمهام الثورية، لا يمكن حصرها هنا، في كل من كمبالا، جنوب السودان، ارتريا، أبوجا، وكذلك خارج قارتنا السمراء، والخ. لقد منحتني تلكم الفرص التعرف عن قرب بهذا المناضل، المثقف، و المنظم عرمان. حيث سعة افقه السياسي، وروحه المرحة، ودرايته بفن السياسية يعيد في زاكرتنا تجارب كبار قادة التحرر في الموتمر الوطني الأفريقي ANC بجنوب افريقيا أمثال المناضل الراحل كريس هاني (Chris Hanny) الذي جمع بين دهاء السياسة وفنون العسكرية. مما يجبرك علي احترامه. لذا، فمهما اتهمو ونعتو عرمان ، لا أشك مطلقاً في إيمانه وتمسكه بضرورة التغير الذي يفضي الي تحقيق سودان جديد يشعر فيه الجميع بحرارة الانتماء اليه والولاء له وهو ما نتمناه ان يتحقق يوماً. الرجل متفهم لقضايا السودان وأقاليمه المختلفة بما فيه اقليم دارفور بعمق وتجرد بالاضافة الي معرفته الدقيقة بالجيوسياسي للمنطقة وتعقيداتها. الامر الذي يملي عليه كل هذا التحرك الكبير حتي لا يترك للعدو حيزاً وفرص للمناورة في كل المنابر وخاصةً في فترات البيات الشتوي السياسي الذي ضرب معظم التنظيمات مؤخراً مما اثار سخط الكثيرين لسبب او لآخر وهو بالطبع امر مفهوم. ربما طريقته البرغماتية أيضاً في التفكير وعقيدته السياسية المتقدمة Doctrine جعلته يستنفد كل الأكسجين من وحول بعض المعارضين بشقيه المدني والمسلح ومناصريهم ولما كان كل هذه الظنون؟! إسهاماته و جهوده المضنية في التوجيه والإرشاد والنصح لكافة قيادات الثورة السودانية بما فيه الدارفورية مع رفيقه المناضل المثالي الفريق عبد العزيز الحلو الغني عن التعريف يستوجب الاستفادة من تراكم خبرابتهم وتجاربهم الغنية وتجيرها لصالح الثورة السودانية . فلنسأل أنفسنا ان كنّا كراماً حقاً، الم تكن إسهاماته الكبيرة في دفع مشروع السودان الجديد، الذي شكل بنية الوعي السياسي الثوري في البلاد، فاصبح تاجاً يزين جباه هذا الجيل الرافض للخنوع امراً يستحق الثناء والتبجيل؟ الم تكن مبادراته الملموسة في تحريك برك السياسة الراكدة في الوقت الراهن امر يستحق الاعتبار؟ الم يكن مجرد وجوده في اي محفل، مقارعاً و مفنداً لحجج النظام بتلكم الحصافة والمنطق والمعرفة مبعث أمل في نفوس السودانين بان يستبشرو خيراً في قوي المعارضة بعد افلاسها؟! الم يكن دعمه الفني والمفصلي جداً لحركة تحرير السودان في بداياتها من قبل وبعد انقسامها أمراً جديراً بالوقوف عنده قبل إطلاق كل هذه التهم جزافاً والتي لا تسندها اي مسوغ ينسجم مع روح النضال؟ ام قد اصاب البعض حالة قصر الذاكرة المزمنة، و سوء الظن وتخوين الاخر، السمة الملازمة في مجتمعنا؟ بالطبع هذا لا ينم عن شيء سوي الغيرة، او وهن الروءية السياسية (Political myopia) في أبغض تجلياتها. فأي ادعاء بالكمال والصفاء الثوري في حشد وصياغة الوعي الجماهيري علي اساس قبلي وجهوي يحمل في طياته الكثير من المعوقات التي ستعرض مشروع التغير لمخاطر عديدة لا نعلم مداها. ولكن، الجدير بالذكر هنا، وبحكم معرفتي بالمناضل عرمان، سوف لن تقعده تلكم الحملات التشويهية، ولن تصرف أنظاره من مهامه الثورية بل ستزيده طاقة إضافية لتحريك اجندة كفاحه من اجل مجتمع معافي، و وطن يسع بنيه. بقلم/ احمد عبد الشافع توبا 20 ديسمبر 2015 كامبريدج ماساشوستس Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. Skype: jawelbassey