تطاولت الأيام والأشهر بالآجال والمواقيت التى ضربت لالتئام مفاوضات الدوحة مرة أخرى مع الحركات المسلحة تحديداً مع حركة العدل والمساواة وقد كثرت التكهنات والاستنتاجات ، ومحطات السلام الكثيرة وموضوعاتها المتنوعة تنسى بعضها البعض ، لأن لقاءات كثيرة دارت فى أكثر من عاصمة أجراها الوسيط المشترك جبريل باسولى مع الأطراف ذات العلاقة بالمفاوضات شملت حكومة السودان ودول كبرى بأوربا ومع الادارة الأمريكية والاتحاد الافريقى والحركات المسلحة ولكن النتيجة تراوح مكانها دون أن نرى موعدا نهائياً لاستئناف الجولة !. وموعدها ظل فى ترحال مستمر من أكتوبر الى نوفمبر ومن ثم ديسمبر ونحن فى منتصفه الآن والعام يمضى الى خواتيمه ، وأخيراً يعلن عقدها فى ال 24 من يناير 2010 م ولا ندرى ان كان مأمولاً بعد ان تعقد هذه الجولة وسط هذه الأجواء غير المؤاتية والتوترات تحيط بالمشهد السياسى وتجره للهاوية ولا أحد يجزم بمدى جدية أطرافها لاستكمال سلام دارفور !!. جهود أخرى مماثلة ظلت تبذلتها قطر ومبعوثها النشط (أحمد بن محمود ) كونها الجهة الراعية للمفاوضات بتفويض عربى ومباركة افريقية مسنودة بدعم منظمة المؤتمر الاسلامى واسناد أممى ، ضمن العديد من الاتصالات الى أجراها ممثل قطر مع السودان و مصر وليبيا وتشاد ومع قادة الحركات والفصائل المسلحة فى دارفور، وورش عمل تمهيدية عقدت بالدوحة ومحادثات جانبية ثنائية ومتعددة عمدت للدفع بهذه الجولة الى غاياتها وما تزال الأنظار تراقب حصيلة هذه الاتصالات !. والمبعوث الأمريكى زار هو الآخر الخرطوم ودول أخرى مهتمة بسلام دارفور وأجرى اتصالات مكثفة لكنه سرعان ما اصتدم بعقبة اتفاقية السلام الشامل والتحديات التى واجهتها على خلفية الانتخابات ومتطلباتها من احصاء وسجل ، وقانونى الاستفتاء والأمن الوطنى ومفهوم الشريك للمشورة الشعبية وتهربها من استحقاقات المرحلة دعمه المادى الذى كشفت عنه الحركة الشعبية !، وبلاده مهمومة بالانفصال و دظلننا نعكسه ! وتبعات ملتقى جوبا الذى رعته الحركة بمشاركة أحزاب المعارضة الشمالية بأبعاده المتعددة وما أسفر عنه من ارباك وتقاطعات وما أحدثه من جلبة سياسية واعلامية و تداعيات أدت لتباعد المواقف بين الشركين وتعليق الاتفاق عملياً فى بعض جوانبه بانسحاب الحركة الشعبية من البرلمان لما يقارب ال 45 يوما ، وسعيها لتدشين مسيرة غير معلومة الأهداف والمرامى وقطار السلام يترنح بهكذا مغامرات قصد منها هز قوائم السلام فى مساراته الرئيسة لجهة الجنوب ودارفور وتعكير صفو أجوائه أو نسفه ان تمكنت من ذلك !!. يضاف الى ذلك جهود المبعوثين الصينى والروسى والبريطانى وغيرهم ممن يعملون بآليات وأطر مختلفة فى زمانها وأبعادها خدمة لأهدافهم كل حسب فهمه لبعث الروح من جديد فى مسيرة سلام دارفور ، والحصيلة الكلية تبدو أكثر ظلامية من ذى قبل رغم التفاؤل الذى يبديه البعض ولكنه لا ترى بشائره لكثرة التقطاعات !. ولا يمكننا قراءة ما يعترى سلام الدوحة دون النظر فى نتائج القمة الطارئة للاتحاد الافريقى بأبوجا مطلع نوفمبر الماضى والتقرير الذى قدمه الرئيس أمبيكى للزعماء الأفارقة وتوصياته التى ربطت بين السلام والعدالة والمصالحة فى منحىً جديد ( ضمن معالجة مبتسرة حاولت أن تكون موضوعية لكنها لم تخلو من تدخلات وأجندة خارجية وترضيات لهذا الطرف أو ذاك )، ولاشك أنها شكلت عتبة فى الطريق لسلام شامل على تحفظات الدولة ازاء بعضها وما تلى ذلك من حراك بين مؤيد ورافض لتقرير لجنة حكماء افريقيا حتى وسط الحركات المسلحة وجهود المنظمات الدولية والمجتمع الدولى جميعها لم تفض الى ميقات ووضعية محددة لما يراد فعله من الدوحة !. هذا لجهة الجهود التى تبذلها الأطراف التى تشكل رأس الرمح فى مفاوضات الدوحة خارجيا ، والتى نلحظ فيها كثافة العمل وتواصله وما يحمله من بشريات ونذر ، وتعدد المداخل والمقترحات لأجل المعالجة والتسويات التى جرت وتجرى ، ولكنه خلى أو ضعف فيه بعد التنسيق ان لم يكن غيابه كلياً لأن كل طرف يسعى لتمييز جهده وتعظيم مكاسبه دون ايلاء الاهتمام وتركيزه حصريا للمعاناة الحقيقية التى تواجه المواطن فى دارفور وهو يرقب هذه التحركات والتدخلات المشوشة دون أن توصله الى بر آمن يكبح جماح التفلتات الأمنية والاضرابات التى تسببها هجمات هذه المجموعات وما تحدثه من خسائر فى الرواح والممتلكات !. وبالمقابل تواصل الدولة مساعيها دونما كلل أو فتور فى شتى المحاور على صعيد المركز والولايات ، وترتيباتها متصلة فى تعزيز قدرات الأجهزة العسكرية والأمنية للابقاء على حالة الاستقرار هناك على تعدد محاولات التمرد لاختراقها ، وهى تعمل بجد لمحاصرة الوضع الانسانى حتى لا يتدهور والأزمات تبرز لجهة الحبوب والمحاصيل جراء العوامل الطبيعية للموسم الصيفى وما يواجه الموسم الشتوى من مكدرات من شأنها أن تؤدى الى ضوائق فى الطريق ان لم يحسب حسابها وتعد عدتها فى هذه الأيام قبل فوات الأوان !. وقدرات الدولة تحيط بالمصالحات القبلية والاعمار والتأهيل واعادة ما دمرته آلة الحركات المسلحة ومجموعة مناوى ما تزال مشتتة على ما توافر لها من مكاسب بموجب اتفاق أبوجا ، وهى منفطرة الوجدان تجاه السلام و ضعيفة فى القيام بجهد عسكرى ميدانى بل و مرتبكة فى حشد مجموعتها ، ومحاصرة بأزمات داخلية وتصدع داخل صفها الذى يتآكل كعادة كل التشكيلات فى دارفور وتحيط بها جملة اهتمامات لا تمت لسلام دارفور بصلة تشوش على أدائها وأولوياتها ، فلا هى فى معية الحكم والدولة ولا هى بالمعارض تماماً كما تفعل الحركة الشعبية بعد أن فقدت الوجهة والبوصلة فى تحديد خياراتها فى الوحدة والانفصال ، وهذا بعض قدر البلاد أن يكون السلام منقوصاً حتى من قبل من أبرموا اتفاقياته ويباشرون تنفيذه ممن يعملون فى صف الدولة وما يرتبه عليهم الاتفاق من مسئولية وألتزامات وطنية وأخلاقية !.وأجهزة الدولة المعنية بسلام دارفور تحمل كل هذه الهموم على عاتقها وتواصل مد الجسور مع كآفة الأطراف حتى تلك التى تحمل السلاح وتقوض السلم والاستقرار ، على ما تحمله من متناقضات ومساعى محمومة لهدم السلام وتخريبه من واقع العمليات الميدانية المعزولة والاختراقات لحالة الأمن من قتل وخطف وأبتزاز ، والخرطوم استقلبت وتستقبل كل هؤلاء ولفترات متراوحة ومتصلة على أعلى المستويات وبحثت وتبحث فى مسار الجنوب لكونه الموجه الرئيس لبقية المسارات وتساوم وتفاوض وتقدم التنازلات وتبدى من المرونة والفهم ما يجعل بعض الفاعلين فى العملية السلمية خارجياً يخطئون التقدير ويغالون فى عروضهم وتسوياتهم المعروضة بغية المزيد من الحصار والضغط عليها !. وهى تمضى فى طريقها على ما تضعه أمريكا وبريطانيا وفرنسا من صخور ومتاريس عوات ، وتعمل لأجل دارفور بهمة تتجاوز خططهم وتآمرهم رغم العقبات الكبيرة التى تعمل لصرفها عن جادة الطريق واضاعة الوقت مما يجعلنا نخشى على مستقبل الدوحة كخيار بات الأوحد فى مفهوم الدولة والعقل الجمعى السودانى الا أن الحركات المسلحة والدول النافذة من ورائها ما تزال رهينة المحابس والأجندات الخارجية ، وزيارات مستشار رئيس الجمهورية د غازى مسئول ملف دارفور لكل من أمريكا وباريس وانجمينا وأريتريا وما حققته من اختراقات وطرح جرىء وعملى لما يمكن فعله من قبل كل طرف لتجاوز عنق الزجاجة وعقد الجولة ، واتصالاته مع مختلف هذه المجاميع وما أبرمه من تفاهمات لم يغرى أي من الحركات المسلحة الرئيسة للتقدم برؤى وأطروحات تجعلنا نبدىء بعض الأمل فيما يمكن أن يفسر أو يوحى بأن السلام فى دارفور سيتقدم مع هؤلاء، أو أن هامش الجدية والصدق لديهم قد كبر وتقدم قيد أنملة لآن الاشارة فى ذلك بيد عواصم محددة ! ؟. نقول بذلك ليس من قبيل التشاؤم واليأس ولكن من واقع ما نتابعه و ما تقوم به حركة العدل والمساواة من عمليات نوعية وتهديد أمنى على الشريط الحدودى وبعض النشاط الاجرامى دخل الحدود لاثبات وجودها ميدانياً على نحو ما يمضى من استعداد وتحريك للآليات والمعدات والمتمردين بمنطقة أم جرس هذه الأيام ، وهى ما تزال تراهن على الخيار العسكرى وترجحه على ضعف قدراتها وامكاناتها وما تجابهه من تصدعات بنيوية ، وبرغم ذلك تغامر لشن هجمات وغارات و تتقوى وتتحالف وتجند وتدرب من داخل العمق التشادى ودعمه متعدد الواجهات ، وتصريحات الفريق خليل ابراهيم وتحركاته الأخيرة تكشف الكثير ولا تدلل على أنه رجل سلام من الدوحة أو يمكن أن يكون كذلك ، فهو يتمنع ويصيب بناء السلام فى دارفور بصلف وغرور لم تفلح معه بعض تنازلاته لبعض المجموعات التى تشظت عنه واستعداها فى السابق بقدر حرصه على انقاذ رقبة أخيه غير الشقيق من حبل المشنقة على خلفية حصاد حركته فى ( غزوة أم درمان الكذوب) لم تفرحه سائر الجهود الأخرى و( عُشر) خلف القطبان !. وهو مولع بالدعوة لحاكم جنوبى للسودان فى هذا التوقيت بكل ما تحمل هذه الاشارة من دلالات ورمزيات وتنسيق للأدوار فيما بينه وداعميه والحركة الشعبية يتجاوز بها معضلة حركته ورهان الرئاسة وموضوعات التفاوض !. وتشاد فى تخبطها وحيرتها لاقرار السلام فى المنطقة ، وهى مكبلة بقيود عصية فى الانعتاق والتقدم باتجاه الخرطوم ولا نية لديها فى التوجه قدما لطى الحالة التى تعيشها من واقع النزاع فى دارفور الى أن نرى نتائج زيارة وزير خارجيتها للخرطوم وما قطعه من عهد جديد ! ، وتاريخنا معها فى التفاوض والوصول الى تسوية ومقاربات نتجاوز بها هذا الواقع لا يحتاج لاقامة دليل وحجة على يدها الملفوفة الى عنقها من قبل باريس ، وهى لا تستطيع استكمال ما جرى الاتفاق عليه مع د غازى صلاح الدين لأسباب تتعلق بأمنها الداخلى ومستقبل بيت الزغاوة والحكم هناك وبرغمها دعونا نتفائل !. وفرنسا التى تعتقل عبد الواحد( رهينتها ) وتدخره ليوم كريهة فى ( سلام دارفور ) انتقلت من هذا المربع بعد أن ضمنت اسكاته وتوجيهه وحجبه واخراصه من الادلاء بأى شى يمكن أن يفسر فى صالح السلام وفاعلية حركته التى تجاوزها الميدان العملياتى ومعسكرات النزوح التى كان يقتات منها كما تفعل العدل والمساواة بمعسكرات اللجوء فى تشاد !.وفرنسا بعد الجنائية ومدعيها أوكامبو الذى تحركه بخطة لم تفلح فى الاحاطة بالرئيس البشير وزيارة موريتانيا صفعة أخرى ،وهى باتت أكثر اهتماماً بمصير ( لبنى الحسين وسروالها ومصير قبلة كوشنير على مستقبلها السياسى ) فى سياق دعمها الحقيقى للسلام فى دارفور ، وهى لا تقف عند التحريض لدى الحركة الشعبية حتى تبلغ ثورة باقان وعرمان مداها ان قدر لهم المعاودة بعد (علقة) أم درمان الشهيرة ، ولكنها عادت الى البرلمان تجرجر الخيبة والهزيمة وهى أشبه بعودة القائد ( المصرى أحمد عرابى )! . ونحن نعبر عن اشفاقنا لما يكتنف مصير السلام من الدوحة والواقع يكشف منقصاته الكثر ولا جهة تبدو حريصة عليه عدا الدولة والوسيط القطرى !!. والحيرة تزداد لأن أطراف اللعبة السياسية خارجيا همهم الى (CPA) وتقرير المصير وما خلفه ، أما حركات دارفور غير المنضوية للسلام فهى تنتظر الصافرة مجدداً بعد مخاض أحزاب ملتقى جوبا وما نتج عنه من كشف لعورات الأحزاب الشمالية المعارضة والحركة الشعبية ، وحلم عبد الواحد وخليل فى دارفور تحت الظروف التى نعلمها يظل خارج الشبكة الى حين ! فأى وجهة ترى يمضى السلام فى دارفور وما هو مصير مفاوضات الدوحة والعام الحالى قد طوى دون أن نبلغ مرسى فيه !؟. adam abakar [[email protected]]