السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعة من بوادي الكبابيش .. بقلم: عبيد الطيب "ودالمقدم"
نشر في سودانيل يوم 11 - 01 - 2016

مدخل عن الإبل، الشاعر الكباشي الرَّاحلي علي بلَّة ودكوع النِّمِر:
تَرعاها النِّفوس فوق الرِّقاب مشبوكة
سمحة سوق حنينها بوقِّف القلب روكا
ولدها إن خلَّف الهَدرة التِّقول دَلّوكة
بوليس عندو حادث والبلد محروكا
شاهدتُ أُغنية مصورة، قُدِّمت بقناة النيل الأزرق، من الفنانة المبدعة،شادن محمد حسين، بصوتها الشّجيّ الطروب تقول:
(ألبل عملاً جوطه
سِيدهِن جرجَر سوطا
ألبل أبَّن طولا....وكسَّن جيهة الفوله
دبريت شدَّن/قن حولا.....لِحسَن ألمي الفوقا
ألبل ليهن راعي.....سارح بيهن واعي
ألبل سرحن غادي....هبّن لُب الوادي
ألبِل في البوادي.....سمحات وطبعن هادي
ألبل دارِن صابِن....نشقن/غ دار أم بادِر
ألبِل فيهِن هادِر....جاسِر تب ماغادِر
ألبِل سيدهن جابِر....كنَّ عليهِن صابِر)
ليت الشاعر، حشد الأغنية،بمفردات، تتحدث عن،معزّةوحميمية، حنين الإبل، عند أهل البادية،كم كنت متشوقا،ومع الكثيرين، أن نسمع تراثنا،أومايلامس وجداننا ،أردتُ أن أسمع مثل:
(حنَّة مابية القرعة...،
يا الكملتي أم البادر...يا الفلستي التاجر
إنقيبك كرَّب سرجو...ورعدك كتَّر هرجو
قروحت، عجَّت.....الخ)
لأن مثل هذه المفردات،تضف لمثل هذا العمل،طعم ورائحةوعبق،
وتُعطيه بُعْد جمالي آخر،بل تكون "شولق"مرصوص، تزين جيد الأغنية.
أغنية شادن، في رأي المتواضع،أغنية غريبة، لا هي من الجراري، ولا من هسيس الجراري، ولاهي توية،ولا أعرف لها شبه،في فن وموروث الأبَّالة،كلماتها ركيكة جدا،لاحظوا هنالك ثمانية فقرات، تبدأ ب ألبل،وكلها ناقصة ومبتورة،وكما يقولون تندرا"جوطة ساكت"،
وبالأغنية كلام لا معني له مثلا
قالت شادن:(ألبِل ليهن راعي.....سارح بيهن واعي)
ماهو الغريب في ذلك!؟
ثم قالت:(ألبل في البوادي....سمحات وطبعن هادي)
هل هذا شعر...!؟
مقدِّرالمجهود،الذي بُذل من الشاعر،والملحن والمخرج المصوروالموسيقيين، والمبدعة شادِن،ولكن مثل هذه الأعمال، نُريدها أن تعكس البادية،في أبهي جمالياتها،وجمال البادية،يتجلي في الإبل!ولانُريد إدخال مفردة، تشوش علي المستمع، الذي يبحث عن تراثه،وأحيانا المفردة"الطَّرقة"، تفسد الفكرة،التي من أجلها، كان العمل،فبعض ألفاظ الأغنية،لا تشبه مايراه الأبَّاله، في مهنتهم،ولا في محبتهم للإبل،لذا قرواح الإبل، ليس هو الجوطة،أو كماتقول شاعرة أهلنا الزيادية،ومن غنا الجراري، الذي كانت أغنية شادن من ضربه،تقول الشاعرة:
كَجرَن فوق اللَّيَّة
وعملن حيصة وديَّة
ياغالي بتين الجيَّة
فوق الخُفُّو حديَّة
لم يُعجبني إستهلال الأغنية ب(ألبل عملاً جوطه)
ولعمري هذا قول، ينافي نافلة أهل البادية،ونافل قولهم،ويندر جدا، بل فيه "شتارة"،لأنّ أهل البادية، الإبل عندهم لها معزة خاصة،فلا يقولون لحنينها وقرواحها"جوطة"،بل يعتبرونه،من البخت والسّعد"سرايح" ،وأُنس معزة، كما يقول الشاعر المجيد جدا، المطعون الكباشي السليماني:
عاليبة أُم سناباً مايِح
عرقوبِك بنِزْ منُّو اللّونْدِي الفايِح
حشَّاوِك مَسَك دَو الكموق جي رايِح
وسيِدك ونَّسُو الجرقُومو كُلُّو سرايِح
أوكما في هذا الرباعية، لهذا المظعون العجيب:
كيِرِك مِنعبِر بي هِجارو
وشِقِّك فوقو ريقان غير إجزُّو خبارو!
حشَّاوِك بماد الدَّو وبدِّي يسارو
وسيدِك ونَّسُو الفوق راسو شايِل طارو
*المربوعتين ديل لم أجدهن حتي عند الراعي النّميري!
اللَّونْدِي هي العطور اليابسة"سمبل"، عندما يتم خلطها،مع العطور السائلة.
مَسَك دَوْ الكموق/ك، اي ذهب إلي منحدر شجر السَّرح،الكِير هو فحل الإبل، وشِّقك يقصد سراتِك، ماتحت السنام،وريقان اي خطوط تشبه الجّزْ،
وخطوط السَراة، مع العبس، تدل علي أنّ الإبل سمينه،وحشَّاوك أي فصالك.
الشاعر المطعون، مُدهش جدا،أن جعل عبس الإبل،الذي ينزُّ من عرقوبها، كالعطور التي تسيل، من "روبة" العذاري،"اللَّوندي"، ورائحة العبس، كفوح الروائح، التي يعبق بها شعرهن، من قرنفل ومسك، وحد الدهشة عنده،أن جعل، أُنسه بهدير فحل إبله وصياله،يجلب له السعد والبخت"سرايح".
عاليبة،إسم معزة للإبل، لا أعرف لها جذرا، ولكن قديما من غنا الجراري،
بدار الريح:
(عالَة بيك أُم قُجَّة
وطالت بيك المدَة)
عالت بيك اي نجعت بيك وذهب بك إلي ديار أخري بعيدة،وأُم قُجَّة هي الناقة،وأهل البادية يطلقونها كأسم جمع للإبل،ويطلقون عليها "عيَّالة"، وكل بدويَ، يعرف عيَّالة، هي التي تجول الديار،وتذهب بعيدا من مدامرها،وفي
معاجم اللغة(عال في الأرض عيلا وعيولا)ذهب ودار، وعن مُفردة "عيَّالة"
يقول شاعر كباشي، ونسبت لطه الأزرق ودالسراج، ونسبت لود صقري العطوي، ونسبت للشيخ المُر، وجميعهم كبابيش:
يا عيَّالة ما تنطرِّي!
يا عيَّافة فوق شِق الأمان أنْصرِّي
جادول رسِّف الكبَّر سنام العَرِّي
عيل ترعاهو دوخة ود بشير البرِّي
* عيَّالة التي تجول الديار،بحثا عن المراعي الخصبة،لذا قال :
"ماتنطرِّي" ماتنطرِّي أي لا تبطري.. من البَطرَ قالت بت المك ودصباح الكباشية النورابية ومن غنا الجراي
نَزل في شارع القطَر
حلب في فواقها وفطر
الضَّي نجَّعهن بطَرْ
لا برَّاق لا مطَر
أيضا لا تنطري أي لا تشلقي ولا تفتري وعيَّافة التي تعاف القذي في المرعي والشراب،ويقصد أنَه مهتم بنوقه، ودائما يجول بها الديار بحثا عن المراعي الخصبة،لذا يقول:أن مراعي الجزو"جواديل"، صارت خطرة،لنشوب الحروب"موقعة رسَّف"، لذا ألزمي الجهة الآمنة،ورسَّف معركة شهيرة، دارت بين رعاة البادية الغربية، وثوار تشاد، في الأربعينات من عام"1900"،ودوخة إسم للناقة ، فيه معزة، والإسم يستعمل، للغناء، أكثر من الكلام العادي، وودبشير البرّي الكباشي، كان دليلا، وقدإستبسل في عركة"رسَّف"،فهل عاليبة من عالت"عيَّالة"، يقول الشاعر الراحل، عبدالسعيد ودمسعود الكاهلي:
سِعاية القُدره عاليبة السَّنابها مكوَّمْ
يبَّاسة السروج زملك بِقالى مشوَّم
شِبع حشاوها فى قش العضاوه وبوّّم
وسكران كيرها كيف حرس السِّجن بتحوَّم
*بوَّم أي شبع حتي التُخمة،والعضاوة من عضي،وهو العشب الذي نبت لتوه، ولم تطأه رجل حيوانٍ،ويبَّاسة السروج،كناية عن معارك أهلها،مع الهمباتة والحرامية، فكثيرا ما يموت صاحبها،دفاعا عنها، ويصبح سرجه مهملا، وسعاية القُدرة"بالكاء"، اي لا يملكها إلا المقتدر، وقديما قالت كباشية ومن غنا الجراري:
مابنشرب عُسِّيلي
ولا بنلبَسْ حِمّيري
الدايِر دقْش أُم مّيلِي
اللِّمشي يوارِد خيري
أي أنها لا تشرب "المعسَّلات"،ولا تلبس المزركش ، بمعني لاتهتم بشراب المعسَّلات، ولا باللبِس الفاخر، ولكن من أراد المباهاة، بكثرة المال، فليذهب إلي المورد، ويقابل "خيرها" اي دُخريها، إن كان شقيقها أو زوجها.
اهل البادية، لا يسمون حنين الإبل"جوطة"،كما في أُغنية شادن،بل عندهم حنينها ،من طرب المنعةوالرفعة،كما يقول الشاعر فضُل ودزايد الكباشي النورابي، يمدح الدّليل مُحمد علي ودحمد الدِّويحي:
عيِّط يا الرَّشيد قول عُوك
واوي ولايِم الجدعت حوار باروك
حِس تَقلية المو خِميلي في الحاروك
واردة اللّيلة سِهريج ناس حسين مدروك
*حوارباروك اي خداج،وحِس تقلية،اي حنين الإبل مجتمعة، والتقلية كثيرا مايطلقها البدو، علي الإبل الكثيرة، ومو خميلي، أي لم يكن خملة،والحاروك اي مرحات الإبل،الشاعر فضل ودزايد،حثَّ الرشيد، لكي يواوي للإبل حتي تجتمع، ولفت نظره للناقة،العجول المرزمة، التي خدجت،لأنها لربما تتأخر من سير الإبل،ولأن إبل الدليل محمدعلي، كثيرةجدا، توقع لخزان"سهريج" دونكي، الكاتب حسين، أن ينفد ماءه،لاحظوا أن الشاعر ربط، حنين الإبل مجتمعة"تقلية"،بالكثرة، ومدح صاحبها، بأنّه دليلا ماهرا،ولم يكن خملة.
اهل البادية،لا يقولون، لحنين الإبل "جوطة"،بل بلغ بهم الإعجاب، بحنين الإبل، شؤا بعيد،حتي شبّهوه، بصوت ذكرالمتوضئين للصلاة، وهم يرددون بعد المؤذِّن،أوكما يقول الشاعر مُحمَّد ودصالح العدوسي الكباشي:
أُم القمَّد الحِيل وإنهمر وإنهضَّا
رقَّ ضميرو أصبح كيف سوار الفضَّه
هبروها الفَجُر حِس الحورَّن جضَّه
فاقْرَن حاشت الأذان بعد ما توضا
*أُم يقصد الإبل، وقمَّد الحيل، صيال الفحل عند التزاوج،وأنهمر أي ضمُر، وإنهضَّا أي ضعف،حتي خصره،صاركسوار الفضَّة، وعندما أزالوا العقال منها"هبروها"، في وقت الفجر، وتأهبت للرحيل،صار حنين "جضَة" فصالها"حورَّن"، كترديد المتوضئين، وهم حول المؤذَّن، يردّدون التهليل والتحميد والتكبير.
أهل البادية، لا يقولون لحنين الإبل"جوطة"،بل من معزّة حنينها عندهم، كادوا أن يجعلوه، تنيدا وندا، لشدو العذاري،أنظروا للشاعر،عبدالوهاب الربيقي الكباشي،وهو يشبه حنين الإبل، وهي راحلة، بشدو المغنيات،وهنّ في سيرة"زفَة" العريس:
البنُّوت جفينا كلامْهِن
سَمِح مُرحالنا..عدلَنُّو الكُرت بي زِيامهِن
يوم الشَّلَّقَن قامَن عديل لي رغامْهِن
سوَّن جضَّة السَّار العريس قِدَّامهِن
وإن كثر حنين الإبل،ودلَّ علي الفراق، لا يقولون "جوطة"،وإنِّما،يقولون:
"قرواح"، وقراوح الإبل غير"الجوطة"، أوكما تقول الشاعرة الكباشية، ومنغنا الجراري، الذي كانت شادِن تشدو به:
حِسْ قُراحتُو تِنُودِرْ
بِكِسْر الحَدْ مابدودِر
بلدو الفيها مصوقِر
في الصيف قوزها مِشوقر
*تنودِر أي تكثر الحنين،وصاحبها يتوغل، حتي حدود الدول المجاورة،وهنا تقصد، أقصي الجنوب، حتي ان البلد التي يكون بها، تهطل أمطارها، صيفا، وتلالها "قوزها"،خضراء.
بل حتي في مصارعة العتامير،والعقبات الكؤود، لا يقولون لحنين الإبل"
"جوطة"، بل يطربون له، ويهدهدونها، كأنَّ مات لها عزيز:
كسَّارة الحِدود ماتغفري يا سكلابا
دربك ب المحِوس شاعر أب حمد لي أم بابة
حِسْ تقليتك السَّاري الرَّبط دَهرابا
وسماح كِيرك عريساً زوَّجو الهوّابا
*سكلابة، من السَّكَلي،نوع من بكاء العذاري،لفقدعزيزٍ، والإبل عند فراقها،لإخواتها من الإبل، أو "مراحها،تحنُّ حنينا، لذا قال"ماتغفري..!
وحتي في الموت، وفقد العزيز، يرجون حنينها،ويعتبرونه رثاء ومناحة،
عندماإستشهد، الدّليل بلوه ودأُمحُمَّد ودعبدالله،الفحلي النورابي،رثاء الشاعر
محمدأحمد حاج الطيب"أبوالبرعي:
يا قلاَّجة لي بلوه الدَّليل مابِهِينِك
حقّو تبركي في قبرو وتِواسي حنينِك
ماشفتيهويوت داايما بعجبو سمينِك
ويوم الحوض بشيل مُحفارو بقلع طينك
*قلاَّجة (بالكاء- القاف العطشة)، أي قُتل بسببك، ودفاعا عنك، ولأنه كان يهتم بك، ولا يرضي لك الأهانة،فالواجب أن تبركي حول قبره، وتتخيرِّي حنينك، لأنه دائما،يعجبه أن تكوني سمينة، وإذا جاء وقت شرابك، يحمل محفاره بيده، ويصنع لك حوض شرابِك،ومن أجمل ما سمعته، في وصف الإبل، وحركتها، وماتمثله للبدويّ، ماقاله الشاعر حاج أحمد ماشيق العدوسي الكباشي:
دي جقله ام سنام المدِّي
للمرضان تِقوّت وللصغير بتغدِّي
حَدَرَت فوق اهلنا وسدَّت القوز سدِّي
عقلت فوقنا يومين واصبحت مِتعدِّي
****************************
لساني الفيهو فوريكة النَّميم والفنِّي
كان سألوني فوق جقلة الطَّويلي بغنِّي
أم ضرعا ري مِهاجر لا دَلُو ولا شنِّي
لي الفالِح سِعايي ولي البفكِّر جنِّي
*فوريكة اي ماكينة (مكنة) ري مهاجر اي أدوات حمل الماء للمسافرين من سُقاء وقربة،ويقصد أن ضرعها، وإمتلاءه بالحليب،وكثيرا نجد الأبَّالة، يمكثون في مراعي الجزو،أكثر من أربعة أشهر، وهم يعيشون علي حليبها فقط،لي الفالح سعاية، أي للرجل البدوي الناجح، أحسن النعم، وللرجل ذو التفكير الجيد، جنَّة.
لذا لم يُعجبني، ماإستهلت به شادِن، أغنيتها"ألبِل عملاً جوطة".
لكننا نحمد للشاعر، أن اضاف للأُغنية، بعض المفردة،التي تتحدث عن تراث الأبَّالة بالسودان، مثل قوله:
"ألبِل سيدهِن جابر
كنَّ عليهن صابِر"
ومفردة جابر، من المفردات العتيقة بالبادية، وذات مدلول قيمي،وفيها منعة وقوة،قيل أن فارس بني جرار الشهيرجلي"أبوفاطنة"، والد الفارسموسي، ذائع الصيت،عندما قُتل الفارس جلي، في عِقال من عقالات الكبابيش وبني جرار،أهل البادية قالوا:
(الفارس جلي أبوفاطنة،كان زول جابِر، وبموته فكَّ جُبارة بني جرار)
والحديث ذو شجون، كما يقولون،قيل أن الفارس جلي، مع أنَّه كان فارس قبيلته، ورمزعزتها،أيضا كان دليلا خريتا ماهرا، خبيرا، بالمراعي، وبطبائع الإبل،قيل أن الفارس جلي، كان مع إبله في "السِّدور"،فرأته فتاة،إسمها أم بَلَل ،في هيئة تختلف عن هيئة الفوارس، أو في ملابس "السَّدور"،وكثيرا ماتكون متسخة ورثَّة،فقالت:(دي زول مانوس)، فسمعها وأنشد راجزا في الحال:
ياأُم بَلَلَ أني مانِي مانوس
أجواداً بحرِّم والجماعة كُروس
ود رجَّالْتَن سلاطيهُن قرون جاموس
وسيد قارْحَن بكسِّر مانِع الفاعوس
*السِّدور من سَدر، ويقصد فلاة الإبل، ومكان رعيها،وكروس اي صامتين،
وأهل الرّيف عندهم"أستريح...أستريح....أستريح" وكريمهم يُضيف
(حلَف حرَّم) ،رجَّالتَن أي رجال،وسلاطي جمع سلطية وهي الحربة،كوكاب"، حربة لها أسنان عكس نصلها "مقدمتها"، والقارح هو الحصان،والفاعوس هو لجام الفرس،ومانوس،هو الغير مستأنس،وهو المجنون الذي يجوب الأودية والتلال.
والفارس جلي أبوفاطنة، من رواد الدوبيت في السودان عامة، وفي بوادي الغرب،ولا أدري لماذا، لم يذكره الذين كتبوا عن الدوبيت، بل بعضهم ذكر زوجته والدة إبنه الفارس موسي، وعدَّها من رواد الدوبيت ،وجلي وقبيلته"بني جرار"، كانوا بالبطانة، وهم أبناء عمومة الشكرية، وجلي عاصر الشاعر الفارس"حسان الحرك"، الذي عده المؤرخين رائدا، لشعر الدوبيت، وفي رأي المتواضع، جلي شعره جميل جدا ورصين،قيل أن جلي، عندما، يحسَّ "بزاحي"الحرب،يعرف أن غارة ،في الهزيع الأخير من الليل قادمة، قيل أنَّه، لايوقظ إبنه موسي، كسائرالناس، ,إنَّما"يهوّت" له، وهوواقفا خلف خيمة إبنه:
موسي سولا موسي سولا
ضراع الماصِع الكيف الكداب بولا
يا ودالتِّوير أعرف بكان شولا
وفي البَّكْمة أم عجاج موسي رَمي زولا
*سولا سولا أي ما أعظمه...ما أعظمه..! ،والماصِع أي الجمل الهائج، والكداب سائل ،تفرزه الأشجار، كالصمغ ولونه حالك السواد، وقديما في الموروث:
(المرأة هشابة...تلد الصَّمُغ وتلد الكدابة)
والشول هي الإبل، والبكمة أم عجاج اي المعركة،رمي زولا اي قتل مبارزه، ويواصل جلي"المهويتة" لإبنه:
يا أبو سيفاً كتَّلو لي السَّنْ
ويا أبو مُهرا عدَّدو لي القَنْ
يا دخَّال علي الحَمِّي أُم بخوراً بَنْ
عجِّل ياولد خيل ناس كرادِم جَنْ
وردت ايضا(كتَّرولُو السَّن)
كتَّلو،أي سنُّوه أو طرَّقوه بلغة الحدَّاد، أهل البادية يستعملون"حجرا" ويسمونه المَسَن، ويشحذوا به سيوفهم وسكاكينهم وحرابهم، حتي تكون حادة جدا، وعدَّدو أي ألبسوه زينته، من "مخاطي"، وسيور،والقَن، أي العرض تدريب الخيل،والقنين هو نوع من جري وعدوالصيد،تعنج له عنقها،
سماح مقبولة في العدَل القنين بي خبايرو
خطَم تيقه وحدَر أصبح بلوب بي خضايرو
وناس كرادم،يقصد بهم فرسان نوراب الكبابيش، وكرادم جد الفارس الشهير الشيخ ،الساني(ودفضل الله ود الشيخ محمد ودعلي ودكرادم1670 تقريبا)
وقيل أن الفارس جلي عندما جُرح،في العقال الذي مات فيه، أنشد قائلا وهو في الرمق الأخير:
فارقنا البنات والقود
وفارقنا ركوب القارح المشدود
أعجبني شاعر الأغنية،عندما قال"ألبِل سيدهن جابر"بدل "دليلهن"، فمردة الدليل، بالرغم من عُلو كعبها عند الأبَّالة،ولها وقع خاص،إلاَّ ان مُفردة "سيدهن" شاملة، وواردة بكثرة في موروث الأبَّالة،لكنهم كثيرا،ما يقدمون،
مفردة"سِيد"، علي كلمة ألبِل،للتعريف وللمعزَّة، يقولون:
(سيدألبِل، سيد النَّاقة، سيد أُم قُجَّة، سيدلبَّاعة، سيد أُم زور،سيد جقلة،سيد شرمة، سيدعاليبة،....الخ)، ومن الأمثلة،في شعرهن، قول الشاعر محمد
ودصالح العِدوسي الكباشي:
سِيد النَّاقة مو مِتمَحِّن
جنبُو حَدارو شخَّارة أم ظروفَن قَحَّن
نوا بي الرَّكبِي جابولو اللِّدينو برحَّن
طوي السَّفْلاقة طاقات اللَّراضي جمعهِن
*السَّفْلاقةبتشديد السين وسكون الفاء،هي الرّيع،والصحراء الممتدة،وطاقات الأراضي، يقصد بها تلال الصحاري،حدارو اي حمايته،وهي سلاحة البندقية"شخَّارة"،وأم ظروفن، يقصد الذخيرة،وعند إستهلاله،ذكر أنّ، سيد الإبل "مومتمحِن"،هنا إشارة ذكية،لطول باع الإبل، عليسائرالنِّعم، كيف لا، وهي سفينة الصحراء ،لذاعندما أراد أن يبحث عن المراعي، وهو مايسمونه "الدَّور" نوا ب الرَّكْبِي" ،قرَّبوا"دانولو" له الجمل النشيط السَّريع،الذي تحاكي يديه، أجنحة الطائر،لذا طوي المسافة طي،ومن المدهش، تشبيهه للأرض بالخيمة وتلالها وقفافها،بطاقة الدَّمورية،بخيمة البدويّ،"بيت الشقاق"،ومن سرعة الجمل، كأنّه يبعدهاويطويها.
أيضا ورد في أُغنية المبدعة شادِن:
(ألبِل فيهِن هادِر
جاسِر تَب مو غادِر)
ليت الشاعر قال"جاسر تب مافادِر"، بدل"جاسر تب ماغادِر"،لأن مفردة"فادِر"
تدل مباسرة،علي فحل الإبل،والفحل يتم إختيار، بعناية فائقة،حيث يراعي، أصله وحجمه،ولونه،فهنا شاعرالأغنية كان بارعاً،عندما أدخل هدير الجمل،
ولكنه أخفق،بإدخال مفردة مثل،"مافادر"،حيث تشير،علي أنّ الفحل، مازال،
قادراً علي التزاوج،تقول مُغنية الجراري الكباشية:
سِوار اللاّبسِي الخَتَم
حما الإنقيب ماعَتَم
مَسَك البرية وغَتَم
كيف خلفات الشَّتَم
*سوار اللابسة الختم، يقصد الجمل الفحل، وشبهه بالسوار لضموره من الهياج،حما الإنقيب ماعتَم، اي منعه من حليب الإبل، في العشاء وفي الدغش،والحليب في هذين الوقتين، يسمونه"العتيم/العتوم"،وغتم اي زام،
ويقولون:(جمل بتغتَّم)،إذا زام، وأحدث صوت، من حلقومه، ويختلف عن الهدير،وكذا"إضليم/هضليم" النِّعام، الظليم، يتغتَّم، يقول الشاعر محمد ودصالح العدوسي الكباشي:
تتغتَّم تقول إضليم نعامَن دحَّن
كتاينك نضاف شيل الرَّحل ما زلعهِن
ياعِجل الشواريخ البلِف مرْوحْن
في مفقوعاً أزانا وكبادنا جرحن
*دحَّن أي باضن، وحضنَّ بيضهن، ومكان بيض النِّعام، يسمونه"المدحاية"،
كتاينك اي لوح يد الجمل، أعلي الرجل الأمامية، وزلعن اي أزال الوبر
،والمفقوع هي الفتاة الشابة الجميلة،مِراكِب توَو".
في أُغنية شادِن:(ألبل أبَّن طولا.....كسَّن جيهة الفوله)
هنا كناية عن البُعْد، حيث تتوغل الإبل جنوبا، حتي الفولة، أو بحر جانقي أو بحر العرب،يقول أستاذنا الشاعر علي الشيخ ودالمُر، في مسدار القمرية الشهير:
بحر جانقي البعيد شرمة ام صِرار مدَّتْلُو
وسيدها تَمَلِّي هوي وناس الجِبال بتكتلو
نجعت معاها هَبَّارة المَمَنَّعْ فَتْلُو
والحمُد لي الله انعَم سافِلها ورَجَعَتْلُو
أيضافي أغنية شادن:(لِحْسَن ألمي الفوقا)
السياق جميل،ولكن التعبير خان الشاعر، الأبَّالة يقولون "لحسن ماهو" ،فهنا يشير، إلي كثرة الإبل،حيث أنها شربت، كل ماء الخور،أوالحفير أو الوادي، أو الأضاة،وهذا يذكرني بقول الشاعر الراحل عبدالوهاب ودفضل السيد ودالسميتاوي الربيقي الكباشي:
شِرْبن خور دقج قامن عُقَد لا يسارة
سيدْهِن شدَّا تيس حرْدَة الجرايدو كبارة
الجكنيبي التَّعْمس القوز زِملها إتبارا
مابترتع قريب مُضرابها دار بقارة
*تيس حردة،الجمل القوي، وايضا يقولون للشاب القوي "تيس حردة"،والتيس هو ذكر الغزال وكثيرا أهل البادية يشبهون به جمالهم،والجكنيبي هي الكثيرة العدد،ويقولون:"مجكنب"،و"جكناب "، يقول الراحل ودالمصايد العطوي الكباشي ومن غنا الجالسة:
نصافيَّة ماكي المنتلاب
وبقرها عِمصا جكناب
تفَّ أُم عَمد وأصبح غواب
ولأنها كثيرة العدد، كأنها "تعمس القوز"، أي تملأ التلال، وزملها إتبارا اي جمالها الغلاد، رحلت متقاربات،وتواهقن في الرحيل، لذا لا تقف للرعي إلا بدار الرزيقات جنوبا.
أيضا يقول الشاعر جمعة ودجودة العوني الكباشي:
عطَّشتُوها رايكم كيف..؟
قطَّاعْت السَّقارير في بكاري الصيف
السِّهريج ملان ما بسقي أم الدَّيف
بلا النَّع البخلِّي الفودة سلَّت سيف
*السقارير هي الصحراء أو التلال الممحلة،أوالقفار المجدبة،أيضا يطلقونها،
علي شدّة الحرارة:
أيَّام السّقارير والسَّموم الجقَّت
بقت عيشتنا في لبن الغروز الطقَّت
وبكاري الصيف اي أوله،وفيها السّموم الحارقة، و"وقَّاته"،حيث يتساءل الشاعر، متعجبا، كيف يهون عليكم عطش، أم الفصيل الذي يشبه،جدي الغزال"الدَّيف"؟، ويتمني أن ترحل إلي الجنوب مبكرا، لأن أمطاره تهطل باكرا،لذا المطر"النَّع"، الذي يجعل الأضاة"الفودة"،من إمتلاءها بالماء، كالسيف المسلول من غمده،في لمعانها!!،هوالذي يروي عطش النوق.
هذه إضاءه بسيطة، كان القصد منها،إن نلفت المبدعين، من أهل بلادي،والذين يهتمون بأدب الموروث، أن يعكسوأ تراثنا في أبهي جمالياته،ويدركوا تماما، أن المستمع من أهل البادية،له أذنٌ واعية جدا بموروثه،ويفرح من قلبه،وتتحرك أوتار بطينه الأيسر،عندما يسمع لحنا شجيا،من تراثه ،وتكسو ملامح وجهه الرِّضا،إذا كان اللَّحن،عبَّر عنه تماما.
ولكن كذلك، يصاب بالضَّيم وبوقر القلب،إذا شُوِّه تراثه وموروثه،أوإذا أدخلت مفردة"نابيه"، علي مواويله واشعاره،لأن أي مفرده في أشعاره،لهابُعد إجتماعي،ولها تضاريس وجغرافيا، وذكري دفينة، وخاصة المفردة الصوتية،من حنين النوق وهدير الجمال،وضجَّة البهم، وأنَّات الزمبارة ولودها،ودوّي الرَّعود.
وختاما من الشاعرة الكباشية،ودويّ الرّعد، الشاعرة مستورة بت بحيري، ومنا غنا الجراري:
رَعَدِكْ كتَّر هَرْجُو
وانقيبك كرَّب سرجُو
قول لي عبيد انْدرجُو
بعد الضَّيق تنفرجُو
وشاعرة بني جرار"عيال بركات"، ومن غنا الجراري:
حيدوب شاف الصَّبَن
جدَع حشَّاشتو إنْغَبَن
أهل أُم رقَّنْ وبَنْ
هسَّاع في العِزْ واللَّبن
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.