اعيدوا لنا السودان القديم يرحمكم الله فقد خنقتنا الشعارات تقسيم البلاد ليس نزهة وكل العالم استعد للتعامل مع مرحلة مابعد انفصال جنوب السودان ماعدا المعنيين بالامر في الحكومة والقوي السياسية والاجتماعية السودانية وعلي الجميع داخل البلاد وفي الدول الشقيقة والصديقة عدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء الغير قانوني لتقرير مصير جنوب السودان في حالة تمخضه عن الانفصال تطل في هذا العام ذكري استقلال البلاد المفقود والذي ظل لفترة طويلة منذ نيله منتصف الخمسينات وحتي اليوم مجرد امر شرفي تحف به المراسم الاحتفالية مع بداية كل عام دون معني او مضمون او انجاز قومي يدعم ذلك الاستقلال عمليا, تطل هذه الذكري المتفردة حافلة بكل ماهو جديد و متزامنة مع الحصاد المر وخيبة الامل التاريخية في القوي السياسية والنخب السودانية التي تصدت للعمل والحياة العامة منذ فجر الاستقلال وحتي يومنا هذا بعد ان توج الفشل بقضية مايسمي بتقرير مصير جنوب السودان الذي اشتركت كل القوي السياسية في المعارضة والحكومة في تشريعه والتغني به وبالخير المنتظر والموعود منه حتي اصبحت معظم الاحزاب والقوي السياسية والاجتماعية السودانية بين يدي الحركة الشعبية مثل الميت بين يدي غاسله, كانوا كرماء وحاتميين منذ اللحظة الاولي التي نوقش فيها هذا الامر المعيب والخطاء الجسيم اثناء مؤتمر القضايا المصيرية في العاصمة الاريترية اسمرا منتصف التسعينات عندما ابتلع الجميع وتجمع المعارضة السابقة الطعم ووقعوا في المصيدة بارادتهم واختيارهم وجوزوا في غياب الشعب السوداني البت في تقرير مصير دولة مستقلة اسمها السودان وليس "جنوب السودان" الذي لم يكن له في اي يوم من الايام وجود قانوني خارج الدولة السودانية والتي هي اقدم من بعض الدول الغربية ودول امريكا الشمالية التي لو طبقنا عليها ما تم تطبيقه في السودان فلن يجدوا قانونيا مساحة كيلومتر واحد يعيشوا عليه وفيه وتتابعت حالة العجب والملق بالحركة الشعبية ومشروعها الشهير المسمي بالسودان الجديد الذي حملته بعض النخب السودانية علي اكتافها وجعلته امرا مقدسا لايجوز نقاشه والحديث عنه وبعد كل تلك السنين فلايوجد اليوم اي اثر لتلك الشعارات حتي في واقع الجنوب الحالي الشبه مستقل ناهيك عن باقي السودان وليت الامر توقف عند تلك الحدود فالحركة الشعبية تحدثك اليوم بلسان قومي مبين تتجاوز طموحاته في الاصلاح مدائن الجنوب الي تخوم حلفا وباقي مدن واقاليم السودان التي لايقل حظها ونصيبها من الحرمان والتخلف عن جنوب السودان منذ استقلال البلاد وحتي يومنا هذا, ولكن نفس الحركة تستدير مائة وثمانين درجة بعد يوم واحد وتنخرط في التدابير الداخلية والخارجية تمهيدا لتقسيم البلاد دون مراعاة حتي لمشاعر الحلفاء الذين يتغيرون بتغير الظروف في الاحزاب السياسية الشمالية, كنا نتمني لو كذبت الحركة الشعبية اليوم التقارير العالمية المتدفقة من كل بلاد العالم تتحدث عن التدابير التي اتخذت بالفعل لتقسيم السودان واندهش الناس اكثر والحركة الشعبية تعمل بهمة وحماس عالي مع باقي القوي السياسية السودانية لتمرير قوانين التحول الديمقراطي في البلاد وتتصدر شعاراتها وادبياتها التظاهرات التي اندلعت في الخرطوم مؤخرا وذلك حقهم الشرعي والقانوني طالما التزموا جانب البلاد ووحدة ترابها الوطني وبغير ذلك فلاداعي لتلوين الشعارات فالذي يدعو ويعمل علي تقسيم بلاده يجب النظر اليه والتعامل معه قانونيا حتي في غياب اليات القانون وهيبة وسلطة الدولة "كمتمرد وخارج علي القانون" وليس غير ذلك حتي ولو استنجد بكل الدنيا كما هو حادث اليوم لان العالم بمنظماته الدولية ودوله الكبري قد اصبح فاشلا وعاجزا وتحول الي مراكز قوة وحكومات سرية حتي في ظل وجود الحكومات المنتخبة وبعضها مسلوب القوة والارادة ولاحول ولاقوة له. الحركة الشعبية لم تترك مجالا داخليا او خارجيا لم تفصح فيه عن رغبتها في الانفصال ودخلت في تفاصيل التفاصيل وتحدثت بالارقام عن الدعم الذي تتحصل عليه من دولة مازؤمة مثل الولاياتالمتحدةالامريكية وعن مؤسسات الدولة الجديدة وجيشها التي يتم اعدادها وتاهيلها بواسطة الاصدقاء الخارجيين فماذا تبقي بعد ذلك, علي القوي السياسية السودانية ان تتخلي عن عدم الواقعية والانخذال والخوف وتتعامل مع الحركة الشعبية بوضوح تام ولاداعي لخداع النفس فيما يخص هذه القضية التي اتضحت كافة معالمها واستعد كل العالم للتعامل معها من الاشقاء ودول الجوار شمالا وجنوبا ودوائر المال و البترول وتجار السلاح وسماسرة الانقاض الذين يتابعون الخريطة العالمية للدول المنهارة والتي في طريقها للتحلل والانهيار, المطلوب من القوي السياسة السودانية بعد هذه الخسارة الواضحة التي سببتها اريحية معارضة الامس وضعف موقف حكومة الخرطوم التفاوضي وانعدام خياراتها اثناء مفاوضات السلام في نيفاتشا عدم الاستسلام لما ستحملة الايام القادمة علي صعيد مستقبل جنوب البلاد والتسمك بالموقف القانوني والادبي ودراسة هذه القضية بكل جوانبها القانونية والسياسية وخلفياتها التاريخية وصولا الي موقف موحد يتصدي للغدر المرتقب والمؤامرة القديمة المتجددة بما تستحق بعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء القادم علي تقرير مصير جنوب البلاد اذا افضي الي " الانفصال" وتلك امانة تاريخية ولحظة اختبار لقوة هذه الامة ومن نقطة عدم الاعتراف هذه سيظل الحق القانوني والتاريخي قائما لاسترداد جنوب الوطن متي ماسنحت الفرصة ولدينا في التجربة العظيمة والشجاعة للثورة اليمنية المثل الحي بقرارها التاريخي باسترداد جنوب بلادهم الذي تم تقسيمه في ظروف دولية واقليمية مشابهة للتي يتحرك فيها المخطط الانفصالي الراهن مثل افعي تتمدد علي خارطة وطن وبلد مستقل مثل السودان دفع شعبه بكل الوانه وطوائفه وقبائلة وتكويناته الاجتماعية ثمنا غاليا وعزيزا لاستقلاله قبل ان تظهر في الناس الفتن العرقية والثقافات الشعوبية المتسترة بالايدولوجيات السياسة, يجب ان يحدث ذلك حتي يعرف العالم واشقاء الجوار ان هذا الواقع لن يكون معترف به, والحذر كل الحذر من انصاف المواقف والعودة الي مربع "الملق والمداهنة" ولقد جاء قبل قليل في تصريحات صحفية وتحليل للموقف من السيد الصادق المهدي اخر رئيس وزراء منتخب حول مايدور في الساحة السودانية وقضية انفصال الجنوب كان موضوعيا ودقيقا في جانب منه عندما تحدث عن تدخل جماعات اليمين الامريكي ودعمها لتقسيم السودان بعد احاطتها بالرئيس الامريكي الجديد واجباره علي التراجع عن الكثير من القضايا ذات الصلة بقضايا العالم المتوتر والمنهار وبالسلام الدولي المهدد والعدالة الغائبة ولكن وللاسف الشديد اتجه السيد الصادق المهدي في جانب من حديثه عن مستقبل جنوب السودان الي نهج "الاريحية" الغير موضوعية في دعوة مبكرة الي اقامة وحدة كونفدرالية مع مشروع الدولة الجنوبية القادمة وهو امر يعتبر مجرد التفكير فيه بمثابة طعنة للامة ومكافاة للانفصاليين فيمكن ان تقوم مع الجنوب في حالة انفصاله علاقة محددة باشراف ورقابة المنظمات الدولية والاقليمية منعا لاي مضاعفات امنية وسوء فهم يفضي الي الحرب وذلك حتي يقضي الله امرا كان مفعولا وحتي اشعار اخر.