عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. نحن في زمن اصبحت الحياة حياتين و العالم عالمين و الناس بين الإثنين تائهون! حياة واقعية و بشر تسالمهم في الطرقات و تلمس وجودهم و حياة إسفيرية لها عوالمها و دنياواتها و شخوصها. بعض الناس يعيشون في هذه العوالم يصنعون ممالكاً بشعوب وأتباع و قصص و روايات و كل ذلك جائز مالم يخالف الواقع و مادام النجم الإسفيري مستحق لنجوميته كما لو في الواقع و ذلك بفكره و قدراته و إنجازاته و لكن أن تتحول الأسافير الى حياة وهمية تخالف الواقع و تنتفي مع موازينه و قيمه فهذا أمر يحتاج وقفة و بحثاً دقيقاً! إيجابيات الأسافير و شبكات التواصل الإجتماعي عديدة جداً فمما لا شك فيه أنها تخلق مساحة حرة للإبداع و للعطاء و لعرض إمكانيات لم تجد طريقها للناس و للإعلام كما أنها منصة لعرض الأفكار و تبادل الآراء واداة تسويقية لا يستهان بها مما جعلها من أنجح وسائل النشر و الإنتشار في العالم الحديث. و بالتأكيد هي وسيلة عظيمة للتواصل الإجتماعي ولعلها من أقصر الطرق لإيجاد سبل إتصال بأشخاص قد يصعب التعامل معهم في الواقع و شخصياً قد اكتسبت الكثير و الجميل من العلاقات الإنسانية التي فاقت في عمقها و جمالها علاقات اكتسبت عن طريق لقاءات فعلية مباشرة و لكن للحق لا يمكن أن تصل العلاقات الإنسانية في عمومها إلى مرحلة النضج ما لم تكتمل فيها عناصر اللقيا التي تحولها من علاقات إسفيرية جامدة الى علاقات واقعية صادقة لا تنتفي مع الحقيقة و الواقع. هنالك أشخاص يبحثون عن أنفسهم في الأسافير يحققون أحلامهم و يجمعون أصدقاءهم ويستمدون طاقاتهم وثقتهم من الإعجاب و التعليقات و ليس في ذلك إشكال مالم ينفصل عن الحقيقة و مالم يخلق عالماً وهمياً ينافي الواقع حتى لا يتوه الناس بين الحقيقة والأوهام و بين ما يمكن أن يكون و ما لا يكون، حيث أنه من غير المقبول أن تحل الاسافير محل الواقع و أن نصنع من خلالها حياة خيالية تحكمها الكيبوردات و الهواتف الذكية حياة هلامية نصدقها و نعيشها كأنها الواقع. ما يزعجني جداً تلك الإزدواجية التي تؤطرها الأسافير حيث نجد في كثير من الأحيان الإختلاف الكبير بين الشخصية الحقيقية و الشخصية الإسفيرية لبعضهم بالإضافة الى الشعارات الخادعة و البطولات الإسفيرية التي يدعيها البعض و حال تسويق الوهم و تسويق الذات بالأكاذيب حتى يصدق الموهوم ذاته فينغمس في عالم خيالي لايمت للحقيقة بأي صلة حتى أنك حين تقابل الشخص واقعياً تجد نفسك أمام مسخ بشري يفتقد للمصداقية و لا يحمل الا ملامحاً هلامية تائهة في الأوهام. مما لا شك فيه أن البعض يعاني من الخجل و ضعف الشخصية نسبة لعوامل كثيرة فيستعين بالأسافير و وسائل التواصل الإجتماعي للتعبير عما يعجز عنه في الواقع و لا غضاضة في ذلك ولكن يجب إستخدام ذلك بطريقة تضيف توازناً في الشخصية و تكمل النواقص بما لا يخل بالواقع و بحيث لا يصبح هروباً لعالم وهمي ملئ بالخيالات والاكاذيب. المشكل أن هذه الوسائط بقدر ما قصرت المسافات و جمعت الناس و جعلت بينهم لقاءات و صولات و جولات لكنها أسهمت بذات القدر في إضعاف العلاقات الاجتماعية في الواقع فالكل يكتفي برسالة "واتس اب" أو حالة "فيسبوكية"! و كل ذلك نتج عنه بعد الناس عن التفاعل الحقيقي المباشر مثل ما كان بين الأهل و الأصدقاء. لاحظت في تجمعات الأصدقاء في السودان أن معظم الحوارات تدور حول قروبات "الواتس اب "و منشورات "الفيس بوك" و كأن الدنيا أختزلت في وسائل التواصل الإجتماعي (شئ عجيب!) في جلسة بها بعض المهاجرين في دول غربية، سألت إحدى الحاضرات عن النجوم في السودان فانبرت إحدى المقيمات و ذكرت عدداً من الأسماء إكتشفت بعدها أن غالبيتهم نجوم "سوشال ميديا" ماعدا بعض الفنانين و المذيعات! وأكدت فتاة أخرى في بداية العشرينات أن نجوم المجتمع هم نجوم الأسافير و اتفقت معها بقية المجموعة. لا تعليق! قروبات "واتس اب" جميع أعضائها من المثقفين و مداخلاتهم عبارة عن مقالات و ربما تصلح كبحوث علمية لحل مشاكل السودان و لكن كلما قرأت مقالاتهم تراءى لي ذات السؤال؛ أين كل ذلك من الواقع و من الفعل الحقيقي؟ جل الوقت يستهلك في السوشال ميديا و في الكتابة و "التنظير" اذاً متى سنجد الوقت للانتاج الفعلي و للإنجاز الحقيقي! اذا كان الجميع يقضي جل وقته في السوشال ميديا ما بين "فيس بوك" و "واتس اب" و "تويتر" و "انستغرام" فلا شك أن الحاجة ليوم إضافي موازي لليوم المهدر إسفيرياً أصبح أمراً ضرورياً لكي ننجز و ننتج و نعيش حياة واقعية متوازنة مع الحياة الإسفيرية. Up-pointing red triangle نقطة ضوء: بين الحقيقة و الأوهام خط رفيع من الصدق و الواقعية! أميرة عمر بخيت