مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ممارسات ضمان الجودة بالجامعات السودانية: واقع وتطلعات .. بقلم: د. سليمان زكريا سليمان عبدالله
نشر في سودانيل يوم 26 - 03 - 2016

تعد قضية ضمان الجودة والإعتماد لمؤسسات التعليم العالى من القضايا المهمة التى شغلت ومازالت تشغل إهتمام صناع القرار ومخططى السياسات التعليمية وإدارات هذه المؤسسات خاصة بعد الإنتشار الكمى للجامعات والكليات الجامعية وإزدياد أعداد الطلاب والطالبات المنتسبين لها، هذا بالإضافة إلى التنوع الكبير فى أنماط التعليم والمنافسة الشديدة بين هذه المؤسسات. وتعتبر الجودة أحد أهم الوسائل والأساليب لتحسين بنية النظام التعليمى بمكوناته المادية والبشرية والإرتقاء بمستوى أدائه، حيث لم يعد الحديث عن جودة العمل التعليمي أمراً نظرياً أو بديلاً يمكن أن تأخذ به المؤسسة أو تتركه، بل صار واقعاً وخياراً لا مفر منه، وهو ضرورة ملحة تمليها حركة الحياة المعاصرة وهو يعد إستجابة منطقية للعديد من التغيرات غير المسبوقة التي تواجه هذه المؤسسات، لذلك صار متعارفاً على أن ضبط الجودة يعتبر متطلباً قبلياً وشرطاً لإجراءات الحصول على الإعتماد (البرامجي والمؤسسي). وفي هذا الإتجاه يمكن الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين ضمان الجودة والإعتماد من خلال تعريف ضمان الجودة بأنه تصميم وتنفيذ سياسات وآليات للتأكد من استيفاء المؤسسة بمتطلبات الجودة وفق معايير محددة وهذه المعايير هى الموضوعة من قبل هيئات الإعتماد. والمتتبع لحركة التعليم العالي فى البلدان التى تحتل جامعاتها مراتب متقدمة فى التصنيفات العالمية المختلفة يجد أن هذه المؤسسات تولي عناية خاصة لتحقيق الجودة الأكاديمية من خلال مراجعة أساليب التدريس والأنشطة البحثية ونظم الإدارة وبيئة التعليم وخدمة المجتمع وتوضع هذه الأنشطة فى صدر الأولويات.
وبالنظر إلى واقع التعليم العالى ومؤسساته المختلفة في السودان يلحظ التوسع الكبير في إنشاء الجامعات وإزدياد أعداد الطلاب والطالبات المنتسبين لها وإقبال القطاع الخاص على الإستثمار في التعليم العالي وظهور أنماط جديدة للتعليم كالتعليم المفتوح والتعليم عن بعد وقد ظلت هذه المؤسسات التعليمية (حديثها وقديمها) خلال الفترات القليلة الماضية تعتمد على الكفاية الكمية لمخرجاتها دونما إهتمام كبير بالكفاية النوعية مما أغرق سوق العمل السوداني بأعداد كبيرة من المخرجات أحدثت إختلالاً في ميزان العرض والطلب على العمالة. فالنمو المضطرد في أعداد الطلاب والطالبات بهذه المؤسسات لم يصاحبه نمو موازي في المباني والتجهيزات والأجهزة والتقنيات وكذلك أعداد ومؤهلات أعضاء الهيئة التدريسية وأيضاً في الخدمات الطلابية، إضافة إلى إزدحام قاعات المحاضرات وما يترتب على ذلك من أساليب التدريس التي غالباً ما تكون بطريقة نظرية تخيلية تقليدية يتم فيها الإستعانة بالمحاضرة والسبورة وذلك بسبب عجز الإمكانيات والتجهيزات المعملية والوسائل السمعية والبصرية عن مجاراة الأعداد الضخمة من الطلاب والطالبات، وهذه الطريقة تقضى على عملية التفاعل الناشئة من الإحتكاك المباشر بين الطالب وأستاذه مما تترتب عليه نتائج عكسية من حيث نوعية الخريج المرتقبة.
وإستشعاراً منها بالحاجة الماسة لضمان جودة التعليم العالي والإرتقاء به، فقد عملت العديد من الجامعات السودانية على انشاء وحدات ومراكز متخصصة تعني بقضايا ضمان الجودة والاعتماد ولتتولى مهام ومسئوليات إحداث التغيير النوعي ضمن إجراءات وأعراف المستوى المقبول محلياً وإقليمياً وعالمياً. وقد وفقت بعض هذه الوحدات في وضع الأطر النظرية التي تربط الجودة فى التعليم العالى بجملة من العناصر هى: البرامج الأكاديمية، والمناهج التعليمية، وهيئة التدريس، والمرافق الجامعية، والعمليات الإدارية، ودعم ومساندة الطلاب، وعمليات التقويم والتغذية الراجعة وغيرها. وعلى الرغم من هذه الصورة الإيجابية التي نراها نظرياً، فإن مؤسسات التعليم العالى في السودان لازالت تعانى العديد من التحديات فيما يتعلق بسياسات وممارسات ضمان الجودة. وقد تمثلت تلك المعاناة في التصنيفات التي آل اليها حال مؤسساتنا التعليمية حديثها وقديمها. فمن يتتبع ذلك لا يكاد يجد آية جامعة سودانية من ضمن أفضل 1000 جامعة علي مستوي العالم (استناداً الى جميع أنظمة تصنيفات الجامعات حول العالم)، وهذه لوحدها تعتبر مؤشراً لعدم جودة مخرجات الأنظمة التعليمية بهذه الجامعات (فى هذا الإتجاه يمكن الإشارة إلي أن تصنيف أول جامعة سودانية - وهي جامعة الخرطوم- جاء في المرتبة رقم 1689 وذلك حسب تصنيف ويبوميتركس (Webometrics) لشهر يناير 2016، كما لم يرد ذكر أسم آية جامعة سودانية في تصنيف شنغهاي للجامعات العالمية منذ إطلاق ذلك التصنيف للمرة الاولي فى العام 2003م. ونفس النتيجة الاخيرة تنطبق إذا ما أخذنا فى الاعتبار بقية التصنيفات المرموقة.
العديد من ملامح القصور يمكن ملاحظتها في سياسات وممارسات ضمان الجودة بجامعاتنا السودانية منها على سبيل المثال لا الحصر: نسبة طلاب الجامعة إلى أساتذتها، غياب دور الطلاب في الأنشطة المتعلقة بالتقويم الذاتي والجودة، إفتقار العديد من البرامج الأكاديمية للرؤية والرسالة، عدم الاهتمام بإنجاز تقارير الدراسة الذاتية للمؤسسات وبرامجها الاكاديمية (SSR)، عدم ملائمة الأعباء التدريسية لأعضاء هيئة التدريس مع متطلبات الأداء الفعال، ضعف خدمات الإرشاد الاكاديمي لطلاب وطالبات، عدم الإلتزام الصارم بتطبيق معايير الكفاءة والتميز في عمليات تعيين أعضاء هيئة التدريس. ومن ذلك أيضاً إستخدام طرق تدريس وتقويم تقليدية تجاهلها الزمن أسهمت في إفتقاد الطالب لما يجذب فكره وإنتباهه، محدودية مساهمة الجامعات فى خدمة المجتمع، عدم الإهتمام بأساليب المقارنات المرجعية مع المؤسسات التعليمية الرائدة حول العالم، وكذلك ضعف مساهمة الباحثين والأكاديميين بالجامعات السودانية فى الدوريات العلمية العالمية المدرجة في المعهد العالمي للمعلومات العلمية (ISI) والتى تعتبر أحد آليات تصنيف الجامعات، غياب الشفافية فى التخطيط المالي، ضآلة المخصصات المالية لانجاز الابحاث العلمية، أضف إلى ذلك ضعف (إن لم نقل إنعدام) العلاقة بين وحدات الجودة والتقييم الذاتي والهيئة العليا للتقويم والاعتماد بوزارة التعليم العالي...... وغير ذلك من تحديات لا يسع المجال لحصرها.
فى ظل هذه التحديات يصبح الحديث عن أن X من الجامعات السودانية قد حازت على جائزة عالمية في ضمان الجودة يصبح نوعاً من التضليل والقفز على الحقائق. فواقع ممارسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي في السودان يشير بجلاء إلي أنها مازالت بعيدة كل البعد فيما يلي استيفاء المعايير التي تؤهلها للحصول على الاعترافات العالمية سواء على مستوى البرامج الأكاديمية أو على المستوى المؤسسي. وإستصحاباً لكل تلك المعطيات، تترد بين الحين والآخر بعض الأخبار المضللة عن تميز الجامعات السودانية على مستوى العالم (هذا بالضرورة لا ينفي وجود بعض الانجازات الفردية التي تحسب لتميز أعضاء هيئة التدريس فى مجال الابحاث العلمية). آخر تلك الأخبار هو ما أعلنته جامعة الجزيرة بحصولهاعلى الجائزة العالمية الذهبية (Century International Gold Quality Era Award)، المقدمة من المؤسسة الدوليةBusiness Initiative Directions (BID). والتساؤل الذي يفرض نفسه: كيف يستقيم ذلك وتصنيف ويبوميتركس يضع الجامعة فى المرتبة رقم 7805 وذلك استناداً الى التصنيف الصادر عن شهر يناير للعام 2016. وهو ما دفعنا الى محاولة التقصي حول هذه الجائزة العالمية والمؤسسة المانحة لها لعلنا نقدم فائدة علمية تعين الجامعات السودانية الأخري فى التهيئة لإستيفاء متطلبات الحصول على تلك الجائزة. وكم كانت المفاجأة بأن تلك المؤسسة ليست من المؤسسات المؤهلة لتقييم وتصنيف الجامعات، فهي ليست لها آية معايير وليست لها وثائق ونماذج مطلوب من الجامعات استيفائها للنظر فى أحقيتها بالجائزة. وحسب ما توافر من معلومات، فليس هناك أياً من مجالس التعليم العالي حول العالم من يضع هذه المؤسسة في قائمة المؤسسات والهيئات المعترف بها في تقديم شهادات الجودة والاعتماد الأكاديمي المؤسسي للكليات والجامعات. فكل ما يتوافر عن منهجية تعامل تلك المؤسسة مع الشركات والمؤسسات من دول العالم المختلفة هو تواصل عبر الايميل لاعلان ترشح المؤسسة المعينة للجائزة وفيه يطلب سداد مبلغ يتراوح بين 3700 و3900 يورو. وبعدها تقدم الدعوة لممثلي المؤسسة واستضافتهم فى أحد الفنادق بإحدي الدول الاوروبية (عادة ما تكون في مدينة جنيف السويسرية) ولمدة يومين بعدها يتم تسليم الجائزة. ولمزيد من التقصي تم البحث عن الجامعات التي سبق لها الحصول على هذه الجائزة فلم نجد غير جامعة القدس المفتوحة والتي حصلت على الجائزة فى العام 2015م.
الي هنا نتوقف عن سرد الحقائق المزعجة، ونتوجه بالأسئلة إلى الجهات المعنية في كبرى جامعاتنا الوطنية التي احتفت بالحصول على هذه الجائزة الوهمية والذي بالضرورة كلفها مبالغ طائلة للحصول عليها، ونقول: ألم تتوافر لديكم المعلومات عن حقيقة هذه المؤسسة وجائزتها، وعلى ماذا استندتم في تحديد جودتها، وما هي المبادئ والأسس التي تشكل التوجه العام لهذه المؤسسة وماهي المتطلبات التي قمتم بإستيفاءها لتأكيد أحقيتكم بهذه الجائزة، هل هناك زيارات ميدانية تمت من قبل هذه المؤسسة للوقوف حول واقع ممارسات ضمان الجودة على مستوى البرامج الاكاديمية، الأقسام العلمية، الكليات والمراكز وعلى مستوى الجامعة ككل. على أن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: هل حصولكم على هذه الجائزة استند الى خطة استراتيجية ورؤية مستقبلية تم وضعها قبل سنوات أم أنها وليدة لحظة؟.
نخلص إلي أن ما أعلن مؤخراً عن حصول جامعة الجزيرة لجائزة القرن في الجودة يشكل رصيداً سالباً فى أدبيات إدعاء النجاح الزائف الذي أصبح بمثابة موجة إجتاحت العديد من مؤسساتتنا التي صارت عاجزة عن تبني وإعتماد التخطيط الإستراتيجي كوسيلة ومنهج لقيادة العمل نحو تحقيق الأهداف، وهو أيضاً يقودنا الى التأكيد بأن آفة التخبط والعشوائية فى إدارة المؤسسات الخاصة والعامة فى بلادنا قد امتدت لتصيب بشرارتها مؤسسات التعليم العالي التي يفترض فيها وجود الرؤية الثاقبة والتخطيط الفعال. فلمن يهللون لهذا الإنجاز الوهمي والمجافي للواقع نقول أن التميز في أنشطة التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع يحتاج الى توافر معايير واضحة ومؤشرات أداء موضوعية مدعومة بخطط إستراتيجية يدركها ويعترف بها مجتمعنا المحلي (أعضاء هيئة التدريس، الطلاب، قطاع الأعمال، الأسر وغيرهم) قبل أن نخرج بها بحثاً عن إعترافات زائفة. وحتي يكون المنطق هو مرجعيتنا فى نقد مثل هذه الإنجازات الوهمية دعونا نوجه هذه الأسئلة لمدراء الجامعات ومخططي سياسات التعليم العالي فى السودان: كم عدد برامج الهندسة وبرامج الحاسوب والمعلومات فى جميع الجامعات السودانية التي حصلت على اعتماد مجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا Accreditation Board for Engineering and Technology (ABET)، كم عدد كليات الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع الحاصلة على الاعتماد الاكاديمي الدولي من قبل مجلس التعليم المهني Council on Occupational Education (COE)، كم عدد كليات طب الأسنان الحاصلة على الاعتراف الأكاديمي من الجمعية الأوروبية لتعليم طب الأسنان ADEE Association for Dental Education in Europe (ADEE) ، كم عدد كليات التربية الحاصلة على الاعتماد من قبل الهيئة الخاصة بالاعتماد المهني للمعلمين National Council for Accreditation for Teacher Education (NCATE) كم عدد البرامج بكليات ادارة الاعمال الحاصلة على الاعتماد الدولي لكليات ادارة الاعمال The Association to Advance Collegiate Schools of Business (AACSB). الإجابة الوحيدة لكل تلك الاسئلة ان رصيدنا (صفراً) فى كل تلك الاعتمادات المرموقة. ولمسؤولي الهيئة العليا للتقويم والإعتماد بوزارة التعليم العالي نقول: أما آن الاوان للخروج من دائرة التنظير فى التعاطي مع قضايا ضمان الجودة والإعتماد؟ أليس التوقيت مناسباً لتفعيل عمليات تقويم مؤسسات التعليم العالي وبرامجها من خلال متابعة الكليات والاقسام العلمية والبرامج الأكاديمية والعمل عن قرب لمتابعة عمل وحدات ومراكز التقويم الذاتي وضمان الجودة والإعتماد بالجامعات؟. ورسالتنا التي نود إيصالها لوزارة التعليم العالي: عليكم بمراجعة سياسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي، فالسياسات بوضعها الحالي لن تسهم في تحسين وتطوير وتجويد أداء مؤسسات التعليم العالي وضمان نوعيته ضمن إجراءات وأعراف المستوى المقبول محلياً وإقليمياً وعالمياً، والتأكد من تحقيقها لأهدافها المرسومة وتطبيقها لنظم ضمان الجودة (كما نص الهدف العام للهيئة العليا للتقويم والاعتماد)، كما أنها لن تسهم في نشر ثقافة الجودة والاعتماد بين قطاع عريض ومتباين من مجتمع التعليم العالي في السودان. وسؤال موجه لسعادة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي: ما هي مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs) المتوافرة لديك فيما يتعلق بأحد مهام واختصاصات الهيئة العليا للتقويم والاعتماد (منذ إنشائها في العام 2003) والذي يتعلق بالتقويم المؤسسي لمؤسسات التعليم العالي في السودان والذي يتم من خلال مجالات عديدة منها(الإطار المؤسسي، الحوكمة والإدارة، الموارد المالية، البني التحتية، التعليم والتعلم ومصادرهما، الموارد البشرية، الطلاب، البحث العلمي، خدمة المجتمع، إدارة ضمان الجودة). وسؤال آخر لسعادة الوزيرة: ما هو مستوى الرضا لديك عن الموقع الالكتروني للهيئة العليا للتقويم والاعتماد، وماهو تقييمك لذلك الموقع مقارنة بالموقع الإلكتروني للهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وموقع هيئة الاعتماد الاكاديمي بالامارات وموقع الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الاكاديمي بالمملكة العربية السعودية مثلاً.
وإن كان علينا من تقديم المقترحات التي من شأنها الإرتقاء بممارسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي فلابد من التأكيد أولاً بأن العديد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية المنتشرة فى ربوع بلادنا الحبيبة ممن لهم من الخبرة والدراية والمعرفة بقضايا الجودة فى التعليم العالي وممن لهم القدرة على تقديم الرؤى والأفكار النيرة للتعامل مع التحديات العديدة التي تواجهها مؤسسات التعليم متي ما أتيحت لهم الفرصة ولم يتجاوزهم الاختيار. فهذه دعوه أيضاً لمراجعه سياسات إختيار أعضاء هيئة التدريس للعمل فى اللجان الفنية للوزارة وإداراتها المختلفة. ومن خلال هذا المقال نقترح على الوزارة ضرورة التعجل فى إجراء دراسة تحليلية (ميدانية) لواقع ممارسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي فى السودان وذلك إستنادا الى أراء ووجهات نظر الاطراف المستفيدة من الخدمات التي تقدمها الجامعات والكليات الجامعية وذلك كخطوة أولي فى سبيل الوصول الى خطة إستراتيجية تعالج إخفاقات الماضي وتنظر للمستقبل برؤية ثاقبة. فكل المطلوب من سعادتكم إفساح المجال لأخرين علهم يصيبوا نجاحاً يعين مؤسساتنا المغلوب على أمرها.
أخيراً يجب أن ندرك جميعاً أن الوصول الي تحقيق ضمان الجودة وحصول مؤسسات التعليم العالي في بلادنا علي الإعتمادات الأكاديمية لن يتحقق من فراغ وإنما بتوافر المقومات الداعمة للتغيير والتطوير من كوادر بشرية مؤهلة وبنيات تحتية مادية وتقنية ومصادر متجددة للتعليم والتعلم تتناسب مع الطاقة الإستيعابية لهذه المؤسسات. والنجاح في بلوغ غايات ترقية الآداء وضمان الجودة مرهون بوجود وحدات فاعلة للتقويم الذاتى بمؤسسات التعليم العالى لتنفيذه. كما يجب أن تتوافر الرغبة الصادقة في كل الأطراف إبتداء من الطالب، وعضو هيئة التدريس وإنتهاء بالمؤسسة للعمل من أجل تطبيق معايير تمثل استراتيجية دائمة، وليست مرحلية، فالجودة ليست وليدة لحظة أو مرحلة، وإنما هي سياسة عامه لابد من إعتمادها وتطبيقها. كما يجب أن تتعاون الجهات المعنية ذات الشأن فى عملية ضبط معايير الجودة والنوعية وفق أسس ثابتة وواضحة يتم تطبيقها على الجميع. كما يجب عدم الإكتفاء بوضع المعايير النظرية، وإنما الإنتقال من المعيار النظري إلى التطبيق العملي حتى تكون عملية الضبط عملية جادة.
وفق الله الجميع لخدمة البلاد والعباد
دكتور سليمان زكريا سليمان عبدالله
مستشار القياس والتقويم بعمادة الجودة -جامعة طيبة – المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية.
رئيس وحدة التقويم الذاتي والإعتماد بجامعة بخت الرضا- السودان- (الدويم) سابقاً.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.