معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ممارسات ضمان الجودة بالجامعات السودانية: واقع وتطلعات .. بقلم: د. سليمان زكريا سليمان عبدالله
نشر في سودانيل يوم 26 - 03 - 2016

تعد قضية ضمان الجودة والإعتماد لمؤسسات التعليم العالى من القضايا المهمة التى شغلت ومازالت تشغل إهتمام صناع القرار ومخططى السياسات التعليمية وإدارات هذه المؤسسات خاصة بعد الإنتشار الكمى للجامعات والكليات الجامعية وإزدياد أعداد الطلاب والطالبات المنتسبين لها، هذا بالإضافة إلى التنوع الكبير فى أنماط التعليم والمنافسة الشديدة بين هذه المؤسسات. وتعتبر الجودة أحد أهم الوسائل والأساليب لتحسين بنية النظام التعليمى بمكوناته المادية والبشرية والإرتقاء بمستوى أدائه، حيث لم يعد الحديث عن جودة العمل التعليمي أمراً نظرياً أو بديلاً يمكن أن تأخذ به المؤسسة أو تتركه، بل صار واقعاً وخياراً لا مفر منه، وهو ضرورة ملحة تمليها حركة الحياة المعاصرة وهو يعد إستجابة منطقية للعديد من التغيرات غير المسبوقة التي تواجه هذه المؤسسات، لذلك صار متعارفاً على أن ضبط الجودة يعتبر متطلباً قبلياً وشرطاً لإجراءات الحصول على الإعتماد (البرامجي والمؤسسي). وفي هذا الإتجاه يمكن الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين ضمان الجودة والإعتماد من خلال تعريف ضمان الجودة بأنه تصميم وتنفيذ سياسات وآليات للتأكد من استيفاء المؤسسة بمتطلبات الجودة وفق معايير محددة وهذه المعايير هى الموضوعة من قبل هيئات الإعتماد. والمتتبع لحركة التعليم العالي فى البلدان التى تحتل جامعاتها مراتب متقدمة فى التصنيفات العالمية المختلفة يجد أن هذه المؤسسات تولي عناية خاصة لتحقيق الجودة الأكاديمية من خلال مراجعة أساليب التدريس والأنشطة البحثية ونظم الإدارة وبيئة التعليم وخدمة المجتمع وتوضع هذه الأنشطة فى صدر الأولويات.
وبالنظر إلى واقع التعليم العالى ومؤسساته المختلفة في السودان يلحظ التوسع الكبير في إنشاء الجامعات وإزدياد أعداد الطلاب والطالبات المنتسبين لها وإقبال القطاع الخاص على الإستثمار في التعليم العالي وظهور أنماط جديدة للتعليم كالتعليم المفتوح والتعليم عن بعد وقد ظلت هذه المؤسسات التعليمية (حديثها وقديمها) خلال الفترات القليلة الماضية تعتمد على الكفاية الكمية لمخرجاتها دونما إهتمام كبير بالكفاية النوعية مما أغرق سوق العمل السوداني بأعداد كبيرة من المخرجات أحدثت إختلالاً في ميزان العرض والطلب على العمالة. فالنمو المضطرد في أعداد الطلاب والطالبات بهذه المؤسسات لم يصاحبه نمو موازي في المباني والتجهيزات والأجهزة والتقنيات وكذلك أعداد ومؤهلات أعضاء الهيئة التدريسية وأيضاً في الخدمات الطلابية، إضافة إلى إزدحام قاعات المحاضرات وما يترتب على ذلك من أساليب التدريس التي غالباً ما تكون بطريقة نظرية تخيلية تقليدية يتم فيها الإستعانة بالمحاضرة والسبورة وذلك بسبب عجز الإمكانيات والتجهيزات المعملية والوسائل السمعية والبصرية عن مجاراة الأعداد الضخمة من الطلاب والطالبات، وهذه الطريقة تقضى على عملية التفاعل الناشئة من الإحتكاك المباشر بين الطالب وأستاذه مما تترتب عليه نتائج عكسية من حيث نوعية الخريج المرتقبة.
وإستشعاراً منها بالحاجة الماسة لضمان جودة التعليم العالي والإرتقاء به، فقد عملت العديد من الجامعات السودانية على انشاء وحدات ومراكز متخصصة تعني بقضايا ضمان الجودة والاعتماد ولتتولى مهام ومسئوليات إحداث التغيير النوعي ضمن إجراءات وأعراف المستوى المقبول محلياً وإقليمياً وعالمياً. وقد وفقت بعض هذه الوحدات في وضع الأطر النظرية التي تربط الجودة فى التعليم العالى بجملة من العناصر هى: البرامج الأكاديمية، والمناهج التعليمية، وهيئة التدريس، والمرافق الجامعية، والعمليات الإدارية، ودعم ومساندة الطلاب، وعمليات التقويم والتغذية الراجعة وغيرها. وعلى الرغم من هذه الصورة الإيجابية التي نراها نظرياً، فإن مؤسسات التعليم العالى في السودان لازالت تعانى العديد من التحديات فيما يتعلق بسياسات وممارسات ضمان الجودة. وقد تمثلت تلك المعاناة في التصنيفات التي آل اليها حال مؤسساتنا التعليمية حديثها وقديمها. فمن يتتبع ذلك لا يكاد يجد آية جامعة سودانية من ضمن أفضل 1000 جامعة علي مستوي العالم (استناداً الى جميع أنظمة تصنيفات الجامعات حول العالم)، وهذه لوحدها تعتبر مؤشراً لعدم جودة مخرجات الأنظمة التعليمية بهذه الجامعات (فى هذا الإتجاه يمكن الإشارة إلي أن تصنيف أول جامعة سودانية - وهي جامعة الخرطوم- جاء في المرتبة رقم 1689 وذلك حسب تصنيف ويبوميتركس (Webometrics) لشهر يناير 2016، كما لم يرد ذكر أسم آية جامعة سودانية في تصنيف شنغهاي للجامعات العالمية منذ إطلاق ذلك التصنيف للمرة الاولي فى العام 2003م. ونفس النتيجة الاخيرة تنطبق إذا ما أخذنا فى الاعتبار بقية التصنيفات المرموقة.
العديد من ملامح القصور يمكن ملاحظتها في سياسات وممارسات ضمان الجودة بجامعاتنا السودانية منها على سبيل المثال لا الحصر: نسبة طلاب الجامعة إلى أساتذتها، غياب دور الطلاب في الأنشطة المتعلقة بالتقويم الذاتي والجودة، إفتقار العديد من البرامج الأكاديمية للرؤية والرسالة، عدم الاهتمام بإنجاز تقارير الدراسة الذاتية للمؤسسات وبرامجها الاكاديمية (SSR)، عدم ملائمة الأعباء التدريسية لأعضاء هيئة التدريس مع متطلبات الأداء الفعال، ضعف خدمات الإرشاد الاكاديمي لطلاب وطالبات، عدم الإلتزام الصارم بتطبيق معايير الكفاءة والتميز في عمليات تعيين أعضاء هيئة التدريس. ومن ذلك أيضاً إستخدام طرق تدريس وتقويم تقليدية تجاهلها الزمن أسهمت في إفتقاد الطالب لما يجذب فكره وإنتباهه، محدودية مساهمة الجامعات فى خدمة المجتمع، عدم الإهتمام بأساليب المقارنات المرجعية مع المؤسسات التعليمية الرائدة حول العالم، وكذلك ضعف مساهمة الباحثين والأكاديميين بالجامعات السودانية فى الدوريات العلمية العالمية المدرجة في المعهد العالمي للمعلومات العلمية (ISI) والتى تعتبر أحد آليات تصنيف الجامعات، غياب الشفافية فى التخطيط المالي، ضآلة المخصصات المالية لانجاز الابحاث العلمية، أضف إلى ذلك ضعف (إن لم نقل إنعدام) العلاقة بين وحدات الجودة والتقييم الذاتي والهيئة العليا للتقويم والاعتماد بوزارة التعليم العالي...... وغير ذلك من تحديات لا يسع المجال لحصرها.
فى ظل هذه التحديات يصبح الحديث عن أن X من الجامعات السودانية قد حازت على جائزة عالمية في ضمان الجودة يصبح نوعاً من التضليل والقفز على الحقائق. فواقع ممارسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي في السودان يشير بجلاء إلي أنها مازالت بعيدة كل البعد فيما يلي استيفاء المعايير التي تؤهلها للحصول على الاعترافات العالمية سواء على مستوى البرامج الأكاديمية أو على المستوى المؤسسي. وإستصحاباً لكل تلك المعطيات، تترد بين الحين والآخر بعض الأخبار المضللة عن تميز الجامعات السودانية على مستوى العالم (هذا بالضرورة لا ينفي وجود بعض الانجازات الفردية التي تحسب لتميز أعضاء هيئة التدريس فى مجال الابحاث العلمية). آخر تلك الأخبار هو ما أعلنته جامعة الجزيرة بحصولهاعلى الجائزة العالمية الذهبية (Century International Gold Quality Era Award)، المقدمة من المؤسسة الدوليةBusiness Initiative Directions (BID). والتساؤل الذي يفرض نفسه: كيف يستقيم ذلك وتصنيف ويبوميتركس يضع الجامعة فى المرتبة رقم 7805 وذلك استناداً الى التصنيف الصادر عن شهر يناير للعام 2016. وهو ما دفعنا الى محاولة التقصي حول هذه الجائزة العالمية والمؤسسة المانحة لها لعلنا نقدم فائدة علمية تعين الجامعات السودانية الأخري فى التهيئة لإستيفاء متطلبات الحصول على تلك الجائزة. وكم كانت المفاجأة بأن تلك المؤسسة ليست من المؤسسات المؤهلة لتقييم وتصنيف الجامعات، فهي ليست لها آية معايير وليست لها وثائق ونماذج مطلوب من الجامعات استيفائها للنظر فى أحقيتها بالجائزة. وحسب ما توافر من معلومات، فليس هناك أياً من مجالس التعليم العالي حول العالم من يضع هذه المؤسسة في قائمة المؤسسات والهيئات المعترف بها في تقديم شهادات الجودة والاعتماد الأكاديمي المؤسسي للكليات والجامعات. فكل ما يتوافر عن منهجية تعامل تلك المؤسسة مع الشركات والمؤسسات من دول العالم المختلفة هو تواصل عبر الايميل لاعلان ترشح المؤسسة المعينة للجائزة وفيه يطلب سداد مبلغ يتراوح بين 3700 و3900 يورو. وبعدها تقدم الدعوة لممثلي المؤسسة واستضافتهم فى أحد الفنادق بإحدي الدول الاوروبية (عادة ما تكون في مدينة جنيف السويسرية) ولمدة يومين بعدها يتم تسليم الجائزة. ولمزيد من التقصي تم البحث عن الجامعات التي سبق لها الحصول على هذه الجائزة فلم نجد غير جامعة القدس المفتوحة والتي حصلت على الجائزة فى العام 2015م.
الي هنا نتوقف عن سرد الحقائق المزعجة، ونتوجه بالأسئلة إلى الجهات المعنية في كبرى جامعاتنا الوطنية التي احتفت بالحصول على هذه الجائزة الوهمية والذي بالضرورة كلفها مبالغ طائلة للحصول عليها، ونقول: ألم تتوافر لديكم المعلومات عن حقيقة هذه المؤسسة وجائزتها، وعلى ماذا استندتم في تحديد جودتها، وما هي المبادئ والأسس التي تشكل التوجه العام لهذه المؤسسة وماهي المتطلبات التي قمتم بإستيفاءها لتأكيد أحقيتكم بهذه الجائزة، هل هناك زيارات ميدانية تمت من قبل هذه المؤسسة للوقوف حول واقع ممارسات ضمان الجودة على مستوى البرامج الاكاديمية، الأقسام العلمية، الكليات والمراكز وعلى مستوى الجامعة ككل. على أن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: هل حصولكم على هذه الجائزة استند الى خطة استراتيجية ورؤية مستقبلية تم وضعها قبل سنوات أم أنها وليدة لحظة؟.
نخلص إلي أن ما أعلن مؤخراً عن حصول جامعة الجزيرة لجائزة القرن في الجودة يشكل رصيداً سالباً فى أدبيات إدعاء النجاح الزائف الذي أصبح بمثابة موجة إجتاحت العديد من مؤسساتتنا التي صارت عاجزة عن تبني وإعتماد التخطيط الإستراتيجي كوسيلة ومنهج لقيادة العمل نحو تحقيق الأهداف، وهو أيضاً يقودنا الى التأكيد بأن آفة التخبط والعشوائية فى إدارة المؤسسات الخاصة والعامة فى بلادنا قد امتدت لتصيب بشرارتها مؤسسات التعليم العالي التي يفترض فيها وجود الرؤية الثاقبة والتخطيط الفعال. فلمن يهللون لهذا الإنجاز الوهمي والمجافي للواقع نقول أن التميز في أنشطة التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع يحتاج الى توافر معايير واضحة ومؤشرات أداء موضوعية مدعومة بخطط إستراتيجية يدركها ويعترف بها مجتمعنا المحلي (أعضاء هيئة التدريس، الطلاب، قطاع الأعمال، الأسر وغيرهم) قبل أن نخرج بها بحثاً عن إعترافات زائفة. وحتي يكون المنطق هو مرجعيتنا فى نقد مثل هذه الإنجازات الوهمية دعونا نوجه هذه الأسئلة لمدراء الجامعات ومخططي سياسات التعليم العالي فى السودان: كم عدد برامج الهندسة وبرامج الحاسوب والمعلومات فى جميع الجامعات السودانية التي حصلت على اعتماد مجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا Accreditation Board for Engineering and Technology (ABET)، كم عدد كليات الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع الحاصلة على الاعتماد الاكاديمي الدولي من قبل مجلس التعليم المهني Council on Occupational Education (COE)، كم عدد كليات طب الأسنان الحاصلة على الاعتراف الأكاديمي من الجمعية الأوروبية لتعليم طب الأسنان ADEE Association for Dental Education in Europe (ADEE) ، كم عدد كليات التربية الحاصلة على الاعتماد من قبل الهيئة الخاصة بالاعتماد المهني للمعلمين National Council for Accreditation for Teacher Education (NCATE) كم عدد البرامج بكليات ادارة الاعمال الحاصلة على الاعتماد الدولي لكليات ادارة الاعمال The Association to Advance Collegiate Schools of Business (AACSB). الإجابة الوحيدة لكل تلك الاسئلة ان رصيدنا (صفراً) فى كل تلك الاعتمادات المرموقة. ولمسؤولي الهيئة العليا للتقويم والإعتماد بوزارة التعليم العالي نقول: أما آن الاوان للخروج من دائرة التنظير فى التعاطي مع قضايا ضمان الجودة والإعتماد؟ أليس التوقيت مناسباً لتفعيل عمليات تقويم مؤسسات التعليم العالي وبرامجها من خلال متابعة الكليات والاقسام العلمية والبرامج الأكاديمية والعمل عن قرب لمتابعة عمل وحدات ومراكز التقويم الذاتي وضمان الجودة والإعتماد بالجامعات؟. ورسالتنا التي نود إيصالها لوزارة التعليم العالي: عليكم بمراجعة سياسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي، فالسياسات بوضعها الحالي لن تسهم في تحسين وتطوير وتجويد أداء مؤسسات التعليم العالي وضمان نوعيته ضمن إجراءات وأعراف المستوى المقبول محلياً وإقليمياً وعالمياً، والتأكد من تحقيقها لأهدافها المرسومة وتطبيقها لنظم ضمان الجودة (كما نص الهدف العام للهيئة العليا للتقويم والاعتماد)، كما أنها لن تسهم في نشر ثقافة الجودة والاعتماد بين قطاع عريض ومتباين من مجتمع التعليم العالي في السودان. وسؤال موجه لسعادة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي: ما هي مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs) المتوافرة لديك فيما يتعلق بأحد مهام واختصاصات الهيئة العليا للتقويم والاعتماد (منذ إنشائها في العام 2003) والذي يتعلق بالتقويم المؤسسي لمؤسسات التعليم العالي في السودان والذي يتم من خلال مجالات عديدة منها(الإطار المؤسسي، الحوكمة والإدارة، الموارد المالية، البني التحتية، التعليم والتعلم ومصادرهما، الموارد البشرية، الطلاب، البحث العلمي، خدمة المجتمع، إدارة ضمان الجودة). وسؤال آخر لسعادة الوزيرة: ما هو مستوى الرضا لديك عن الموقع الالكتروني للهيئة العليا للتقويم والاعتماد، وماهو تقييمك لذلك الموقع مقارنة بالموقع الإلكتروني للهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وموقع هيئة الاعتماد الاكاديمي بالامارات وموقع الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الاكاديمي بالمملكة العربية السعودية مثلاً.
وإن كان علينا من تقديم المقترحات التي من شأنها الإرتقاء بممارسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي فلابد من التأكيد أولاً بأن العديد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية المنتشرة فى ربوع بلادنا الحبيبة ممن لهم من الخبرة والدراية والمعرفة بقضايا الجودة فى التعليم العالي وممن لهم القدرة على تقديم الرؤى والأفكار النيرة للتعامل مع التحديات العديدة التي تواجهها مؤسسات التعليم متي ما أتيحت لهم الفرصة ولم يتجاوزهم الاختيار. فهذه دعوه أيضاً لمراجعه سياسات إختيار أعضاء هيئة التدريس للعمل فى اللجان الفنية للوزارة وإداراتها المختلفة. ومن خلال هذا المقال نقترح على الوزارة ضرورة التعجل فى إجراء دراسة تحليلية (ميدانية) لواقع ممارسات ضمان الجودة بمؤسسات التعليم العالي فى السودان وذلك إستنادا الى أراء ووجهات نظر الاطراف المستفيدة من الخدمات التي تقدمها الجامعات والكليات الجامعية وذلك كخطوة أولي فى سبيل الوصول الى خطة إستراتيجية تعالج إخفاقات الماضي وتنظر للمستقبل برؤية ثاقبة. فكل المطلوب من سعادتكم إفساح المجال لأخرين علهم يصيبوا نجاحاً يعين مؤسساتنا المغلوب على أمرها.
أخيراً يجب أن ندرك جميعاً أن الوصول الي تحقيق ضمان الجودة وحصول مؤسسات التعليم العالي في بلادنا علي الإعتمادات الأكاديمية لن يتحقق من فراغ وإنما بتوافر المقومات الداعمة للتغيير والتطوير من كوادر بشرية مؤهلة وبنيات تحتية مادية وتقنية ومصادر متجددة للتعليم والتعلم تتناسب مع الطاقة الإستيعابية لهذه المؤسسات. والنجاح في بلوغ غايات ترقية الآداء وضمان الجودة مرهون بوجود وحدات فاعلة للتقويم الذاتى بمؤسسات التعليم العالى لتنفيذه. كما يجب أن تتوافر الرغبة الصادقة في كل الأطراف إبتداء من الطالب، وعضو هيئة التدريس وإنتهاء بالمؤسسة للعمل من أجل تطبيق معايير تمثل استراتيجية دائمة، وليست مرحلية، فالجودة ليست وليدة لحظة أو مرحلة، وإنما هي سياسة عامه لابد من إعتمادها وتطبيقها. كما يجب أن تتعاون الجهات المعنية ذات الشأن فى عملية ضبط معايير الجودة والنوعية وفق أسس ثابتة وواضحة يتم تطبيقها على الجميع. كما يجب عدم الإكتفاء بوضع المعايير النظرية، وإنما الإنتقال من المعيار النظري إلى التطبيق العملي حتى تكون عملية الضبط عملية جادة.
وفق الله الجميع لخدمة البلاد والعباد
دكتور سليمان زكريا سليمان عبدالله
مستشار القياس والتقويم بعمادة الجودة -جامعة طيبة – المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية.
رئيس وحدة التقويم الذاتي والإعتماد بجامعة بخت الرضا- السودان- (الدويم) سابقاً.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.