عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. بغتة، في مطلع 1928، تمّ تجريد ليف دافيدوفيتش تروتسكي، وهو الثاني في البلاد من حيث الأهمية بعد لينين، وهو مؤسس الجيش الأحمر وقائده، والزعيم الذي كانت صوره حتى وقت قريب معلّقة في كل المباني العامة، ء تمّ تجريده من جميع وظائفه، ثم ابعد إلى الماتا، على بعد 4000 كيلومتراً من موسكو، و 270 كيلومتراً من أقرب محطة للقطار وتبعد ذات المسافة من الصحراء الصينية. وعلى الرغم من كونه مبعداً ومعزولاً، إلا أنّه لم يتوقّف عن الانشغال بالنشاط السياسي، ولهذا وصل إلى المااتا في 1928 ديسمبر مفوّض خاص من . البوليس السرّي السوفياتي( قسدارسفينو بوليتيجيسكو اوبرافلينيي*)، وتوعدّده بالنفي إلى مكان آخر أشدّ عزلة، إنْ لم يكفّ عن نشاطه السياسي. فصرّح تروتسكي أنّهم إنّما يريدون منه التنصّل عن معنى حياته طوال إثنين وثلاثين عاماً، وأبى الخضوع. وبعد شهر اتّخذ المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الموحد (الاغلبية ) قراراً بطرده خارج حدود الاتحاد السوفياتي، ونفس القرار اتّخذه مجلس البوليس السري السوفياتي في الثامن عشر من يناير 1929 حيث جاء فيه، إضافة إلى ماسلف ذكره، أنّه يُطرَد من الاتحاد السوفياتي لنشاطه المعادي للثورة والمتمثّل في تأسيس حزب غير شرعي ومعاد للسوفييت، مع أنّ تروتسكي نفسه كان قد صوّت بالموافقة في 1922 على منح البوليس السرّي السوفياتي صلاحية ترحيل الأفراد المعادين في نشاطهم للسوفييت. إلى الخارج. من المثير للفضول أنّ تركيا هي الدولة الوحيدة التي وافقت على استقبال المنفي الذي رفض العرض رفضاً باتاً، وأصرّ على إرساله إلى ألمانيا التي رفضت استقباله رفضاً قاطعاً. وهكذا تمّ ترحيله هو وزوجته وابنه الأكبر ليف إلى تركيا عبر اوديسا يرافقهم عدد كبير من عناصر جهاز الأمن . وأقام بتركيا أربعة أعوام تسلّم فيها إخطاراً رسمياً في سنة 1932 بتجريده من الجنسية السوفياتية. ومن ثَمّ انتقل إلى الدنمارك، ثم النرويج، ثم فرنسا، وحلّ به المطاف أخيراً في المكسيك التي ألّف فيها الكثير من الكتب والمقالات والمنشورات جميعها موجّهة ضد ستالين. وفي خلال تلك الفترة أُبعِدتْ زوجته الأولى ألكسندرا لفوفنا سومولوفسكايا التي اقترن بها وهو ابن 19 ربيعاً، والتي كانت تعيش في لينيقراد مع أطفالها وأحفادها، إلى سيبيريا حيث قضت نحبها هناك. وكان له من هذه الزيجة بنتان، إحداهما، نينا، التي ماتت بداء الصدر خلال فترة نفي أبيها في الما اتا. أما زينايدا فقد تمّ ترحيلها من الاتحاد السوفياتي إلى ألمانيا حيث انتحرت هناك عام 1934. ومات أصهاره الإثنين في معسكرات الاعتقال السوفياتية. وكذلك أُبعِدتْ أخته التي كانت قرينة للذائع الصيت ل.ب. كامينوف، إلى معسكر للاعتقال. وحتّى شقيقة زوجته الأولى تمّ ترحيلها إلى معسكر للاعتقال حيث قضت نحبها فيه. وكان لتروتسكي من زواجه الثاني بناتاشا اي سيدوفا إبنان. رفض أصغرهما، وهو سيرقي سيدوف( ويحمل كلاهما اسم عائلة امه)، والذي قد أصبح بروفيسوراً في المعهد التقني ان يرافق أباه في السفر معلناً أنّ السياسة بغيضة إلى نفسه. وهكذا وبأكثر الطرق غباء أدان نفسه بأن تخلّف في قبضة أولئك الذين ليست السياسة بغيضة إلى نفوسهم بالمرّة. وهكذا نشرت صحيفة "برافدا" في يناير 1932 خبراً فحواه أنّ نجل تروتسكي قد حاول تسميم العمال، ثم أُعلِنَ عدواً للشعب، وحُكِم عليه بالإبعاد إلى منطقة كراسنويارسكي حيث مات في معسكرات الاعتقال. وقد حاق ذات المصير بزوجته التي تطلّقت منه قبل عام ونصف عام من اعتقاله لتُسعِد أجهزة الأمن. وطال انتقام ستالين ليف سيدوف النجل الأكبر لتروتسكي الذي مات في باريس في ظروف ملغزة - كان قد اتخذ قراراً غير مأمون بإجراء عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية في مشفى يديره مهاجرون من روسيا البيضاء، حيث مات في 16 فبراير 1938 على الرغم من نجاح العملية التي أجراها طبيب مشهور. وفي هذا الموضوع وحده أورد تروتسكي ستة أدلة مباشرة تثبت تدبير البوليس السرّي السوفياتى لموت ابنه. وهكذا يكون جميع أقاربه ومعارفه تقريباً قد ماتوا، وتبقّت على قيد الحياة زوجته نتاليا وحفيده سيفا الذي هو نجل بنته زينايدا. أمّا زوجته نتاليا فقد ماتت في فرنسا سنة 1962، لكنها ووريت الثرى في المكسيك بجوار رماد زوجها. كان ليف تروتسكي يعي جيّداً أنّه التالي بعد ابنه. لكنّ المطارد الرئيسي لم يكن في عجلة من أمره ، بل كان يريد الاستمتاع بفعل الطراد ، نفسه. وقد هاجم مرّات عديدة المساكن التي نزل بها تروتسكي، وكانت تلك الهجمات مقنَّعةً كمالو أنها سطو. وكان آخر مسكن لتروتسكي في فيلته بالعاصمة مكسيكو مخفوراً ليلَ نهارْ. وكان من المحال عملياً اختراقه دون ان يُلحَظ ذلك. ومع ذلك ففي الصباح الباكر من العشرين من مايو 1940 تغلغل حوالى عشرين شخصاً مرتدين بزّات الجيش والشرطة في المسكن، وبتوجيه ممتاز دخلوا غرفة النوم حيث كان يرقد تحت الغطاء شخصان فتحوا عليهما النيران. وفي وقت لاحق تم إحصاء عدد الرصاص المسدَّد فربى على الثلاثمائة. حالف الحظ تروتسكي وزوجته فقد وثبا واندسا في الركن، أمّا حفيدهما قد تأذّى حيث خدشته رصاصة في ساقه. اختفى المهاجمون في الحال. وأعلنت الشرطة أنّه ما من باب تعرّض للفتح بالقوّة. وقد أثبت التحري أنّ أحد الحراس، وهو الأمريكي روبرت شيلدن هار، والبالغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، قد اختفى، ثم عُثِر على جثّته بعد شهر ونصف الشهر تقريباً وهي مقبورة في حديقة أحد المهاجمين. ووفقاً للشرطة فهو على وجه التحديد من فتح الباب للمهاجمين، ثم اختفى فيما بعد بمعيّتهم، وفي النهاية تخلّصوا منه بوصفه شاهداً مزعجاً، لكنّ تروتسكي رفض التسليم بهذا التفسير رفضاً تاماً، وأمر بوضع شاهد قبر في المدخل. جرى التحقيق في الواقعة تحت الرقابة الشخصية لكارديناس رئيس المكسيك، والذي كان قبل ذلك قد أعلن تروتسكي "ضيفاً على الحكومة". وبعيد الاعتداء أعلنت الشرطة أنّ قائد محاولة الاعتداء هو دافيد الفارو سيكايروس (1896ء ؟؟؟؟ )ء وهو من أبرز ممثلي فن الرسم على الجدران، ومؤيّد صَلِد لستالين. أمّا حادثة التصفية الثانية لتروتسكي فقد نجحت. ففي 20 أغسطس 1940 تغلغل القاتل في المنزل، وبفؤيس لتسلّق الجبال أصاب دماغ تروتسكي الذي أمر الحرّاس المسرعين وهو لم يزل في وعيه أن يتركوا القاتل حيّاً ليخبر عمن استأجره وأرسله. وبعدها مباشرة نُقِل تروتسكي إلى المشفى حيث أجرى له خيرة الأطباء عملية جراحية، لكنّه ارتحل في مساء الحادي والعشرين من أغسطس 1940. استناداً إلى راديو لندن، أذاعت تاس في 22 أغسطس 1940 نبأ وفاة ل. د. تروتسكي في مشفى بالمكسيك متأثراً بتهشّم الجمجمة. وفي 24 اغسطس ظهرت في صحيفة "برافدا" مقالة تحت عنوان" مصرع الجاسوس العالمي" وُصِف فيها درب القتيل المديد والغاص بالخيانات والغشّ وازدواجية الوجه والنفاق السياسي" . عندها جاء في لائحة خطايا تروتسكي الحقيقية والمتخيَّلة تحديداً ذكر " المؤامرة الإجرامية" لاغتيال لينين وستالين وسفيردلوف وكيروف وكويبيشوف وم غوركي، حيث شدّد على عمالته( يعني تروتسكي. م.م ) لانجلترا وفرنسا واليابان، أن سادته وأصدقاءه من نفس تلك المراكز الشريرة هم الذين قتلوه. ومن زاوية بعينها ينبغي النظر إلى هذه المقالة بوصفها نعياً رسمياً وضيعاً للرجل الثاني في البلاد من حيث الأهمية في زمن لينين. تفاصيل الإعتداء أماط عنها اللثام عنها مؤخراً يوري بوبوف الملحق الثقافي في السفارة بالمكسيك.ومُنِح جميع المشاركين في الاعتداء كبرى هدايا السلطة السوفياتية. أمّا خرافة أنّ اسم القاتل هو جان مورقان فاندنرايش فقد تهاوت خلال الخمسينات عندما ثبت أنّه هايمي رامون ميركادر ديل ريو ،والذي وصل إلى المكسيك قبل نصف العام من الاعتداء بجواز سفر يحمل اسم توني بابيتج المولود في يوغسلافيا، والذي كان يتنكّر أيضاً باسم فرانك جاكسون. ولم تكن حياته أثناء السجن في المكسيك سيئة بالمرّة، وقد عُرِض عليه عدّة مرّات الهروب المضمون النجاح من السجن، لكنّه أدرك وحده أنّ ذلك مدخل لتصفيته، فرفض باحتراز. ثم خرج من السجن في 1961، وسافر برفقة زوجته إلى الاتحاد السوفياتي، حيث حصل سرّاً على لقب " بطل الاتحاد السوفياتي" ومُنِح شقّة متواضعة في موسكو ومعاشاً متواضعاً، وتمّ نسيانه بالكامل. فسافر وهو محبط إلى كوبا حيث وافته المنيّة عام 1973 وعمره 65 عاماً. أمّا بافل سودوبلاتوف، الشريك الأساسي في الإعتداء على تروتسكي، ومدبّر خطّة العملية، فقد وصل إلى رتبة فريق، لكنه أُعتقِل في 21 اغسطس 1953 بتهمة المشاركة في مؤامرة بيريا الهادفة لتصفية أعضاء الحكومة السوفياتية، وأمضى في السجن 15 عاماً من حياته في زنزانة انفرادية لم يبارحها على الإطلاق، وفي 1992 أُعيد له اعتباره.، وفي 1994 أصدر في نيويورك كتاباً بعنوان مسائل متميّزة: ذكريات الشاهد المزعج. سجل الجاسوسية السوفياتية. ... من صفحة 122 إلى صفحة 125 من كتاب بروفيسور يانكو يانكوف : صندوق باندورا) منظور مِشكالي للارهاب(. صوفيا. يانوس، 2007. هامش: * الترجمة الحرفية هي الإدارة السياسية للدولة