مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية مزرعة الحيوان وحقيقة أورويل كمُخبر معاد للاشتراكية (3)
نشر في الراكوبة يوم 25 - 11 - 2013

كتب ألن بروان يقول " بينما يكون مقبولاً أن يتم إقناع الممتحنين عاماً بعد عام بأن النهاية المأساوية لشخصيات شكسبير تعزو "لعيب" فى طبيعتهم، لا يمكن إعتبار تدريس مزرعة الحيوان كدليل فنى على "عيب مأساوى" فى مثالية سياسية. وعلى كل حال إن سياسات تدريس الأدب لا تنحصر فى مداخلات تتعلق بمواضيع سياسية. بحكم طرائقه، فإن الأدب يمكن أن يكون وسطاً يتم فيه تلقين العقائد والقيم بشكل حاذق وقسرى."
ويمضى ألن بروان ويذكر أن الغرب استخدم أورويل كسلاح من اسلحة البروباغندا فى الحرب الباردة وذلك لإقناع جيل كامل بأن التغيير الإجتماعى الجذرى لا طائل من ورائه. يقول براون " هناك تتابع بين ما كتبه أورويل وبين ما تم إيجازه لاحقاً فى "الصوت الأورويلى" الذى لم يصبح جزءاً من الثقافة السياسية الا بعد صقله بوسائط الاتصال الجمعي فى مجال النظم التعليمية...." ولا يعتبر براون وجود مؤامرة (من قبل الجهاز التعليمى) حول هذا الموضوع، فهو يعتقد أن " الجانب الضرورى لخلق اسطورة سياسية فى مجتمع ديمقراطى تعددى يتمثل فى شكل الخطاب: ليس فى الكبت المتعمد للآراء المخالفة، بل فى إستدامة الافتراضات المشتركة التى لم تخضع للفحص."
وهكذا جرى إستخدام رواية مزرعة الحيوان فى مجال تدريس الأدب فى المدارس الثانوية فى الغرب وخاصة بريطانيا لغرس افكار وقيم معينة فى أذهان التلاميذ؛ فقد أُستغل تدريس الرواية لتعميق وتكريس الفكر السائد فى تلك المجتمعات البرجوازية الذى يصور حقائق الحياة كحقائق ثابتة تستمد ثباتها من القَدَر وقيم العدالة والمساواة المطلقة والطبيعة البشرية الواقعة خارج الزمن،الخ.
وفى هذا المقال نقدم تعليقا على توظيف رواية مزرعة الحيوان فى المجال التعليمى البريطانى بالاعتماد على مذكرات يورك التعليمية الخاصة بالرواية التى أعدتها واندا اوبالينسكا ( معلمة لغة إنجليزية وممثلة):
Animal Farm: York Notes for GCSE (Aug. 1 2002) By Wanda Opalinska.
ومذكرات يورك المشار اليها هى من أهم المعينات التى تقدم للتلاميذ فى بريطانيا لدراسة الرواية المعنية كمادة يجلسون للامتحان فيها. وسنحصر تعليقنا على كيفية تلقين التلاميذ من خلال تدريس الرواية أفكارا معادية للاشتراكية بتزوير المفاهيم وأحداث التاريخ.
وللاطلاع على كيفية تصميم المنهج لتدريس الرواية بحيث يسلب التلاميذ التفكير المستقل ومساءلة الافتراضات وتوجيههم لتبنى بعض الحقائق كافكار صحيحة بصورة مطلقة- بالاضافة لطريقة وضع اسئلة الامتحان بصورة يتوقع معها إجابات محددة، يمكن الرجوع لمقالة الكاتب الانجليزى ألن بروان:
Alan Brown, "Examining Orwell: political and Literary Values in Education," in "Inside the Myth, ed. Christopher Norris: London, 1984"
صور أورويل الماركسية بانها مجرد "حلم" وذلك على لسان الحيوان العجوز ميجر (ماركس) الذى بدأ مخاطبته للحيوانات الاخرى عندما دعاها للقيام بالثورة بقوله " أيها الرفاق لا اعتقد انى سأكون معكم لعدة شهور أخرى، وقبل ان أموت أرى أنه من واجبى أن أورثكم حكمة اكتسبتها. فانا عشت حياة طويلة وكان لدى متسع من الوقت للتفكير حيث كنت اقبع وحيداً فى حظيرتى، وأعتقد أننى افهم طبيعة الحياة على هذه الأرض وكذلك الحيوانات التى تعيش الآن..... ايها الرفاق، لقد بلغكم نبا الحلم الغريب الذى حلمته الليلة السابقة.....والآن يا رفاقى ساحكى لكم حلمى ... لا استطيع أن اصف ذلك الحلم. أنه حلم يتعلق بالحالة التى ستكون عليها الارض بعد زوال الإنسان."
اتكاءً على فكرة أورويل أن الماركسية ليست أكثر من حلم، جاء فى دليل دراسة الرواية أن " الشيوعية تاثرت بافكار كارل ماركس الذى كان يعتقد بأن الحياة يمكن أن تفسر بمصطلحات إقتصادية وإجتماعية.....إن أغلب افكار ماركس توجد فى ثنايا خطبة ميجر" وان النظام الإشتراكى فى الإتحاد السوفيتى رمى لتوزيع "كل الملكيات والثروة والعمل بين الافراد بالتساوى."
أولاً، وصف الماركسية بانها تفسر الظاهرات الاجتماعية بالاقتصاد، هى مسالة متعمدة الغرض منها تقديمها فى تعريف بسيط يحجب جوهرها كمنهج ومذهب. وحتى دور الاقتصاد فى التاريخ تم عرضه بصورة مبتذلة. فالاقتصاد ( الانتاج وإعادته) هو العامل الرئيس فى تحديد المكونات السياسية والحقوقية لاى مجتمع عبر صراع الطبقات، ودائماً ما تتجلى نتيجة هذا الصراع فى تكُّون أيديولوجيات مختلفة فى روؤس الناس تؤثر بدورها (جدليا) فى تشكيل الاحداث. ولكن التاثير الايدولوجي هو (الشكل) لان مآل الصراع يحدده فى النهاية الإقتصاد (المضمون). اما فيما يتعلق بالإدعاء أن غاية الاشتراكية هى توزيع الممتلكات والثروة بالتساوى بين الناس فالهدف منه إضفاء صفة الطوبائية على الماركسية. وهذا يتناقض تماماً مع الماركسية كنظرية نقلت الإشتراكية من أضغاث احلام وخيال الى علم. الماركسية لا تدعى أن الإشتراكية تعنى توزيع الممتلكات بين الناس بالتساوى بل توصلت من خلال الدراسة النقدية للإقتصاد الراسمالى الى أن ملكية وسائل الإنتاج سوف تتطور لتتطابق مع طبيعة الإنتاج التى أصبحت إجتماعية تحت نظام الانتاج السلعى. وهذا يعنى أن الملكية سوف تكون لكل المجتمع وليس لجزء منه، وهذا لن يتم بين عشية وضحاها ولكن فى تدرج ادنى مرحلته يسودها مبدأ "من كل حسب مقدرته ولكل حسب عمله" وأعلاها تحكمها معادلة " من كل حسب مقدرته ولكل حسب حاجته."
تعمدت اوبالينسكا أن تعرف الإشتراكية بأنها توزيع الممتلكات بين الناس بالتساوى وعزو الفساد الذى ألمَّ بالاتحاد السوفيتى بعد قيام الثوره الى هذا التعريف الساذج؛ فالكاتبة تدرك أنه لا يوجد بين قرائها من لا يدرك حُمق فكرة التوزيع المتساوى للثروة.
إحتوى الدليل الدراسى على تقويم تاريخى للاتحاد السوفيتى حتى وفاة ستالين، عرضت فيه الاحداث الرئيسية فى هذا التاريخ ومضاهاتها بأحداث مزرعة الحيوان. وقد افرطت الكاتبة فى التشويه الفاضح لأحداث الثورة الروسية وايراد معلومات مزورة عن قادتها.
فى إطار نفى أى دور لستالين فى الثورة مالت الكاتبة لتضخيم دور تروتسكى فى الاحداث حيث تذكر أنه ولينين قادا الثورة وأرسيا أسس النظام الجديد. وفى موضع آخر جاء فى الدليل أنه " بعد وفاة لينين نشب صراع حول السلطة بين تروتسكى وستالين. ومع أن تروتسكى كان المفضل لدى لينين، الا أن ستالين تمكن من هزيمته ومن ثم نفيه خارج البلاد." كما أورد الدليل الدراسى أن ستالين " فى 1921 إعترض على خطط تروتسكى لتصنيع البلاد....فقط ليعود بعد إبعاد تروتسكى ويتبنى ذلك التوجه فى الخطط الخمسية. لقد كانت تلك الخطط الخمسية لدرجة كبيرة غير شعبية وإشتملت على تحديد أهداف عالية للانتاج بشكل غير واقعى." والخلاف بين ستالين وتروتسكى تم تصويره فى الرواية كمكايدة وخلاف شخصى بين الإثنين فى مسألة تشييد طاحونة هواء لتزويد المزرعة بالطاقة. ففى حين دعا سنوبول (تروتسكى) لقيام الطاحونة التى ترمز للتصنيع، أتخذ نابليون (ستالين) موقفاً معارضاً لقيامها.
ولكن الحقائق تقول بعكس هذا. فقد كان لينين وتروتسكى على خلاف عميق، قبل الثورة وبعدها، حول شتى المسائل كالبناء الإشتراكى وعمل النقابات. كتب لينين يصف تروتسكى قائلا " الاسم تروتسكى يدل على : إختيار الكلمات اليسارية والتكتل مع اليمين ضد مرامى اليسار " ويمضى ويقول " لا يمكن ان تناقش الأشياء الجوهرية مع تروتسكى، فهو ليس لديه رؤى...فهو لا يمكن النظر اليه الا كدبلوماسى بمعنى الدبلوماسية فى شكل ممارستها كنشاط مخادع. " كانت الافكار التى يطرحها تروتسكى معزولة عن الواقع ولا تدعمها حقائق ملموسة. فمثلاً كان تروتسكى لا يعترف بأى دور لفقراء الفلاحين فى مرحلة الإنتقال للإشتراكية فى الاتحاد السوفيتى. كما كان يدعو، إنطلاقا من نظرة إقتصادوية وإنكاراً لحقيقة أن السياسة تقود الإقتصاد، الى اللجوء للإجراءات البيروقراطية القسرية فى إدارة الإقتصاد بمعزل عن تطبيق الخط السياسى الصحيح، وفى قيادة الدولة للعمال بدون الإهتمام بتعليمهم.
وفيما يخص الخلاف بين ستالين وتروتسكى، فإن ستالين إعترض على دعوة تروتسكى للبدء فوراً فى تطبيق الزراعة الجماعية والتصنيع الإشتراكى. فبينما كان ستالين يرى أن التوقيت غير مناسب لأن التناقض بين أغنياء المزارعين (الرأسماليين) وفقرائهم لم يصل لمرحلة حاسمة لكى يُحل لمصلحة الاخيرين الذين يُعول عليهم فى إنجاح الثورة الزراعية. كما لم ير ستالين أى صواب فى فكرة تروتسكى أن مستقبل الثورة الروسية يعتمد على حث الشعوب فى الدول الغربية للقيام بالثورة. فقد كان ستالين يرى ضرورة التركيز على بناء الإشتراكية فى الاتحاد السوفيتى وعلى إقامة علاقات ايجابية مع الدول الاخرى تخدم مصلحة البلاد.
إن الإدعاء بفشل الخطط الخمسية بعد قيام الثورة يكذبه الانجاز التاريخي الذى حققه القادة السوفيت بنقل بلادهم خلال عقدين (الفترة منذ إنتهاء الحرب الاهلية فى روسيا وحتى قيام الحرب العالمية الثانية) لتصبح دولة متقدمة إقتصادياً مقارنة بمئات السنين التى إحتاجتها الدول المتقدمة الأخرى لبلوغ نفس الهدف. الخطط الخمسية مكنت الإتحاد السوفيتى رغم الحصار والحرب من بناء دولة إشتراكية إقتصادها لا يعرف الازمات التى هى صفة ملازمة ومتأصلة فى نظام الإنتاج الرأسمالى.
عندما كان أورويل يكتب رواية مزرعة الحيوان ( بلا فهم نظرى) كان الاتحاد السوفيتى لا يعانى من أزمة الكساد الكبير (great depression) الإقتصادية الطاحنة التى ضربت اقتصاديات الدول الغربية خلال ثلاثينيات القرن العشرين حتى مطلع الاربعينات منه؛ وكانت الدولة السوفيتية منارة مشرقة تهدي خطى الشعوب المتطلعة للتحرر ( في عشرينات القرن العشرين كانت الإمبراطورية البريطانية تسيطر على مساحة جغرافية من العالم عدد سكانها حوالى 500 مليون شخص!)
كما كان تروتسكى، فى نفس الفترة، يواجه هذه المكتسبات بالتنقل بين ألمانيا وفرنسا وتركيا لإحاكة المؤامرات مع أجهزتها الإستخبارية ضد الدولة السوفيتية.
ذكر مولوتوف فى كتاب " مولوتوف يتذكر، 1993" أن انجاز الزراعة الجماعية فى الإتحاد السوفيتى كان أعظم من الإنتصار على النازية فى الحرب العالمية الثانية.
ونستون تشرشل عَلَّقَ على تحويل ستالين لروسيا من قطر زراعى لحد كبير الى دولة صناعية قوية كان لها دوراً حاسما فى انتصار الحرب العالمية الثانية قائلا أن " ستالين أتى لروسيا بمحراث خشبى وتركها وهى تمتلك الاسلحة النووية. "
ويتواصل التمادى فى تزورير الاحداث فيورد الدليل الدراسى " .. ستالين وَقَّعَ مع الزعيم النازى معاهدة فى 1939. منح الحلف السوفيتى-الالمانى الاتحاد السوفيتى إمكانية بناء دفاعاته رغماً عن تعارض هذا مع ما كان ينادى به لينين وتروتسكى." هذا هراء لا يستفاد منه شيئاً (rigmarole) أُخذ من موقف ستالين من ألمانيا النازية كما عكسته الرواية فى واقعة تعامل نابليون (ستالين) مع صاحبى مزرعتين مجاورتين (فردريك صاحب مزرعة بنشفيلد وبلكنجتون ومزرعته فوكسوود) ابديا الرغبة فى شراء اخشاب من مزرعة الحيوان؛ فقد ظل نابولين مترددا بين الاثنين غير قادر على اتخاذ القرار المناسب: " إذ تلاحظ أنه كلما إقترب من عقد إتفاقية مع فردريك، تطلق أشاعة أن سنوبول (تروتسكى) يختبئ فى مزرعة فوكسوود، وعندما يميل للاتفاق مع بلكنجتون يُعلن عن وجود سنوبول بمزرعة بنشفيلد."
ولكن الاحداث الصحيحة التى سبقت الحرب العالمية الثانية تمثلت فى أن الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا تجاهلت محاولات ستالين إقناعها لتكوين حلف بينهم ليضطلع بالدفاع المشترك ضد ألمانيا لان تلك الدول كانت تنتظر إنقضاض ألمانيا الهتلرية على الدولة السوفيتية التى كانت تمثل هاجساً لهم منذ تأسيسها. بلغ تآمر القوى الغربية على الإتحاد السوفيتى اوجه بموافقة انجلترا وفرنسا وإيطاليا فى مؤتمر ميونخ 1938 على أن يضم هتلر أحد أقاليم تشيكوسلوفاكيا وبالتالى فتح شهيته الى التوسع شرقاً. وهذا ما دفع بستالين الى تكتيك عقد إتفاقية "مولوتوف-ريبنتروب" مع هتلر لدرء العدوان الالمانى الى حين.
هنرى كيسنجر فى كتابه "الدبلوماسية" ذكر أن ستالين كان خلافا لقادة الديمقراطيات الغربية " مستعداً للقيام بالدراسة الدقيقة لعلاقات القوة. وبالتدقيق فإن هذا يرجع الى أنه كان مقتنعاً بأن افكاره تحتوى على الحقيقة التاريخية؛ ستالين اتبع المصلحة السوفيتية بلا مساومة متحرراً من ما أسماه ثقل النفاق الاخلاقى و الإرتباط العاطفى.....بدون أن تدرك هذا، لجأت القوى الغربية الى تَخَيُّر القَدَر بالتعويل على تناقض لا حل له بين ستالين وهتلر، وبمكايدة ستالين بعزل الإتحاد السوفيتى عن مؤتمر ميونخ. إن أفكار ستالين الشيوعية جعلته يكون مرناً بشكل مدهش فيما يتعلق بالتكتيك......ستالين كان كالعالم الطبيعى الذى لا يخلق الظاهرة الطبيعية بل يحللها، فإن إدراكه لماذا تحدث هذه الظاهرات تمكنه من تعديلها ولكن إطلاقاً ليس إنطلاقاً من أى شىء غير قوانينها المحدِّده لوجودها."
رغماً عن إختلافهما العميق مع ستالين، الا أن شرشل بمعايشته للأحداث المتعلقة بالموضوع تحت النظر وكيسنجر بعمق معرفته بالتاريخ الدبلوماسى للعالم كانا افطن من أن يدلسا حقائق واضحة وضوح الشمس.
إن المغزى من وراء الترويج لأورويل هو أن الغرب أراد تصوير أن النقد للماركسية المضمن فى الرواية يجئ من إشتراكى توصل للحقيقة وبلغ قمة الإستقامة الاخلاقية والحكمة والموضوعية.
ذكر أورويل في مقدمة الترجمة الاوكرانية لرواية مزرعة الحيوان أن تاليفه لرواية مزرعة الحيوان فرضتها قناعته التى عبر عنها بقوله " أن نسف الخرافة السوفيتية لازم إذا ما شئنا إحياء الحركة الإشتراكية." ولكن إطلاقاً لم يقدم أورويل أى تصور نظرى للإشتراكية التى يريد إحياءها. فأورويل ليس لديه "رؤى" للتغيير وهذا ما جعل الغرب يجد فيه ضالته للهجوم على الإشتراكية فإستخدامه أجدى من الركون لغلاة اليمين الذين تعج بهم المؤسسات الثقافية والسياسية فى الغرب ، فهؤلاء مج الناس آراءهم بسبب الشطط فيها.
نختتم بالتوقف عند ما ذكره ألن براون حول توظيف تدريس رواية مزرعة الحيوان لتمرير الفكرة الإساسية للرواية وهى أن أحداث التاريخ تحركها الطبيعة البشرية الثابتة؛ فالكاتب يذكر فى مقالته المشار اليها أعلاه أن تعظيم دور الطبيعة البشرية الخالدة انجزه النقد الأدبى الذى " وضع أجندة المناقشة والتاكد من أن مفاهيمنا عن التاريخ وتقديراتنا الذاتية تحددها طبيعة بشرية أزلية والأخلاق والقدر. وثمن هذه الحكمة هو جهل مُحَقق بالاساليب نفسها التى يجرى بها تبنى الحقائق الواقعة خارج الزمن فى الثقافة السياسية."
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.