بسم الله الرحمن الرحيم ميزان الحكمة الإنسان يفكّر ويخاطب فإن غلب التّفكير على المخاطبة وانتفى عنه الغرض جاء مستقيماً وإن غلبت المخاطبة على التّفكير جاء معوجّاً. والحماقة أعيت من يداويها لأنّها تمثّل النوع الثانى لأنّها تُصرُّ على تكرار الخطأ ولا تتعلّم منه. وهكذا حال حكومتنا ومعارضتنا هداهما الله أو أقالهما جميعاً. ولا نكاد نسمع بشىء من أمر المواطن المغلوب على أمره والمطحون بين رحى الأكاذيب والأمانى حتى تجىء التّصريحات والتّوجيهات والاتّهامات الفجّة من الجهتين لا تٌغنى ولا تُسمن من جوع. شعارات تتلوها شعارات ووعود كاذبة تتلوها وعود. هذه ألعاب لغويّة شبعنا منها لا تؤدّى إلى تغيير ولا تنشده لأنّ فى التّغيير الحقّ نفىٌ أو إنهاء للحالة الرّاهنة التى فيها فائدة خاصّة للطرفين ولذلك لا ترضى به. لنأخذ مثلاً معسكرات النّازحين من أهل دار فور يستخدمهم الطرفان فى المعارك الحربيّة والخطابيّة والسياسيّة ولكن قل لى بربّك هداك الله من منهم يسكن معهم يأكل أكلهم ويلبس لبسهم ويربّى أولاده وبناته معهم؟ أما كان الأجدى أن تسكن الحكومة والمعارضة فى واحد من المعسكرات ليُديرا حواراً إن أرادا؟ كنّا سنعرف بالفعل حرصهما على السلام الذى ظلّا يتشدّقان به وهما يران أولادهما وبناتهما تصيبهم المسغبة وزوجاتهم المُدلّلات يجأرن بالشكوى ويطالبن بالإسراع فى توقيع اتّفاقيّة السلام. هذه الحكومة وأختها المعارضة لا يشعرون بهم ولا بعنائهم فإنّهما عنهم محجوبين. يكاد قلبى ينفطر وأنا أرى شتاتنا فى المهجر القسرىّ أرواح ضائعة وآمال مذبوحة وبيد من؟ بيد من وعدونا الجنّة على الأرض قبل الآخرة فأحالوا حياتنا جحيماً لا يطاق. هل نظل نأمنهم على حياتنا وعرضنا ومعيشتنا وهم لا يشعرون بنا وحياتهم غير حياتنا وأحلامهم غير أحلامنا؟ هم يحلمون بالسفر للسياحة وشراء الذهب والملابس من هارود وغيرها ونحن نحلم بقطعة شواء يتفضّل علينا بها أهل خير فى عيد الأضحى. هم يحلمون أن يصير أبناؤهم وبناتهم أطبّاء وسفراء وحكّام ونحن نحلم أن يتعافى أبناؤنا وبناتنا من الملاريا والاغتصاب وسوء التّغذية وأن يخطئهم الموت إلى حين. لشدّ ما يقلقنى هو هذا العجز الذى أمسك بتلابيبنا حتى كدنا أن نختنق لا نرى ضوءاً فى نهاية النّفق والأمرُّ من ذلك أن نأمل، وأقول نأمل وليس نرجو، أن يخرجنا من ظلامه الشخص الأعمى الذى أدخلنا فيه أوّل مرّة. الرجاء له أسباب والأمانى كسيحة لا تقوم على ساقين. أقول، والقول ثمرة الفكر، وكما قال أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرّم الله وجهه: إذا تمّ العقل نقص الكلام ويستدل على عقل الرّجل بحسن مقاله، لم أسمع قط قولاً لحكومة أو معارضة صدقت لهجته وأصابت حجّته بل سمعت وضيعاً خامل الذّكر يرفع الصوت بالإساءة ويظنّ فى نفسه العبقريّة والخلود فباء بخسران زيّنه له رأيه الفاسد على أنّه نجاحٌ وفلاح وما أعمى بصيرته إذ يقارن فساده بفساد غيره ويرى نصراً مبينا. هذا الوطن الوديع أهله يستحقّ أفضل من ذلك حكومة ومعارضة. بالله عليكم كيف ستكون الأوضاع أسوأ ممّا هى إن ذهب هؤلاء الحمقى من الحكومة والمعارضة؟ فإن ولاة الجور شرار الأمّة ووزراء السوء أعوان الظلمة وليس أكثر من شرّ الجاهل إن صاحبته ولا يتفاضل النّاس إلا بالعلوم والعقول. نسمع أنّ الوضع سيكون أسوأ لو حدث تغيير، ويضرب البعض بتجارب ليبيا وسوريا واليمن والعراق الأمثلة كأنّ الوضع فى هذه الأقطار متماثلة ضربة لازب، وهو ضربٌ من الوهم صُوِّر كالحقيقة يمضغه من هم فى خوف من فقد مراكزهم أو التعرّض للحساب أو الطمع فى الحكم. أقول، هداكم الله، فى حالة زوال نظام الإنقاذ سيدّعى من حارب ومن عارض النّصر ويطلب الثمن وربما يكون لدى أصحاب السلاح أحلام أن يدخلوا الخرطوم فاتحين منتصرين مدجّجين بالسلاح يطلبون الغنيمة والعرفان لدورهم الذى لولاه، فى نظرهم، ما كانت الإنقاذ لتذهب. ظلهم فى أحلامهم واهمين فلن يدخلوا بلداً ولن يشغلوا منصباً بل إنّ حسابهم لن يقلّ عن حساب أهل الإنقاذ فقد كانوا جزءاً من نظامه وساهموا بسهم واسع فى دمار الوطن. الأولى لهم أن يضعوا سلاحهم إذا ما انتصرت الثورة ويعودوا لرحاب الوطن مثل كلّ بنيه وبناته لا يرجون ثواباً ولا منصباً وإن كان لهم خير فليذهبوا إلى أهلهم ويرفعوا شأنهم عملاً لا كلاماً. والأولى لزعماء الطوائف أن يتركوا ساحة السياسة ويهتمّوا بشأن مريديهم تعليماً واقتصاداً وصحّةورفعاً للوعى. سيأتى الإمام الصادق المهدى يطلب حكماً يظنّ أنّه أحقّ به ويعارضه أهل الميرغنى ويصادمهما أهل اليسار ونرجع كما كنّا لا عمار ولا ثمار. هذه البلاد التى قبابها رايات صلاح فى أركانها، وماء نيلها شراب الفردوس، ونفوس أهلها كلبن الحليب بياضاً ودفأً ولها من خبرات التّعايش ما لم يتوفّر لأىّ أمّة عربيّة أو افريقية. دخلها الإسلام تعايشاً، واختلطت دماؤها اختياراً،ووحّدها حبّ الوطن، فمالِ هؤلاء النّاس لا يرجون لها الخير إذا ذهب الشرّ؟ لا أظنّ أنّ الجيل الجديد سيأتى بأسوأ من عطاء آبائهم وأذكر عدلاً الآباء ولا أذكر الأمّهات فليس لهنّ نصيب فى هذا الإرث الردىء. إنّهم لن يغلبوا حيلة إذا وثقوا فى أنفسهم وإذا أظلم عليهم الدرب فما عليهم إلا أن ينظروا ما فعل الآباء وببساطة يفعلوا عكسه. رأيت فى تسفارى من المواهب ما يملأ السماء نجوماً وأحسب أنّ الوطن فيه مثلهم فلو أنّهم نفضوا يدهم عن كلِّ دعىٍّ يزعم القيادة والحكمة وتعاونوا بينهم واستخدموا علمهم وخبرتهم فى أدوات التّواصل الحديثة لأنتجوا طريقاً جديداً لن يقلّ نضارة ولا جسارة ولا حكمة عن غيرهم من الشعوب التى اختلطوا بها وتربّوا فى أرجائها وتعلّموا حكمتها. ولى ثقة فى أنّ أمثالى ممّن لم يمتهن السياسة لن يضنّ عليهم بالنصح وتحمّل الأمانة فإن كانوا شباب اليوم فهم شيوخ الغد. فيا معشر الشباب لا تنتظروا القيادة وكونوا أنتم القادة، وإن خبرتم من الكهول من قد ترجون خبرته أو خبرتها وحنكته أو حنكتها وقيادته أو قيادتها بناءً على عطائه أو عطائها الفكرى والتّخطيطى فضمّوه أو ضمّوها إلى صفوفكم. كونوا الثورة الدّائمة القائدة، ولا تكونوا وقوداً للثورة يضرمها بكم من لا يهمّه أكثر من استخدامكم للوصول لسلطة وذلك حتى يكون لكم دور الرقابة والإصلاح إذا ما انحرف المسار وضعفت النّفوس وانساقت وراء شهواتها لا وراء مصلحة الوطن. كونوا النّار التى لا تخبو، والصوت الذى لا يسكت، والضمير الذى لا ينام، والقوّة التى لا تضعف، والبصيرة التى لا تعمى، وتذكّروا كيف أنّ أمهاتكم أحببنكم وأردن لكم الخير فلا تُحبّوا أمّكم أمّة السودان وأبوكم وطن السودان أقلّ من حبّ آبائكم وأمّهاتكم لكم. ففى خيره خيرهم وخيركم وفى بِرِّه برَّهم. أوصيكم إذا ما اختلفتم أو احتارت عقولكم في من تُحكِّمون؛ فحكمّوا القانون وساووا واعدلوا بين النّاس ولا تنسوا الفضل فإنّكم لن تضلّوا. قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله ويثبّت ويسدّد خطاكم وثابروا عليها واحرسوها لا يفِلنَّ عزمكم سلاح ولا بائع ضميره بكسرة خبز من زبانية وعلماء السلطان فما القادم بأسوأ من الحاضر ولو زعم المُنجِّمون. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.