السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة المدارس الأجنبية

إن الحديث عن المدارس الأجنبية مهمّ جداً؛ نصحاً للأمة، ومعذرة إلى الله. وليس هذا الحديث خاصاً ببلد دون بلد من بلاد المسلمين.. بل هذه الكلمة صرخة إنذار، وبيان للمخاطر الضخمة التي تتعرض لها البلدان التي فيها هذه المدارس، وهي تحذير للمسلمين الذين ليس في بلادهم شيء من هذه المدارس أن يكونوا على وعي ويقظة وحذر؛ خشيةَ أن يعمّهم البلاء إن دخلت إلى بلادهم، فالخطر محدق فظيع.
والمدارس الأجنبية نوعان: تبشيرية (بل تنصيرية)، وعلمانية، وكل نوع من هذين النوعين أنواع متعددة.
وكلا النوعين يلتقيان في الهجوم على الدين الإسلامي العظيم.
1 المدارس التبشيرية (التنصيرية):
وهي أنواع كما أشرنا؛ فللكاثوليك مدارس، وللأرثوذكس مدارس، وللبروتستانت مدارس.. وهكذا.
وهذه المدارس الموجودة في بلاد المسلمين على أنواعها ترمي إلى التشكيك في الدين الإسلامي وتشويه صورته، وتدعو أبناء المسلمين وبناتهم إلى الانخلاع من الإسلام والدخول في النصرانية، وتسلك في ذلك مسالك متدرجة على طريقة (الخطوة تتلوها الخطوة).. ففي أكثر هذه المدارس يكلَّف الطلبة أن يصلوا صلاة النصارى في صباح كل يوم قبل الدخول إلى الصفوف!
ويغلب على الأساتذة الذين فيها أنهم من القساوسة ومن (رجال الدين) عندهم، ولا يقبلون أن يكون فيها معلم من المسلمين مهما كانت الظروف!
وقد حصل كما أخبرني أحد المفتشين في (وزراة المعارف) بالشام أن معلماً نصرانياً أقعده المرض وخلا مكانه، فبحثوا عمن يحلّ محلّه فلم يجدوا أحداً من دينهم؛ فاقتُرِح عليهم اسم معلم من أبناء المسلمين، ولكنه ليس ملتزماً بالإسلام ولا مؤمناً به، بل هو ملحد؛ فأبوا أن يوظفوه، وقالوا: لا نريد أن يرى الطلاب أمامهم معلماً غير نصراني!
2 المدارس العلمانية:
وأما المدارس العلمانية، وهي أنواع كما أسلفنا، فلكل من الدول الأوروبية والأمريكية مدارس؛ من الفرنسيين والأمريكيين والطليان والإنجليز.. وأمثالهم، وهذه المدارس تقوم على تنحية الدين جانباً. وعندما تقوم هذه المدارس في بلاد المسلمين فإنها تدعو إلى تنحية الإسلام عن حياة الناس الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. هذا أصل تقوم عليه العلمانية. وهم في بلاد المسلمين يبالغون في تحقيق هذا الأصل في مدارسهم؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أنّ الإسلام هو وحده القوة العظمى التي تقف أمام هجمتهم الشرسة على بلاد المسلمين وأمام مخططاتهم الهدامة؛ فهم يريدون إضعاف هذه القوة وإزالتها ليتسنّى لهم السيطرة التامة على بلاد المسلمين.
ومقاومة الاستعمار في كل البلاد الإسلامية التي كانت مستعمرة إنما قام بها المسلمون، وأعداؤنا يعرفون ذلك حق المعرفة.
وتاريخ هذه المدارس في بلاد المسلمين يرجع إلى أكثر من قرنين من الآن. وإنّ وجودها في بلادنا لمن أعظم النكبات التي ابتلي بها المسلمون في العصر الحاضر، وليس من شك في أن كثيراً من أغراضهم الخبيثة الإجرامية قد تحقق لهم.. وا أسفاه!
إذ كانت هذه المدارس جذّابة لبعض الناس؛ لِما كانت تشيع بين الناس من مزايا لها؛ ولأن وراءها دولاً قوية تمدها بالمال والرجال، وقد تكون هذه الدول محتلّة للبلد الإسلامي الذي تقوم فيه هذه المدارس، كما كان الحال في الجزائر وسورية ولبنان وفلسطين والعراق ومصر والمغرب وتونس.. وغيرها من بلدان المسلمين.
وكثير من الوزراء العرب في الدول الإسلامية درسوا في هذه المدارس وتخرجوا منها! وقد تتبعت ذلك بنفسي؛ ذلك لأن الصحف عند تشكيل حكومة ما في العهود الديمقراطية كانت تنشر نبذة موجزة عن ترجمة كل وزير؛ فكنت أجد أن كثيراً من هؤلاء الوزراء درسوا في واحدة من المدارس الأجنبية؛ كالقرير واللاييك والفرنسيسكان، وغيرها من هذه المدارس..، بل لقد فوجئت بأن بعض علماء الدين في بعض البلاد كانوا ممن تخرج من هذه المدارس..! وكذلك الحال مع كثير من رجال الفكر وحملة الأقلام في بلادنا..؛ ف (إنا لله وإنا إليه راجعون).
إنّ نِعَمَ الله التي أنعم بها علينا كثيرة، ولو أردنا أن نحصيها لما استطعنا، ومنها ما أكرمنا ورزقنا من البنين والبنات الذين هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها. قال تعالى يذكر نعمه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72].
وقال تعالى على لسان هود عليه السلام : {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 131 - 135].
وقد أمرنا سبحانه أن نقيهم وأنفسَنا النار التي وقودها الناس والحجارة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
لقد أمرنا سبحانه بما يسعدنا وبما ينجينا مع أهلينا، ونهانا سبحانه عما يشقينا ويهلكنا، وهو سبحانه سائلنا يوم القيامة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].
أجل، سيسألنا عن أولادنا: هل ربّيناهم على حبّ الله وحبّ رسوله وحبّ الإسلام؟ وهل أخذنا بأيديهم للقيام بما أوجب الله عليهم؟ وهل ربّينا فيهم الحصانة التي تحول بينهم وبين المعاصي والمحرمات؟
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه» .
إن دور الآباء والأمهات في تربية الأبناء والبنات دور عظيم، إنّ عليهما أن يوفّرا لهم البيئة الصالحة التي تجعلهم مستمسكين بالإسلام في حياتهم، وأن يوفرا لهم الأصدقاء الصالحين. يقول - صلى الله عليه وسلم - : «المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل» .
وعليهما أن يوفّرا لهم المدارس الفاضلة والأساتذة الفضلاء؛ فللأستاذ تأثير كبير على اتجاه الطالب وفكره وسلوكه، ولذا كان حُسْنُ اختيار الأساتذة من أهم الواجبات على الوالدين، وهذا يتحقق باختيار المدارس الإسلامية الطيبة التي تجمع بين الاتجاه السليم والتعليم المتقدم.
إن المدارس الأجنبية القائمة في بلاد المسلمين معاول هدامة تنفث سمّها القاتل في الفكر والسلوك.
إن الأجانب، من الأوروبيين والأمريكيين، ليسوا حريصيين على تعلمينا لسواد عيوننا، وإنما يريدون من وراء إنشاء هذه المدارس ونشرها في بلاد المسلمين إفسادَ عقول الناشئة والتشكيكَ بأصول دينهم وأحكامه.
وقد ذكرنا آنفاً أنهم بدؤوا بإنشاء هذه المدارس في بلادنا منذ زمن بعيد، وقد انتبه إلى خطر هذه المدارس المصلحون والعلماء العاملون؛ فحذروا الناس منها وطلبوا منهم أن يقاطعوها، وبيّنوا لهم أن من أشدّ أنواع الظلم للأولاد إهمال تربيتهم، وترك تعهدهم بالتوجيه، وعدم تنشئتهم على القيم الإسلامية، وبينوا لهم أن ذلك كله يكون بإدخال أولادهم في المدارس الأجنبية..؛ فجزاهم الله الخير، وهدى الله المسلمين إلى سماع هذه الموعظة؛ المنقذة لهم من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة إن هم أخذوا بها.
ويزعم هؤلاء الآباء المتورطون بإدخال أولادهم فيها أنهم يريدون مصلحة أولادهم، ويظنون مخطئين أنها الأفضل في تعليم أولادهم اللغة الأجنبية؛ فيدمّرون عقيدة أولادهم وأخلاقهم من أجل ذلك، مع أن رغبتهم هذه يمكن أن تتحقق بعيداً عن هذه المدارس.
إنهم مسؤولون عن ذلك بين يدي الله. يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» .
ويقول - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله سائل كلّ راعٍ عمّا استرعاه: حفظ أم ضيع» ، وأخرج البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أدِّب ابنك؛ فإنّك مسؤول عن ولدك ماذا أدّبته وماذا علّمته، وإنه مسؤول عن برك وطاعتك) .
إن أعداءنا حاربونا بالسلاح ولا يزالون يحاربوننا به.. ولكنهم وجدوا أن هذه الطريقة لا تحقق لهم بغيتهم كاملة، فأضافوا إلى طريقة القمع والتدمير بالسلاح الفتّاك تدميرَ الفكر وإفساد الأخلاق؛ فأنشؤوا هذه المدارس.
وإني لأقول: إذا أتقن ولد من أولادنا نحن المسلمين اللغات الأجنبية والعلوم التقنية وأضاع دينه وخلقه كان من الخاسرين الخسارة العظمى؛ إذ كان من الهالكين الخالدين المخلدين في نار جهنم؛ لأن من ترك دين الإسلام ومات على ذلك كان خالداً في النار، والعياذ بالله تعالى.
إنك أيها الأب المؤمن الكريم تخشى على ابنك أن يمسّه الأذى أو يصيبه المرض، بل إنك تخشى عليه أن يبرد في الليل إذا انحسر اللحاف عنه فتسارع إلى تغطيته..؛ فكيف ترضى أن يتعرض إلى ذاك المصير الفظيع؟!.. نسأل الله العافية.
كيف ترضى يا أخي أن يتخرج ولدك من المدرسة الأجنبية وقد تجرد من عقيدته الإسلامية ومن حميّته العربية؟!
كيف ترضى يا أخي أن يخرج ولدك وقد أصبح يرى أن ما تعتقده أنت وأمثالك باطل وأن ديننا هو سبب تخلفنا؟!
قال الأستاذ أحمد حسن الزيات:
«إن الاستعباد المادّيّ دهمنا أمس على يد الآباء، والاستعباد الأدبي يدهمنا اليوم على يد الأبناء.
وشتّان بين استعباد كان عن اضطرار وجهل، واستعباد يكون عن اختيار وعلم. والعبودية العقلية أشدّ خطراً وأسوأ أثراً من العبودية الجسمية؛ لأن هذه لا تتعدّى الأجسام والحطام والعَرَض، ومثلها مثل الجسم يُرجى شفاؤه متى عرف داؤه. أما تلك فحكمها حكم العقل إذا ذهب، والروح إذا زهقت، وهيهات أن يُرجى لمخبول شفاء، أو ينتظر لمقتول رجعة!» .
وقال الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية في مقال نشره في جريدة الوقائع بتاريخ 24 آب سنة 1887م:
«إننا نعيد إنذار الآباء هداهم الله بأن لا يسلكوا بأولادهم في التربية مسالك توجب لهم قلق الفكر وتشويش البال، وأن لا يبعثوا بأبنائهم إلى المدارس الأجنبية التي تغيّر مشاربهم ومذهبهم، وأنّ ما سبق منا نشره في الأعداد الماضية يبيّن أنّ المعاشرة نفسها تؤثّر في العقيدة؛ فلا يؤمَن على الأطفال من تغيير المذاهب» .
وقال رحمه الله :
«إنّ بعض المسلمين يرسلون أولادهم إلى تلك المدارس طمعاً في تعليمهم بعض العلوم المظنون نفعها في معيشتهم، أو تحصيلهم بعض اللغات الأوروبية التي يحسبونها ضرورية لسعادتهم في مستقبل حياتهم». وقال: «ولم يختصّ هذا التساهل المحزن بالعامّة والجهّال، بل تعدّى لبعض المعروفين بالتعصب في دينهم، بل ببعض ذوي المناصب الدينية الإسلامية!
وأولئك الضعفاء أولاد المسلمين يدخلون إلى تلك المدارس الأجنبية في سنّ السذاجة وغرارة الصبا والحداثة، ولا يسمعون إلا ما يخالف أحكام الشرع المحمدي، بل لا يطرق أسماعهم إلا ما يزري على دينهم وعقائد آبائهم؛ فلا تنقضي سنوات تعليمهم إلا وقد خوت قلوبهم من كل عقيدة إسلامية، وأصبحوا كفاراً تحت حجاب اسم الإسلام. ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تُعقد قلوبهم على محبة الأجانب وتنجذب أهواؤهم إلى مجاراتهم، ويكونون طوعاً لهم فيما يريدونه منهم، ثم ينفثون ما تدنست به قلوبهم بين العامّة بالقول والفعل، فيصيرون ويلاً على الأمة ورزية على الدولة» .
ألا فلنتقِّ الله في أولادنا، ولنحذر أن نكون سبباً في ضلالهم.. ومن ثم نكون سبباً في عقوقهم لنا.
هناك حقيقة واقعية دلّ عليها واقع الحياة؛ وهي أن الذي يضيّع أولاده ويتهاون في تربيتهم وإرشادهم، ولا يبالي بدينهم بقي أم ذهب، سيُحرم برّهم، وسيفقدهم في الوقت الذي يكون في أشدّ الحاجة إليهم.
إنّنا لا نريد أن يكون مصير آبائنا وأمهاتنا كمصير الآباء والأمهات في أوروبا؛ يُلْقَوْنَ في مأوى العجزة ولا يتعرّف عليهم أولادهم بالرعاية والعناية والاهتمام والحنان.
إن الطفل لا يبقى طفلاً، بل سيكون عما قريب رجلاً يتبنّى رأياً. وإنّ هذه المدارس تدسّ السمّ الزعاف، ويتجرعه هؤلاء الأطفال الأبرياء، والمسؤول عنهم هم الآباء والأمهات الذين ألقوهم في هذا المكان الموبوء؛ فأخطؤوا وما أصابوا، وخرج هؤلاء الأولاد رجالاً يحققون للدول الأجنبية ما تريد من السيطرة والغلبة، ويسخرون من معتقدات أمتهم وعاداتها: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104].
مرة أخرى أؤكد أن الدول الأجنبية تجتهد في فتح هذه المدارس، وتنفق عليها الأموال الطائلة، لِما ترجو من أنّ هؤلاء الطلاب سيكونون عاملين على إزالة كل العقبات أمام انتشار دينها وسيطرة أهلها على بلاد المسلمين وخيراتهم.
إن تحصيل العلم أمر مهمّ، ولكن شأن العقيدة والخلُق أهم.
وقد أشرنا في صدر هذه الكلمة إلى إفساد هذه المدارس سلوك الطلاب والطالبات الذين يدخلون فيها، ومن عوامل هذا الإفساد الاختلاطُ بين البنين والبنات في كل مراحل الدراسة. ومعلوم أنّ الفتى والفتاة في مرحلتي الدارسة المتوسطة والثانوية يتعرضون، بحكم الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إلى هجمة عنيفة من الجنس؛ وإفساد السلوك أسرع من إفساد الفكر.
أقول: إذا كان هذا الفساد والانحلال مستساغاً عند الأوروبيين فإنّه غير مقبول عندنا معشرَ المسلمين بحال من الأحوال.
وفي بعض هذه المدارس هجوم على اللغة العربية وازدراء لها، ويُمنع الطلاب فيها من التكلم بالعربية، وإذا ضُبط طالب يتكلم بها عوقب؛ زعماً منهم أنهم يريدون تقوية اللغة الأجنبية عند الطلاب، وهذا له تأثير نفسي غير سليم. إن اللغة العربية بالنسبة لنا نحن المسلمين هي الوعاء الذي فيه كتاب ربنا وسنة نبينا؛ فالإساءة إليها إساءة كبيرة.
قد يقول قائل: إنكم تبالغون في تصوير خطر هذه المدارس..؛ فهناك عدد من الأولاد درسوا في هذه المدارس وخرجوا منها وهم محافظون على دينهم وأخلاقهم!
ونقول: إن هؤلاء أتيحت لهم عوامل خارجية جعلتهم يحافظون على عقيدتهم وأخلاقهم؛ لِكونهم يعيشون في أسرة ملتزمة ويتقلبون في بيئة صالحة يتوافر لهم فيها العلم والتوجيه والإرشاد والوعي.. وهذا لا يتوافر لكل طالب. ومهما يكن من أمر؛ فهؤلاء الأولاد قلة إذا قيسوا ببقية الطلبة.. وفي الحِكم الشائعة: أن الشاذ يؤيد القاعدة ولا يخرقها.
وقد يقول قائل: في هذه المدارس عدد من المزايا لا توجد في مدارسنا الإسلامية!
نقول: إن في كل أمر في هذه الدنيا مزايا ورزايا؛ فالعاقل يوازن بين هذه وتلك في كل أمر؛ فما غلبت مزاياه أخذ به، وما غلبت رزاياه تركه واجتنبه.
والرزايا هنا من ضياع الدين والخُلُق أكبر بكثير من المزايا التي يذكرونها. ثم لماذا لا نعمل على إيجاد هذه المزايا في مدارسنا، والإسلام يدعونا إلى ابتغاء الأحسن وإلى أن نتقن أعمالنا التي نقوم بها؟! لماذا لا نصلح مدارسنا ونجعلها جذابة؟
هناك إحصائيات في عدد المدارس الأجنبية مذهلة ومؤلمة.. وهناك بيانات في مناهج هذه المدارس مذهلة ومؤلمة.. وكنت أود أن أُورد نماذج منها لولا أنني رأيت أنها قديمة.؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وبعد، فإن على علماء المسلمين وعلى رجال الفكر والكتّاب ورجال الإعلام أن ينبهوا على هذا الخطر العظيم المحدق بالأمة.
المصدر: مجلة البيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.