عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. (1) تعثّرت مفاوضات اليمن .. لماذا ؟ أهو بسبب غياب الجديّة عند طرفي النزاع. .؟ أهو لضعف أداء الوساطة . . ؟ أهو بسبب ثغرات في قرارات مجلس الأمن، الخاصة باحتواء نزاع اليمن. .؟ أم هو لاجتماع كل هذه الأسباب ، تضافراً سالباً ، لوأد فرص السلام ، والنكوص المُفضي لاستدامة النزاع، ولهلاكِ الأنفس ولاحتراقِ الموارد . .؟ غير أنّي أرى وراء الأكِمة الملتبسة، أشياء قد لا تبين ملامحها للرائي المشغول بتفاصيل الصورة ، فيتجاوز بصره بعض جوانبها المُعتمة. تلك الجوانب الضبابية، هي ما التفت إليها قلمي، وما قد يوافقني أو لا يوافقني بعض قرائي هنا عليها. (2) فيما النزاع في تصاعد دمويّ داخل اليمن ، تدخّلت أطرافٌ في المنطقة، ودفعت بجيوشها لحسم النزاع بهدف إعادة الاستقرار والسلم في تلكم الربوع، غير أن ذلك التدخّل زاد في تعقيد النزاع، وجرّ أطرافاً أجنبية للتدخل بسفور، لدعم الحوثيين ، بما أعطى ملمحاً بيّناً لتناقضات مذهبية بين مدارس إسلامية رسخت تبايناتها عبر حقب تاريخية سابقة. لنكن موضوعيين، ونقرّ بداية أن محاولات التدخل ، سواءً من هنا أو من هناك، قد أغفلت الأدوار التي هي من صميم مسئوليات مؤسسات المجتمع الدولي، كالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والأجهزة المتفرعة منهما، كما هي أيضاً من مسئوليات المنظمات الأقليمية، مثل جامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد وغيرها . ما كان لجامعة الدول العربية أن تلتزم بدورِ المتفرّج، والنزاع اليمني في مبدأه ومنتهاه، نزاعٌ عربيٌّ واضح المعالم. إنّ "عاصفة الحزم" على نبل مقاصدها، قد تجاوزت مظلة الجامعة العربية، والتي من أوكد واجباتها الحفاظ على الأمن والسلم العربيين، ودرء النزاعات العربية، واحتواء تبعاتها. لقد كان للجامعة وجوداً بروتوكولياً في نزاع دارفور في السودان، ولها مُمثل عينته للغرض. في نزاع اليمن، لم نرَ حتى ذلك الوجود البروتوكولي الشبحي على ضعف أثره. وللمراقب أن يسأل كيف وقد ولغت أصابع غير عربية في ذلك النزاع، لم يحييّ ذلك دوراً للجامعة العربية، غائباً بلا مبرر..؟ (3) جانب آخر في النزاع اليمني، وما استتبعه من توغّل لجيوش عربية متعددة في القتال، فإنّ تدخل قوات سودانية يعدّ أمراً لافتا. لعلّ السودان هو الدولة العربية -الأفريقية الوحيدة التي دفعت بقواتها إلى أتون النزاع. والسودان الذي هو من الأعضاء المؤسسين للإتحاد الأفريقي، وأيضاً المنظمة الحكومية للتنمية (الايقاد) في منطقة شرق أفريقيا، قد جازف بمرجعيته الأفريقية في الانخراط في نزاعٍ عربيّ الملامح، متنازلاً عن وضعيته الوسطية غير المركزية بين أعضاء الجامعة العربية، فكان ذلك خياراً صعباً وعسير الهضم. هذا في تقديري تنازل فادح عن دور وسطي لدبلوماسية السودان، تلك التي شكلت منجزات تاريخية راسخة منذ عقود. لم تكن قمّة الخرطوم الشهيرة في عام 1967 وحدها هي المنجز التاريخي ، بل تلك المصالحة التي أنجزتها الدبلوماسية السودانية الوسطية بين مصر والسعودية، والتي وضعت حداً للحرب الدائرة في اليمن منذ أوائل الستينات.. ذات اليمن الذي اشتعل نزاعه في العقد الثاني للألفية الثالثة، وشهد انحياز السودان بكامل دبلوماسيته إلى طرف دون آخر في ذلك النزاع. (4) لعلّ المضيّ في مثل هذا التحليل ، قد يحيلنا لتساؤلات حول أهلية بعض الدول العربية للعب دور الوسيط المحايد في نزاع اليمن، وإن خلصت النوايا فإنّ الانتماء الجغرافي، لن يساعد في تسهيل مهمة الوساطة ورعاية التفاوض. لقد أظهرت الأممالمتحدة حصافة في اعتماد ممثل عنها في نزاع اليمن، أصوله من موريتانيا، البلد العربي-الأفريقي، غير المحسوب من بين دول المركز في الجامعة العربية. وإنْ خلصتْ نوايا الكويت في استضافة التفاوض بين الأطراف اليمنية وتقديم المساندة والدعم لجهود الوسيط الموريتاني، فإنه لن يكون بمقدور الكويت - ولأسباب لن تغيب عن النظر- المضيّ إلى أكثر من هذه الاستضافة البروتوكولية للمفاوضات بين أطراف النزاع اليمني.. (5) نأتي إلى جانب هام، قد لا يبين بوضوح للمراقبين. إنّي وإن كنتُ أرى حاجة المنطقة العربية تحديداً، إلى تحسين بيئتها السياسية، وحقنها بروح لازمة من الديمقراطية وإشاعة الحريات، فإنّ القيادات الكاريزمية التي شاعت في الكثير من البلدان العربية، في عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي، قد غابت خلال العقود اللاحقة. ليس النفوذ وحده ما يمنح مصداقية القبول ، ولكن للكاريزما الشخصية، القدرة الكبيرة على التأثير وإحداث التغيير المطلوب. ما كان السادات مخطئاً حين كان يقول مجازاً عن نفسه: "كبير العيلة". تلك الروح هي التي لم تتوفر للنزاع الدائر في اليمن ، وقد تكتب له تطويلاً غير مستحب ، وتصعيداً يجني ثمراته الأجنبي الغريب. . إن التباس المصائر وتوغل الغرباء في قضايا المنطقة ، يدفعنا للتنبيه لضرورات إعمال الفكر واتباع الحصافة لاكتشاف خيارات الخروج من الأزمات والنزاعات..