الحرب، اية حرب، لاتتوقف إلا عبر طريقين: هزيمة أحد الأطراف هزيمة حاسمة وهذة مستحيلة في الواقع السوداني، والتاريخ في السودان منذ 1955 وحتى الان اثبت ان لا الحركات المسلحة المعارضة ولا الأنظمة الحاكمة استطاعت تحقيق نصر حاسم أدي لإنهاء الحرب وفرض شروط المنتصر. اما الخيار الثاني فهو التفاوض لإيقاف الحرب، وقد حدث ذلك على الاقل مرتين، وبذا يصبح هو الطريق الوحيد، فحتي الإنتفاضة ربما لا تنجح في إيقاف الحرب ونموذج مارس/أبريل دليل على ذلك. إذا، ليس هناك حلا لوقف الحرب إلا التفاوض ولذلك نجد ان موقف حزب البعث واضح واصيل وليس جديدا لأنه نتيجة تحليل وقراءة علمية وموضوعية. وقد كتبنا من قبل انه يجب عدم تحميل الحركات مسؤوليات أكثر مما تستطيع تحقيقه، إلا إذا أراد البعض الإستثمار في الحرب كما يفعل النظام. ولابد من التأكيد بان الامر في هذا الاتجاه لا يتعلق باعتراف بالسلطة بقدر ما إنها أحد الأطراف التي تحمل السلاح. نحن مهمومين جدا بوقف الحرب لأسباب إنسانية وأسباب سياسية. فإستمرار الحرب كل يوم يزيد في إحتمالات ضرب الوحدة الوطنية وتشجيع دعاوي الإنفصال تحت كل أسماء الدلع المعروفة، بل سوف يجعل من الانفصال في لحظه ما مطلب شعبي وقد يعجل به. دعونا من باب التأكيد نجدد القول بان مخرجات أي إتفاق لوقف الحرب يجب أن لا تناقش الحل السياسي الشامل لأن لا الحركات يمكنها أن تدعي بانها تمثل الشعب السوداني فليس هنالك فصيلا سياسيا يملك هذا الحق، ولا السلطة تمثل الشعب السوداني وان ملأت الدنيا ضجيجا محتكرة بالقوة والعنف أدوات تمثيله. من جهة اخرى يجب أن لا يرتبط وقف الحرب بعملية إسقاط النظام، فإسقاط النظام هو عمليه تراكم قد تمتد أو تقصر. ان حزب البعث يطالب بوقف الحرب وبالمقابل يأتي من يقول أن مايحدث في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق لايهمنا، فكيف يستقيم ذلك؟ نحن لا نريد أن نستثمر في معاناه شعبنا، فالمكتوون بالحرب ومخلفاتها لا يتعرضون للغلاء وضعف التعليم والفقر فقط، وانما يواجهون الموت، ويعيشون خارج إطار ما هو إنساني، لذلك يجب أن لا نخضع هذه الظروف والاوضاع لطموحاتنا السياسية. ان إستمرار الحرب ونتائجها يهزم أي دعوة غير إيقافها لانها أصبحت وصمة عار في جبين الجميع. لدينا في حزب البعث رؤية وهي إن حل الشامل للأزمة السودانية الشاملة لن يتحقق في وجود هذا النظام، بل نعتقد أن الشرط الوحيد والمتبقي أمامنا لحل الأزمة السودانية يمر عبر إسقاط هذا النظام واقتلاعه من جذوره وإزالة كل مرتكزات الديكتاتورية، ونعتقد أنه المدخل الوحيد المتاح لغد أفضل، ولذلك نحن مع الإنتفاضة الشعبية المدنيه السلمية، وضد حمل السلاح بفهم حماية الإنتفاضة. ان قوي الإجماع ليس لها اي علاقة بالتغيير المحمي بالسلاح، ولا أعرف من أين أتى البعض بأنها مع الإنتفاضة المحمية بالسلاح، بل نرفض حمل السلاح جملة وتفصيلا ولن نكون جزء من أي عمل مسلح. وكل ذلك لقناعتنا بانه سهل أن تطلق الرصاصة ولكن لاتعرف الي اين يمكن أن ينتهي بك الأمر. نأتي لوجه آخر من المسألة يجب الحديث عنه بصراحة، وهو قول البعض انه "في حالة عدم نجاح التفاوض والتسوية، سوف نلجأ لخيار إسقاط النظام". طبعا هذا كلام يمكن ان يكتب ويقال ولكنه للأمانة يصبح كلاما مضللا جدا وغير واقعي ولا عملي. أولا: عندما تبدأ مفاوضات بين طرفين يجب أن تتوقف كل الأعمال الأخرى، فلا الوسطاء ولا حتي السلطة سوف ترضى بأن تجلس معك وانت تسير المظاهرات في الشارع وتطالب باسقاطها، فهذا لن ولم يحدث، ومفاوضات نيفاشا نموذجا. ثانيا: ان المفاوضات قد تستمر سنينا وهذا امر عادي وبالتالي طول هذه الفترة لا يعمل بخيار إسقاط النظام علي الأرض. ثالثا: ان الواقع سوف يقول إن ثقافة التسوية سوف تحل محل ثقافة الإسقاط وهذا أصبح جليا من الآن، أي حتي قبل أن تبدأ أي مفاوضات. رابعا: ان القرار 456 الذي تستند عليه أحزاب نداء السودان هو في الأصل منصة لإطلاق عملية سياسية لإنتاج تسوية لإيقاف الحرب وادامه السلام. والتسوية هي إتفاق تراضي بين طرفين بمعني أن النظام سوف يكون جزء من المعادلة بكل مكتسباته الإقتصاديه والسياسية ودولته العميقه. خامسا: ان من مكتساب النظام الكبيرة من التفاوض مع قوي المعارضة، هنالك الافلات من العقاب والمحاسبة التي لا نجد لها ذكرا في اي بنود تفاوضية مع كل القوي التي تتفاوض باسم الشعب مع النظام. سادسا: هذا الإتفاق تحت الرعاية الأمريكية وقد أصبحت الحاضن الأساسي لقوى الإسلام السياسي، وبالتالي منوط به إنجاز البنية التحتيه للتفتيت وخاصه تجزئة الكيانات الكبيرة مثل السودان، وانفصال الجنوب هو أول خطوات تفتيت السودان، زائدا إطالة أمد الحرب. ودون اللجوء لنظرية المؤامرة يمكن القول ان المجتمع الدولي يريد استمراريه هذا النظام مع توسيع قاعدة المشاركة واحداث نوع من الإنفراج والانفتاح. لذلك فان الموقف السياسي لحزب البعث ليس به أي غموض بل هو أكثر الأشياء وضوحا في السودان والدليل أن البعث لم يتنقل في موقفه حسب موازيين القوي إنما ظل متمسكا بذات الخط السياسي منذ 30 يونيو 1989. موضوع آخر يؤاخذ عليه البعث يتصل بأن موقفه الذي يدعو السلطه الي التفاوض لوقف الحرب يحرم على القوي السياسية الاخري التفاوض معها، وهي تهمة لا ننفيها وانما شرف نتمسك به فالبعث اصلا ضد أن تتفاوض القوي المدنية مع النظام إلا تحت حالة واحدة هو الجلوس لتسليم السلطه لحكومة انتقالية تحاسب النظام وأركانه وتفكك كل أركان دولة الفساد. نحن لا نحرم على أحد فعل شيء ولا نملك القدرة علي ذلك ولكن نرفض أي حوار مع نظام الإنقاذ. اما بخصوص وقف إطلاق النار الذي أعلنه النظام، فقد أعلنا إن النظام أن كانت له جدية في اعلانه عليه إرسال أطقمه للتفاوض حول فتح المسارات وخلافه حتي لا يكون الأمر مجرد مناورة كالعادة. المسألة التي لا يريد البعض فهمها أننا في حزب البعث نأخذ موضوع إيقاف الحرب بمنتهي الصرامة ونعتقد انه يجب ان لا يخضع لأي مناورات سياسية، فقد اكتفينا واكتوينا من سوءات الحرب. خاتمة: نعتقد أن إسقاط النظام أو تفكيكه لا يمر البتة عبر مفاوضات وحوار معه سواء في الخرطوم أو أديس أو حتي باريس. وهو ما اكده عجز القوي السياسية التي صعدت للحكم بعد انتفاضة مارس ابريل 85 عن تصفية ركائز دكتاتورية مايو بعد سقوطها، مثلما اكده فشل القوي المسلحة والسياسية، والتي شاركت دكتاتورية الانقاذ، بموجب عدة اتفاقيات (الخرطوم للسلام، مشاكوس، ابوجا، نيفاشا، الدوحة، جدة الاطاري والقاهرة،....) فقد فشلت جميعها، منفردة ومتزامنة، من احداث التحول الديمقراطي، وتفكيك دولة الحزب واقامة دولة الوطن وفقا لما رفعت من شعارات واطلقت من وعود. فمتي تتذوق القوى السياسية ملح التجارب وتعتبر؟