نحن نتساءل كيف تطوروا ولماذا نحن التخلف ؟ وما هي الوسائل التي تؤدي الي التطور ؟ هذه الأسئلة التي تطرح نفسها بالألحاح ولكنها لم نجد لها الأجابة المقنعة . إن الشعوب الغربية حينما وضعت أصبعها علي الجرح وفصلت ثقافة الدنيا عن ثقافة الآخرة تجلت لها بوضوح أهمية الأنسان ومكانته الحاسمة في قيادة دفة الحياة , ومواصلة تطورها فكان ماكان من تطور عجيب ومذهل علي مختلف الأصعدة الفكرية والتقنية . ونحن مازلنا مع الأسف نقرأ قصص النجاح هذه الشعوب كأننا ننتمي لكوكب آخر . وقد ذكرت في أحد مقالاتي عن قصة كيف كانت دولة ماليزيا وكيف صارت اليوم , وسنحاول في هذا المقال أستعراض الأسباب والدوافع التي أدت الي تقدم كوريا الجنوبية وتطورها حتي أصبحت في مصاف الدول المتقدمة أقتصاديا في فترة زمنية قصيرة , وكيف أستطاعت هذه الدولة الأسيوية , وهي دويلة ذات موارد محدودة تحقيق معجزة أقتصادية وباتت تغطي منتجاتها الصناعية كافة الأسواق العالمية . وقد بدأت أنطلاقة هذه الدولة منذ الستينات من القرن الماضي , هناك عدة أسباب ذكرها الباحثون أدت الي تطورها , لكن السبب الرئيس لتقدم كوريا وتطورها هو التعليم , الذي أولته الدولة الأولوية من أجل بناء الكوادر البشرية القادرة علي تحقيق النهضة الأقتصادية . وقد أتخذت من اللغة الكورية أداة للنفاذ الي مصادر المعلومات وأقامة مجتمع المعرفة – حيث فرضت الدولة التعليم الأجباري لمدة تسع سنوات من الأبتدائية حتي نهاية المتوسطة , ويغرس التعليم الكوري في نفوس الطلاب ثلاثة قيم رئيسية هي: 1 – الصدق 2 – الجد في العمل 3 – الأبداع لكن يبقي السؤال لماذا تميزت كوريا ؟ فالعديد من دول العالم الثالث ومن ضمنها الدول النفطية في الخليج مثلا وقد أولت التعليم أهمية خاصة ولكنهم مازالوا في العالم الثالث بدون أي تطور ولاتقدم في أي مجالات تذكر . أذن ماهو الفرق بيننا وبينهم ؟ يعود تميز التعليم في كوريا الجنوبيةواليابان الي حقيقة أهتمام الدولة بالمدرسين في المرحلة الأبتدائية , فأختيار المدرسين للتدريس في تلك المدارس يتم عبر إنتقاء أفضل 5 % من الخريجين المتوفقين لتدريس المرحلة الأبتدائية حتي يكون أساس التعليم قويا من البداية , فحرصت كوريا علي المدرسين المتميزين عن غيرهم . ففي سنغافورة وهي من النمور الأسيوية الجديدة في مجال التعليم يتم أختيار المدرسين للمرحلة الأبتدائية من 30 % من الطلبة الأوائل وللمعلم في اليابان مكانة أجتماعية خاصة أذ تعتبر مهنته أفضل مهنة عند اليابانين . هناك مقولة مشهورة في اليابان تفيد تقديس مهنة التعليم وهي ما يردده الطلاب ( أجعل المسافة بينك وبين المعلم سبع خطوات حتي لا تخطو فوق ظله ) مما يدل علي حرص الدول الأسيوية بالمعلم اولا وثانيا أهتمامها بالمرحلة الأبتدائية للتعليم لأن التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر . أما نحن في أفريقيا والعالم الثالث بشكل عام فقد تخلف التعليم لدينا لأننا لا نهتم بالمراحل الأبتدائية للطلاب بل نزج مئات التلاميذ في فصول غير مهيئة ويتم تلقينهم معلومات من عصور الوسطي لا يفيدهم في حياتهم العملية ولا أدني أهتمام بالمعلمين الذين يصنعون الأجيال . بينما في الدول الغربية يتطلب حصول المدرس في المرحلة الأبتدائية علي شهادة الماجستير لتدريس هذه المرحلة . نذكر جيدا أن أغلب المدرسين في مرحلة الأبتدائية كانوا وما زالوا يتخرجون من ما يسمون بمعاهد التربية يسمح بقبول الطلاب الذين أنهوا المرحلة المتوسطة والذين لم تمكن درجاتهم من دخول المرحلة الثانوية , ويتم تدريس لمدة عامين يتم تخريجهم لتدريس المدارس الأبتدائية , أكيد يدرك القاريئ الفرق الكبير بين أهتمامنا نحن في العالم النائم وبين أهتمام الآخرين في مجال التعليم . أذا حاولنا فعلا الأستفادة من التعليم للتنمية البشرية بالضرورة حصر الطلبة الذين يدخلون كلية التربية علي الطلبة المتوفقين مثل ما هو معمول به في قبول طلبة كلية الطب . ما هو أثار التعليم الجيد علي كوريا كمثال وكيف تطورت أعتمادا عليه , كوريا كما ذكرنا لا يملك ثروات طبيعية فهي تستورد ما قيمته 256 مليار دولار من المعادن والطاقة ثم تحويلها بالعلم والتكنولوجيا الي معدات ألكترونية وثلاجات وسيارات وهواتف ذكية وتلفزيونات وغيرها ويصدرها للخارج بقيمة 488 مليار دولار حتي أصبحت متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي 20 الف دولار سنويا . التجربة الكورية تستحق الأشادة منا أذ أستطاعة هذا البلد أن يتحول الي دولة صناعية في فترة لا تتعدي الخمسين عاما بفضل أهتمامه بالتعليم الجيد وتنمية القوي البشرية . أنطلاقا من هذه المفاهيم ومن أجل استفادة تجارب الشعوب في النهضة يجب ان ندرك نحن ايضا إن التعليم هو الركيزة الأساسية لبناء الفرد وتكوين شخصيته وتنمية قدراته , كما يعد التعليم في غاية الأهمية لتطوير المجتمعات وبناء الدول التي تهدف الي التقدم والرقي . أذن يجب علينا مراجعة مناهجنا الدراسية وطريقة أختيار المعلمين وبوصلة التفكير ومنهجيته وأساليب العمل وتحرير العقل للقراءة المتزمتة للدين وأخذ بوسائل الحديثة التي يفتح أفاق العقل المبدع حتي نتمكن من اللحاق الأمم التي سبقتنا في مجالات شتي . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.