بتاريخ 18/2/2009 وفي أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن ، توفى الروائي السوداني العربي العالمي الطيب صالح عن عمر ناهز الثمانين وبتاريخ 20/2/2009 أعيد جثمانه إلى السودان ليتم دفنه في مقابر البكري بإمدرمان العاصمة الشعبية للسودان وسط أجواء من الحزن الشعبي والرسمي. إن مسار حياة الطيب صالح التي تتابعت فصولها ما بين الخرطوموالدوحةولندن ثم موته في لندن البريطانية ودفنه بأمدرمان السودانية ينطوي على عبر ودروس حياتية وأدبية فذة جديرة بالاعتبار. أولى هذه العبر هي أنه لا كرامة لنبي في وطنه ، فقصة حياة الطيب صالح التي تجسد هجرة الشرقي إلى بلاد الغرب أو هجرة الجنوبي إلى بلاد الشمال هي تجسيد فعلي لذلك ولعل ضيقه بتناقضات الحكم في بلده هو الذي دفعه إلى قول عبارته الشهيرة (من أين أتى هؤلاء؟!) وسوف تظل هذه العبارة بلا ريب أبلغ عبارة قيلت في النقد السياسي في العصر الحديث، ومع أن الأديب الكبير قد فضل الحياة بعيداً عن قومه فهو قد فضل الموت بينهم في نهاية المطاف وكأن لسان حاله يقول: بلادي وإن جارت عليا عزيزة وقومي وإن ضنوا عليا كرام! ثاني هذه العبر أن الطريق الوحيد للأدباء العرب للانتقال من المحلية إلى العالمية لا يمر إلا عبر بلاد الغرب فلولا ترجمة روايات الطيب صالح وعلى رأسها رواية موسم الهجرة إلى الشمال إلى الإنجليزية ولولا تصنيف هذه الرواية من قبل أهل الغرب باعتبارها ضمن أفضل مائة رواية عالمية بسبب توثيقها الأدبي للعلاقة الجدلية بين الشرق والغرب لما عمت شهرة الطيب صالح الآفاق ولما راح العرب يعتزون بأدبه ويفتخرون بإنتمائه لهم! ثالث هذه العبر أن إعجاب الطيب صالح الشرقي الأصل والثقافة بنمط الحياة الغربية وتفضيله الإقامة الدائمة بمدبنة لندن العصرية وزواجه بإنجليزية قحة لم يحل دون تنفيذ وصيته بنقل جثمانه ودفنه في أمدرمان العاصمة الشعبية السودانية حيث نشأ وترعرع وحيث موطن أهله وعشيرته مما يؤكد أن الطيور المهاجرة شمالاً لا بد أن تعود إلى مواطنها في الجنوب لأن الجذور الثقافية أقوى من الموت ولعل ذلك هو ما أمنت عليه رواية موسم الهجرة إلى الشمال حينما عاد بطلها مصطفى سعيد بعد صولاته وجولاته في بلاد الغرب ليستقر في إحدى القرى النيلية الصغيرة في شمال السودان! إن إظهار الحزن على موت الأدباء العظام وتدبيج خطب النعي البليغة لا يكفي أبداً لتخليد ذكراهم ولعل أبسط طريقة لرد الجميل الأدبي للراحل العظيم هو أن تقوم الجهات الأدبية في العالم العربي بإنشاء جائزة الطيب صالح للرواية العربية لتكون بمثابة صدقة أدبية جارية تخلد ذكراه من جهة وتساهم في تطوير الانتاج الروائي العربي من جهة أخرى وإلا فسوف ينطبق علينا قول الطيب صالح رحمه الله : من أين أتى هؤلاء! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر