تقع مملكة وداي الأسلامية الجزء الشرقي والشمالي من دولة تشاد الحالية , وكانت عاصمتها مدينة وارا ولكن فيما بعد نقلت العاصمة الي مدينة أبشة الحالية . تبدأ تاريخ مملكة وداي الحديثة منذ عام 1615 م كما ورد في المصادر التاريخية , ولكنها نشأت في حوالي القرن العاشر الميلادي. وقد تعاقبت عدة جماعات في حكم هذه المملكة قبل مجيء الفقيه عبدالكريم بن جامع سنة 1615 م ومن الجماعات التي حكمت هذه المنطقة وفقا لمصدر( السندات الذهبية في تعريف المملكة القديمة والمملكة العباسية منقولة من أكابر الشيوخ سنة 1335 هجرية من أرض الحجاز ) الهلاليين أستمر حكمهم لمدة 91 سنة , وتلاهم العمالقة لمدة 90 سنة يقال أنهم هلكوا بمرض الطاعون ثم تلاهم الزغاوة لمدة 92 سنة , والمراريت لمدة 60 سنة, والسنيا لمدة 94 سنة وأرتحلوا الي الفتري , ثم جاء عرب بني هلبة وحكموا لمدة 95 سنة , ثم تلاهم التنجر لمدة 99 سنة الي أن أنتزع حكمهم من قبل عبدالكريم بن جامع العباسي الذي أستولي علي السلطة بمساعدة قبائل كدوك ومابا ومالانقة وعدد آخر من الأنصار وقد أستمر النظام الذي أسسه عبدالكريم بن جامع حتي اليوم يتوارثه آباء عن أجداد بشكل تقليدي . وقد كتب المؤرخ التونسي محمد بن عمر في كتابه ( تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد الغرب والسودان ) عن أصل السلطان عبدالكريم بن جامع وأنتسابه للعباسيين , وكتب يقول ( أني أستوطنت دار وداي وصليت الجمعة في مسجدهم الكبير , سمعت الأمام حين يدعو للسلطان في الخطبة يقول : اللهم أنصر السلطان محمد عبدالكريم بن السلطان محمد صالح بن السلطان محمد جودة بن السلطان صليح ) ولما سألت مسنيهم هل أحد يعرف كيف كان أبتداء أمر السلطان صليح والي اي قبيلة ينتسب ؟ فأختلفت الأراء فبعضهم قال هو سناوي من قبيلة يقال لها السناوية نسبة الي الجبل عندهم يقال له أبو السنون . ثم أنني رأيت في خاتم السلطان محمد عبدالكريم صالح العباسي فبحثت عن هذا النسب الشريف من أين وصل الي هؤلاء الأعجام حتي أمتزج بهم وصار الكافة منهم , فمن قائل يقول أن هذا النسب مفتري وأنه لا علاقة له بالعرب , ومنهم من قال إن هذا النسب حق إلا أنه لا نعلم وقت دخول فينا , ثم سألت ( الكلام للتونسي ) العقيد أحمد من رؤساء الدولة ودهاتهم فأخبرني أن أحد امراء الدولة العباسية بعد غزو التتار علي مدينة بغداد فر الي الحجاز واستوطن بها حتي ولد له فسمي ولده صالح , فلما كبر صالح اجتمع مع بعض حجاج وعلماء سنار وهي مدينة في السودان وكان صالح فقيها ورعا عابدا فأحبوه وكان صالح هذا رجلا كثير السياحة في البلاد , فحكوا له علي بلدهم وما فيها وشوقوه لرؤيتها فتوجة معهم اليها , ولم يطل المقام بها لما رأي بها من الفسق والفجور , فخاف علي نفسه وسافر وتنقل في سياحة من بلد الي آخر حتي نزل بجبل السنون بأقليم وداي . وكان سكانه مجوسا لا يعرفون الأسلام ولا أي دين سماوي آخر , فدخل بينهم وصار يعبدالله ويصلي ويصوم ويكثر من الذكر والقراءة فأحبه السناويون وسألوه لأي شيء يفعل ذلك , فقال عبادة الله , فقالوا له وما هو الله , فقال الذي خلق السموات والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والكواكب والأشجار والأنهار , فهداهم الله علي يده واسلموأ , فعلمهم سورا من القرآن الكريم والصلاة والصيام حتي تمكن الأيمان من قلوبهم , وكانوا طائفة عظيمة فسموه شيخا , وكان يأخذ الزكاة من أغنيائهم فيغدقها علي فقرائهم , ثم قال لهم أن الله أمرنا بالجهاد فهلموا نجاهد من لم يوحدالله فأجابوه , فخرجوا معه الي أقرب طائفة بجوارهم , فارسل لهم رسولا يدعوهم الي الأسلام فأسلموا وذهب الي طائفة أخري فأسلمت وهكذا حتي أسلم منهم أربعة طوائف من عظماء الوداي وهم أهل المملكة الآن . وبهذه الطريقة دخلت أهل وداي الي الأسلام , وصار صالح ملكا لهم وأنتشرت الخلاوي القرآنية ومعاهد العلم أنتشارا كبيرا في مملكة وداي الأسلامية بفعل مجهودات السلاطين والعلماء المهاجرين من المغرب ومن السودان . وتتميز مملكة وداي عن رصيفاتها بكثرة حفاظها وقرائها منذ امد بعيد ويتسابق الالآف من القراء للحصول علي لقب القوني ومعناه الشخص الماهرفي تلاوة وحفظ القرآن الكريم . وكانت منطقة ( شوقينق ) أشهر منطقة في أفريقيا جنوب الصحراء للتحفيظ القرآن الكريم وقد تخرج أغلب فقهاء ( فكي ) الزغاوة الأوائل من هذه المنطقة ولا زال أهل وداي يهتمون أهتماما كبيرا بتحفيظ أبنائهم وبناتهم القرآن الكريم , وعندما يختم القرآن الكريم يقام له حفل تكريم كبير توزع فيه الهدايا ويفوز المعلم بنصيب الأسد من الجوائز . وكذلك انتشر في مملكة وداي الأسلامية مهنة نسخ القرآن الكريم بصورة واسعة ولا تزال هذه المهنة تمارس بشكل كبير , برغم ظهور مطابع حديثة الخاصة للقرآن الكريم .وأشتهرت بكثرة المساجد وأشهرها جامع السلطان الذي بني عام 1076 م هجرية ومازال قائما حتي الآن ويعرف اليوم بمسجد ابشة العتيق . ولهذا السبب لما دخل الأستعمار الفرنسي الي تشاد وأحتل وداي وأقاموا الحواجز وقطعوا صلاتها بالخارج أخذوا ينكلون بالعلماء وقد أعدم الفرنسيون عام 1917 ( 400 ) عالم اٍسلامي في مدينة أبشة وكانت هذه المذبحة من ضمن المخطط لمحاربة الأسلام , وقد عرفت هذه المجزرة تاريخيا ( بمذبحة كبكب ) ويقال السبب أن أحد علماء المسلمين أصدر فتوة مفادها أن من قتل نصرانيا دخل الجنة . ولما وصل أخبار هذه الفتوة للسلطات الفرنسية قرروا الأنتقام بهذه الطريقة . وقد قاوم أهل الوداي وسلاطينها الأحتلال الفرنسي مقاومة عنيفة وقد تزعمها السلطان دود مرة سلطان مملكة وداي في ذلك الوقت , بالتعاون مع الطائفة السنوسية والسلطان تاج الدين سلطان دار مساليت وأستطاعوا هزيمة القوات الفرنسية في عدة مواقع وأشهرها موقعة ( بئر طويل ) في 4 يناير عم 1910 حيث قتل القائد الفرنسي . وكان لهذه الهزيمة صدي هائل في فرنسا .وفي نوفمبر 1910 وعلي مقربة من قرية دورتي , دارت معركة شرشة بين القوات الفرنسية والمقاومة الشعبية بقيادة السلطان دود مرة حيث أستشهد السلطان تاج الدين في تلك المعركة , كما قتل ايضا القائد الفرنسي المقدم ( مولي ) وعدة ضباط أخرين , وفي نفس العام تم أسر السلطان دود مرة بعد مقاومة شديدة أستمرت أكثر من 9 سنوات أي الفترة من 1902 الي 1911 م فأخذوه أسيرا حيث قضي بقيه عمره في سجون فرنسية بمدينة فورت لامي ( انجمينا الحالية ) وجدير بالذكر أن معظم سلاطين الكيان وخاصة سلاطين دارالكوبي وكبكا كانوا يتم تتويجهم كسلاطين لمناطقهم من قبل سلاطين مملكة وداي بأعتبار ان منطقة دار الكوبي كان يتبع أداريا لمملكة وداي قبل الأستعمار وقبل أستشهاد السلطان الشهيد عبدالرحمن فرتي الذي تم أغتياله من قبل قوات الأستعمار الفرنسي . وبعد سقوط مملكة وداي للقوي الأحتلال الفرنسي وضمها الي دولة تشاد وتحديد الحدود الدولية مع الأنجليز مما أدي ذلك الي تقسيم دارالكوبي ودار كبكا , وصارت دار الكوبي وكبكا جزء منها في السودان والجزء الآخر في تشاد , وبذلك انتهت سيطرة أهل الوداي لهذه المنطقة . ولذلك نجد ان السلطان دوسة عبدالرحمن فرتي تم تنصيبه من قبل السلطان علي دينار والسلطان حقارتيراب من قبل السلطات الفرنسية والسلطان حسن برقو من قبل السلطات الأنجليزية والسلطان عبدالله برقو من قبل السلطات الفرنسية . وقد بلغت سلسلة عدد السلاطين الذين حكموا مملكة وداي منذ السلطان المؤسس عبدالكريم بن جامع عام 1615 حتي الآن 22 سلطانا وآخرهم هو محمد أبراهيم عراضة الثاني الذي تولي السلطة قبل بضع سنوات , بعد وفاة والده السلطان ابراهيم محمد عراضة وهم جميعا من نفس العائلة التي حكمت مملكة وداي منذ القرون وهم ينتسبون الي صالح العباسي . هكذا وقد لعبت مملكة وداي دورا هاما في نشر الأسلام في تشاد والمحافظة علي الوجود الأسلامي , رغم الظروف الصعبة التي فرضتها قوي الأستعمار , ومع ذلك أستطاعت أن تؤسس المعاهد الدينية والمدارس العربية وأهمها المعهد العلمي بمدينة أبشة التي تم أنشاؤها عام 1946 م ومعهد التربية الأسلامية سنة 1954 م والمركز الأسلامي في سنة 1955 م ومعهد الثقافة الأسلامية في سنة 1955 م ومعهد النهضة العربية في سنة 1958 وقد تخرج من هذه المعاهد عددا كبيرا من كوادر تشاد(البليك ) أي الذين يجيدون لغتين الفرنسية والعربية أمثال محمد عبدالرسول مدير عام المراسم برئاسة الجمهورية الأسبق وسفير تشاد لدي اللمكة المغربية حاليا , ومن الذين درسوا في مدارس مدينة أبشة فخامة الرئيس إدريس ديبي اتنو . وقد أزدهرت التجارة في منطقة وداي وذلك في أعقاب تأسيس مملكتها الأسلامية في القرن السابع عشر أذ زارته الوفود والقوافل التجارية من دار فور وفزان وبرقة وطرابلس , وتبعا بهذه الموجة التجارية , وصل الي وداي في عام 1750 م جمع من التجار ( الجلابة ) قادمين من السودان فأسكنهم السلطان محمد جودة في منطقة يطلق عليها ( نمرو ) , وبمرور الأيام تمكن هؤلاء التجار من الهيمنة علي تجارة القوافل التجارية بين مملكة وداي ومملكة باقرمي ومملكة كانم من جهة وبين دار فور وكردفان من جهة أخري , وذلك بفضل خبرتهم التجارية , وبالتالي كانت لهم اليد الطولي في التجارة عبر منطقة وداي , كما كان لأقليم وداي شهرة تاريخية من حيث كانت عاصمتها أبشة تعد سوقا كبيرا لمنتجات دار فور ووداي معا . وكانت السلع المحلية المتبادلة في الأسواق هي المنتجات الزراعية والغلال والفواكة والبقول والخضروات والمواشي ومنتجات الألبان والتمر وعسل النحل والصمغ والملح ونخيل الدوم والعطرون والبوتاس اللذان يسخرجان من بحيرة تشاد والأواني الفخارية والحديد والذهب وسن الفيل وريش النعام والسمك المجفف والجلود وخشب الأسرة والفؤس والمحاريث ( كدنكة ) والحراب الأقمشة القطنية التي تنسج بالأيدي محليا . وكانت السلع والبضائع التي ترد الي تشاد من الخارج والتي لها رواج كبير في الأسواق المحلية هي الخرز بأنواعه وألوانه المختلفة والياقوت والمرجان والصدف والودع والأساور الفضية والنحاسية والأقمشة القطنية والحريرية والكتان والصوف والطرابيش والعمم والخيوط والأبر والأمواس وملح الطعام والسيوف وكتب الشريعة والورق والحبر والكبريت والعنبر والمرايا والمسك والطيب والبهارات والتوابل والأحذية والشاي والسكروالسجاجيد والأسلحة النارية والقوارير والعقاقير الطبية وغيرها من السلع . وقد تم تقسيم منطقة مملكة وداي الأسلامية الآن إداريا الي عدة ولايات , كولاية وادي فرا, وولاية دار سيلا وولاية وداي وولاية السلامات وولاية البطحا وولاية بركو وولاية انيدي الشرق والغرب وولاية تبستي , وتم ربطها بشبكة الطرق القومية وأنشاء عدة جامعات ومعاهد عليا ومدارس بمراحلها المختلفة . وصارت أبشة ثاني أكبر مدينة في تشاد من حيث عدد السكان والمساحة وتعرف بأنها العاصمة الثقافية . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.