إضاءة على المناخ العام في ممكلة الفونج «1504م 1821م» { يؤكد المؤرخون بأن أصل الفونج عُرف من بني أميّة.. ومن أدلة عروبتهم أن السلطان العاشر منهم ذكر نسبهُ على أنه هو: المهاجر بن مرامة بن مدين ابن دهاشر بن حذيفة بن مروان بن عبدالحكم بن معاوية بن اليزيد. { وقد تأسست مملكةُ الفونج في أول القرن السادس عشر الميلادي. { وكانت في السودان إلى جانب مملكة الفونج مملتكان: مملكة تقلي التي تأسست سنة 1570م واستمرت حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وسلطنة دارفور كان عهدُها من سنة 1637 إلى سنة 1875م. وظلت مملكةُ الفونج عبر التاريخ، من أشهر الممالك في السودان. وكانت هي وحدها التي وصل إلينا شعرُ شعرائها، إذ لم يُعرف شعر المملكتين الأُخريين. ومما يُحمد لعهد الفونج أن عبدالله جماع الذي أسس المملكة مع عمّارة دُنقس حيث استطاع أن يجمع القبائل العربية ويُوحدها في دولة واحدة، ومن ثم جاء تلقيبه بجمّاع! ومنذ ذلك الحين بدأت تبرزُ في السودان أهمية جمع الصفوف وتوحيدها من أجل المصلحة العُليا للوطن. ومن مظاهر عناية واهتمام مملكة الفونج بالإسلام واللغة العربية، أنها قرّبت إليها كثيراً من العُلماء والمتصوّفة، ودعتهم للحضور إليها في سنار، فتجمّع حولهم طُلاب العلم والتصوّف من نواحي السودان المختلفة، ومن خارجه.. وقد اشتهر من بين عُلماء المملكة ومتصوفتها كثيرون، وكانت لبعضهم مؤلفات وشروح. ومن هذه المؤلفات كتاب «الجواهر» وهو عن أركان الإيمان من تأليف أرباب العقائد، وكذلك شرح عدد منهم «أم البراهين» لمؤلفها أبي عبدالله محمد السنوسي وكان متصوّفاً. ومن الذين تولوا شرحها: أحمد بن عيسى الأنصاري الخزرجي، والمضوي محمد بن اكداوي بن محمد المصري، وعبدالقادر البكاي، ومحمد بن عمران وإبراهيم بن بقادي على بن حمودة الكاهلي، ومختار بن محمد جودة الله، وآخرون لا يتسعُ المجالُ هنا لذكرهم جميعاً. وكلُ المؤلفات والشروح لأمهات الكتب في مملكة الفونج تدل على مدى الاهتمام بالدراسات الإسلامية والعربية في ذلك العهد، كما يدلُ على نوع التعليم الذي كان يتلقاهُ الطُلاب وقتئذ.. ويدلُ كذلك على المستوى الرفيع للعلم.. ولمعرفة صُنوف العلم التي كانت تُدرّس في مملكة الفونج، نجدُ إشارات لها في الأبيات التي امتدح بها الشاعر علي ولد الشافعي أستاذه عمّار بن عبد الحفيظ بقوله: فقهٌ.. وتفسيرُ الحديث ومنطقٌ وبديع علم.. والمعاني.. لدار لغةٌ.. ونحوٌ.. والبيانُ وصرفه علمُ الكلام به.. جلا.. لغُبار علمُ التصُوّف طال فيه يا فتى وقتٌ به.. للسادة.. الأبرار { ومن شعر مملكة الفونج المرثية التي رثى بها الشاعر إبراهيم عبد الدافع صاحب كتاب «الطبقات» محمد ضيف الله، وهو يقول في أحد أبياتها: كريمُ طباع ثم سمحُ شمائل بأسلافه الماضين في ذلك اقتدى! { المرجع: كتاب «تُراث الشعر السوداني» صادر عن معهد البحوث والدراسات العربية، تأليف الدكتور عز الدين الأمين