نحب ان نؤكد لجميع الاخوان والاخوات الذين يطيب لهم ان يذكروننا بان الانتخابات الرئاسية القادمة سوف يتم تزويرها، ويذكروننا انه لا امل فى ان يفوز بها اى مرشح خلاف مرشح الحزب الحاكم، نحب ان نؤكد لهم باننا على علم تام بكل ذلك، كما اننا نعلم تماما ان بعض اعضاء المؤتمر الوطنى لديهم خبرة طويلة فى مثل هذه الافعال المشينة. بل نعلم اكثر من ذلك، عن عيوب أساسية فى قانون الانتخابات وفى الدستور الانتقالى. نعم، نحن على علم بكل ما يقال عن تزوير الانتخابات، ولكننا نعلم ايضا ان الحزب الحاكم قد ارتفع درجة نحو عالم اليوم، وارتضى ان ينازل خصومه فى صندوق الاقتراع وارتضى ان يستعمل البطاقة الانتخابية بدلا عن البندقية ، بعد ان اتضح له بان السودانيين قوم لا يمكن قهرهم. هذا تقدم كبير خاصة اذا تذكرنا ان هذا الحزب كان يردد بكل جراة بان من يريد تغيير الحكومة فعليه بان يتعامل معهم بالبندقية. هذا تقدم كبير فعلا، ولكن يبقى هناك موضوع الاساليب الملتوية، والكذب، ومخالفة اصول المنافسة، والتزوير، وشراء الذمم، والتى هى اساليب اساسية عند اعضاء الحزب الحاكم، وقد ظلوا عليها طوال فترة وجودهم فى السلطة، ومارسوها خلال فترة الحرب، وتمادوا فيها لدرجة ادهشت العالم أجمع، فقد سبق للحزب الحاكم أن خالف كل اعراف وقوانين الحرب، اثناء حربه مع الجيش الشعبى فى جنوب البلاد، وأيضا اثناء حربه مع حركات التمرد فى الغرب، فاسرف فى تقتيل الابرياء وحرق القرى، ولكن كل ذلك لم ينفعه فى ميدان الحرب ، ولم يمكنه من تمرير مخططه. مما جعله يقبل بالانتقال الى ميدان الحوار فما بالنا اليوم ننادى بترك الميدان بذريعة ان المؤتمر الوطنى سوف يمارس الغش والخداع. فهل نفعهم غشهم وخداعهم فى الماضى؟ أم ان المنادين بمقاطعة الانتخابات يريدون الرجوع لميدان الحرب؟ فالاحجام عن السير فى طريق ممارسة الانتخابات بدعوى ان جهة ما سوف تقوم بتزويرها، لا يُقبل الا من السائرين فى الطريق الآخر وهو طريق الحرب. اما القاعدين على هينتهم ، الذين اعتادوا ان يأتوا لكراسى الحكم دون جهد وتعب، ودون اختبار وتمحيص، ودون سفر وترحال لجميع انحاء السودان، ودون ندوات وتجمعات للمواطنين ليطرحون فيها تصوراتهم، وليناقشونها معهم، ودون الدخول فى مواجهات لاثبات كفاءتهم ، فهؤلاء لا يُقبل منهم دعوتهم لمقاطعة الانتخابات، بل ان دعواتهم هذه لمقاطعة الانتخابات والتى يطلقونها اثناء حفلاتهم، ووسط اهليهم، ومن منازلهم العامرة، ومكاتبهم الوثيرة، لا تدل الا على عدم استعدادهم لبذل الجهد المطلوب، كما تدل، أيضا، على خوفهم من عقبات السير فى طريق المطالبة بالديمقراطية. المجهود المطلوب اليوم اخف كثيرا من المجهود الذى تم بذله فى المعركة التى خاضها قائد ومقاتلو الحركة الشعبية، وهو اخف كثيرا من معاناة السودانيين من سكان اقليم دارفور، فهو مجهود لخوض معركة سلمية ، من اجل تثبيت الحقوق الأساسية التى اكتسبها الشعب خلال مسيرته، وهى معركة ليس من المؤمل ان ينجلى غبارها غدا، وليس هدفها الاكبر هو مجرد الحصول على رئيس جديد ، يختلف فى مؤهلاته عن عمر البشير، وانما هى فى المقام الاول لتثبيت مكتسبات الدستور الانتقالى واتفاقية السلام الشامل، وتثبيت مكتسب حق السودانيين فى انتخاب رئيسهم، وضمان ان الشعب يمتلك حق تغيير رئيسه كل اربع سنوات، وضمان ان الشعب يعرف كيف يستعمل هذا الحق، وضمان ان الشعب قد ابتدأ فى الممارسة التى تكسبه الخبرة المطلوبة لتأسيس الحقوق ومن ثم العمل على تطويرها فى مضمار العدل والحرية. معركتنا اليوم انما هى مسيرة نحو الدستور ، فالدستور لا يُكتب بمعزل عن عامة الشعب ، وانما يُكتب لتأسيس مكتسبات الشعب، ثم تعبيد الطريق لمواصلة المسيرة نحو مزيد من الحقوق. وأول ماتبدأ به هذه المسيرة، هو حشد السودانيين وراء مكتسبات الدستور الانتقالى، وتنويرهم باهمية ممارسة الديمقراطية وبعث الامل فيهم بامكانية تحقيق دولة تقوم على العدل والحرية، ثم تتصاعد هذه المسيرة لتشمل تقديم طعون حول قانون الانتخابات، ثم تتصاعد درجة اخرى لتقديم طعون فى المرشحين الذين نعرف عنهم ما يضعهم فى موضع مخالف لمنطوق قانون الانتخابات ، مثال ذلك ، يمكن ان نتقدم بطعون فى ترشيح اشخاص ينادون بشعارات قد تقوض الدستور او تهدد وحدة البلاد. وان نضع فى اعتبارنا تنوير، وتدريب المواطنين على ممارسة الديمقراطية ، وفتح أعينهم على مستلزماتها، ثم يمكننا، أيضا، ان نتسجل ، فرادى، وجماعات، كمراقبين للانتخابات، علما بان مراقب الانتخابات لديه الحق الكامل لمراقبة تطبيق القانون فى الحملة الانتخابية، ويمكننا ان نعقد ندوات عن مخالفات الحملة الانتخابية، وأن نفتح بلاغات ضد المرشحين الذين يرفعون شعارات للتفريق بين الناس حسب دينهم او معتقداتهم، واضعين فى اعتبارنا ان هدفنا انما هو وضع اسس صحيحة لممارسة الديمقراطية. فالشعب لا بد له من السير فى طريق الديمقراطية، وهو طريق لا يمكن اجتيازه بالقفز عبر محطاته، كما علمتنا التجارب، وانما يكون بقطع كل الخطوات المطلوبة، واحدة واحدة. هل هذه دعوة للمشاركة فى عمل لن تكون نهايته الا اعطاء شرعية لهذا النظام الحاكم؟ لا أظن ذلك، وانما هى دعوة لبدء العمل لتوعية الشعب، وهى دعوة لكل قيادات المعارضة، خاصة من وسط وشمال السودان، للارتفاع لمستوى التحدى وبدء العمل وسط الشعب لطرح افكارهم وخططهم، وعدم الاكتفاء بالتصريحات الصحفية المقتضبة، الملتوية، التى لا تقدم ولا تؤخر، والتى لا تدل الا على رغبتهم فى بيع انفسهم لمن يشترى. فتصريحاتهم تقول انهم جاهزون للتحالف مع من يدفع اعلى سعر. كان الرئيس اوباما خلال حملته الانتخابية يرد على الاسئلة حول احتمال نجاحه الضعيف كرئيس أسود ، او حول شكوك البعض حول اغتياله، بان يقول: ان مثل هذه الاسئلة تصدر من اشخاص ارتضوا بالهزيمة قبل دخولهم المعركة. فدعونا نجعل محاولة التزويرللانتخابات القادمة صعبة ومريرة لدرجة تجعل من يجربها هذه المرة لا يقدم عليها مجددا، ولنبادر بتكوين جمعيات فى الاحياء والاندية ولنتطوع كمراقبين للانتخابات، ولنكوًن روابط ، ايا كان نوعها ، رابطة محبى الديمقراطية، رابطة الحكم الراشد، رابطة قوى المستقبل، رابطة ، ورابطة، ورابطة، ولنتسجل لمراقبة الانتخابات، ولنعرف صلاحبات المراقب ولنبدأ بمراجعة قانون الانتخابات، ومراقبة الحملة الانتخابية ، ومراقبة عملية التصويت وفرز الاصوات ، ثم بعد ذلك يمكننا ان نقول اننا عملنا ما بوسعنا ، ويجب علينا الا نرضى بان ننهزم دون معركة كما يجب الا نجعل خوفنا من خسران معركة يقعدنا عن خوض حرب نعرف انها طويلة وحتمية، فالديمقراطية لا تاتى فجاة لشعب قاعد. أبوبكر بشير الخليفة 12 يناير 2010