فى مقال تم نشره عام 2010 وقبيل انتخابات الرئاسة التى فرضتها اتفاقية السلام الشامل ، طالبنا المعارضة السودانية بالالتفات الى مشاكل الشعب والتوقف عن استجداء الصفقات من حكومة الرئيس البشير، خاصة وان معظم الاحزاب، آنذاك، كانت تطمح فى الحصول على مناصب، وكانت تحلم بان تتنازل لهم حكومة البشير عن بعض تلك المناصب لارضائهم. لقد طالبنا المعارضة وقتها باستغلال ادعاء الحكومة بانها حكومة توافق على العمل الحزبى، وتوافق على مبدأ الانتخابات، و لوازم الديمقراطية الاخرى، من حرية تعبير، وحرية تكوين احزاب، ليتجهوا الى الشعب، ليلتصقوا به، فى الاقاليم والارياف، ويخاطبونه لتنويره بخصوص الديمقراطية ومتطلباتها، والحرية، وحكم القانون، حتى يملك الشعب قضيته فى يده، ويتجه لانتزاع حقوقه الاساسية. لقد قلنا، فى ذلك الحين، فى المقال المشار اليه: ((معركتنا اليوم إنما هى مسيرة نحو الدستور، فالدستور لا يُكتب بمعزل عن عامة الشعب، وإنما يُكتب لتأسيس مكتسبات الشعب، ثم تعبيد الطريق لمواصلة المسيرة نحو مزيد من الحقوق وأول ما تبدأ به هذه المسيرة هو حشد السودانيين وراء مكتسبات الدستور الانتقالى، وتنويرهم بأهمية ممارسة الديمقراطية وبعث الأمل فيهم بامكانية تحقيق دولة تقوم على العدل والحرية، ثم تتصاعد هذه المسيرة لتشمل تقديم طعون حول قانون الانتخابات، ثم تتصاعد درجة أخرى لتقديم طعون فى المرشحين الذين نعرف عنهم ما يضعهم فى موضع مخالف لمنطوق قانون الانتخابات مثال ذلك يمكن أن نتقدم بطعون فى ترشيح أشخاص ينادون بشعارات قد تقوض الدستور أو تهدد وحدة البلاد. وأن نضع فى إعتبارنا تنوير وتدريب المواطنين على ممارسة الديمقراطية ، وفتح أعينهم على مستلزماتها، ثم يمكننا أيضاً أن نتسجل فرادى، وجماعات كمراقبين للانتخابات، علماً بأن مراقب الانتخابات لديه الحق الكامل لمراقبة تطبيق القانون فى الحملة الانتخابية، ويمكننا أن نعقد ندوات عن مخالفات الحملة الانتخابية، وأن نفتح بلاغات ضد المرشحين الذين يرفعون شعارات للتفريق بين الناس حسب دينهم أو معتقداتهم، واضعين في اعتبارنا إن هدفنا إنما هو وضع أسس صحيحة لممارسة الديمقراطية. فالشعب لا بد له من السير فى طريق الديمقراطية، وهو طريق لا يمكن اجتيازه بالقفز عبر محطاته، كما علمتنا التجارب وإنما يكون بقطع كل الخطوات المطلوبة واحدة واحدة)). هذا ما طالبنا به قبيل الانتخابات الفائته، وطبعا احزابنا لم تسمع منا، ولم تتجه الى الشعب لتطرح برامجها الانتخابية، ولقد كان واضحا، حينئذ، ان كل الاحزاب، دون استثناء، لم يكن لديها برنامج سياسى عملى وواقعى، وليس لديها قوائم اعضاء، بخلاف شلة من الطامحين فى الوظائف الدستورية ومخصصاتها، وهؤلاء لا يمكن الاعتماد عليهم فى العمل الحزبى الذى يقتضى التطوع للدعاية الانتخابية، وللعمل الشاق فى تجهيز مستلزمات الاتصال بالجماهير، من سفر فى قرى ومدن السودان، وعمل مرهق فى التجهيز للندوات السياسية، ومقاومة تسلط حكومة البشير التى كانت تستخدم اجهزة الامن والشرطة لتعطيل اى نشاط سياسى معارض وجاد. كنا قد اقترحنا عليهم ان يدخلوا الانتخابات من اجل التأسيس للممارسة الديمقراطية والا يتعللوا بمعرفتهم بنية الحزب الحاكم لتزوير الانتخابات، وقلنا لهم : ((كان الرئيس اوباما خلال حملته الانتخابية يرد على الأسئلة حول احتمال نجاحه الضعيف كرئيس أسود، أو حول شكوك البعض حول اغتياله بأن يقول: إن مثل هذه الاسئلة تصدر من أشخاص ارتضوا الهزيمة قبل دخولهم المعركة ، فدعونا نجعل محاولة التزوير للانتخابات القادمة صعبة ومريرة لدرجة تجعل من يجربها هذه المرة لا يقدم عليها مجدداً، ولنبادر بتكوين جمعيات فى الأحياء والأندية ولنتطوع كمراقبين للانتخابات، ولنكوًن روابط ، أياً كان نوعها ، رابطة محبى الديمقراطية، رابطة الحكم الراشد، رابطة قوى المستقبل، رابطة... ، ورابطة.....، ورابطة.....، ولنتسجل لمراقبة الانتخابات، ولنعرف صلاحبات المراقب ولنبدأ بمراجعة قانون الانتخابات، ومراقبة الحملة الانتخابية، ومراقبة عملية التصويت وفرز الأصوات، ثم بعد ذلك يمكننا أن نقول إننا عملنا ما بوسعنا، ويجب علينا ألا نرضى بأن ننهزم دون معركة كما يجب ألا نجعل خوفنا من خسران معركة يقعدنا عن خوض حرب نعرف إنها طويلة وحتمية، فالديمقراطية لا تأتى فجأة لشعب قاعد)). نعم، كان هذا عام 2010، ولقد مضى الآن معظم الوقت المتاح للمعارضة حتى تستيقظ وتهتم بالانتخابات القادمة. وها نحن نسمع الآن من اعضاء المؤتمر الوطنى بانهم قد يعمدون الى انتخابات مبكرة، فى حين ان المعارضة ما زالت تنتظر ان (تاتى اليها الامارة تجرجر اذيالها) على انغام انتصارات عسكرية يحرزها المتمردون فى النيل الازرق، ودارفور، وجنوب كردفان. وهذا فى حد ذاته عمل مخجل، ومستهجن، فمن الاجدى للمعارضة فى الشمال ان تجتهد للوصول الى اهداف المتمردين وان تقدمها لهم (تجرجر اذيالها فى سلام) ليوقفوا الحرب، ولعله من الواضح ان الواجب يحتم على الاحزاب التقليدية ان يجتهدوا فى العمل السياسى السلمى حتى يوفروا علي المتمردين التضحية بارواح المقاتلين من ابناء السودان. هكذا كان يجب ان يكون الوضع: السياسيون من امثال الصادق المهدى، والميرغنى، والترابى، والحزب الشيوعى، وغيرهم من الاحزاب الصغيرة، كان يجب ان يكون همهم الاول هو الحفاظ على ارواح المقاتلين الذين تمردوا، وذلك يجتهدوا هم فى المعارضة السلمية، ودفع ثمنها بالمال والتعب والاعتقال، بدلا عن الانتظار الى ان يموت الجنود فى القوات المسلحة، ويموت عدد من مقاتلين الحركات المتمردة من ابناء السودان، ويموت معهم عددا كبيرا من المواطنين فى القرى الآمنة فى البقاع التى يدور فيها القتال، وتضيع على السودان كل هذه الارواح، وتتعطل المدارس فى الارياف ويتشرد الاطفال، ويتعطل الانتاج الزراعى والحيوانى سنينا عددا، ثم ياتى هؤلاء السياسيون ليجدوا الحكومة الين راسا فتعطيهم مناصب دستورية ومخصصات ليستمتعوا بها، ويرفلوا فى نعيمها. الآن ما زالت هناك فرصة لكل احزاب المعراضة لتعمل وسط الجماهير عمل سياسى سلمى، فتعقد الندوات السياسية، لتحدث الناس حول برنامج سياسى عملى لاسترداد حقوقهم المهضومة، مثل حق العلاج، وحق تعليم الاطفال، وحق توفير فرص العمل، وحق مقاضاة المسئولين الحكوميين. فالشعب الذى اوهمته حكومة عمر البشير بانه يستمتع بالحرية، ما زال مكبلا بقيود حديدية جعلته يعيش مهموما بتوفير ثمن العلاج للاطفال والعجائز، وتوفير فرصة تعليم لاطفاله، وجعلت الشباب وكأنهم مجموعة شحادين ينتظرون من يعطيهم عملا يتكسبون منه ويساعدون به اسرهم المكدودة. الاحزاب المعارضة عليها ان تبدأ العمل، فتعقد مؤتمرات فى المدن والقرى لتبدأ بحصر عدد اعضائها، ولتضع برامج عملها، ليس لتحقيق كل احلام الشعب، وانما فقط لتخفيف وطأة الحياة اليومية على الشعب، ويجب ان توضح هذه البرامج كيف يمكن لهذه الاحزاب ان تحقق للمواطن، الذى انهكته المعاناة، ابسط حقوقه الاساسية، فلا يعيش مرعوبا من السلطة الحاكمة، ولا مهموما بمصاريف العلاج، ولا بمصاريف اطفال المدارس. كما يجب ان تشتمل برامج عملها على تصوّر واضح لحل مشاكل المتمردين، وان تدعوهم لوضع السلاح، وللمشاركة فى العمل السياسى المدنى. فالعنف لا يولد الا عنفا، وضياعا لارواح بريئة ومصالح واعمال تنتظر السلام ان يحل فى قرى الشرق والغرب والجنوب. نجدد الدعوة لاحزاب المعارضة لتأخذ العمل السياسى مأخذ الجد، والا ينتظروا الحكومة لتفوز فى الانتخابات الثانية ثم تتعطف عليهم وتدعوهم لمشاركتها وتعرض عليهم بعض المناصب الدستورية، كما حدث قبل فترة قصيرة، ورأينا كيف ارتضى السيدان الميرغنى والمهدى بالمشاركة التشريفية فى الحكومة، ثم لم نر سلاما ولا امنا ولا تنمية ولا حقوق. 9 ابريل 2012