منذ ان انهت اسبانيا احتلالها للصحراء الغربية عام 1975 ، وتكوين ما عرف بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب المعروفة بالاسبانية (البليساريو )فى مايو 1973 تعرضت المملكة المغربية لمحاولات التقسيم بخلق جمهورية متاخمة لها تحت اسم ( الجمهورية الصحراوية ). والمغرب الاقصى الذى ظل فضاءا مفتوحا - عبر التاريخ- منذ حكم الادارسة،والمرابطين، والموحدين وعصر بنى مرين وعصر السعديين ، حتى عصر العرش العلوى الذى بدأ حوالى 1659 م شمل مناطق حتى حدود موريتانيا الحالية ، وقد وضح هذا فى خطاب الملك الراحل محمد الخامس-أحد مؤسسى منظمة الوحدة الافريقية - فى 25 فبرائر 1958 قال فيه " أن ما يسعدنا أن يستقبلنا فى قرية المحاميد- التى هى باب الصحراء - أبناؤنا الذين استقبلوا جدنا فى قرية اخرى من الركيبات وتكنة ، وأولاد دليم ، وسواها من القبائل الشنجيطية، وأن نستمع اليهم ومعهم فقهاؤهم وادباؤهم ، وهم يؤكدون لنا ، كما أكد أباؤهم لجدنا تعلقهم بالعرش العلوى، واستمساكهم بعروة المغرب الوثقى التى لا انفصام لها، واننا نحى نفوسهم الابية ، وعزيماتهم القوية ، ورحب بهم فى وطنهم بين أهليهم، ونؤكد لهم بدورنا، وليبلغ منهم الشاهد منهم الغائب ، اننا سنواصل العمل بكل مافى وسعنا لاسترجاع صحرائنا، وكل ماهو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان ". و ظل المغرب بحكم موقعه الجغرافى الفريد عرضة لموجات التوسع الاستعمارى الاوروبى ..لتفرض فرنسا عليه الحماية منذ العقد الاول من القرن الماضى، بينما فرضت اسبانيا الجارة القريبة سيطرتها على اجزاء منها الصحراء الغربية ومدن ساحلية كسبته ومليلة. وحين اعلنت فرنسا استفلال موريتانيا فى 28 نوفمبر 1960م سعت الدبلوماسية المغربية للمحافظة على وحدتها الترابية حتى وصلت لدرجة مساندة الجامعة العربية لمطالب المغرب فى جلستها التى عقدت بلبنان فى 12 اغسطس 1960م..ولكن رغم الاطروحات التى تقدم بها المغرب استطاعت موريتانيا كسب عضوية الاممالمتحدة وكرست بذلك استقلالها ، وباعتلاء الراحل الحسن الثانى كان قد ايد حق موريتانيا فى تقرير مصيرها ثم تم الغاء الوزارة المكلفة بالشؤؤن الموريتانية والصحراوية فى 13ديسمبر 1963 م وانتهت القضية باعتراف المغرب بموريتانيا عام 1969 وتوقيع اتفاقية صداقة وحسن جوار بين البلدين، ولكن تصفية ملف موريتانيا لم يحل قضية الوحدة الترابية للمغرب ، فمنذ استقلال الجزائر عام 1962 انفجر الصراع بين المغرب والجزائر حول الحدود، لتظهر كما سبقت الاشارة مشكلة الصحراء الغربية التى كانت تحت سيطرة اسبانيا كما ظلت مدينتا سبته ومليلة حتى الآن. فى خضم الصراع بين الدولتين ، استطاعت الدبلوماسية الجزائرية النشطة انذاك تبنى قضية استقلال الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار وحق تقرير المصير . ليتم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية عام 1984 ، الامر الذى أدى لانسحاب المغرب من المحفل الافريقى .و ظلت القضية تراوح مكانها ..فهى غير معترف بها فى الاممالمتحدة التى بعثت بعثتها ( مينورسو) لتطبيق ماعرف بالاستفتاء المختلف حوله ، اذ ان البوليساريو التى تقيم فى احدى المعسكرات بالجزائر ترى حق المقيمين فى المعسكرات والبالغ عددهم حوالى التسعين ونيف هم من يحق لهم التصويت ، و يصر المغرب بأن سكان الصحراء الاصيليين مرتبطين بوطنهم الام...ويرى ان الصرف البذخى على بعثات الاممالمتحدة لا طائل من ورائه . و يبدو ان القيادة المغربية احست بامكانية اختراق أس المشكلة لعوامل عدة ، منها موت الزعيم التاريخى للبوليساريو المتشدد محمد عبد العزيز فى مايو2016 ومصادقة مجلس الامن بما يشبه الاجماع على ان تحكم المنطقة حكما ذاتيا اقرب للطرح المغربى .بدت الامور واضحة بالنسبة للمغرب ليتحرك للعودة للفضاء الافريقى ممثلا فى اتحاده. فى رسالة من الملك محمد السادس للقمة الافريقية 27 التى عقدت فى كيغالى عاصمة رواندا يوليو 2016 أبدى استعداد المغرب العودة للاتحاد الافريقى ودعا الى تجميد عضوية البوليساريو. وفى خطوة عملية حضر العاهل المغربى فعاليات القمة الافريقية الاخيرة مؤكدا مطالبة المغرب العودة لعضوية الاتحاد، وقد صوتت 39 دولة لصالح عودة المغرب من أصل 53 وامتنعت 10 دول عن التصويت بينما غابت 4 دول .والقى العاهل المغربى خطابا مؤثرا رحب فيه بابتهاجه للعودة للبيت الافريقى . وللعمل من اجل تنمية ورخاء دول افريقيا.... تمت الموافقة على عودة المغرب وسط جدل من 12 دولة من بينها الجزائر وجنوب افريقيا ونيجيريا وكينيا وانجولا عبرت فيه عن عدم استحقاق دولة تحتل اراضى الغير من نيل العضوية ، بيد ان الجزائر تحت قيادة رئيسها البراغماتى المخضرم بوتفليقة ابدت موافقتها الشفاهية بعودة المغرب دون اعتراضها على وجود الجمهورية الصحراوية ضمن اعضاء الاتحاد..وهذا عين ما أشار اليه مندوب الصحراء فى الاتحاد . والقراءة المتأنية للمشهد كله - فى رأيى 0يقوى من موقف المغرب لاسباب عدة منها :- ان المغرب بحكم وضعه الجغرافى المميز الذى يشاطىء البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسى وباعتباره ملتقى للقارتين اوروبا وافريقيا، وانفتاحه على الفضاءات المختلفة اصبح نموذجا للدولة العصرية المستقرة سياسيا والمتقدمة اقتصاديا ، فالمغرب الذى انتهج سياسات عقلانية غير متهورة كان من الداعيين للعرب الاعتراف باسرائيل والقبول بالتقسيم .الامر الذى رجع اليه العرب بعد قمتهم الداعية لما عرف الارض مقابل السلام .، والمغرب يعطى للعالم الافريقى والعربى نموذجا فى الحكم الديمقراطى النيابى ، تتراوح المنافسة فيه بين الاحزاب اليمينية واليسارية والمحافظة والليبرالية ، ويكفى القول بأن حزب العدالة والتنمية الاسلامى النزعة هو صاحب الاغلبية بعد ان كان الاتحاد الاشتراكى له قصب السبق من قبل ، وأخيرا اختير حبيب المالكى اليسارى رئيسا لمجلس النواب بينما يسعى حزب العدالة والتنمية الائتلاف مع التجمع الوطنى للاحرار ( ليبرالى ) وحزب التقدم والاشتراكية ( الشيوعى سابقا ) والحركة الشعبية ( المحافظ) .وهذه تطورات قلما تشهدها بلداننا فى افريقيا والشرق الاوسط ، من المعطيات التى ذكرتها يبدو منطقيا ومتمشيا مع طموحات عالمنا الافريقى القبول بمنح الصحراء حكما ذاتيا مرتبطا بالوطن الام ..فالاتحاد الافريقى لاتخدم اجندته خلق دويلات تشجع حالة التشرذم . و من الخير الا تبدد اموال الاممالمتحدة فى بعثة المينورسو..والمنطقة تحتاج لكل فلس من اجل التنمية التى تعتبر من اكبر التحديات !! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.