عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. موبايل/واتساب+249912261090 أقرب إلى القلب :
(1) من أحبّ الكُتاب العرب إلى قلبي الأستاذ "سمير عطا الله" . . يحبّبني إليه امتلاكه لشبكةٍ واسعة من الصداقات والعلاقات، فيها الوطيد العميق وفيها السطحي الخامل، ولكنها علاقات آخر الأمر، فيها ثمرٌ ثريٌّ وفاكهة إدّا. إلتقيته على أيامي في بيروت، لقاءات عابرة ، لكن هو ممّن يملك حضوراً لا يغيب عنك أن لا تلحظه، فيعجبك حديثه مثل كتابته، بصوته الرقيق وابتسامه الأرقّ. لو كتب في السياسة أو كتب في الأدب ، ستجد تلك البصمة الآسرة لقلمٍ له تميّز وخصوصية. . كتب في آخر عمودٍ له في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية بتاريخ 17 فبراير 2017، عن الشاعر اللبناني "شوقي أبي شقرا"، وشوقي هو عرّاب القصيدة النثرية، وسادن من سدنة مجلة "شعر" قصيرة العمر في أول الستينات من القرن الماضي. شُغِل "أبي شقرا" بقصيدة النثر الحرّة شُغلاَ كبيرا، وشغف بها الشغف كله، منذ أواخر الخمسينات. كنا نلتقي في منتديات بيروت تلكم الأيام، فيناكفه البعض أن كونه عاجز عن النظم التقليدي ، فيكتفي بابتسامةٍ ساخرة ، لا لكونه عاجز عن النظم التقليدي، بل لأنه يعرف أن فيهم من يريد استدراجه بعيداً عن سيطرته المطلقة على القصيدة النثرية، منذ أن كان يدير الملف الثقافي في صحيفة "النهار" أول عهدها مع صاحبها الرّاحل غسان تويني، قبل طلاقه من "النهار". إنه عبقريّ القصيدة النثرية بمجموعاته الشعرية غريبة العناوين ، مثل: "ماء إلى حصان العائلة" و "يتبع الساحر ويكسر السنابل راكضا" و "حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة" و "نوتيٌّ مزدهر القوام" وغيرها . . يقول صديقي الناقد اللبناني "سليمان بختي": ( يرفع شوقي أبي شقرا عمارته الشِعرية من حجارة مختلفة وبنسيجٍ مغايرٍ من مسامير الفلك حتى أعشاب العرزل..) (2) كان موضوع عمود الأستاذ سمير عطا الله، حول مناسبة نشر وصدور مذكرات "أبي شقرا" هذا الشهر، عن دار نلسن للنشر في بيروت، واللافت أن عدد صفحات كتاب "شوقي أبي شقرا يتذكّر"، تجاوزت الثمانمائة وأكثر. إنّ مسيرة أكثر من ستين عاماً مع الشعر لعرّاب القصيدة النثرية، لمسيرة طويلة تستحق أن نقف عندها إعجاباً واحتفاءاً. لكن ما اثار قلم عطا الله ، هو إشارة "شوقي أبي شقرا" بلغته البازخة والمغلفة سحراً وبهاءا، إلى علاقة عرف بها هو، كما عرفها "أبي شقرا" وعاشا عقابيلها معاً ، ولأن أطراف القصة هم من ساكني غابة الفردوس البيروتية ، فكذلك أثارتني سطور عطا الله ، وحرّكت فيا بعض شجون عن قصص سودانية شبيهة، قد أجول حولها بقية مقالي هذا. . (3) حدّث سمير عطا الله عن رغبةٍ راودته مرّات كثيرة عن عزمه كتابة سيرة السيدة "فيروز" مطربة العرب الأولى ، بل وسيرة "الرحابنة" وما أنجزوا في الساحة العربية، من فنٍ غنائي راقٍ وغير مسبوق. حسرة عطا الله بقيتْ في حلقه لأنه أدرك صعوبة الكتابة عن السيدة "فيروز" ، دون أن يحدّث عن الشاعر العاشق الراحل "أنسي الحاج" . كان عطا الله يدرك علاقة العاشق الشاعر ب"فيروز" ، ولكن من كان لا يعرف ، غيري وغيرك عزيزي القاريء؟ أنظر في السطور التالية التي اقتطفها الأستاذ عطا الله من كتاب "أبي شقرا يتذكر" ، عن ذلك الجانب من حياة صنوه الراحل "أنسي الحاج" : (.. وكان "الحاج" يُغالي في إعجابهِ وتستخفهُ فيروز بما عندها من امتدادية في الهالة، بل إنها تبثّ النشوة نحوها بحيث الكثيرون يقعون في هذه البئر العميقة من الجاذبية، وفي هذه الفجوة من الحرير، ويُمكن القول ما أحَيلى هذا الفخّ، وما أحَيلى أنْ يسقط فيه الإنسان، وأن تلفّهُ خيوطُ الشبكةِ الجميلة..) هكذا- يقول عطا الله- كان تولّه "أنسي الحاج" الدراميّ بشجرة القلب المعلقة: "فيروز". . ويزيدك إعجابه متسائلاً: " ما هذا الأسلوب الفائق في رواية ما لا يروى ، وما أرهف شاعرية "أبي شقرا" ومشاعره، وبأيّ طريقة تحدّث عن خصوماته وعن "غسان تويني". وكيف أعاد تلك الأيام مثل مُدوّن غريب مرّ بساحةِ الشِعر والقلم ولم يُدرك أحد أنه يُخبّيء تحت إبطه رفّاً من طيرِ البجَع.." (4) يُحاذر كلٌّ من صديقنا عطا الله والشاعر الكبير "شوقي أبي شقرا"، أن لا يخدشا غلاف "شجرة القلب المعلقة"، ولكنهما يدركان مقتضيات الشفافية المثمرة، قبل إدراكهما مقتضيات المجاملات الخاوية . . في تاريخ "أنسي الحاج" وقد رحل، مثلما في تاريخ سيدة الطرب العربيّ الأولى "فيروز" أطال الله عمرها، ما يستحق أن يدخل موسوعة الفن العربي، شعره وغنائياته. ذلك تاريخ لازم توثيقه فهو جزء من تاريخ المسيرة ، فقط أن يخرج في قالب موضوعي بلغة "الصراحة السحرية" كما اتبعها "أبي شقرا"، التي لن تخدش ولن تجرح. . (5) ربما لا أملك هنا تلك "الصراحة السحرية" التي تناول بها "أبي شقرا" قصة حبٍّ لم يخرج للضوء بين شاعرٍ كثيف الحضور في لبنان، ومطربة الشجن العربي الأولى. غير أنّي أعجب كيف لا نجد الشجاعة في وطننا المحتشد بالتنوع وبألوان الطيف، ثقافة ولغات وسحنات ، لأن نفصح بمثل تلك "الصراحة السحرية"، عن بعض قصص غابات الفن السودانية، وفيها العصافير التي غرّدت وأطربتنا، كما فيها الشعراء النوابغ الذين توغلوا بعواطفهم ومشاعرهم، توغّلاً جريئاً وتغنّى المطربون بما كتبوا ونظموا ، فرقّت مشاعرنا لهم وخفقت قلوبنا معهم. إنّ الساحة الفنية ، تحتشد بشعراء ومطربين ، عاشوا في السنوات الوسيطوة من القرن العشرين قصصا أنتجت كل هذا الكم الهائل من شعر "الحقيبة" وما تلاه من غناء في المرحلة "الوترية"، إن جاز التعبير الوصفي. ليس مقصدي التشهير ولا كشف الفضائحيات، بل من حقّ التاريخ الثقافي للبلاد، أن نسجل ونوثق تلك القصص النبيلة التي دار أكثر غناء السودان في تلك الفترة حولها. سمعنا تلك الإشارات الخجولة هنا أو هناك ، مما يحكي صديقنا الفنان محمد حسن "الجقر" أو ما يسرد صديقنا الأم درماني المعتق شوقي بدري، ولكن ذلك لا يكفي، إذ تنظر فترى الفجوات والثغرات ، فلا يستبين الحق من الباطل. . (6) لعل قصّة عشق للشاعر الرّاحل عبد الرحمن الريح لسيدة الغناء السوداني الراحلة آمنة خير الله – فيما سمعت- ممّا تستحق أن تروى، وظنّي أنّ فيها تأريخ لحقبة مرّ بها المجتمع السوداني يجب أن نوثق لها . في الصدور قصصٌ كثيرة، وما علينا إلا أن نستهدي بمثل ما حاوله الكاتب الكبير "سمير عطا الله"، ومثلما سما بنا "شوقي أبي شقرا" في "صراحته السحرية"، وهو يحدث عن سيدة الغناء العربي "فيروز" والشاعر اللبناني الراحل "أنسي الحاج"... الخرطوم – فبراير 2017 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.