في الأيام الماضية برزت عدة مؤشرات سياسية خارجية سيئة لا تصب في خانة وحدة السودان بأي حال من الأحوال ومنها على سبيل المثال لا الحصر قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بتحويل مكتب الحركة الشعبية في الولاياتالمتحدة إلى قنصلية على الرغم من وجود سفارة سودانية كبيرة في واشنطون يرأسها السفير الجنوبي جون أكويج! كذلك تم تداول أخبار سياسية مفادها عقد مؤتمر في جنوب أفريقيا بين الشريكين المتشاكسين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول التداعيات المرتقبة لانفصال جنوب السودان عن الشمال وتكوينه لدولة جنوبية مستقلة عاصمتها جوبا (بإفتراض حدوث ذلك)، وورد في الأخبار أن أهم القضايا العالقة التي تمت مناقشتها والتي قد تنذر بنشوب صراعات بين دولتي الشمال والجنوب هي اقتسام ديون السودان الخارجية التي تجاوت الثلاثين مليار واقتسام النفط وترسيم الحدود ، ولا شك أن هكذا مؤشرات سياسية خارجية تُوحي للسودانيين وللعالم الخارجي أن مسألة إنفصال الجنوب قد تقررت بالفعل بحكم الأمر الواقع وبقوة التيار الانفصالي في المؤتمر الوطني والتيار الانفصالي في الحركة الشعبية وأن إعلان انفصال الجنوب عن الشمال قد أصبح مسألة وقت فقط لا غير كما يُوحي ذلك بأن الحلقة الأولى من مسلسل تقسيم السودان قد تم بثها على المشاهدين السودانيين الوحدويين الغافلين عما يجري خلف الكواليس النيفاشية وأن مصير السودان سوف لن يختلف بأي حال من الأحوال عن مصير الهند إلى انقسمت لأسباب عرقية ودينية بعد عام 1947 إلى ثلاث دول مستقلة هي الهند وباكستان وبنغلاديش بعد نشوب حروب أهلية عنيفة تبعتها توترات سياسية قوية ما زالت آثارها قائمة حتى تاريخ اليوم! كذلك فقد برزت عدة مؤشرات إنفصالية داخلية سيئة تنبيء عن المصير المظلم الذي أصبح يهدد وحدة السودان بصورة واضحة ومكشوفة ومنها على سبيل المثال لا الحصر الخطوات والتقريعات الاستفزازية من قبل بعض ممثلي المؤتمر الوطني بأغلبيتهم الميكانيكية المعينة التي ترفع شعار "العاجبو عاجبو والما عاجبو يحلق حواجبو" والإنسحابات من البرلمان والعودة إليه من قبل ممثلي الحركة الشعبية عند مناقشة قانون الاستفتاء الجنوبي وذلك على طريقة الخلافات الزوجية المحتدمة التي تزعج أهل البيت والجيران وتنتهي بدفع رضوات وإصدار تعهدات مؤقتة تضفي نوع من السلام الهش المشوب باستعدادات خفية لجولة أخرى من المواجهات الحتمية! أما على المستوى الشعبي فهناك عدة مؤشرات شعبية تشير إلى أن مؤشر إنعدام الثقة قد ارتفع بصورة كبيرة بين بعض الشماليين والجنوبيين ، ولعل ذلك الحوار الذي دار بين أحد الشماليين الوحدويين وأحد الانفصاليين الجنوبيين يكشف جانباً من ذلك ، ففي خلال اليومين الماضيين وفي سياق المجاملة بقدوم أعياد الميلاد قام أحد الشماليين الوحدويين بمباركة عيد الميلاد المجيد لأحد الجنوبيين المسيحيين ثم دار نقاش حوال واقع التعايش السلمي القديم بين المسلمين والمسيحيين في السودان وكيف أن مسلمي ومسيحي السودان يأخذون نفس الإجازات الدينية دون أي تمييز بخلاف ما يجري في معظم الدول العربية وأن ذلك النهج التسامحي لم يتأثر مطلقاً حتى إبان احتدام الحرب الأهلية في جنوب السودان التي يعتقد معظم الجنوبيين أنها نشبت بسبب رغبة الحكومة الشمالية في أسلمة وتعريب الجنوب، عندها رد الجنوبي الانفصالي بما يفيد أن كل العرب يفتخرون بأن الجزائر المسلمة هي بلد المليون شهيد لأنها قدمت مليون شهيد في سبيل انتزاع الاستقلال من فرنسا المسيحية فكيف لا يستقل الجنوب المسيحي واللاديني عن الشمال المسلم وقد قدم الجنوب مليوني شهيد؟! أم هل هناك تفرقة عنصرية بين الشهداء العرب والشهداء الأفارقة؟! وعلى أي حال ، ورغم تكاثر النعرات الانفصالية القبيحة داخل السودان وخارجه ، فإننا لا نملك في الوقت الراهن إلا أن نمارس أضعف الإيمان السياسي وندعو الله بقولنا: الله يكضب الشينة وليبقى السودان بجنوبه وشماله ووسطه وشرقه وغربه دولة واحدة موحدة بلا مناطق أو حدود مقفولة وليظل السودان القديم هو السودان الجديد بنفس حدوده وسكانه رغم أنف الانفصاليين الشماليين والجنوبيين الذين يجتهدون بشتى الوسائل والسبل لتجزئة السودان ، ذلك البلد الكبير الجميل ، وتحويله إلى دويلات صغيرة متناحرة لا حول لها ولا قوة! فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر