عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان امام الخيارات الصعبة .. بقلم: يوهانس موسي فوك
نشر في سودانيل يوم 09 - 04 - 2017

بادي ذي بدء، لامناص من التاكيد علي ان جمهورية جنوب السودان اصبحت علي حافة الهاوية لاسيما بعد "احداث يوليو" الدامية والتي ضربت بعرض الحائط افاق كل المصالحة الوطنية و تسلل من خلالها الضمور السياسي في شتي صنوف الحياة. كانت كل الامال معلقة علي "اتفاقية حل اللازمة بجمهورية جنوب السودان" بمبادرة من دول الهئية الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف المعروفة ب"الايقاد" والموقعة في اغسطس 2015 في كل من اديس ابابا وجوبا علي التوالي. إذ نالت الوثيقة الاهمية القصوي بعد الاجماع الوطني بتوقيع اربع اطراف معرفون فيها كاصحاب المصلحة، وهم، الحكومة برئاسة الجنرال سلفاكير مياديت، الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (في المعارضة) برئاسة الدكتور ريك مشار تينج ، المعتقلين السياسيين السابقين برئاسة فاقان اموم اوكيج والاحزاب السياسية برئاسة الدكتور لام اكول اجاوين.
ولكن رغم هذا الاجماع الوطني، كانت هنالك جهات تحاول التاثير علي مجريات تنفيذ الاتفاقية بطريقة تخدم مصالحها مما تسببت في انهيارها لاحقا، وهذه الجهات تشكلت في بوتقة ثالوث خبيث تعمل علي فرض تصوراتها بغرض تغيير مسار الاتفاقية لصالح فئه معينة ضد معسكر المعارضة المسلحة، وبالتحديد ضد الدكتور ريك مشار تينج الذي ثبت بما لا يدع مجالا للشك بانه كان الحجر الذي رفضه البناءون.
من هو الثالوث الخبيث؟
احد اضلاع هذا الثالوث هى الحكومة الحالية، و التي عبرت عن تحفظاتها فى الاتفاقية علي لسان الرئيس سلفاكير ميارديت في عدة مناسبات محلية ودولية، ولعل رفض سلفاكير التوقيع علي الاتفاقية في اديس ابابا يوم 17 اغسطس 2015 - ويوقع في جوبا لاحقا يوم 26 اغسطس- خير دليل علي عدم رضاء حكومته بمضمون وبنود الاتفاقية. واشتكى لدى مخاطبته الحضور في حفل التوقيع بجوبا، من عدم "السماح لحكومته في إدخال تعديلات على مسودة اتفاقية السلام بينما أتيحت فرصة ذلك للمعارضين"، واستعار سلفاكير مقولة الرئيس السوداني الاسبق جعفر النميري بالقول،"ان الاتفاقية ليست قراناً ولا انجيلاً حتي لا يتم مراجعتها".
ولكن مشاهد التامر علي الاتفاقية تبينت بوضوح في الاجراءات التي صاحبت عودة الدكتور ريك مشار الي جوبا بعد السلام، حيث سببت التأجيلات المتكررة لعودته نوبة من المشاعر المحبطة لشريحة كبيرة من مواطني جنوب السودان خصوصا القاطنين مدينة جوبا الذين علقوا أمالهم في التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام. وقد عمدت الحكومة في إعاقة عودة مشار بسبب رفضها (الحكومة) تحرير تصريح هبوط طائرة الاخير والوفد المرافق له بسبب ما سمتها "حجم تسليح الحراسة" ... وبعد تفاوض الطرفين فشلت كل الجهود والمحاولات الحثيثة لمعالجة الخلاف، الي ان تدخلت مفوضية التقييم والمراقبة المعروفة باسم (جيمك) وهي جهة رقابية نصت عليها اتفاقية السلام ويرأسها الرئيس البتسواني السابق فيستوس موقاي، الذي عرض اتفاق يتضمن صيغة توافقية.
اما ابرز الاحداث التي تسببت بانهيار الاتفاقية كانت في 2 يوليو 2016 حينما دعي الدكتور ريك مشار الي الكنيسة الكاثوليكية لحضور مراسم زواج ابنة الرئيس سلفاكير، بل اسند علي مشار مسوؤلية اب العروسة ليرسم الرئيس ونائبه بهذه المناسبة صورة مبعث للتفاول في اوساط الشعب، ويرفع سقف موجة المشاعر العارمة بمشاهد كير ومشار في سدرة التوافق علي قلب رجل واحد. ولكن الواقع الاليم لعلاقة الرجلين كان مغاير لما حدث داخل وخارج الكنيسة، ففي الوقت الذي كان الرئيس ونائبه يخلقون اوضاع تفاولية في المناسبة العائلية كانت ايادي الحكومة –في نفس التوقيت - تمسك بسلاح خبيث لينثر به بذور الفتنة في مشهد اخر اكثر احباطاً. كانت القصة هي ان احد القيادات العسكرية للحركة الشعبية والجيش الشعبي في المعارضة ويدعي المقدم/جورج قسم الله الذي ينحدر من قبائل الاستوائية، خرج في زيارة عائلية يوم الاحد الي والدته بحي اطلع برة وسط العاصمة عندما هاجمه عناصر إستخبارات الجيش الحكومي أمام حشد من المواطنين في سوق شعبي (سوق ستة) وتم إطلاق النار عليه بشكل متعمد الي ان سقط علي الأرض ومن ثم اقتيد الي مكان مجهول. تزامنا مع اغتيال ضابط آخر برتبة الملازم أول: يدعى/ دوماج كوات المنحدر من قبائل النوير. وبعد بحث طويل تم العثور علي جثتيهما في مستشفي جوبا التعليمي في اليوم التالي. واشد ما اثار استغراب الجميع تزامن هذه الاحداث مع المناسبة السعيدة للرئيس ونائبه بالتوقيت.
وفي احداث متصلة، يوم 7 يوليو 2016 قامت القوات الحكومية تحت امر الرئيس بخلق حواجز أمنية علي الطرق الرئيسية دون إخطار قوات المعارضة التي تشاركها في السلطة .. وفي السابعة مساءً بينما كانت قوة صغيرة من أفراد حراسة الدكتور مشار عائدا من المكتب بعد تقديم وجبة العشاء للأفراد المرابطة في المكتب ليلا في طريقهم الي حي "جبل" حيث يقيم النائب الأول، قامت قوات الرئيس بإيقافهم في بوابة "قوديلي"...ورغم أن حراس مشار اثبتوا هويتهم إلا أن افراد قوات الرئيس سلفاكير تعمدوا عدم الاعتراف بهوياتهم. بل طلبوا منهم الامتثال لاجراءت التفتيش. وقته لم يتفاهم الطرفين فتبادلوا اطلاق النار قتل فيه خمسة من القوات الموالية للرئيس سلفاكير.
هذه الاشتباكات شكلت ضربة موجعة لانصار الجنرال سلفاكير الذي سارع هو الاخر بالدعوة لاجتماع رئاسي عاجل يوم الجمعة الموافق 8 يوليو 2016 حضره نائبيه الدكتور ريك مشار تينج والسيد جيمس واني ايقا لمناقشة التداعيات الأمنية الأخيرة. وعندما كان الاجتماع منعقد في القصر الجمهوري قامت مجموعة من القوات الحكومية بإطلاق النار علي المقدم/ ريو مانقويت الذي كان يتهمه جنود الرئيس بمقتل زملائهم في حادثة "حاجز الطريق" بشكل عشوائي، فرد القوي الاخري عليهم ليختلط الحابل بالنابل امام القصر. مات في هذه الاشتباكات أكثر من 300 فرد من الطرفين. وبتسلسل هذه الاحداث انفجرت الاوضاع ولم يلتقي الرجلين (كير مشار) ليومنا هذا.
الطرف الثاني في الثالوث هو تعبان دينق قاي. هذا الرجل الذي سبق ان وصفته في كتابي "موقعة القصر الجمهوري" بانه معركة متحركة اينما حل ورحل، كان يقود معركة اخري هي معركة وزارة النفط داخل المعارضة. وكان طموح تعبان ان يصبح وزيرا للنفط يقابله سعيه المجنون للسيطرة علي الثروة والامكانيات المادية للمعارضة بهدف استخدامها ضد الدكتور مشار وسحب بساط القيادة منه شيئا فشيئا لفرض نفوسه في المستقبل علي راس الحزب بحسب اوهامه. ومن حسن حظه تاخر الدكتور مشار باتخاذ القرارات الحاسمة في التوقيت المناسب بعد ان تاكد ان صديقه تعبان دينق يستغله للصعود الي مقعد الزعامة ، إذ لم ياخذ بالمثل الصيني القائل، " لاتتخذ تمساحا صديقا وان سالت منه الدموع" .. فبعد ان قدم تعبان دينق استقالته من رئاسة وفد التفاوض بعد تعينه وزيرا للمعادن، قرر دينق كذلك عدم حضور اي اجتماع لكتلة وزراء المعارضة التي يتراسها مشار، وتعمد الصمت في جلسات مجلس الوزراء التي كانت تشهد مشادات كلامية بين وزراء الحكومة والمعارضة حول القضايا العالقة في اتفاقية السلام، وكانه وزير مستقل. وقته كان يرسل معلومات مغلوطة للسفارة الامريكية عن نشاطات المعارضة من جهة، ومن جهة اخري يتامر مع الرئيس سلفاكير ضد مشار انتقاما لعدم نيله وزارة النفط عوضا عن وزارة المعادن التي بحوزته رغم خروج بعض قيادات الحركة في المعارضة من محاصصة توزيع الحقائب الوزارية خالي الوفاض، بمن فيهم نظيره السابق في مفاوضات السلام لدي الجانب الاخر نيال دينق نيال الذي اكتفي بمنصب المستشار.
اما ثالثة الاثافي فهي ادارة الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما وادواتها في الاقليم والمتمثلة في بعض دول الايقاد (كينيا واوغندا). كانت الادارة السابقة لا تري في شخصية الدكتور مشار رجل امريكا، ولذلك سعت لتبديله برجل اخر من المعارضة، ولسؤ حظ الادارة الامريكية كان اختيارها في تعبان دينق المنبوز وسط المعارضة سببا اخر لتوسع الحرب الي اقليم الاستوائية. وما يدعم فرضية تامر الادارة الامريكية السابقة مع الحكومة وتعبان دينق هو الموقف الامريكي الذي اعلنه وزير خارجيته في العاصمة الكينية نيروبي والذي جاء مخالفا لمقررات دول الايقاد وتوصيات الاتحاد الافريقي، الا ان الموقف الامريكي الذي كان موجه ضد المعارضة فرض وضعية جديدة لم تتفق الا مع تطلعات تعبان دينق ومساعي سلفاكير.
ورغم بزوغ فجر التامر علي مشار كان يرافق هذا الشروق معجزات إلهية بسبب ثلاث عوامل لعل اولها الارادة الالهية التي انقذت الدكتور مشار بعد ان اعد له ثالوث الشر منصات الاحتفال بمقتله في ادغال الاستوائية. وثاني هذه العوامل هي قوات المعارضة الباسلة التي اثبتت كفاءه نادرة علي المستوي العالمي رغم قلة امكانياتها في التسليح، استطاعوا بشجاع وبسالة الدفاع عن زعيمهم في مهمة شبه انتحارية نفذت بنجاح. والعامل الاخير هو الموقف الاممي تجاه القضية، وسيكتب التاريخ بان اول قائد للتمرد يتم الدفاع عنه من قبل الامم المتحدة وبقرار من امينها العام هو الدكتور ريك مشار.. في الايام الاخير من سلسلة المطاردة التي استمرت زهاء اربعين يوما ابتداءً من جوبا وانتهاءً الي جبال الكنغو، ارسلت الامم المتحدة طائرات الهيليكوبتر لانقاذ مشار بعد ان نفذ لديه كل شي، وقامت باجلائه الي اماكن امنة في مشاهد وثقت لها كاميرات الجنود الذين قاموا بتنفيذ المهمة.
الخيارات الصعبة
بعد تطبيق الفكرة الخبيثة "اقصاء مشار" والتي اثبتت الاحداث الاخيرة فشلها، اصبح السؤال والذي يقفز لذهن كل متابع لشان جنوب السودان – سوا كان مع او ضد الحكومة – هو، اين تذهب جنوب السودان الان؟؟ هل هناك حكومة في جوبا مدركة بجسامة مسؤولياتها تجاه الشعب الذين اصبح اغلبهم إما نازحين داخل مخيمات الامم المتحدة او لاجئين في دول الجوار؟؟
لا يستطيع اي مراقب ان يمنع نفسه من الاستنتاج بان الحكومة الحالية التي تدعي تنفيذ اتفاقية اغسطس 2015 رغم انهيار الاخير في يوليو 2016، قد باتت العقبة الحقيقية امام اي خيار لانهاء هذه الازمة السياسية بعد ان تملكتها الشعور - لاسيما بعد اقصاء مشار - بالانتصار والانفراد بالسلطة. وبالتالي يمكننا القول بان الوضع الحالي يشي بثلاث خيارات يحتم اطراف الحرب للمثول امام عواقبها، وفيما يلي السيناريهوهات المحتملة:
صحيح ان الاتفاقية فقدت اهميتها بعد اقصاء الاطراف الموقعة لها، ولكن الخيار الاكثر واقعية لمسالة جنوب السودان تكمن في الرجوع اليها (الاتفاقية) ومراجعة القضايا العالقة بدلا من خلق منبر جديد للحوار. فان المبادرة التي تسعي الاتحاد الافريقي بالتعاون مع الامم المتحدة لاطلاقها قادرة علي اجبار الطرفين للعودة بالاوضاع الي ما قبل يوليو2016 بعد نشر قوات دولية علي الارض.
الخيار الثاني هو استمرار الوضع علي ما هو عليه الان، وهذا يعني استمرار القتال كخيار الحسم. وبطبيعة الحال ستستمر الحكومة في بذر الاموال القليلة التي تجنيها من عائدات البترول في شراء ذمم بعض الدول او بالاحري التاثير مادياً علي قادتها النافزين في توجيه مواقف حكوماتهم لصالح جوبا، فيما سيستمر هدر بقية الاموال في التسلح ودعم الحرب التي لن تجني منها الشعب سوي الويل والعويل. وفي المقابل، سينتشر رقعة التمرد في البلاد بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية والتي قد تجبر المثات من الشباب علي حمل السلاح والدفاع عن زويهم، لان السلطة السياسية الحاكمة في جنوب السودان لم تتوقف يوما عن سياستها الجهوية القائمة علي تهجير القبائل من غير الدينكا، علي ان تستحوز قبيلة الرئيس علي امتيازات الدولة بمافيها اراضي الغير. ورغم ان بعض افراد قبيلة الدينكا لا يويدون هذا المنحي الخطير الا ان حكومة الرئيس سلفاكير مستفيدة من صمتهم لصالح اجندات سياسية. واذا اضفنا الي الوصف الدقيق - حسبما ورد في خطاب بعض اعضاء الكونقرس الامريكي الي الرئيس دونالد ترمب - عن وضعية الرئيس سلفاكير في جنوب السودان، والذي قالوا فيه، "...يمكننا وعلينا أن ندعم المؤسسة الحكومية الضعيفة في هذا البلد الفاشل. ولا يوجد في الوقت الحالي أي هيكل أو قيادة للتحكم في الجيش الوطني... فإن بعض الخبراء سوف يخبركم بأن الرئيس سالفا كير قد انتقل إلى مركز أقرب إلى كونه عمدة جوبا"، فانه يتضح جلياً لكل من يتابع الاحداث بان جمهورية جنوب السودان التي لا تتجاوز صلاحيات سلطاتها العاصمة جوبا، باتت امام اسوا الخيارات بسبب غياب الارادة السياسية للخروج من الفشل الذي لم يعد تجاهله ممكناً. لذا يمكن القول بلا حرج او مبالغة ان هذا الوضع سيقودنا حتما الي السيناريو التالي:
حتي الان، الحكومة والمعارضة رغم فزاعة الحرب لا تزال مواقفهما حول الوحدة وسيادة الدولة متفقة. ولكن مع تضييق الحكومة علي خيارات السلام كل يوم، اعتقد ان الامور ستخرج عن سيطرتهما لاحقاً لاسيما في حالة غياب اي عملية سياسية لتغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة في الوقت الراهن. وما يدعم هذه الفرضية هو طفوح بعض اراء مثقفي الاستوائية الكبري الي السطح، مهددين باستقلال الاقليم عن جنوب السودان في حالة عدم حدوث اي تغيير علي سياسات الحكومة التي تقتل الانسجام يومياً. ويعلم الجميع ان اقليم الاستوائية منذ القدم يمتلك ارضية شعبية كبيرة لصناعة الثورات وتشكيل المواقف التي تبنتها الجنوبيون بشكل واسع في اوقات لاحقة، لعل ابرز هذه المواقف هي الثورة ضد الشمال والتي انطلقت من مدينة توريت عام 1955، ثم مطلب الحكم الذاتي، يليه تقسيم جنوب السودان الي ثلاث اقاليم في سياسة محسوب علي قادة الاستوائية عرف وقتها ب"كوكورو"، والحكم الفيترالي الذي طالب به حكومات الولايات الاستوائية بعد استقلال جنوب السودان، وتبنتها الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (في المعارضة) في مؤتمرها الاولي بمدينة ناصر ليصبح لاحقاً احد مواقفها التفاوضية مع الحكومة في اديس ابابا، الي ان تبنتها "الايقاد" وعرفها في الاتفاقية علي انه مطلب شعبي في جنوب السودان. واذا ما اخذنا في الاعتبار ان الحرب الدائرة حاليا قد مزقت العلاقات الاجتماعية بين مكونات شعب الاقاليم الثلاث (الاستوائية، اعالي النيل وبحر الغزال)، فان الوحدة الوطنية القائمة علي التنوع سيصبح مهددة بسبب اطماع رجل واحد نصب نفسه ممثلا لقبيلة الدينكا في القصر الجمهوري رافضا كل المحاولات الحثيثة لاجباره علي ارتداء الزي القومي. وما اخشاه في هذه المعادلة هو انتقال عدوي التقسيم علي اساس الاقليم الي اعالي النيل وان يتبناه مثقفوهذا الاقليم ويصبح مطلبا شعبياً لاسيما في اوساط قبائل النوير والشلك.
صفوة القول: ان تأمر الثالوث الخبيث علي اتفاقية اغسطس 2015 هو بمثابة تدمير شامل لمستقبل هذه الدولة التي ولدت علي انقاض اقليم لم يعرف له التاريخ اي ارث سياسي غير انظمة قبلية كانت سائدة منذ الخليقة، وتفاقمت ظروفه مع قيام ثورة تصيحية امتدت منذ عام 1955 الي 2005 شهدت فيها جنوب السودان اشد انواع الحروب والاقتتال الي ان توج بميلاد دولة مستقلة عام 2011. وبطبيعة الحال بات من الممكن الان حدوث شرخاً في العملية السياسية بعد دخول لاعب جديد هو الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ورغم اننا لا نستطيع التنبيه بما سيقوم به ترامب الا ان قراراته المحتملة عن جنوب السودان لن تكون بعيدة عن الخيار الاول الذي سلفت الاشارة اليه. لان فكرة اقصاء اهم طرف في معادلة السلام، واقصد هنا الدكتور ريك مشار تينج، كانت (كيرية) بمعني ان الفكرة كانت من بدعة (كير"الرئيس" وكيري "السكرتير") وهي لا تتفق مع الاستراتيجية الامريكية في جنوب السودان والتي تدعم امن واستقرار الدولة الامريكية الصنع، وفقا للمراقبين. ولكن اشد ما يثير استغرابي حتي الان هو موقف الرئيس البتسواني السابق ورئيس مفوضية مراقبة وتقييم الاتفاقية السيد فيستوس موغاي الذي مازال يزعم ان الاتفاقية حية رغم انتشار العنف بوتيرة اكثر ضراوة من ذي قبل. والتفسير الذي قد يكون منطقياً وراء هذا الادعاء هو ان السيد موغاي ينطق بلسان الدول الاقليمية التي عينته في هذا المنصب. وان دل هذا علي شي فانه يدل علي ان الصراع سيستمر بين الفرقاء الجنوبيين من جهة، وبين الدول الاقليمية التي تساند سلفاكير، مع المجتمع الدولي الذي يسعي لاعادة الحياة علي الاتفاقية التي قتلت من جهة اخري، لان دول الجوار تخشي من نموزج جنوب السودان من ان يفتح الباب علي مصراعيه امام ظهور دعوات لمعالجة قضاياهم الداخلية مع معارضيهم بنفس الطريقة اذا نجحت. وبالتالي اصبح جنوب السودان امام خيارات صعبة لا احد يستطيع التنبو بما سيحدث في الاشهر القليلة القادمة الي ان تاتينا المعجزة من السماء.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.