تتفجر الثورات عندما يزداد وعى الجماهير بقضاياها وعند اشتداد الازمة تنحاز إلى مصالحها. و انحياز الجماهير له القدح المعلى فى نجاح أو فشل الثورات الذى يتوقف على مدى نهوض الحركة الجماهيرية وتصاعد سقف مطالبها فيما حسمت امرها فيه. و من المؤكد ان الثورات و الانتفاضات لا تقوم بها قطاعات او قوى معينه نيابة عن الجماهير، غير ان طليعتها المنظمة تساهم بلا شك فى قيادة و تنظيم الجماهير لهدفها . و منذ بداية عهد الإسلامويين فقدت قوى التغيير قطاعات منظمة و مهمة كالنقابات و الاتحادات و المنظمات التى تم إلغاء دور معظمها بعد تحطيم الخدمة المدنية و بيع القطاع العام او تحييد بعض الكيانات المؤثرة كالمعلمين و الأطباء و المهندسين و غيرهم عن طريق قوانين لامركزية مشوهة . و بذلك أصبحت القوى و التنظيمات السياسية بشقيها هى القوى المنظمة الوحيدة التى خارج سيطرة النظام ، إلا أن تلك القوى وحدها لا تستطيع إنجاز الثورة حيث لا بد من مشاركة و استقطاب قطاع واسع من الجماهير لصفها . و تزداد الحاجة لحجم و اتساع حركة الجماهير كلما زاد بطش و وحشية النظام الدكتاتوري ، و يسمى ذلك فى علم الثورات باختلال ميزان القوى و ميله لصالح قوى الثورة . و هنا بالضبط تتجلى أزمة القوى المعارضة فى حسم صراعها مع النظام و احداث التغيير حيث أن اختلال ميزان القوى لم يأتِى إلى صالحها بعد . و لا يرجع رجحان ميزان القوى لصالح التنظيمات المعارضة لقوة و تماسك النظام الحالى او درجة قبوله او حتى قوة سيطرتة على الجانب الاعلامى كما يتخيل للبعض، انما يرجع الامر فى مجملة لوقوف الجماهير فى المنطقة الرمادية اى موقفا مراقبا كأن الامر لا يعنيها . و قد يعده البعض موقفا سلبياً و اغترابا عن الواقع من الجماهير و لكنه فى واقع الامر ليس بهذا التبسيط , غير ان وقوف الجماهير العريضة و الغير منظمة فى المنطقة الرمادية كما أسميناها فى حقيقة الامر يعد من أبرز أزمات العمل المعارض والذى شل قواها من أحداث تغيير فى ميزان القوى لصالحها . و من أوضح تجليات تلك الأزمة المتراكمة هى أزمة عدم ثقة الجماهير العريضة فى امتلاك القوى و التنظيمات السياسيّة الإرادة للانحياز لقضاياها و بالتالي تحقيق مصالحها . و الجماهير بحسها العالى تراقب أداء التنظيمات السياسية و ما تطرحه من قضايا و مدى ارتباط ذلك بتطلعاتها ، فى الوقت الذى تقيم فيه مدى اتساق سلوك قيادات تلك التنظيمات مع مواقفها المعلنة فى سوح الصراع السياسى . و تعود أزمة الثقة بين القوى المعارضة بشقيها السياسي و العسكري و بين الجماهير العريضة والغير منتمية إلى الخلط و الضبابية المتعمدة بين المسائل التكتيكية و المبدئية فى الصراع مع النظام القائم . الأمر الذى أدى الى اختصار تطلعات الجماهير فى الطموحات الحزبية ، و تعامل القوى المعارضة مع قضايا و مصالح الجماهير من موقع حزبنا يرى و حزبنا قرّر دونما إحترام للتطلعات و العهود التى قطعتها للقوى الصامته . كيف تنحاز الجماهير و ترجح ميزان القوى وتستجيب لدعوات القوى السياسية ؟ و هى ترى من وعدهم بالاقتلاع من الجذور أشرك ابنائة و حزبة فى الحكم بعد ان استلم خراجه كأن الامر كله كان يدور حول امواله ، و كيف تراهن الجماهير على من خرج بتهتدون و عاد متفقا من جيبوتى بتفلحون ؟, و كيف تستمع لك الجماهير لدعوات الانتفاضة المحمية ؟ و من دعاهم عاد و جلس فى برلمان النظام كخيال المآتة و دعى صقور النظام لمؤتمره ، و كيف لمن خرج دفاعا عن ظلامات المركز و قوانينة يأتى بعد اتفاقيات نيفاشا و يبصم بالعشرة على القوانين التى يحيكها الشريك بليل , و اخيرا و ليس آخراً فى سيل التساؤلات المريرة فى مسرح العبث ذلك الذى يطلب ان تنحاز الجماهير لدعوات حركات الهامش التى تفتت كأنقسام خلايا الاميبا ثم تنطلق لتوقيع الاتفاقيات مع النظام اكثر من توقيع بيانات الاتفاق على برنامج جدى يجمعها للقضاء على النظام . و الأسوأ من كل ذلك عندما تكتشف القوى المعارضة بشقيها أخطائها و سوء تقديراتها تتسامى على الاعتذار و فى أفضل الأحوال تلجأ للتبريرات العقيمة و تعد الجماهير فقط كأرقام حاصل ضربها صفراً فى حسابات القوى المعارضة ، لكنهم غافلون. و لم تتوقف أزمة القوى المعارضة عند الثقة فى تنظيماتها ، انما امتد ذلك لعدم الثقة فى قياداتها التى تتصدر العمل الحزبى و المعارض , و التى يفترض فيها ان تكون ملهمة لتلك الجماهير و لكن بدلاً عن ذلك أصبحت محل تندر و سخرية لتقديم مصالحها الشخصية عن قضايا مصالح الجماهير. حيث هناك من تجدهم قد تماهو مع السلطة و سياساتها لمصالحهم ، و من لعقوا خطبهم النارية و أصبحوا المتحدثين بإسم االسلطة لتى كالوا عليها كل عبارات السوء، غير الذين شاركوا بمهام هامشية فيها . و لم تتوقف ازمة الثقة فى التنظيمات السياسية و قياداتها ، انما امتدت فيما ما تطرحه القوى السياسية إجمالا سواء فى برامج و أهداف خاصة بكل تنظيم أو فى برامج التحالفات و العمل المشترك . والامر الذى اصاب الجماهير فى مقتل رؤيتها للاتفاقات و المواثيق بين القوى المعارضة بشقيها التى لم يجف مدادها لم تحترم و يضرب بها عرض الحائط فى أحسن الأحوال او ذمها و التبرؤ منها فى أسوئها. و من مظاهر ذلك ليس فشل التنظيمات المعارضة فى الاتفاق على كيفية إدارة الدولة السودانية ، انما فشل التنظيمات السياسية سواء التى تنتهج العمل السلمى ام المسلح على الاتفاق على برنامج حد أدنى للإطاحة بنظام الإسلامويين . الامر الذى قاد إلى تشتت الحركة الجماهيرية و توجسها من اعادة تجربتي أكتوبر و ابريل اللتان أفضتا الى لا شىء رغم التضحيات و الآمال التى بنتها بسبب عبث التنظيمات السياسية طفولية قياداتها . مما ادى الى وقوف الحركة الجماهيرية فى المنطقة الرمادية و عزز من يغينها بعدم التقدم قيد أنمله لترجيح كفة القوى المعارضة . ليس هناك من مجال امام القوى المعارضة الا التصالح مع الجماهير و ليس توعيتها لانها واعية بمصالحها اقناعها بأنها قادرة على تلبية مصالحها , و ذلك بطرح قضاياها بمبدئية و بعيدا التكتيات السياسية و المصالح الحزبية والنضال من اجلها باستقامة و تقديم القيادات القادرة على التواصل مع الجماهير و الوصول لارضية مشتركة بين القوى السياسية لتغيير النطام وأنتشال الوطن من وهدته المظلمة بعيداً عن المناورات السياسية . حسين محى الدين عثمان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.